المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > دور المنصات الإخبارية الرقمية في تعزيز النفوذ السعودي إقليميًا وعالميًا
دور المنصات الإخبارية الرقمية في تعزيز النفوذ السعودي إقليميًا وعالميًا
- مايو 6, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

مصطفى أحمد مقلد
باحث فى العلوم السياسية
مقدمة:
برزت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة كفاعل محوري في توظيف أدوات القوة الناعمة لتدعيم مكانتها الإقليمية والدولية، وذلك بالتوازي مع التحولات الداخلية التي تقودها رؤية 2030. ومن أبرز هذه الأدوات مجال الأخبار والتحليلات السياسية، حيث لعبت المؤسسات والمنصات الإخبارية دورًا متزايدًا على امتداد العالم العربي والدولي.
المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام
تُعد المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG) أكبر تكتل إعلامي متكامل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا[1]، وتمثل أحد أبرز أذرع القوة الناعمة السعودية ضمن رؤية شاملة لإعادة تشكيل الحضور الإعلامي للمملكة إقليميًا ودوليًا، وتأسست المجموعة عام 1988 في المملكة العربية السعودية، وهي تتوسع اليوم وفق استراتيجية تحول رقمي شاملة تجمع بين الإعلام والاستثمار والتأثير الثقافي والسياسي.
تضم SRMG أكثر من 25 منصة إعلامية تغطي مجالات متنوعة، وتقدّم محتواها بلغات عدة، منها: العربية، الإنجليزية، الفرنسية، الفارسية، والأردية، ما يتيح لها التأثير في جمهور متنوع داخل العالم العربي وخارجه، وتستفيد المجموعة بقدراتها المالية بهدف التوسع، وعقد تعاون مع مؤسسات إعلامية دولية مرموقة مثل بلومبيرغ وThe Independent. [2]
تضم محفظة SRMG الإعلامية منصات بارزة مثل: الشرق للأخبار واقتصاد الشرق مع بلومبيرغ والشرق الأوسط والاقتصادية وإندبندنت عربية. [3]
التوجه السعودي:
يعكس استثمار السعودية في المواقع الإخبارية الإلكترونية في المنطقة إدراكًا استراتيجيًا لدور الإعلام كأداة من أدوات القوة الناعمة، فالمملكة تسعى من خلال هذا الاستثمار إلى تعزيز نفوذها الرمزي والمعنوي في فضاء عربي يتغيّر بسرعة تحت وطأة التحولات الرقمية، وتراجع الأدوار التقليدية لوسائل الإعلام المرئية. بالتالي كثفت بشكل منهجي الاستثمار في المواقع الإخبارية الإلكترونية، ففي مقابل تركيز بعض القوى الإقليمية الأخرى على الإعلام المرئي، تتبنى السعودية نهجًا رقميًا أكثر تكيفًا مع التحولات الجارية في سلوك الجمهور.
فقد أشرفت المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، على إطلاق مواقع إخبارية مثل إندبندنت عربية، الشرق بلومبيرغ، والمجلة، Arab News.
وقد تم تصميم هذه المنصات بدقة لتستهدف جماهير محددة:
-
تركز إندبندنت عربية والمجلة على النخب السياسية والفكرية في العالم العربي.
وكان إطلاق إندبندنت عربية عام 2019 خطوة لافتة في مسار الإعلام السعودي، حيث جاءت المنصة نتيجة شراكة بين المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG) وصحيفة The Independent البريطانية العريقة.[4]
-
Arab News تصدر بالإنجليزية والفرنسية، وتستهدف الجمهور الغربي.
-
الشرق تستهدف النخب الاقتصادية والإعلام المالي.
منصة الشرق للأخبار جاءت نتاج تعاون مع وكالة بلومبيرغ الأميركية، وجاءت موجهة بوضوح نحو النخب وصنّاع القرار في العالم العربي، وتحمل المنصة طابعًا اقتصاديًا وتحليليًا، وتتبنى خطابًا إعلاميًا يتميز بالمهنية والموضوعية.[5]
وتختلف المنصات الإعلامية في استراتيجياتها، حيث تركز بعض القنوات على الإعلام المرئي بينما تتجه السعودية بقوة نحو الإعلام الرقمي.
وهناك عدة عوامل تفسر التوجه السعودي نحو الإعلام الرقمي:
-
تحوّل البيئة الإعلامية: السعودية أدركت أن الجمهور العربي ينتقل من التلفاز إلى الهاتف المحمول، ويفضّل المحتوى السريع والمركز بدلًا من البرامج المطولة.
-
تمتاز المنصات الإعلامية الرقمية بأسلوبها التحليلي الهادئ، الذي يعتمد على الدقة والمهنية في معالجة القضايا، مما يجعلها مصدرًا موثوقًا.
-
مرونة التعدد اللغوي: المواقع الإلكترونية تتيح توزيع المحتوى بلغات متعددة، واستهداف جماهير متباينة بفعالية أكبر من القنوات المرئية.
بهذا الشكل، يتضح أن السعودية لا تنافس فقط على “المعلومة”، بل على المنصة، والأسلوب، والسردية، والفئة المستهدفة، بما يرسّخ مكانتها كقوة إعلامية رقمية صاعدة في الإقليم.
