المقالات
خيار استراتيجي: قراءة في أبعاد البرنامج النووي المصري السلمي
- نوفمبر 27, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط

إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
في تطور محوري لافت بمسار مشروع محطة الضبعة النووية، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، صباح يوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025، افتراضيًا في فعالية تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالمحطة، وذلك عبر تقنية الفيديو كونفرانس.
وبالتزامن مع هذا الحدث التاريخي، شهد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، توقيع أمر شراء الوقود النووى لمحطة الضبعة النووية، وكذلك اتفاقية البرنامج الشامل للتعاون مع شركة “روساتوم”، وذلك في خطوة استراتيجية، تمثل تدشينًا رسميًا للبرنامج النووي المصري السلمي.[1]
كما تم توقيع اتفاقية البرنامج الشامل بين مصر وروسيا الاتحادية، التي تشمل التعاون في مجالات متنوعة؛ منها الطاقة النووية والطبية، والطباعة ثلاثية الأبعاد التي تخدم القطاع النووي، ومجال الاتصالات.[2]
وفي ضوء تلك التطورات الهامة؛ والتي تفيد بانتقال مشروع الضبعة النووي من مرحلة التشييد والبناء إلى مرحلة التنفيذ والاستعداد للتشغيل التجريبي، وهو ما من شأنه أن يعزز مكانة الدولة المصرية في قطاع الطاقة النووية، أُثيرت كثيرًا من التساؤلات حول أبعاد وأهداف ومكاسب مصر الاستراتيجية الكامنة وراء برنامجها النووي السلمي، والذي ظل حلمًا يراود القيادة المصرية طوال سنوات طويلة، حتى بات وشيكًا:
أولًا؛ مشروع الضبعة وخدمة الحلم النووي المصري:
السعي لامتلاك برنامجًا نوويًا سلميًا لا يُعد أمرًا جديدًا أو طارئًا، بل كان حاضرًا على رأس أولويات الدولة المصرية منذ خمسينات القرن الماضي وحتى الآن، إدراكًا منها بأهمية الطاقة النووية كركيزة أساسية في تعزيز أمن الطاقة بالبلاد، وتحقيق عامل الاستدامة الذي يغيب عن مصادر الطاقة التقليدية المهددة بالنفاذ، ومن ثم؛ فإن محطة الضبعة النووية لا تمثل بداية الحلم النووي المصري، بل أنها تكلل نجاح جهود ومساعي حثيثة بذلتها الدولة المصرية على مدار سنوات طويلة، يمكن إيجازها على النحو التالي:
1- في مرحلة الخمسينات والستينات[3]:
ظهرت أولى الجهود المصرية لامتلاك الطاقة النووية في العام 1955، عندما أنشأت مصر “لجنة الطاقة الذرية”، وذلك ردًا على تدشين إسرائيل لبرنامجها النووي في ذلك الوقت.
وفي العام 1961، أنشأت مصر، وبالتعاون مع روسيا الاتحادية “الاتحاد السوفيتي آنذاك”، أول مفاعل للأبحاث النووية بمدينة أنشاص التابعة لمحافظة الشرقية، من طراز (WWR-S) بقدرة 2 ميجاوات حراريين، ليتوالى بعدها طرح العديد من المشروعات النووية المصرية الروسية، إلا أنها ظلت مقترحات فقط دون تنفيذ.
وكذلك بالعام 1964، طرحت مصر مناقصة دولية لإنشاء محطة نووية في منطقة برج العرب بمحافظة الإسكندرية، إلا أن حرب1967 أوقفت المشروع.
2- في مرحلة السبعينات والثمانينات[4]:
في العام 1974، اتفقت الدولة المصرية مع الولايات المتحدة على إقامة مفاعل نووي في منطقة الضبعة، ولكن لم يتم تنفيذ الاتفاق، بعد أن رفضت مصر الاشتراطات الأمريكية التي تطالب بإنتاج الوقود النووي خارج مصر، وإجراء حملات تفتيش على المنشآت النووية المصرية.
