رضوى رمضان الشريف
مقدمة
استنادا لمقولة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل الشهيرة “لا عداء دائم ولا صداقة دائمة في السياسة بل مصلحة دائمة”، وتعد هذه قاعدة أو أصل من أصول العلوم السياسية، بل أصل يتداول الناس في محافلهم العامة والخاصة، وينطبق ذلك الإطار بشكل إجمالي على العلاقات الروسية الإيرانية التي تتميز بلا شك بأنها كانت دوماً متعددة الأوجه بشكل معقد، وتتأرجح بين التعاون والتنافس.
فتتخذ العلاقات الروسية الإيرانية أهمية كبيرة بالنسبة إلى البلدين في السابق والحاضر، وحتى في المستقبل، لكونهما يتشاركان في مواجهة عقوبات أميركية قاسية فُرضت عليهما منذ سنوات، ما دفعهما إلى تعزيز علاقاتهما الاقتصادية والعسكرية والأمنية بشكلٍ متواصل.
ومن مؤشرات التقارب الروسي الإيراني، يُلاحظ أن كلا البلدان عملتا بشكل وثيق في سوريا، حيث كانت هي الميدان الأكبر الذي تُرجم فيه التعاون العسكري والاستراتيجي بين روسيا وإيران، إذ شاركت الدولتان مبكراً في مواجهة الجماعات الإرهابية في سوريا بدعوة من الحكومة السورية، وخصوصاً أن التهديد الإرهابي الذي دُعم من دول غربية بدأت تداعياته تطال دولاً عديدة في المنطقة، وقد تميز هذا التعاون بتنسيق عسكري على الأرض، ومواكبة سياسية ودبلوماسية من كلا البلدين.
أما في أفغانستان، تشاركتا العمل على احتواء الانسحاب الأميركي في أغسطس الماضي، وتسلّم حركة “طالبان” الحكم في البلاد، إذ توصّل البلدان إلى توافق مع الحركة بشأن تعزيز التعاون الأمني.
ولكن شهدت العلاقات الروسية الإيرانية توتراً متفاوتا أيضا، حيث تراجعت روسيا في عام 2010 عن تسليم إيران صفقة صواريخ “إس 300” التي كانت روسيا وإيران اتفقتا عليها، وتذرّعت روسيا بقرار مجلس الأمن رقم 1929، الخاص بحظر بيع الأسلحة إلى الأخيرة، على الرغم من أنّ أنظمة الصواريخ أرض جو الدفاعية كانت مُعفاة من القرار 1929. وتذهب بعض التحليلات بأن السبب الحقيقي للسلوك الروسي حينئذٍ كان رغبة روسيا في التصالح مع المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة بعد الحرب الروسية الجورجية في 2008.
ولكن حتى في ذروة تطبيع السياسة الخارجية الروسية مع الغرب في فترات متفاوتة، حافظت موسكو على علاقة بنّاءة مع إيران، وظلّت معاداة سياسات الولايات المتحدة أهم العوامل التي زوّدت روسيا وإيران بوجود القواسم المشتركة حتى عندما تختلف مصالحهما.
وفي إطار ذلك يلعب البرنامج النووي الإيراني دوراً بارزاً في سياسة الخارجية الروسية تجاه الولايات المتحدة، فعلى الرغم من امتثال روسيا كثيراً إلى العقوبات الدولية على إيران قبل إتمام خطة العمل الشاملة المشتركة وبعد إتمام الاتفاق، تخوّفت من حدوث تقارب في العلاقات بين إيران من جهة والولايات المتحدة ودول أوروبا من جهة أخرى، إلا أنّ فرض العقوبات الأميركية على إيران بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق ضاعف أهمية روسيا في السياسة الخارجية الإيرانية لتجنّب عزلتها الدولية.
وتشير الفترة الراهنة؛ أي “الغزو الروسي لأوكرانيا”-الذي يلقي بظلاله على مستقبل النظام الدولي ومنطقة الشرق الأوسط لن تكون بمنأى عن هذا التحول-إلى تجاذب ملحوظ وقوي بين روسيا وإيران؛ فبعد ساعات من شن روسيا غزوها لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، اتصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الإيراني إبراهيم رئيسي لإبلاغه بـ “العملية العسكرية الخاصة” لروسيا. وخلال الاتصال، أعرب رئيسي عن تفهم إيران للمخاوف الأمنية لروسيا، وأكد ادعاء الدولة بأن “توسع الناتو يشكل تهديدًا خطيرًا لأمن واستقرار الدول المستقلة”.
