المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > دلالاتُ سكِّ الحوثيِّين لعُمْلةٍ معدنيةٍ جديدةٍ في شمال اليمن
دلالاتُ سكِّ الحوثيِّين لعُمْلةٍ معدنيةٍ جديدةٍ في شمال اليمن
- يوليو 21, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد : رضوى الشريف
منسق وحدة شؤون الشرق الأوسط
في خطوةٍ تتجاوز مجرد التدبير الاقتصادي إلى ما هو أبعد من ذلك سياسيًّا واستراتيجيًّا، أعلنت جماعة الحوثي في 12 يوليو 2025 عن سكِّ عُمْلةٍ معدنيةٍ جديدةٍ من فئة خمسين ريالًا، تَبِعَها إصدار جديد من الورقة النقدية فئة 200 ريال، ولا يمكن فصْل هذه الإجراءات عن مسارٍ ممنهج تتبنَّاه الجماعة منذ سنوات؛ لتكريس واقعٍ اقتصاديٍّ مغايرٍ، يُؤَسِّسُ لفصْلٍ نقديٍّ فِعْلِيٍّ عن الحكومة الشرعية في عدن، ويُرسِّخُ قواعد كيان مالي مستقل في مناطق سيطرتها؛ فهذه ليست مجرد تحرُّكات فنية لمعالجة تآكُل العملة أو تلبية احتياجات السوق، بل تعكس رُؤْية متكاملة لفرض سيادة اقتصادية بحُكْم الأمر الواقع، بما يتجاوز حدود الممارسة النقدية ليشكِّلَ تحدِّيًا مباشرًا لمفهوم الدولة الواحدة، والمؤسسات المالية المُوحَّدة في اليمن.
ويأتي هذا التطوُّر في سياق تصعيدٍ متسلسلٍ تتبنَّاه الجماعة عبْر إعادة هندسة النظام المصرفي، وفرْض سياسات نقدية خاصَّة، ومنْع تداول العملة الصادرة من البنك المركزي في عدن؛ ما يشير إلى انزلاق تدريجي نحو نموذج “اقتصاد الظِّلِّ” الذي يعمل خارج الأُطُر الرسمية والشرعية، كما أن تزامن هذه الخطوات مع التدهور المستمر في النظام المالي وغياب آليات رقابة مركزية فاعلة، يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل وحْدة اليمن الاقتصادية، ومدى قدرة الحكومة المعترف بها دوليًّا على احتواء هذا التمدُّد النقدي الموازي، في ظلِّ استمرار التآكُل المؤسسي والانقسام المالي المتسارع، إنها ليست فقط عُمْلة جديدة، بل إشارة صريحة إلى نظام اقتصادي جديد يتبلور خلْف خطوط الجبهات.
ردود الفِعْل الرسمية والدولية
أحدثت خطوةُ سكِّ العُمْلة موْجةً من التنديد والانتقاد من قِبَلِ أطراف محلية ودولية، إلَّا أن هذه الرُّدود، رغم وضوحها، تكشف أيضًا عن محدودية أدوات المواجهة، واعتماد المجتمع الدولي على لغة البيانات فقط، دون تفعيل آليات الرَّدِّ أو الاحتواء، ومن أبرز ردود الفعل ما يأتي:
الحكومة الشرعية: رفضت الحكومة في بيانٍ، الإجراء الحوثي، واعتبرته استمرارًا للحرب الاقتصادية التي تمارسها الميليشيات على الشعب اليمني، ونَسَفًا للاتفاق السابق بين الطرفين، الذي تمَّ توقيعه في 23 يوليو 2024، برعاية إقليمية ودولية.
البنك المركزي في عدن: أصدر البنك المركزي اليمني في عدن بيانًا صريحًا، وصف فيه الخطوةُ، بأنها “تصعيد خطير” و”إصدار غير قانوني”، وأكَّدَ أن هذه العُمْلة تُعَدُّ مُزوَّرةً بموجب القانون اليمني والدولي، وأن التعامل بها يُعرِّضُ الأفراد والمؤسسات للمساءلة؛ كوْنها صادرة عن كيان غير شرعي مُدْرَجٍ على قوائم الإرهاب.
وشدَّدَ البيانُ على أن الهدف الحقيقي من سكِّ هذه العُمْلات هو تمويل شبكات اقتصادية وهمية، لا تستند إلى أيِّ غطاءٍ نقديٍّ، وتستخدم لنهْب موارد المواطنين وتمويل منظومات الولاء والمجهود الحربي للجماعة.[1]
الأمم المتحدة: أعرب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن “قلق بالغ” من هذا التصعيد النقدي، واعتبره انتهاكًا مباشرًا لتفاهمات 2024، مُحذِّرًا من أَثَرِهِ على الاقتصاد اليمني الذي وصفه بـ”الهشِّ أَصْلًا”، وشَدَّدَ على أن هذه الخطوات تُعرقل جهود التهدئة، وتؤسس لانقسامات دائمة يصْعُبُ تجاوزها في المدى المنظور.[2]
الولايات المتحدة: أدانت السفارة الأمريكية في اليمن إصدار الحوثي عُمْلَات نقدية ومعدنية مُزَيَّفَة، مؤكدةً أن السلطة النقدية اليمنية الوحيدة المعترف بها هي البنك المركزي اليمني الذي يتخذُّ من عدن مقرًّا له، وأن قراراته وحدها تُعَدُّ شرعيةً من قِبَلِ المجتمع الدولي.
المملكة المتحدة وفرنسا: تبنَّت كُلٌّ من سفارتيْ البلديْن لدى اليمن موقفًا متماهيًا، وطالبتا بالتزام الحوثيين الفوري بتوجيهات البنك المركزي المعترف به، ووقْف أيِّ ممارسات تمسُّ وحْدة النظام النقدي.