واستمرت المحاولات المصرية في العام 1981، إذ طرحت مناقصة دولية جديدة لإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية بقدرة1000 ميجاوات في الضبعة، إلا أن المشروع تعطل مجددًا في ضوء التبعات الناتجة عن حادثة تسريب مفاعل “تشرنوبيل” في العام 1986.
3- في مرحلة الألفينيات[5]:
توقفت المساعي النووية المصرية حتى العام 2007، عندما قررت السلطات المصرية استئناف مشروع الضبعة السابق، وتشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء لتتولى مسؤولية تنفيذ وإدارة المشروع، ولكن تعطل المشروع مرة أخرى على خلفية مشكلات فنية تتعلق بمدى ملائمة الضبعة لإنشاء المحطة النووية.
واستمر هذا الجدل حتى أقرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 2010، ملائمة موقع الضبعة لإنشاء المحطة، إلا أن الأحداث السياسية التي شهدتها مصر في أعقاب ثورة 2011، عرقلت تنفيذ المشروع.
وفي العام 2013، عاد المشروع للواجهة مجددًا، وفي العام التالي، أقامت مصر مناقصة دولية لإنشاء محطة الضبعة النووية، وبالفعل تقدمت 6 شركات بعروض لإقامة المشروع، وتم الاستقرار على العرض المقدم من شركة “روساتوم” الروسية.
وبناءً عليه، أبرمت مصر وروسيا الاتحادية اتفاقًا تعاونيًا لإنشاء المحطة النووية في 19 نوفمبر 2015، وقد دخل هذا الاتفاق رسميًا حيز النفاذ في العام 2017، وذلك بالتزامن مع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي كان يقوم بها إلى العاصمة المصرية القاهرة.
وطبقًا لالتزامات التعاقد التي أقرها الاتفاق؛ يتولى الجانب الروسي عدة مهام؛ وهي: بناء المحطة بالكامل، توريد الوقود النووي طوال عمرها التشغيلي، تدريب الكوادر المصرية ودعمها في التشغيل والصيانة خلال العقد الأول من تشغيل المحطة، بناء مرافق تخزين خاصة للوقود المستنفد، وتوفير حاويات آمنة لتخزينه.
وفي يونيو 2022، أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية(ENRRA) ، إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة، ومن ثم؛ تم تنفيذ الصبة الخرسانية الأولى بوحدات المحطة الأربعة وفقًا للتسلسل الزمني: الوحدة الأولى في20 يوليو 2022، والوحدة الثانية في نوفمبر من العام ذاته، فيما نُفذت الصبة الخرسانية الأولى بالوحدة الثالثة في مايو 2023، أما الوحدة الرابعة، فكانت في يناير من العام 2024.
وبالربع الأخير من العام 2024، انتقل مشروع الضبعة النووي من مرحلة الإنشاء إلى مرحلة التنفيذ الفعلي، حيث تركيب المعدات النووية الرئيسية؛ وعلى رأسها: حلقة الدعم (Support Ring)، جملون الدعم (Supporting Truss)، جملون الدفع (Thrust Truss)، ومصيدة قلب المفاعل التي تم تركيبها في 19 نوفمبر 2024.
واستكمالًا لهذه المرحلة؛ تم تركيب وعاء ضغط مفاعل الوحدة النووية الأولى للمحطة في 19 نوفمبر الجاري، والذي كان قد وصل إلى مصر في الـ21 من أكتوبر الماضي، بعدما نُقل بحرًا من ميناء سانت بطرسبورغ الروسي إلى مصر، في رحلة استغرقت 20 يومًا.