إلى حد ما، يعكس دعم إيران للإجراءات الروسية التحسن في العلاقات الثنائية، التي نمت بشكل كبير على المستويين السياسي والعسكري خلال العقد الماضي، حيث أدى التعاون الروسي والإيراني في الحرب الأهلية السورية -وإن لم يكن بدون مشاكل -عندما يقترن بالكره المتبادل تجاه الغرب، إلى تنسيق أكبر حول الأهداف والمصالح المتداخلة.
ولكن يوجد بعد المخاوف من أن يؤثر ذلك التقارب على ملفات أمنية مهمة في منطقة الشرق الأوسط وخاصة المنوطة بمصالح غربية وأمريكية، ولفهم دوافع ذلك التقارب، يستلزم دراسة استراتيجية الطرفين تجاه بعضهم الآخر.
استراتيجية إيران تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا
لم يكن الموقف الإيراني تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا مخالفا عن مواقفها السابقة بشأن معارضتها لتوسيع الناتو وكذا موقفها المرتبط بشأن جورجيا في عام 2008 وشبه جزيرة القرم في عام 2014، والذي تجنبت فيه طهران دعم تحديات موسكو لوحدة أراضي أوكرانيا نتيجة لمخاوف إيران بشأن المطالب الانفصالية للأقليات البلوشية والأهواز العربية.
فبعد الحرب الروسية الجورجية عام 2008 واعتراف روسيا بالجمهوريات الانفصالية لأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، تجنبت طهران تأييد دعم روسيا لتلك الجمهوريات لكنها تبنت موقفًا ملائمًا بشكل ملحوظ بطرق أخرى، وعكس هذا التوازن اعتماد طهران على موسكو لعرقلة أو تخفيف عقوبات الأمم المتحدة وميل الرئيس الإيراني آنذاك، محمود أحمدي نجاد، إلى استغلال المشاعر الروسية المعادية للغرب، كما ذهب نجاد إلى حد محاولة تبرير الإجراءات الروسية من خلال الإشارة إلى أن الصراع نشأ بسبب قبول جورجيا للتدخل الأجنبي والضغط الغربي للانضمام إلى الناتو.
أما أزمة شبه جزيرة القرم 2014، يمكن القول بأن إيران اتبعت منطقًا مشابهًا لمنطق جورجيا، فلم تعترف إيران بالمطالب الروسية الإقليمية لشبه جزيرة القرم، بينما لا تزال تقلد رواية موسكو حول التدخل الأجنبي في أوكرانيا. وأوضح سفير إيران في موسكو آنذاك مهدي سناعي أن إيران “تعارض تدخل الدول الأجنبية” في الصراع في أوكرانيا وأن “القضايا التي تنشأ في منطقة ما يجب حلها داخل المنطقة”، وأبرز الغياب الملحوظ لإيران خلال تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2014 بشأن وحدة أراضي أوكرانيا موازنة طهران بين علاقتها مع موسكو وتوترها بشأن حق الأقليات في تقرير المصير.
على الرغم من أن إيران امتنعت في البداية عن دعم المبادرات التي قوضت بشكل مباشر الأساس القانوني الدولي لوحدة أراضي أوكرانيا، إلا أنها تحولت نحو استيعاب أكبر للمواقف الروسية منذ عام 2018، بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)والبدء بحملة “الضغط الأقصى” لإدارة دونالد ترامب الأمريكية السابقة والتي كانت تهدف إلى فرض عقوبات مكثفة على إيران.
منذ ذلك الحين، اقترحت إيران تعديلات على قرارات في الجمعية العامة لصالح مواقف روسيا بشأن أزمة مضيق كيرتش في عام 2018 بين خفر السواحل الروسي والبحرية الأوكرانية، وعملية مينسك التي تم إنشاؤها لحل النزاع في شرق أوكرانيا. علاوة على ذلك، انضمت إيران إلى دول مثل بوليفيا وسوريا في التصويت ضد قرارات تدين روسيا في أوكرانيا.
