المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > دعوةٌ لوضعِ “مدونة لقواعد السلوك” للتعامل مع الأنهارِ العابرةِ للحدود في أفريقيا
دعوةٌ لوضعِ “مدونة لقواعد السلوك” للتعامل مع الأنهارِ العابرةِ للحدود في أفريقيا
- نوفمبر 25, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات
إعداد: مصطفى مقلد
مقدمة:
تضمُ أفريقيا العديدَ من الأنهار الهامة التي تلعبُ دورًا حيويًا في حياة الشعوب والبيئة، فهي تضم ثانيَ أكبر عددٍ من الأنهار العابرة للحدود بعد آسيا حيث 63 نهرًا وفقًا للمصادر الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) والشراكة العالمية للمياه (GWP)، ولكن الأنهار الأصغر قد يصلُ عددها إلى المئات، خاصةً عند احتساب الروافد والجدوال الصغيرة، وتساهم الأنهار في إفريقيا في الريِ والنقلِ وتوليدِ الطاقة الكهرومائية، بالإضافة إلى كونها مصدرًا رئيسيًا للمياه العذبة.
وتفتخرُ أفريقيا ببعض أكبر الأنهار الدولية مثل نهر النيل والكونغو والنيجر وزامبيزي وأورانج وأوكافانجو وغيرها، فضلاً عن بعضِ أكبر البحيراتِ الدولية، لكن أفريقيا أيضا تشتكي من عدمِ استغلالِ مواردها المائية على النحو الكافي، فعلى سبيل المثال، يتمُّ استغلالُ أقل من 4% من المياه المتاحة، ولا تُوجدُ في أفريقيا معاهدةٌ شاملةٌ بشأن المياه العابرة للحدود[1]، لذا لا بد من إيجاد السبل لدعم المرونة والاستقرار الهيدروسياسي في السياق العابر للحدود.
تحدي السدود الكبيرة:
تشيرُ المياهُ العابرة للحدود إلى طبقات المياه الجوفية وأحواض البحيرات والأنهار المشتركة بين بلدين أو أكثر، ومن المعروف أن السدودَ الكبيرةَ والتي تحددها “اللجنة الدولية للسدود الكبيرة” بأنها السدودُ التى يزيدُ ارتفاعُها عن 15 مترًا، وهى تؤثرُ على أنظمة الأنهار عن طريق تغيير العديد من العوامل الرئيسية بما في ذلك: أنظمة التدفق، وشكل المجرى، ونقل الرواسب، وتؤثر كذلك على الكائنات الحية التى تسكنُ النهر، وتعتمدُ طبيعةُ هذه التأثيرات وحجمها على تصميمِ السد وحجمهِ واستخدامه، وخصائص مجاري المياه ومستجمعات المياه الأخرى.
فعلى الرغم أن السدودَ الكهرومائية الكبيرة لعبت دوراً رئيسياً في الاقتصاد العالمي والبيئة، حيث وفرت مياهَ الشرب والريَ، واستيعاب الفيضانات، وعالميا، توفر الطاقة الكهرومائية المولدة من السدود الكبيرة 24% من الطلب العالمي على الكهرباء[2]، لكن في السنوات الأخيرة شهدَ العالمُ تغييراً في الاتجاهات في سياق بناء السدود الكبيرة وانخفاضًا في عدد مشاريعها، مما قد يشير إلى اقتراب نهاية عصرها وتغيّرٍ في النهْجِ المتبّعِ في إدارة الطاقة والمياه من خلال التوجه إلى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
فالسدود تجلبُ معها عدداً من المشاكل مثل التكاليف الاجتماعية حيث تهجيرُ السكان، وتكاليف اقتصادية، تتمثل في التكلفة العالية لبناء السدود وصيانتها، بجانب التأثيرات البيئية السلبية، وعلى المدى الطويل، سيكون للتحول في مجال الطاقة وتغيرِ المُناخ بلا شك تأثيرٌ على الحدِّ من تطوير وأهمية السدود الكبيرة[3]، نتيجة ازدياد حدوث فترات جفاف أطول وفيضانات أشد.
ففي حالة الفيضانات الهائلة، يُفترضُ بناءُ سدودٍ ضخمةٍ تستطيع استيعابَ مساحاتٍ واسعة لتخزين المياه، أما في حالة الجفاف فالأمثل أن يكونَ سطحُ التخزين أصغر لإقلال التبخر وتحسين التدفق، كما أن خفض مستويات التخزين في السدود لتوفير حيز لاستقبال مياه الفيضانات يعيق توليد الكهرباء كما يزيد من تراكم الطمي.
كان البنكُ الدوليُ قد بدأ منذ سنة 2013 بالابتعاد عن تمويل بناء السدود الضخمة، ويفضّلُ البنك الدولي حالياً تمويلَ مشاريع الطاقة المتجددة على تمويل مشاريع بناء السدود الضخمة لإنتاج الكهرباء. ويبدو أن الحصةَ السوقيةَ للطاقة الكهرومائية آخذةٌ في التناقص أمام حصة مصادر الطاقة المتجددة الأخرى.[4] وفي يناير 2018، أعلنت البرازيل عن إنهاء سياستها في بناء السدود الضخمة[5]، كذلك انتهى زمنُ توليد الكهرباء عبر بناء السدود العملاقة في الصين وفق مراقبين.
