المقالات
خروج الهند”: قراءة في تبعات التحول الاستراتيجي في سياسة جزر المالديف
- مارس 25, 2024
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: ميار هاني
باحثة في الشأن الدولي
بلغ مستوى العلاقات بين الهند وجزر المالديف نقطة منخفضة جديدة، مع انسحاب الدفعة الأولى من القوات الهندية من البلاد، 15 مارس الجاري، على خلفية طلب الرئيس الحالى “محمد مويزو”، الذي يتبنى شعار “خروج الهند” من بلاده، وفي المقابل، يُعرف بتأييده للصين من خلال اتخاذه خطوات لتحول الدولة الأرخبيلية إلى مدار بكين، وبالتالى تعكس التطورات الأخيرة تحولاً كبيراً في سياسية جزر المالديف، الأمر الذي من شأنه التأثير على الديناميات الجيوسياسية بين الهند والصين في المحيط الهندي، وفيما يلى نتناول مؤشرات التوتر بين الهند وجزر المالديف، ومؤشرات التقارب الصينى مع الأخيرة، والتبعات المُحتملة للتحول الاستراتيجي في سياسة المالديف، وذلك على النحو التالى:
تحولات ماليه: إنهاء سياسة “الهند أولًا”
أثارت دعوة رئيس الوزراء الهندى، ناريندرا مودي، السياح بزيارة جزيرة لاكشادويب الهندية، في 4 يناير من العام الجارى، خلافاً دبلوماسياً بين البلدين عقب انتقاد ثلاثة وزراء في حكومة المالديف تصريحات مودى، باعتبارها دعوة ضمنية لامتناع السياح الهنود من زيارة جزر المالديف، وهى دولة تعتمد بشدة على السياحة على شواطئها، ما أدى إلى دعوات من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الهنود لمقاطعة جزر المالديف كوجهة سياحية، وسرعان ما انتشر هاشتاج #BoycottMaldives، وقد حاولت الحكومة المالديفية التخفيف من حدّته بوصفها التصريحات بأنها آراء شخصية، ولا تعبر عن موقفها الرسمي.
فى حين يبدو الحدث ظاهرياً وكأنه خلاف بسيط على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه يسلط الضوء على التوتر بين الهند وجزر المالديف منذ انتخاب الرئيس المالديفي الجديد، محمد مويزو، الحاصل على نسبة 54.04 في المئة من الأصوات، مقابل حصول الرئيس الأسبق إبراهيم صليح على 45.96 في المئة من الأصوات، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى موقفه المناهض للهند تحت تعبير ملطف “استعادة الحرية المالديفية”، والدعوة إلى سياسة خارجية أكثر استقلالية، وتجلى ذلك على النحو التالى:
أرسلت الهند، خلال حفل تنصيب مويزو رئيساً للبلاد في 17 نوفمبر 2023، وزير علوم الأرض كيرين ريجيجو ممثلاً لها، وذلك على عكس حضور رئيس الوزراء ناريندرا مودي في حفل تنصيب صليح عام 2018. وعلى الصعيد الأخر، مع حفاظ رؤساء جزر المالديف السابقون باختيارالهند كأولى محطات زياراتهم الرسمية الخارجية، قرر الرئيس الحالى التخلى عن هذا التقليد، ببدء زيارته الرسمية بعد توليه السلطة إلى تركيا، ثم التوجه إلى زيارة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر 2023، ثم زيارة الصين بدعوة من نظيره الصيني شي جين بينغ خلال الفترة من 8 إلى 12 يناير 2024، والتى تم خلالها الاتفاق على تأسيس شراكة تعاونية استراتيجية شاملة بين البلدين، وهو ما أثار قلق نيودلهى في ظل التنافس الدائر بينها وبين بكين فى المنطقة.
