يمثل توفير بيئة إقليمية آمنة أحد محددات نجاح دفع التنمية، كذلك من المهم إشراك دول الجوار فى فرص التنمية المتاحة بما يعطى زخمًا أكبر للتعاون الإقليمى والاندماج الاقتصادى، وبما ينعكس ذلك على السلام والاستقرار على المنطقة، ومساهمة الأطراف المختلفة فى التنمية الاقتصادية، وبالتالى تخفيف الأعباء التى ستتشكل فى حالة انزلاق إحدى الدول لاضطراب داخلى.
وعليه فإن “ربط التنمية” مع دولتى الجوار “ليبيا والسودان” هو أمر ضرورى لدعم مسار التنمية فى مصر وتحقيق رؤية 2030، ويسهم فى استقرار الأوضاع هناك حيث يمثل تعظيمًا لمكاسب إحلال السلام فى ليبيا والسودان، وهو بذلك يشكل حافزًا لأطراف الصراع فى الدولتين لإحلال السلام.
ومصر لديها رؤية واضحة تقوم على دعم الدولة الوطنية، وبناءً عليه فهى أول المشجعين على عقد الانتخابات الرئاسية فى ليبيا بهدف الوصول إلى سلطة تنفيذية موحدة وتعافى ليبيا من أزمة الحكم لديها، وفى السودان تدعم عودة السلام من خلال عودة الطرفين لمنبر جدة لحل الخلافات السياسية ووضع حد للأزمة الإنسانية، لذا فإن الاستعجال بدفع التنمية قد يوفر هامشًا مهمًا لجميع الأطراف يدعوهم لتغليب المصلحة الوطنية على حساب المصلحة الشخصية.
ويمكن تصور امتداد أذرع التنمية والتعاون بين الدول الثلاث فى مجالات عدة والتى تقع خارج الاستقطاب السياسى والتى تهم صانع القرار والمواطنين، حيث:
مشاركة القاهرة خبراتها فى القطاع الصحى
تزداد أهمية تبادل الخبرات ما بين الجانب المصرى من جهة والجانب الليبى والسودانى من جهة أخرى، والتعاون فى مجال الرعاية الصحية والضمان الصحى والاستثمار فى مجال الرعاية الصحية، والحديث عما يقدمه التأمين الصحى الشامل فى مصر وهو أكبر مشروع قومى لبناء قدرات القطاع الصحى فى مصر، لحوكمة وتنظيم قطاع الرعاية الصحية، والميكنة والتحول الرقمى للخدمات، وتعزيز جودة وكفاءة الخدمات الصحية للمنتفعين، وتمكينهم من الحصول على حقوقهم فى الرعاية الصحية المتكاملة، وهو أمر سيكون حيويًا للدول الثلاث.
التعاون فى مجال الثروة المعدنية والبترول
بشأن أهم الصادرات التى يعتمد عليها السودان، وهى الذهب، فقد تراجع إنتاجه من 18 طنًا إلى طنين، مما أضر بعائدات صادرات الذهب التى تعادل 50% من الصادرات، وهو ما قد يمثل دعوة لإنشاء تكتل يجمع الدول الثلاث يعمل على تحديد فرص تكامل سلاسل الصناعات التعدينية ووضع خريطة الاستثمارات التعدينية بها، كذلك بدأت مصر تنفيذ إستراتيجية وطنية لصناعة البتروكيماويات، وتستهدف الدولة من خلالها التحول إلى مركز إقليمى لصناعة البتروكيماويات، فى ظل موقعها الإستراتيجى المتميز فى المنطقة، وسيعد مشاركة الخبرات المصرية مع دولتى الجوار حافزًا مهمًا لتعزيز التعاون الثلاثى.
التعاون حول الخبرات المصرفية
تكبد القطاع المصرفى فى السودان خسائر كبيرة، إذ تعرض 100 فرع من المصارف العاملة فى السودان للنهب والسرقة والتدمير، بينما بلغت نسبة الأموال المنهوبة أكثر من 38% فى مصارف العاصمة الخرطوم فقط، ولم يسلم بنك السودان المركزى من عمليات التخريب[1]، لذا فإن الاستعداد لتعزيز القدرات الرقابية والمصرفية، ونقل التجارب والخبرات المصرية فى مجالات الرقابة على البنوك وإدارة المخاطر المختلفة، ونظم الدفع، والشمول المالى، والتشريعات المصرفية ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب أمر ضرورى، وخلال يناير الماضى بحث محافظ مصرف ليبيا المركزى بالقاهرة مع محافظ البنك المركزى المصرى التعاون الثنائى والتطورات الاقتصادية الدولية، وتناول الاجتماع العديد من المسائل ذات الاهتمام المشترك بما فيها التطورات الاقتصادية الإقليمية والدولية وتبادل الخبرات المصرفية والمالية وتعزيز التعاون فى مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بالتالى فإن وضع مجال التعاون بين البنوك المركزية للدول الثلاث فى إطار ثلاثى يحمل كثير من الميزات للأطراف.
خطة أوسع لتنمية الموانئ
وضعت مصر إستراتيجية متكاملة لتطوير موانئها بالتعاون مع الشركات العالمية المتخصصة فى الإدارة والتشغيل وتنفيذ البنية الفوقية، لضمان أعلى مستوى من الكفاءة ومواكبة التطور الملاحى والتجارى العالمى، والنهوض بالاقتصاد القومى عبر جذب خطوط الملاحة والتجارة العالمية، وكذلك تحقيق التكامل بين الموانئ المصرية من خلال وضع مخطط متكامل يتضمن خريطة استثمارية للموانئ المصرية، فضلًا عن استكمال التغطية الجغرافية لمصر بخدمات النقل البحرى وذلك لدعم التنمية الشاملة، وهنا تبرز أهمية إدماج الموانئ السودانية والليبية ضمن إستراتيجية أوسع وأشمل تحقق مصالح ربط ودعم التنمية بين الدول الثلاث.
مجلس أعمال مشترك
إذا كنا نتحدث عن تعظيم التعاون واقتسام فرص التنمية بين الدول الثلاث، فمن الضرورى تأسيس مجلس أعمال مشترك فى مسعى نحو تعزيز التجارة البينية بين الأطراف الثلاثة وزيادة حجم التعاون التجارى والاستثمارى بين البلدين، وهو ما يمهد الطريق للدول الثلاث وقطاع الأعمال فى الارتقاء بالعلاقات، حيث سيضطلع مجلس الأعمال المشترك بالأنشطة التجارية والترويج بشكل منهجى للفرص الاستثمارية بالتركيز على القطاعات المستهدفة فى أجندة التعاون الاقتصادى، والعمل على إزالة التحديات والمعوقات فضلًا عن تبادل المعلومات عن الأسواق والفرص الاستثمارية المتاحة، وتقديم التوصيات للجهات المختصة، وتشجيع المشاركة فى المعارض والمنتديات وتبادل الزيارات والوفود التجارية.