في هذا السياق، كشفت دراسةٌ نشرتها دوريةُ “بي إن ايه إس” التابعة للأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية، عن تسربِ كميةٍ كبيرة من مياه بحيرة “السد الإثيوبي الكبير” وقُدرتْ حجم تسربات المياه بنحو 19.8 مليار متر مكعب خلال السنوات الثلاث الأولى من ملء السد من بين 43 مليار متر مكعب تراكمت في الخزان، وستظهر حاجة إثيوبية لتعويض التسريب بشكلٍ دائم، وهو ما يسلطُ الضوء على الحاجة إلى إعادة تقييم عاجلة لإستراتيجيات إدارة المياه في حوض النيل، على ألا تغفلَ هذه الإستراتيجيات الدورَ الذي تلعبه تلك المياه المتسربة في تحفيز النشاط الزلزالي الذي قد يؤثر على سلامة السد نفسه.
وأكدتْ تحليلاتُ الصور الفضائية ظهورَ مستنقعاتٍ جديدةٍ في السهول شرق وادي النيل، والتي زادت من 109 كيلومترات مربعة في عام 2020 إلى 328 كيلومترا مربعا في عام 2022، وهو ما يعتبر هدر مائي بالنسبة لدولتي المصب.[6]
وعليه، فإن تعزيز التعاون القاري في إفريقيا فيما يخص إدارة الموارد المائية، وتجنّب النزاعات، وتعظيم الاستفادة من الأنهار الأفريقية بات ضرورةً، فالحوار والتعاون هما المفتاح لتحقيق التنمية المستدامة وضمان تلبية احتياجات جميع الدول المتشاطئة بطريقة عادلة ومتوازنة.
لا تمتلكُ إفريقيا حتى الآن مدونةً لقواعد السلوك خاصة بإدارة الأنهار العابرة للحدود. لذلك، فإن التوصل إلى اتفاقٍ حول ممارساتٍ فعالةٍ وعادلة لإدارة المياه العابرة للحدود يمكن أن يزوّد الدولَ بالمعلومات والأدوات اللازمة لتحقيق إدارةٍ مستدامةٍ لهذه الموارد، ويمكن تحقيق ذلك من خلال وضع مبادئ تحفز التعاون الإقليمي بشكل أكثر فعالية، ورغم التباين الكبير في الظروف الطبيعية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تُحيطُ بالأنهار وأحواض البحيرات وأنظمة المياه الجوفية في إفريقيا، فإن وضع “مدونة لقواعد السلوك” يعتبر خطوة ضرورية.
ومن الضروري أن تشاركَ في صياغة هذه المدونة الدول الإفريقية تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، والشراكة الدولية للمياه، وكذلك الجهات المعنية الأخرى، على أن تتضمنَ المدونةُ أُطرًا عامةً تتماشى مع التوجهات العالمية الحديثة، مع مراعاة قضايا التنمية، وتغير المناخ، والاستخدام العادل والمنصف للموارد المائية، وأن تستندَ إلى الأُطرِ الفنية اللازمة لتنظيم إدارة أي نظام نهري بشكل متكامل.
ويمكن اقتراح وتقديم بعض تلك الممارسات وقواعد السلوك التى تحتاجها أنهار أفريقيا لإدارة القضايا المتعلقة بالمياه العابرة للحدود، وتعزيز التعاون وبناء علاقات أفضل بين مستخدمي موارد المياه العابرة للحدود على النحو التالي:
إنشاءُ لجنةٍ فنية دائمةٍ معنية بالسدود تابعة للاتحاد الأفريقي.
اعتمادُ التوجهات العالمية الحديثة في التنمية في ملف الطاقة بالتوجه للطاقة الشمسية وطاقة الرياح على حساب إنشاء السدود الكبيرة.
التأكيدُ على أن الاتفاقاتِ القانونيةَ الملزمةَ – وليس التصرفات الأحادية- هي القاعدة والأساس للتعاون عبر الأحواض المائية المشتركة.
الاتفاقُ على آلياتِ حلِّ النزاعات، مع التعهد بعدم تقويض مساراتها والالتزام بنتائجها.
الاتفاقُ على إجراءاتٍ للإخطار والتشاور المسبق والاتفاق.
وضعُ خططٍ للتكيّفِ مع تأثيرات التغير المُناخي على الموارد المائية، وعلى تدفق الأنهار ونمط الأمطار في القارة مثل إطلاق مزيدٍ من المياه للحفاظ على التدفق الطبيعي للنهر الذي يصلُ لدول المصبِّ، وإجراءات ريٍّ أكثر صرامة فى دول المنبع والمصب، والمشاورات الفورية، وأنظمة الإنذار عبر الحدود.
تبادلُ البياناتِ والمعلومات بين البلدان المشاطئة من أجل معرفة المخاطر المشتركة والتخطيط لإدارتها.
تقييمُ المنافعِ المشتركة للتعاون عبر الحدود.
الاتفاقُ على آليةِ تمويل لإدارة الموارد المائية العابرة للحدود، سواء التمويل الوطني
أو عبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص، أو غيرها من الوسائل.