وجدير بالذكر أن؛ وعاء ضغط المفاعل الذي جرى تركيبه، يُعد أحد المكونات الرئيسة في المحطة النووية، حيث يحتوي بداخله على قلب المفاعل الذي تجرى فيه سلسلة التفاعلات النووية المتحكم بها، ويتميز هذا الوعاء بقدرته العالية على تحمل الضغط ودرجات حرارة مرتفعة تتجاوز الـ300 درجة مئوية، مع ضمان الإحكام الكامل ضد أي تسرب، مما يجعله عنصرًا أساسيًا في معايير أمن وسلامة المشروع.
كما يجب الإشارة إلى أنه، ووفقًا للجدول الزمني الخاص بالمشروع، من المقرر أن يبدأ التشغيل الفعلي للوحدة النووية الأولى بالمحطة في سبتمبر من العام 2028، على أن يتم الانتهاء من المشروع تمامًا بحلول فبراير من العام 2030.
نبذة عن الملامح العامة لمشروع الضبعة النووي[6]:
محطة الضبعة هي أول محطة للطاقة النووية في مصر، وتقع في مدينة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح على ساحل البحر المتوسط، وعلى بُعد حوالي 300 كيلومتر من شمال غربي القاهرة.
تُعد المحطة أكبر مشروع لإنتاج الطاقة في القارة الإفريقية، إذ تُقام على مساحة45 كيلومترًا مربعًا، بطول15 كيلومترًا على الساحل الشمالي، وبعمق خمسة كيلومترات.
تضم المحطة أربعة مفاعلات نووية بقدرة إجمالية4800 ميجاوات، بواقع1200 ميجاوات لكل مفاعل، فيما تتكون المباني الرئيسة بها من مباني التوربينات والتحكم والملحقات وغرفة البخار ومبنى المفاعل ومبنى الأمان.
تعتمد المحطة على تقنية مفاعلات الماء المضغوط من الجيل الثالث المطور (VVER-1200)، وهي من أحدث وأكثر المفاعلات أمانًا في العالم.
يمتد عمر تشغيل المشروع إلى60 عامًا، مع إمكانية التمديد لمدة إضافية تصل إلى20 عامًا، مما يضمن استدامة استثمار الطاقة على المدى الطويل.
تبلغ تكلفة المشروع ما يقرب من 28.5 مليار دولار، مقسمين بين تمويل روسي بلغت نسبته 85%، أي حوالي 25 مليار دولار، حصلت عليهم مصر في صورة قرض ميسر طويل الأمد يمتد لـ22 عامًا، بفائدة 3% سنويًا، على أن يكون سداد أول قسط في العام 2029، أي بعد بدء التشغيل الفعلي للمحطة، وتمويل مصري بلغت نسبته 15%.
ثانيًا؛ قراءة في الأبعاد والأهداف المصرية من المشروع:
لا يمكن اختزال محطة الضبعة النووية في كونها مشروع طاقة مهم للتنمية الاقتصادية بالبلاد، بل أن هذا المشروع يمثل خيار استراتيجي متعدد الأهداف والأبعاد، تمسكت به الدولة المصرية على مدار سنوات طويلة رغم جميع التحديات والظروف التي عرقلت المشروع لأكثر من مرة، إدراكًا منها بأنه نقطة انطلاق محورية، تحقق كثير من المكاسب والمصالح لمصر، سواء على الصعيد السياسي أو الأمني أو الاقتصادي، والتي من أهمها:
تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي استراتيجي في مجال الطاقة؛ تدخل محطة الضبعة النووية، الدولة المصرية عصر الطاقة النووية، التي تُعتبر من أهم مصادر الطاقة المتجددة، مما يعزز أمن الطاقة المصري، ويمنح الدولة عامل الاستدامة التي تحتاجه من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وكذلك تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، بعيدًا عن الوقود الأحفوري التقليدي.