كان السبب المنطقي وراء هذا التحول هو سجل التصويت في البلاد بشأن قضايا حقوق الإنسان في إيران، ويبدو أن هذا، جنبًا إلى جنب مع علاقات طهران المتوترة مع كييف بسبب إدانتها لإسقاط طائرة ركاب أوكرانية عام 2020، واغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس قاسم سليماني، كل تلك المعطيات أثارت في تحول طهران لموالاة وتأييد لروسيا.
إيران “ورقة مساومة” روسية
يبدو أن بعض صنّاع السياسات في الغرب يعتقدون أنه بإمكان روسيا المساعدة في قضية الملف النووي الإيراني؛ فلطالما لعبت روسيا دوراً رئيسياً في المفاوضات النووية المتعددة الأطراف مع إيران، غير أن تصعيدها الأخير في أوكرانيا يلقي بظلالٍ قاتمة بشكل خاص على المحادثات الحالية في فيينا، والتي تهدف إلى إعادة تفعيل “خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015”.
وبالنظر إلى مدى تدهور ووصول العلاقات الروسية الغربية إلى أخطر نقطة تحوّل لها منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، تسعى روسيا لمناورة الولايات المتحدة وحلف الناتو في مناطق تحتوي على مصالح استراتيجية لكل منها للحد من الضغوط والعقوبات المفروضة عليها حاليا بسبب الأزمة الأوكرانية.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أهمية الدور الروسي في أهم الملفات إلحاحا والتي تمثل هاجسا للغرب ألا وهي البرنامج النووي الإيراني، ومن أجل فهم ذهنية بوتين الحالية يتطلب إلقاء نظرة ثاقبة على مقاربته السابقة لبرنامج إيران النووي والمساعي الدبلوماسية ذات الصلة؛ فلطالما فضّلت موسكو ألا تمتلك إيران أسلحة نووية، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنها تشارك الغرب أهدافه أو أساليبه أو خطوطه الحمراء بشأن هذه القضية؛ فقد أيّد الكرملين العقوبات المفروضة على طهران وعمل في الوقت نفسه على تخفيفها، مدعياً أن المخاوف الغربية مبالغ فيها وتضر بجهوده الرامية إلى توسيع التجارة الثنائية مع إيران، وقد استخدمت روسيا أيضاً دعمها للعقوبات كوسيلة لانتزاع تنازلات من الغرب.
وفي هذا الإطار، خلص العديد من المحللين الروس إلى أن بوتين قادر على التعايش مع دولة إيرانية نووية إذا لزم الأمر – ولكن كان مصدر قلقه الأكبر هو احتمال أن تصبح إيران موالية للغرب.
تداعيات انهيار محادثات فيينا على الشرق الأوسط
لم تكن محادثات فيينا -التي استمرت لثماني جولات مع الأطراف الموقعة الرئيسية على الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، في محاولة لإحياء الاتفاق الذي انسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018- بمنأى عن تباعات الغزو الروسي لأوكرانيا؛ نظرًا لتدخل روسيا في قطاع الطاقة المدنية الإيرانية والخبرة الفنية، ومن المتوقع أن تلعب موسكو مرة أخرى دورًا حاسمًا في الجانب الفني من خطة العمل الشاملة المشتركة، مثل المساعدة في إزالة اليورانيوم الزائد وفي مشاريع الطاقة النووية المدنية.
وكانت هناك مؤشرات على أن روسيا سعت إلى الاستفادة من دعمها لخطة العمل الشاملة المشتركة، ففي 5 مارس، طالب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الولايات المتحدة بتقديم ضمانات بأن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بشأن أوكرانيا لن تضر بتعاونها ومجالاتها التجارية مع إيران، وأشارت تعليقات لافروف إلى أن موسكو حددت التعاون في خطة العمل الشاملة المشتركة كمجال محتمل للحصول على تنازلات من الغرب فيما يتعلق بأوكرانيا.
وفي هذا الإطار حذرت كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، روسيا من أن مطالبها، تهدد بانهيار الاتفاق النووي الشبه مكتمل، وهو ما دفع القوى العالمية لوقف المفاوضات مؤقتا لفترة، وقال الثلاثي الأوروبي في بيان مشترك، إنه يجب ألا يحاول أحد استغلال مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة للحصول على تأكيدات منفصلة عن الخطة، كما حذروا من أن ذلك يهدد بانهيار الاتفاق النووي، ما سيحرم إيران من رفع العقوبات، والمجتمع الدولي من الضمانات المطلوبة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.
