المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > دلالات ورسائل زيارة عون إلى الإمارات
دلالات ورسائل زيارة عون إلى الإمارات
- مايو 1, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: ريهام محمد
باحث في وحدة شؤون الشرق الأوسط
في مشهد إقليمي متحوّل، تتسارع فيه محاولات ترسيم الأدوار وتثبيت التوازنات، برزت زيارة الرئيس اللبناني جوزيف عون إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في 30 أبريل الجاري، كخطوة محسوبة في مسار دبلوماسي يسعى إلى إعادة تموضع لبنان ضمن بيئته العربية، بعد سنوات من الانكفاء والتوتر.
في هذا الإطار، لم تكن زيارة أبوظبي تحركًا منفصلًا، بل جزءًا من مسار إقليمي بدأ بالرياض ويُستكمل بدعوة كويتية مرتقبة، ضمن محاولة لبنانية مدروسة لبناء شراكات تنموية وسياسية قائمة على قاعدة “الدولة أولًا”، وتأتي هذه التحركات وسط تصعيد إسرائيلي مستمر في الجنوب، وتزايد الضغوط لنزع سلاح حزب الله، ما يجعل من كل لقاء خارجي للرئيس عون فرصة لبلورة موقع لبنان الجديد بين تحديات الداخل واستحقاقات الإقليم.
خلفية الزيارة ودلالة توقيتها:
مع وصول العماد جوزيف عون إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية مطلع عام 2025، بدا واضحًا أن صفحة جديدة قد فُتحت في السياسة اللبنانية تتسم بالعودة إلى مفهوم الدولة والشرعية، بعد سنوات من التوتر والانكماش الإقليمي، وقد ساهم نجاح تشكيل حكومة جديدة في فبراير الماضي في توفير مساحة كافية للرئيس الجديد للتفاعل على الساحة الدولية مستندًا إلى صلاحياته التنفيذية والسياسية، من هنا كانت زيارات عون الخارجية بمثابة خطوات استراتيجية تهدف لإعادة لبنان إلى محيطه العربي الطبيعي بدلاً من كونها مجرد إجراءات بروتوكولية، وفي هذا السياق، جاءت زيارته الأولى للمملكة العربية السعودية في مارس كخطوة مدروسة لتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع الرياض، حيث فتحت هذه الزيارة آفاقا للتفاهم السياسي مع القيادة السعودية حول رؤية جديدة للشؤون اللبنانية ترتكز على مبدأ “لبنان الدولة أولاً”، مما يسهم في استقرار البلاد سياسيًا ويعزز مسارها الاقتصادي، وجاءت زيارة الإمارات لتشكل جزءاً مكملًا لهذه الاستراتيجية وجولة عربية محسوبة تركز فيها بيروت على تأكيد هويتها كدولة عربية ملتزمة بجوارها وتبحث عن شراكات تنموية مستدامة مع العواصم الخليجية المهمة مثل الرياض وأبوظبي.
في إطار دلالة التوقيت، كانت الزيارة محورية وحاسمة من عدة جوانب. حيث زاد الضغط الدولي والإقليمي على لبنان، وخاصة بشأن مطالبة حزب الله بتسليم سلاحه وتحويل نشاطه إلى العمل السياسي فحسب، وقد ظهر هذا الضغط بوضوح في العديد من التصريحات التي صدرت عن دول ومنظمات إقليمية ودولية، بالإضافة إلى استمرار التحديات الأمنية على الحدود الجنوبية مع إسرائيل، والتي عادت لتكثيف هجماتها في المنطقة بشكل مستمر، هذه المعادلة الأمنية والسياسية وضعت لبنان في موقف يتطلب منه التعبير عن قوة وتوازن في بيئته العربية، الأمر الذي بدوره يجعل من كل خطوة خارجية للرئيس الجديد اختبارًا مزدوجًا لمدى قدرته على تمثيل لبنان الرسمي، ولدرجة قبول العالم العربي بإعادة احتضان بلدٍ لا يزال يتلمّس طريقه بين الخرائط المتداخلة.