كما يخدم هذا المشروع، تحول مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، وذلك في إطار رؤية مصر 2030، التي من ضمن أهدافها التحول نحو الطاقة المتجددة، إذ تسعى الدولة إلى إدخال الطاقة النووية بنسبة 3% في مصادر الطاقة لعام 2035، إلى جانب42 % من مصادر الطاقة المتجددة الأخرى، وتشمل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والمائية، ثم رفع هذه النسبة تدريجيًا حتى تصل إلى 40% في العام 2040.[7]
وينعكس ذلك في تصريح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والذي أكد خلاله بأن “ما يشهده العالم من أزمة في إمدادات الطاقة العالمية، يؤكد أهمية قرار مصر الاستراتيجي إحياء البرنامج النووي السلمي لإنتاج الكهرباء، لأنه يسهم في توفير إمدادات طاقة آمنة ورخيصة وطويلة الأجل؛ وربما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويتفادى تقلبات أسعاره”.[8]
خدمة الالتزامات المصرية فيما يخص السياسات المناخية والبيئية؛ لا شك أن التحول نحو الطاقة المتجددة والمصاحبة للبيئة، والتي من أهمها الطاقة النووية، يخدم السياسات البيئية التي تلتزم بها الدولة المصرية لمعالجة أزمة التغير المناخي التي تزداد وطأة تبعاتها مع مرور الوقت.
ومن ثم؛ فإن مشروع الضبعة النووي، يمنح مصر الطاقة النووية منخفضة الانبعاثات، وهو ما يجعله ركيزة أساسية في تحقيق التوازن الذي تستهدفه مصر، والذي يجمع بين تلبية الاحتياجات المتزايدة من الطاقة الكهربائية وتحقيق التنمية المستدامة، وبين مواجهة التحديات البيئية، والالتزام باتفاقيات المناخ الدولية.
وفي هذا الإطار؛ تفيد تقديرات بأن محطة الضبعة سوف تقلل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يقرب من 14 مليون طن سنويًا، وهو ما يعادل التأثير البيئي الناتج عن زراعة ما يزيد عن 600 مليون شجرة، مما يجعل المشروع عاملًا حيويًا في مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري، ويدعم المشروع الوطني المصري الخاص بإنتاج الهيدروجين الأخضر.[9]
تعزيز العلاقات المصرية الروسية؛ يجسد مشروع محطة الضبعة النووية، التعاون الوثيق الذي يجمع بين القاهرة وموسكو، وهو ما عبر عنه رئيسا البلدين خلال الفعالية الأخيرة، حيث أكد الرئيس السيسي أن “العلاقات المصرية- الروسية قوية واستراتيجية، وتقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة”، مضيفًا أن “شراكة القاهرة وموسكو لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تُترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبي البلدين”.[10]
من جانبه؛ صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن “محطة الضبعة أصبحت رمزًا لتحالف استراتيجي ممتد بين الدولتين، يتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلًا عن مضي روسيا قدمًا في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس”.[11]
واستدلالًا على هذه الشراكة الوثيقة الممتدة منذ سنوات عديدة، استدعى رئيسا البلدين ذكريات مشروع السد العالي في تصريحاتهما، وذلك للتأكيد على عمق واستمرارية الشراكة الاستراتيجية بينهما، خاصةً وأن كلا المشروعين يمثلان نقاط تحول استراتيجية، ورؤية طويلة الأمد وضعها البلدان لخدمة أغراض التنمية الاقتصادية المستدامة، إذ أنهما يخدمان الأمن المائي وأمن الطاقة للدولة المصرية بدعم روسي، وهو ما يعزز الشراكة الوثيقة بين مصر وروسيا.