وخلال أول خطاب له بعد أدائه اليمين، أبدى الرئيس مويزو رغبته فى انسحاب الجنود الهنود من جزر المالديف، كما أكد مرة أخرى على الأمر ذاته خلال لقائه مع رئيس الوزراء الهندي على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب28” بالإمارات في ديسمبر 2023، ويبلغ عددهم 80 جندياً تقريباً، تتمثل وظيفتهم في تقديم الدعم للمعدات العسكرية التي قدمتها الهند لجزر المالديف، إلى جانب المساعدة في الأنشطة الإنسانية في المنطقة. فضلاً عن غياب ممثل حكومة المالديف عن اجتماع كولومبو الأمني الذي تم عقده في موريشيوس في ديسمبر 2023.
كما قررت حكومة المالديف عدم تجديد اتفاقية التعاون الأمني لإجراء مسوحات هيدرولوجية في مياه جزر المالديف التى تم توقيعها مع الهند في عام 2019 وتنتهى في يونيو من العام الحالى. وكانت تهدف تلك المسوحات إلى تعزيز الأمن البحرى وتحسين الملاحة والاقتصاد الأزرق.
ولدى الهند وجزر المالديف روابط تاريخية متجذرة في الروابط العرقية واللغوية والثقافية والدينية والتجارية، وتعد الهند من أوائل الدول التى اعترفت بجزر المالديف منذ أن تخلى البريطانيون عن السيطرة عليها فى عام 1965، وتم تطوير العلاقات الثنائية بدقة على مدى ستة عقود، على الرغم من المد والجزر التاريخي نتيجة لتأثر العلاقات في المقام الأول بالقيادة السياسية لجزر المالديف، وذلك على النحو التالى:
تم اعتبار الهند بمثابة “المستجيب الأول” للبلاد فى أوقات الأزمات، ففى عام 1988، تدخلت الهند عسكرياً من خلال تنفيذ عملية الصبار لمنع محاولة انقلابية قام بها مرتزقة التاميل السريلانكيون ضد الرئيس عبد القيوم، وكانت الهند من أوائل الدول التى قدمت المساعدات الطبية العاجلة، خلال تسونامى عام 2004، والذى تسبب فى مقتل ما يقرب من 100 شخص، ووسط أزمة الشرب فى عام 2014، سلمت البحرية الهندية 374 طنا من المياه المعبأة في زجاجات في غضون نصف يوم، كما أجرى الموظفون الهنود، منذ عام 2019، أكثر من 500 عملية إجلاء طبي، مما ساهم في أنقاذ حياة 523 شخصاً، كما وفرت الهند الأدوية وفرق المساعدة والطعام خلال جائحة COVID-19.
ويعد مجال الأمن والدفاع أحد مجالات التعاون الحيوية بين البلدين منذ عام 1988، لأهمية المالديف فى تحقيق الأمن الاستراتيجي والبحري للهند، وتجلى ذلك من خلال توقيع خطة العمل للدفاع في عام 2016، وتوفير المعدات العسكرية من الطائرات والمروحيات للمراقبة الجوية، وإجراء التدريبات المشتركة التى تمثل ما يقرب من 70 في المائة من التدريب الدفاعي المالديفي.
وتعد الهند خامس أكبر شريك تجاري لجزر المالديف، إذ نمت صادرات الهند إلى جزر المالديف، بين عامي 1995 و 2021، بمعدل سنوي قدره 10.4 في المائة، من 31.6 مليون دولار أمريكي إلى 416 مليون دولار أمريكي، بينما ارتفعت صادرات جزر المالديف إلى الهند بمعدل سنوي قدره 22.9 في المائة، من 230,000 ألف دولار أمريكي إلى 48.8 مليون دولار أمريكي.
وعلى مر السنين، استطاعت الهند تقديم نفسها باعتبارها الوجهة المفضلة للعديد من الطلاب المالديفيين، حيث تعد المصدر الرئيسي للتعليم العالي. كما تهيمن الهند في سياحة المالديف، والتى تشكل 11.2 في المئة من إجمالي السياح الوافدين في عام 2023.