نتائج الزيارة:
اختتمت زيارة العمل التي قام بها عون إلى أبو ظبي بإصدار بيان مشترك بين الدولتين جاء فيه:
-
التأكيد على الدعم السياسي والأمني للبنان: كان تأكيد الشيخ محمد بن زايد لدعم الإمارات لأمن واستقرار وسيادة الجمهورية اللبنانية أحد أبرز الرسائل السياسية الناتجة عن الزيارة. [1]
ويعكس هذا الموقف الالتزام الواضح للإمارات بالحفاظ على الكيان الرسمي اللبناني، خاصة في ظل المخاوف المتزايدة خليجيًا ودوليًا من تصاعد نفوذ حزب الله وهيمنة القرار غير الرسمي على الدولة اللبنانية، كذلك فإن تأكيد الإمارات على العمق العربي الاستراتيجي للبنان يعيد بيروت إلى سياق التضامن العربي ويغطي رئاسة جوزيف عون بتأييد سياسي إقليمي بالغ الأهمية لمواجهة الضغوط الداخلية المتزايدة حول ضرورة نزع السلاح خارج إطار الدولة.
-
تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية: اتفق الطرفان على مجموعة من الأعمال الاقتصادية والتنموية التي تهدف إلى دعم التعافي اللبناني، ولكن ضمن إطار تعاون حديث يستند إلى الشراكة بدلاً من المساعدات، ومن أبرز هذه الإجراءات:[2]
– تأسيس مجلس أعمال مشترك بين الإمارات ولبنان لتيسير الاستثمار وتبادل المشاريع بين القطاعين الخاصين في كلا البلدين.
– إرسال وفد من صندوق أبوظبي للتنمية إلى لبنان بغرض تقييم المشاريع المحتملة للتمويل، والتي قد تشمل مجالات البنية التحتية والطاقة والقطاعات الإنتاجية.
-التبادل التجاري وتنمية العلاقات الاقتصادية بشكل متوازن ومستدام.
-
التعاون في تطوير الأداء الحكومي والمؤسسي: في سياق دعم جهود إصلاح الإدارة العامة في لبنان، تم الاتفاق على زيارة وفد من مكتب تبادل المعرفة بوزارة شؤون مجلس الوزراء الإماراتية إلى بيروت لمشاركة التجارب الإماراتية المتعلقة بتطوير الأداء الحكومي والتفوق المؤسسي. [3]
تُظهر هذه المبادرة الفنية استعداد الإمارات لدعم لبنان في إنشاء مؤسسات حديثة تعتمد على الكفاءة والحوكمةبعيدًا عن المحاصصة والتسييس، وهو ما يتوافق مع مطالب المجتمع اللبناني والمجتمع الدولي.
-
تطور العلاقات الدبلوماسية والتنقل: وفي إشارة لتحسن العلاقات الثنائية بين الجانبين، أعلنا عن:
– السماح للمواطنين بالسفر بين البلدان مع اتخاذ التدابير المناسبة مما يعزز التواصل الشعبي والتجاري.
– السعي لرفع مستوى التمثيل الدبلوماسي المتبادل كخطوة تعكس عودة الثقة تدريجياً للعلاقة الرسمية بعد فترة طويلة من الفتور الدبلوماسي.
هذه الخطوة تحمل دلالات سياسية رمزية وتشير إلى نظرة إيجابية للإمارات نحو التحولات الحاصلة في السياسة اللبنانية الجديدة.
-
توافق بشأن مقاربة إقليمية أكثر توازناً: شهد اللقاء استعراض للأوضاع الإقليمية وأبدت الإمارات تفهماً لحساسية موقع لبنان وسط الأزمات المحيطة به، لكن في رسالة دعم معنوي وسياسي تهدف إلى تعزيز موقع بيروت ضمن النظام العربي، مع تحفيزها على القيام بإصلاحات تضمن استقرارها الداخلي.