وعلى الجانب الآخر، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة إن الولايات المتحدة بحاجة إلى اتخاذ قرار لإحياء الاتفاق النووي، مضيفاً، “نحن الآن في استراحة من المحادثات النووية، نحن لسنا في مرحلة إعلان اتفاق الآن لأن هناك بعض القضايا المهمة المعلقة التي تحتاج إلى أن تبت فيها واشنطن”. وأضاف، “بمجرد أن نعرف قراراتهم سنتمكن من العودة إلى فيينا والتوصل إلى اتفاق نهائي”
وفي اللقاء الأخير لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مع نظيره الروسي سيرجي لافروف في العاصمة الروسية موسكو يوم 15 مارس، أكد عبد اللهيان “إذا استجابت واشنطن للقضايا الهامة القليلة المتبقية ولم تضيع مزيدا من الوقت، فيمكن اختتام محادثات فيينا قريبا”، ووصف عبد اللهيان نهج روسيا تجاه محادثات فيينا خلال الأشهر الـ 11 الماضية بأنه “بناء”، معربا عن ثقته في أن هذا النهج سيستمر حتى يتم التوصل إلى اتفاق جيد وذي مصداقية.
بينما أكد لافروف من جانبه دعم بلاده الكامل لاختتام محادثات فيينا، مؤكدا أن روسيا لن تقف في طريق إبرام اتفاق في فيينا.
إذا يمكن استنتاج أن أولوية بوتين الحالية تكمن في جعل روسيا مجدداً قوّة عظمى تقف كثقل موازن وموازي للغرب -قوّة تلعب دوراً حاسماً في كافة القرارات الدولية المهمّة. ومن هذا المنظار، قد تكون إيران الموالية للغرب-في حالة رفع العقوبات عنها ونجاح إحياء الاتفاق النووي-أسوأ نتيجة محتملة بالنسبة إلى موسكو، حيث إيران الموالية لأمريكا هي أسوأ من إيران النووية بالنسبة لروسيا.
ويصبّ الاتفاق النووي ضمن هذه الحسابات؛ فأوّلاً هو يقوّي إيران، مما يساعد على الحفاظ على ميزان القوى في الشرق الأوسط في حين يغذّي استمرارية الصراعات المختلفة في المنطقة -صراعات تستفيد منها موسكو. أما ثانيا، يزيل الاتفاق وصمة إدانة مجلس الأمن الدولي، مما يسمح لبوتين بالتعاون بشكل علني أكثر بكثير مع طهران حول سوريا بينما يمنحه في الوقت عينه المرونة اللازمة لتقديم نفسه كبديل لإيران في المنطقة.
كما أن الفشل في التوصل إلى اتفاق قد يؤدي إلى دفع الغرب إلى فرض عقوبات إضافية على إيران وزيادة أسعار النفط العالمية غير المستقرة بالفعل بسبب الصراع في أوكرانيا، وهذا ما سيقرب إيران أكثر إلى المعسكر الروسي خاصة في تلك المرحلة الحاسمة.
مناوشات بين إسرائيل وإيران
وفي نفس الوقت التي تقف فيه محادثات فيينا على المحك، تدور مناوشات بين إسرائيل وإيران، حيث استهدفت إسرائيل مستودع أسلحة وذخيرة تابع لإيران، بمحيط مطار دمشق الدولي، قتل على إثره إثنين من كوادر الحرس الثوري الإيراني، بعدها توعدت طهران، بالرد على تل أبيب قائلة: “إن إسرائيل ستدفع ثمن هذه الجريمة”، وجاء رد إيران على إسرائيل في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق الحدودية مع إيران، وتم استهدافها بعشرات الصواريخ الباليستية، وقالت إيران إنها قصفت موقعا استراتيجيا للتخابر الإسرائيلي، في أربيل وهو الأمر الذي نفته واستنكرته السلطات العراقية، مؤكدة عدم تواجد أي أجهزة استخباراتية على أراضيها.
الخطير في الأمر أن تلك العمليات تجري على أراضي غير إسرائيلية وغير إيرانية، حيث أن استهداف إسرائيل لإيران يكون على الاراضي السورية، أما بالنسبة لضرب إيران لإسرائيل يكون في الأراضي العراقية وتحديدا في المناطق الكردية، وبالتالي فإن العمليات العسكرية تتم على أراضي خارج حدود الدولتين الجغرافية والسياسية.