التوجه لبكين: نفوذٍ متنامٍ بالمنطقة
مع كسر الرئيس مويزو التقاليد بزيارة الصين قبل الهند، أشاد ببكين باعتبارها “واحدة من أقرب الحلفاء وشركاء التنمية لجزر المالديف”، وشهدت الزيارة الأتفاق على رفع مستوى العلاقات إلى شراكة تعاونية استراتيجية شاملة، وتوقيع 20 اتفاقية شملت التعاون في التجارة والاقتصاد والبنية التحتية والحد من مخاطر الكوارث والتنمية الخضراء والمنح والسياحة ومشاريع التنمية الأخرى، إلى جانب توقيع وزير الدفاع المالديفي “محمد غسان مأمون” واللواء “تشانج باو تشون” نائب مدير مكتب الصين للتعاون العسكري الدولي، اتفاقية بشأن “تقديم الصين مساعدة عسكرية مجانية لجمهورية المالديف”، فضلاً عن أعلان مويزو عن نية إدارته تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، والتي لم تدخل حيز التنفيذ في الإدارة السابقة، وتنص على خفض التعريفات الجمركية على أكثر من 95 في المئة من السلع إلى الصفر والتعاون في المجالات الرئيسية.
وقد شهدت العلاقات الصينية – المالديفية تطوراً كبيراً مع زيارة شي جين بينغ الأولى للبلاد في عام 2014، وقامت الصين على نحو متزايد بتوسيع وجودها في جزر المالديف، من خلال الاستثمار النشط في مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق، وتفضيل الشركات الصينية بدلاً من الهندية خلال فترة حكم الحكومة السابقة الموالية للصين، وتضمنت أحد هذه المشاريع توسيع مطار فيلانا الدولي في ماليه وانشاء جسر الصداقة بين الصين وجزر المالديف الذي تبلغ تكلفته 200 مليون دولار.
الأهمية الجيوستراتيجية لجزر المالديف
إن الموقع الاستراتيجي لجزر المالديف، مقابل الممرات البحرية التجارية والتي يمر عبرها ثلث نفط العالم، يجعلها لاعباً حاسماً في الجغرافيا السياسية للمحيط الهندي، وبالتالي تسعى الدول بتوسيع مجال نفوذها بالمنطقة لتأمين مصالحها التجارية وإمدادات الطاقة.
ويعد اهتمام الهند الاستراتيجي بجزر المالديف مدفوع بسياسة “الجوار أولا” التى تتبعها نيو ديلهى، إلى جانب قربها من جزيرة لاكشادويب الهندية والساحل الغربي للبر الرئيسي الهندي، وبالتالى يتماشى أهتمام الهند مع أولوياتها الاستراتيجية الشاملة، فى مراقبة حركة الملاحة البحرية وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي.
وتفتقر الصين إلى الوصول المباشر إلى المحيط الهندي، وبالتالى تسعى بكين لتوسيع مجال نفوذها بالمنطقة، مدفوع بالحاجة إلى التغلب على معضلة ملقا، وهى قناة مائية ضيقة تُحاط بدول محايدة كماليزيا وحلفاء للولايات المتحدة الأمريكية مثل سنغافورة ومنافسين جيوسياسيين مثل الهند، تفترض الصين إمكانية قيام القوات البحرية الأمريكية أو الهندية بتعطيل أو حصار الطرق البحرية الصينية في المحيط الهندي خارج المضيق فى زمن الحرب، وبالتالى تسعى بكين لتعزيز وجودها المتنامى من خلال جزر المالديف، التى تلعب دوراً رئيسياً فى تحقيق هذا الهدف.