تغيير الحسابات المصرية في ملف الغاز الطبيعي؛ تفيد التقديرات بأن إكتمال تشغيل مفاعلات المحطة الأربعة، سوف يضخ لمصر نحو35 مليار كيلووات/ساعة سنويًا، وهو ما من شأنه أن يخفض استهلاك الدولة من الغاز الطبيعي الذي كان يُوجه نحو إنتاج الكهرباء، بما لا يقل عن 7 مليارات متر مكعب سنويًا، ومن ثم؛ تقليل فاتورة استيراد الغاز الطبيعي وغيره من المشتقات النفطية.[12]
وهذا ما أكد عليه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، يوم 20 نوفمبر الجاري، موضحًا أن تشغيل محطة الضبعة النووية، سيوفر لمصر ما بين 2.5-3 مليارات دولار سنويًا، عبر خفض فاتورة استيراد الغاز من الخارج، والذي كان يُوجه إلى إنتاج الكهرباء.[13]
ويُضاف إلى ذلك؛ تخفيض استهلاك الغاز الطبيعي بمحطات الكهرباء بنحو7 مليارات متر مكعب سنويًا، سيتيح للدولة إعادة توجيه جزء من هذا الغاز نحو التصدير، وبالتالي توفير مصدر للنقد الأجنبي والعملات الصعبة، فيما يتم تخصيص جزء آخر لتوسيع الصناعات كثيفة الطاقة، مثل الأسمدة والبتروكيماويات والصناعات الثقيلة، وهو ما يعني أن هذا المشروع سيعزز مكانة مصر الاستراتيجية في سوق الغاز الطبيعي، ويغير خريطة مجال الطاقة بشكل عام في الدولة المصرية.
توطين التكنولوجيا النووية والصناعات المرتبطة بها؛ أهم ما يميز التعاون الروسي المصري في مشروع محطة الضبعة النووية، أنه لم يقتصر على الجانب اللوجيستي حيث المعدات والمفاعلات النووية الثقيلة، بل شمل أيضًا جانب معرفي وتدريبي، مما يوفر فرصة مهمة لرفع مستوى البحث العلمي في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النووية؛ حيث:
يقدم الجانب الروسي برامج تدريب وتأهيل للكوادر المصرية العاملة في المجال النووي، مع إمكانية توظيف العلوم والتكنولوجيا النووية كذلك في مجالات على غرار الطب والزراعة، مما سيسهم في إنشاء مصر لقاعدة علمية وتقنية قوية في مجال الطاقة النووية.[14]
قامت موسكو بإيفاد نحو1700 مهندس وفني مصري إلى الأكاديمية التكنولوجية التابعة لشركة “روساتوم” في روسيا، إلى جانب إتاحة منح دراسية في الجامعات الروسية المتخصصة، لضمان إعداد كوادر مؤهلة وفق أعلى المعايير العالمية.[15]
يُضاف إلى ذلك، إنشاء روسيا لمراكز تدريب متقدمة داخل موقع الضبعة، تشمل مماثلات كاملة للمحطة النووية، حيث يكتسب المتدربون، مهارات دقيقة في تشغيل المفاعلات، والتحكم في الأنظمة المختلفة، وإدارة الوقود النووي، والتعامل مع الطوارئ، إضافة إلى التدريب العملي داخل منشآت نووية مشابهة، مثل التدريب العملي في موقع “لينينجراد-2″، حيث يتمكن المتدربون من تشغيل أنظمة مماثلة تمامًا لتلك التي ستُستخدم في محطة الضبعة.
وفي هذا السياق؛ أوضح الرئيس بوتين أن ما يزيد على100 طالب مصرى يدرسون حاليًا في الجامعات الروسية للطاقة النووية، مشيرًا إلى أن عدد من الطلاب المصريين الذين حصلوا على الدراسات العليا في مجال التكنولوجيا النووية، يقومون الآن بالمشاركة في مراحل بناء المحطة.
من جانبها؛ قامت مصر بإنشاء “مدرسة الضبعة لتكنولوجيا الطاقة النووية”، والتي تُعد أول مدرسة فنية نووية متخصصة في الشرق الأوسط.