كما حثت إسرائيل الجمعة الموافق 18 مارس الولايات المتحدة على عدم شطب الحرس الثوري الايراني من القائمة السوداء “للمنظمات الإرهابية الأجنبية، وجاء التصعيد في هذه اللحظة لأن إسرائيل تريد التأكيد من خلاله على خصم أي رصيد إيراني قبيل التوقيع على الاتفاق النووي، من خلال إحداث فجوة أمنية في الاقليم تكون هي المحرك لها وبالتالي تجر إيران إلى عمليات عسكرية متبادلة بين الجانبين وتجعل من القرار الأمريكي قريب من محاولة تحجيم القوات الإيرانية التسليحية، حيث يُذكر أن هناك برنامجان تم التأكيد عليهم أكثر من مرة خلال المحادثات، وهما (البرنامج الصاروخي البالستي، وبرنامج الطائرات المسيرة) وإيران استخدمت الصواريخ البالستية بالفعل في ضرب القواعد الاسرائيلية في اربيل، وهذا البرنامج لن يكون ضمن أي صفقة محتملة بالاتفاق النووي، وبالتالي حافظت إيران على مواردها التسليحية والحربية، وحال توقيع الاتفاق النووي فإنه يتعلق فقط بقدراتها النووية.
وفي الواقع عدم حظر ووضع قيود على هذان البرنامجان لا يهددان إسرائيل فقط، بل أيضا منطقة الخليج لاسيما المملكة العربية السعودية والإمارات واللتان شهدتا في الآونة الأخيرة هجمات عابرة للحدود من الحوثيين المدعومين من إيران.
الخاتمة
يوفر فرض العقوبات على روسيا منطقة ارتباط إضافية لموسكو وطهران، فعقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التي تستهدف البنك المركزي الروسي وبعض البنوك الروسية التي تستخدم نظام سويفت تثير مقارنات مذهلة مع تجربة إيران في ظل العقوبات.
حتى قبل الجولة الحالية من العقوبات، سعت روسيا وإيران إلى استكشاف طرق لتقليل اعتمادهما على الدولار الأمريكي والأنظمة المالية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة من خلال التداول بعملاتهما الوطنية واستخدام خدمات الرسائل المالية البديلة. ومع ذلك، كان التقدم متواضعا بسبب هياكل الاستيراد والتصدير غير المتوافقة، والتأخيرات البيروقراطية، والعلاقات المحدودة بين مجتمعاتهم التجارية، وقد توفر العقوبات الأخيرة على روسيا الزخم لموسكو وطهران لمواصلة المزيد من التعاون بشأن طموحاتهما في إزالة الدولرة.
إن العزلة الدولية لروسيا وعلاقاتها المتوترة مع الغرب تقدم لطهران وموسكو حوافز إضافية لتعزيز العلاقات حيث يواجه الطرفان وحدة استراتيجية على الساحة الدولية، دون الاعتراف الكامل بمطالب روسيا الإقليمية في أوكرانيا، ومن المرجح أن تظل إيران واحدة من الدول القليلة التي ترغب في دعم رواية موسكو ومبرراتها السياسية خارجيًا لغزو جارتها.
وبالرغم من أن إيران تنظر إلى أزمة أوكرانيا كفرصة، لتكون مصدراً للغاز الطبيعي لأوروبا، واكتشاف حقل تشالوس للغاز الطبيعي في بحر قزوين، يعزز من فرصة إيران بأن تصبح أكبر منتج للغاز في العالم، لا سيما وأن الدول الأوروبية والولايات المتحدة تبحث عن بدائل للغاز الروسي لتقليل نفوذ بوتين على الاقتصاد الأوروبي، ولكن تقابل تلك الفرصة تحديات على مستويات عدة، منها أولاً، ضرورة رفع جميع العقوبات الأميركية التي تم فرضها سابقا، وهذا أمر تعرقله إسرائيل لأنه يثير مخاوفها من ألا تلتزم إيران ببنود الاتفاق النووي في حالة إحياءه وتستمر في تعزيز قوتها النووية، ثانيا، من المتوقع بألا تسمح روسيا بأن تصبح إيران منافسا لها وتحل مكانتها في تصدير الغاز الطبيعي لأوروبا.
إذن يبدو أن روسيا وإسرائيل تقفان على أرضية مشتركة-حتى وإن كانت دوافعهم مختلفة-وهو عرقلة إحياء خطة العمل المشتركة في الفترة الحالية.