مخاطبة النخب: قوة ناعمة في سباق النفوذ الإقليمي:
في العقد الأخير، شهدت المملكة العربية السعودية تحولًا ملحوظًا في أدوات نفوذها الإقليمي، فلم تعد السياسة السعودية تعتمد فقط على أدوات القوة التقليدية مثل الاقتصاد والدين والدبلوماسية، بل أصبحت تعتمد على أدوات تستهدف مخاطبة الفاعلين المؤثرين في مجالات السياسة والإعلام والاقتصاد والفكر، والتغيير الأهم هنا ليس فقط في طبيعة الوسيلة الإعلامية، بل في التحول من التركيز على مخاطبة الجمهور الواسع إلى تغذية سردية وتصورات النخبة القادرة على صياغة القرار. وفي هذا السياق، تستخدم السعودية الإعلام بوصفه أداة استراتيجية لتثبيت موقعها في بنية القوة الإقليمية.
تعني سردية النخبة تلك الرؤية التي تتشكل لدى الطبقات المؤثرة مثل السياسيين، ورجال الأعمال، والباحثين، وصناع السياسات، حول قضايا المنطقة، وأدوار الدول فيها، ومصادر التهديد والاستقرار. هذه السردية لا تُبنى عبر الشعارات ولا عبر الأخبار السريعة، بل من خلال مضامين تحليلية. ويساهم تشكيل السردية النخبوية في التأثير على النقاش العام وتوجهاته.
تميزت السعودية بتبني رؤية مؤسسية طويلة المدى، وتربطها بمنظومة اقتصادية وسياسية شاملة، وتتوسع جغرافيًا عبر اللغات والأسواق، وتُخاطب النخب بلغة وظيفية واضحة: الاستقرار، الاقتصاد، التقنية، الأمن.
دلالة التوجه السعودي:
يمثّل استثمار السعودية في بعض أبرز المواقع الإخبارية الإلكترونية تحولًا استراتيجيًا في أدوات التأثير السياسي والثقافي في المنطقة، فامتلاك هذه المنصات لا يقتصر على التواجد الإعلامي، بل يعني المساهمة في تشكيل الحوار الإقليمي حول القضايا الاستراتيجية. ما يحمل أبعادًا متعددة، يمكن تناولها من خلال محاور رئيسية:
أولًا، التوجه الجديد يتيح تحديد أولويات التغطية الإخبارية، وصياغة المفاهيم المحورية مثل “الحرب في أوكرانيا”، “خطر الحرب التجارية”، أو “التنمية”، واختيار زاوية التناول لقضايا إقليمية شائكة كالحرب في اليمن أو القضية الفلسطينية.
ثانيًا، من خلال تغطية إعلامية كثيفة ومنسقة، تسعى المنصات السعودية إلى توفير تنوع إعلامي يعكس تعدد الرؤى في المنطقة، بما يعكس موقعها كقوة إقليمية في لحظة اشتداد التنافس الإعلامي والسياسي في المنطقة.
ثالثًا، في عصر التحول الرقمي، أصبحت المواقع الإخبارية الإلكترونية الأداة الأكثر فاعلية في توجيه الانتباه، والتحكم بما يقرؤه الجمهور، وكيفية تفسيره للأحداث، وبالتالي، فإن تعزيز الحضور الإعلامي وتقديم رؤية متوازنة في تكوين المواقف السياسية للجمهور داخل المملكة وخارجها.
رابعًا، نظرًا لأن جزءًا كبيرًا من هذه المنصات يستهدف النخب السياسية والفكرية والاقتصادية، فإن الاستثمار فيها تتيح للمملكة مساحة للتأثير في مسارات القرار والرؤية إقليميا. ويتم ذلك من خلال استعراض التحليلات السياسية، وتقديم منابر لكتّاب ومفكرين ومسوؤلين.
ختاما، في ظل التحولات الجيوسياسية والإعلامية المتسارعة، تبرز المملكة العربية السعودية كفاعل رئيسي في تشكيل المشهد الإعلامي الإقليمي والدولي، مستندةً إلى رؤية طموحة تدمج بين التطور الرقمي والتأثير الناعم. تمثل المنصات الإخبارية الرقمية التي تدعمها SRMG نموذجًا متقدمًا لاستراتيجية إعلامية ذكية، تركّز على الجودة، التنوع اللغوي، واستهداف النخب المؤثرة، مما يعزز مكانة المملكة كمركز إشعاع فكري واقتصادي.
لذا، يمثل التوجه السعودي نحو الإعلام الرقمي نموذجًا يُحتذى به في توظيف القوة الناعمة كأداة للتأثير الإيجابي، مما يعكس عمق الرؤية الاستراتيجية للمملكة وقدرتها على قيادة التحولات الإعلامية في المنطقة والعالم.
المصادر:
[1] “الأبحاث والإعلام” تعلن عن تطوير منصات رقمية.. https://linksshortcut.com/zBGpR
[2] SRMG للحلول الإعلامية SMS توقّع اتفاقية تمثيل حصري مع “ثمانية”.. https://linksshortcut.com/JpByX
[3] فجوة في زمن الخوارزميات.. لماذا لا تروي الإنترنت قصتنا العربية؟.. https://linksshortcut.com/bsIkc
[4] إطلاق موقع “إندبندنت عربية”.. https://linksshortcut.com/fGVXl
[5] إطلاق شبكة الشرق للأخبار واقتصاد الشرق مع بلومبرغ.. https://linksshortcut.com/glCSt