بدأت الدراسة في المدرسة بدءًا من العام الدراسي 2017/2018، إذ تستقبل هذه المدرسة 75 طالبًا سنويًا، يتم تدريبهم داخل المشروع طوال مدة الدراسة وهي خمس سنوات، مع تعيينهم بهيئة المحطات النووية بعد انتهاء الدراسة.[16]
وجدير بالذكر أن؛ توطين التكنولوجيا النووية في مصر، وامتلاك بنية نووية متقدمة، سيمكن الدولة مستقبلًا من الدخول في مشاريع جديدة، مثل تطوير مفاعلات صغيرة ومتوسطة الحجم، أو المساهمة في تكنولوجيات تحلية المياه، أو حتى تصدير الخبرات النووية لدول المنطقة الأخرى، وهو ما من شأنه أن يوفر فرص عمل كثيرة في مجال الصناعات النووية.
وهو ما يتضح في تصريح المدير العام لشركة “روساتوم”، أليكسي ليخاتشوف، في أبريل 2025، بأن “يعمل في بناء محطة الضبعة النووية 25 ألفًا، بينهم 17 ألفًا من المصريين”، ولا شك أن هؤلاء المصرين العاملين في بناء المحطة يمثلون فرص عمل جديدة، دخلت إلى سوق العمل المصري في مجال الطاقة النووية.[17]
الحفاظ على توازن القوى بين مصر والقوى الإقليمية الأخرى؛ مشروع الضبعة النووي يضع مصر على أول طريق التحول لمركز طاقة إقليمي استراتيجي في الشرق الأوسط، وخاصةً في سوق الغاز الطبيعي، وهو ما من شأنه أن يعزز نفوذ مصر الإقليمي في المنطقة، كما يساهم في الحفاظ على توازن القوى بين مصر وغيرها من الفاعلين الإقليميين في المنطقة.
ويمكن الاستدلال على ذلك من خلاء قراءة السياق الذي يحيط بتوقيع مصر لأمر شراء الوقود النووي من موسكو، والذي يتميز بعودة مبدأ “الردع النووي” إلى الواجهة مجددًا، مما يجعل الطاقة النووية مسعى رئيسي لمختلف القوى الفاعلة في الإقليم، ومن المؤشرات الدالة على ذلك:
استمرار الخلاف حول مصير البرنامج النووي الإيراني، وضعف احتمالية عودة المفاوضات بشأنه في المدى القصير، إلى جانب انتهاء مدة الاتفاق النووي بشكل رسمي، وبالتالي؛ عودة الملف إلى مجلس الأمن الدولي من جديد.
استمرار سياسة التعتيم التي تتبعها إسرائيل حول برنامجها النووي، وتمسكها برفض التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، وذلك في وقت يُثار فيه كثير من اللغط بشأن توسعات تجريها تل أبيب بالوقت الحالي في مفاعل دايمونا النووي.
توقيع اتفاقية تعاون لإنشاء محطة طاقة نووية بين روسيا وإثيوبيا في سبتمبر الماضي، وذلك في وقت تشهد فيه العلاقات المصرية الإثيوبية بعض التوترات على خلفية أزمتي السد الإثيوبي والتواجد على سواحل البحر الأحمر.
اتفاقية التعاون الأمني الاستراتيجي بين السعودية وباكستان، والتي من شأنها أن تضع البرنامج النووي الباكستاني في خدمة المملكة.
وإجمالًا؛ دخل مشروع الضبعة النووي مرحلة التنفيذ، استعدادًا لبدء التشغيل الفعلي لأول وحدة من الوحدات الأربعة التي تتكون منهم المحطة في نهاية العام 2028، مما يعني أن الدولة المصرية أصبحت على أعتاب العصر النووي الذي سيغير الكثير من المعطيات على المستوى الاقتصادي بالبلاد، كما أنه سيمنح مصر عدة مكاسب ومصالح سياسية وأمنية واستراتيجية في الإقليم، ولذلك؛ يمكن قراءة المشروع على أنه خيار استراتيجي أقدمت عليه مصر رغم جميع التحديات، لتبدأ من خلاله مرحلة جديدة، تتميز بامتلاك برنامجها النووي السلمي بشكل رسمي، وذلك بعد سنوات طويلة من التأزم والتعطيل.
