في خطوة من شأنها تغيير معطيات المشهد الداخلي السوري، أعلنت الرئاسة السورية يوم الأثنين 10 مارس 2025، التوصل إلى اتفاق لدمج قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في مؤسسات الدولة، وقعه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، ولا شك أن هذا التطور يحمل في طياته العديد من الدلالات:
– قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي؛ أكد أن الاتفاق يشكل فرصة حقيقية لبناء سوريا جديدة، تحتضن جميع مكوناتها وتضمن حسن الجوار، مشيرًا إلى أن الجانبان يعملان سويًا لضمان مرحلة انتقالية تعكس تطلعات الشعب السوري في العدالة والاستقرار.
– وزارة الخارجية السعودية؛ رحبت بالاتفاق باعتباره أحد الإجراءات التي اتخذتها القيادة السورية لصون السلم الأهلي في سوريا، والجهود المبذولة لاستكمال بناء مؤسسات الدولة بما يحقق الأمن والاستقرار، ويلبي تطلعات الشعب السوري، مشددة على دعم الرياض الكامل لوحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها.
– وزارة الخارجية القطرية؛ اعتبرت أن الاتفاق خطوة مهمة نحو توطيد السلم الأهلي، وتعزيز الأمن والاستقرار، وبناء دولة المؤسسات والقانون، مؤكدة أن استقرار سوريا وازدهارها يتطلب احتكار الدولة للسلاح في جيش واحد يعبر عن كافة المكونات السورية، بما يضمن الحفاظ على سيادة البلاد واستقلالها وسلامة أراضيها.
– الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنيين سفيان القضاة؛ الاتفاق خطوة مهمة نحو إعادة بناء سوريا على الأسس التي تضمن وحدتها وسيادتها واستقرارها، وتحافظ على أمنها، وتخلصها من الإرهاب، وتحفظ حقوق كل أبناء الشعب السوري، مشددًا على استعداد بلاده لتقديم كل ما يستطيع من أجل دعم وإسناد الشعب السوري.
3- دلالات توقيع الاتفاق:
بالنظر إلى مضمون بنود الاتفاق، وسياق وتوقيت الإعلان عنه، يتضح أن هذه الخطوة تحمل في طياتها العديد من الدلالات؛ أهمها:
– فرصة لإحداث نقلة في الوضع الاقتصادي بسوريا؛ تُعتبر المناطق التي تسيطر عليها قوات “قسد” في شمال وشمال شرق سوريا، والتي تُمثل ثلث مساحة الدولة تقريبًا، هي المساحة الأغنى من حيث الموارد الطبيعية التي تتمتع بها دمشق وخاصةً فيما يخص حقول النفط والغاز، وبالتالي؛ عودتها لسيطرة الدولة ستعزز فرص الاستثمار في قطاع الطاقة خصوصًا، وفي جميع قطاعات الاقتصاد عمومًا، وهذا من شأنه تخفيف حدة الوضع الاقتصادي الكارثي الذي تشهده البلاد.[3]
– استكمال تسوية المعضلة الكردية في المنطقة؛ حيث أن هذا الاتفاق يُعتبر مكملًا للدعوة التاريخية التي أطلقها زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان منذ نحو أسبوعين، والتي تقضي بحل الحزب وإلقاء السلاح، مما يوفر فرصة حقيقية لتسوية الخلاف التركي الكردي، وعلى نحو مماثل؛ يأتي الاتفاق الموقع بين الشرع وعبدي ليغير كثيرًا من محددات الأزمة الكردية في سوريا.
– تعزيز وحدة الدولة السورية وإجهاض محاولات التقسيم؛ يمثل الاتفاق تحولًا تاريخيًا في مسار توحيد البلاد ولم شملها، وإحباط محاولات التقسيم التي تقودها بعض الدول القوى الإقليمية وعلى رأسها إسرائيل التي تحاول استغلال الوضع الحالي وأحداث الساحل السوري لإثارة الفتنة وخاصةً بين القيادة السورية والطائفة الدرزية المتمركزة في جنوب البلاد، كما أن الاتفاق يعزز التوجه نحو مركزية الدولة السورية، والتي أصبحت الآن تسيطر على الشمال السوري بعد سنوات من النزاع والحديث عن الرغبة الكردية في الانفصال، وكل ذلك يوفر فرصة جيدة للغاية من أجل الحفاظ على أمن ووحدة وسلامة الأراضي السورية.
– تحسين أوضاع أكراد سوريا وحقوقهم؛ يضمن الاتفاق حصول الأكراد على حق المواطنة والتمتع بالجنسية السورية والمشاركة في الحياة السياسية، وذلك بعدما عانوا خلال عهد نظام الأسد من التهميش والقمع والحرمان من كافة الحقوق المدنية والسياسية، وبالتالي؛ يمثل هذا الاتفاق نقلة حقيقية في تحسين أوضاع أكراد سوريا.
– تشجيع باقي الفصائل إلى الانضمام إلى مؤسسات الدولة السورية وجيشها الموحد؛ كانت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” أكبر الفصائل المسلحة وأهمها التي لم تعلن انضمامها إلى الجيش السوري الموحد الذي أعلنت الإدارة السورية الجديدة عن تشكيله، رافضة تسليم سلاحها، ولكن بعد هذا الاتفاق، ستصبح “قسد” جزءاً الجيش السوري الذي يُجرى إعداده، وهذه الخطوة ستدفع مزيدًا من الفصائل الأقل قوة إلى الاتفاق مع الدولة.
– تفويت الفرصة على تركيا للقيام بعملية عسكرية موسعة في الشمال السوري؛ منذ إسقاط النظام السوري السابق، وهناك اشتباكات ومواجهات عنيفة بين قوات “قسد” والقوات الموالية لتركيا، كما قامت أنقرة بالحشد العسكري على الحدود السورية التركية، مهددة بشن عملية عسكرية موسعة في شمال سوريا، ولكن الآن وبتوقيع الاتفاق، تفوت “قسد” فرصة التوغل التركي في البلاد تحت ذريعة وجود الخطر الكردي على حدودها.[4]
وإجمالًا؛ يمثل الاتفاق الموقع بين الدولة السورية وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، بغرض دمجها في مؤسسات الدولة السورية، خطوة في المسار الصحيح، ومؤشر على وجود فرص حقيقية لحل المعضلة الكردية، وتجنب وقوع حرب سورية – سورية بين قوات “قسد” وإدارة العمليات العسكرية السورية التابعة لإدارة أحمد الشرع، إلى جانب تعزيز سلامة ووحدة أراضي الدولة السورية.
ولكن؛ هذا لا ينفي وجود تحديات كبيرة تواجه تنفيذ الاتفاق؛ منها: الجدل حول مصير آلاف المقاتلين الأكراد في “قسد”، مدى قدرة الحكومة السورية على ضمان تمثيل عادل للمكون الكردي، مستقبل الموارد الاقتصادية في الشمال السوري، خاصةً حقول النفط والغاز، ونسب تقسيمها بين “قسد” والدولة السورية، مستقبل المؤسسات التي تشكلت في شمال شرقي سوريا، سواء التي تتعلق بالمجتمع الكردي أو بالمجتمعات المحلية مثل البلديات والإدارات، ووضع القوات الكردية داخل الجيش الموحد المزعم تكوينه.