تبعات مُحتملة
قد تلقى التوترات الحالية، التى تشوب العلاقات الهندية – المالديفية، بظلالها على عدد من الأصعدة، وذلك على النحو التالى:
أولًا – التأثير على العلاقات الاقتصادية بين نيودلهي ومالية:
يرتبط الاقتصاد المالديفى بدرجة قوية بالهند، خامس أكبر شريك تجاري للبلاد، وتعتمد عليها ماليه في توفير معظم احتياجاتها الأساسية من الغذاء والأدوية، كما تشكل السياحة الهندية نسبة 11 في المئة للبلاد فى عام 2022، وعليه، إذا ظلت علاقة المالديف مع الهند متوترة من ناحية، مع تزايد نفوذ بكين من ناحية أخرى، قد يترتب عليه عواقب اقتصادية، لأنها قد تؤثر على حصولها على المساعدات والاستثمارات الهندية نسبياً، فضلاً عن امكانية انخفاض أعداد السائحين القادمين من الهند إلى جزر المالديف على خلفية الاضطرابات الدبلوماسية الأخيرة، وبالتالي انخفاض دخل البلاد من قطاع السياحة، أحد أهم المصادر الرئيسية للدخل القومي.
ثانيًا – تزايد التوترات الدبلوماسية بين البلدين:
تنظر الهند بعين القلق إزاء الانخراط الصينى مع جزر المالديف، والآثار المترتبة على الاتفاقيات ال 20 الموقعة بين البلدين والتي تغطي مجموعة متنوعة من مجالات التعاون، إلى جانب الرغبة بارتقاء مستوى العلاقات إلى شراكة تعاونية استراتيجية شاملة، وبالتالى قد ينعكس ذلك على وجود اضطرابات دبلوماسية نسبية بين البلدين.
ثالثًا – تحركاتها عسكرية هندية في المحيط الهندي:
مع توقيع ماليه وبكين اتفاق دفاعى بشأن تقديم الأخيرة مساعدات عسكرية مجانية، بالتوازى مع رغبة حكومة المالديف مغادرة العسكريين الهنود بلادها، وبالتالى تتصاعد المخاوف الأمنية لنيوديلهى من إمكانية استبدال الوجود الأمني الهندي بوجود صيني فى المستقبل، وهو ما يمثل تهديداً محتملاً لمصالحها الأمنية، على الرغم من تعهد مويزو في وقت سابق ان سحب الأفراد العسكريين الهنود لا يعني السماح بدخول جنود دولة أخرى.
وعليه، مع قرب موقع الهند الجغرافى من جزر المالديف وأهميتها الاستراتيجية في المحيط الهندي، ستحرص الهند على مراقبة أي زيادة في الحد الأدنى الحالي من التعاون الأمني بين جزر المالديف والصين، فضلاً عن توسيع الهند تحركاتها العسكرية في المحيط الهندي، وهو ما بدى مع إعلانها عن تشغيل قاعدة بحرية جديدة تسمى “آي إن إس جاتايو”، بالقرب من جزر المالديف، لتكون بذلك القاعدة البحرية الثانية للهند.
وخلاصة القول:
تعكس التطورات الأخيرة تحولاً كبيراً في سياسة جزر المالديف، بالنظر إلى إنهاء سياسة “الهند أولًا”، ونفوذ بكين المتنامى بالمنطقة، إلى جانب الرغبة في توسيع نطاق شراكاتها وتنويع خيارات السياسة الخارجية للبلاد.
وتقرأ بكين لتلك التطورات السياسية باعتبارها فرصة لتوسيع نطاق نفوذها بشكل أكبر في الفناء الخلفي الاستراتيجي للهند. وفى المقابل، يضيف انخراط الصين المتنامى مع جزر المالديف إلى الضغوط التي تواجهها الهند في حماية مصالحها في المحيط الهندي.
وعليه، تستعد التحولات السياسية الأخيرة لممارسة تأثير كبير على الديناميات الجيوسياسية بين الهند والصين في المحيط الهندي، إذ ستواصل بكين توسيع نطاق نفوذها بجزر المالديف ومنطقة المحيط الهندي عبر تقديم المساعدات الإقتصادية والاستثمارات فى البنية التحتية بشكل رئيسى. وفى المقابل، في ظل الأهمية الخاصة التي تمثلها جزر المالديف للهند، قد تسعى الهند إلى الحفاظ على نفوذها الاستراتيجي، وتسوية الخلافات عبر القنوات الدبلوماسية، وتعزيز التدابير الأمنية في المنطقة.