المصادر:
[1] مصر تدشن أولى خطوات إنتاج الطاقة النووية بتركيب «وعاء» مفاعل «الضبعة»، صحيفة الشرق الأوسط، 19/11/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9
[2] تفاصيل أحدث تطورات محطة الضبعة النووية بعد زيارة الوفد الروسي، جريدة الوطن المصرية، 20/11/2025، متاح على الرابط: https://www.elwatannews.com/news/details/8177082
[3] ماذا نعرف عن محطة “الضبعة النووية” في مصر؟، صحيفة اندبندنت عربية، 19/11/2025، متاح على الرابط: https://www.independentarabia.com/node/636638/%D8%B3%D9%8A%D8
[4] محطة الضبعة.. مشروع مصر النووي، صحيفة الجزيرة القطرية، 13/2/2024، متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/encyclopedia/2024/2/13/%D9%85%D8%AD%D8
[5] محطة الضبعة النووية، موقع الهيئة العامة للاستعلامات، 30/11/2022، متاح على الرابط: https://sis.gov.eg/ar/%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%D8%
[6] رئيس الوزراء المصري: تشغيل محطة الضبعة النووية سيوفر حتى 3 مليارات دولار سنويا، صحيفة سبوتنيك الروسية، 20/11/2025، متاح على الرابط: https://sarabic.ae/20251120/%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-
[7] ماذا نعرف عن محطة “الضبعة النووية” في مصر؟، صحيفة اندبندنت عربية، 19/11/2025، مرجع سابق.
[8] محطة الضبعة النووية… ماذا نعرف عن المشروع وأهميته لمصر؟، صحيفة الشرق الأوسط، 23/1/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84
[9] مكاسب كبيرة تجنيها مصر من مشروع “الضبعة النووية”، جريدة الدستور المصرية، 18/11/2025، متاح على الرابط: https://www.dostor.org/5311083
[10] حلم مصر النووى .. يتحقق على أرض الواقع، جريدة الجمهورية، 20/11/2025، متاح على الرابط: https://algomhuria.gomhuriaonline.com/189468/
[11] نص كلمة السيسي أبرزها.. تفاصيل مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية بالضبعة، موقع البوابة نيوز، 19/11/2025، متاح على الرابط: https://www.albawabhnews.com/5294814
[12] البرنامج النووي المصري.. عهد جديد للطاقة يبدأ من الضبعة، جريدة الدستور المصرية، 19/11/2025، متاح على الرابط: https://www.dostor.org/5312591
[13] رئيس الوزراء المصري: تشغيل محطة الضبعة النووية سيوفر حتى 3 مليارات دولار سنويا، سبوتنيك الروسية، 20/11/2025، مرجع سابق.
[14] حلم مصر النووى .. يتحقق على أرض الواقع، جريدة الجمهورية، 20/11/2025، مرجع سابق.
[15] خلف كواليس تدريب الضبعة.. كيف تُعد مصر جيلًا قادرًا على تشغيل المفاعلات؟، جريدة الدستور المصرية، 20/11/2025، متاح على الرابط: https://www.dostor.org/5314140
[16] الحـلـم النــووي المصـــــــــــري يـــــرى النـــــور، جريدة أخبار اليوم المصرية، 19/11/2025، متاح على الرابط: https://akhbarelyom.com/news/newdetails/4727428/1/%D8%A7%D9%84%D8
[17] مصر تدشن وحدة ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية، العربية.نت، 19/11/2025، متاح على الرابط: https://www.alarabiya.net/aswaq/oil-and-gas/2025/11/19/%D9%85%D8%