إعداد: عنان عبدالناصر
أدان المجتمع الدولي، وعدة عواصم حول العالم، تصاعُد حِدَّة الأوضاع في غزة، ولم تنْأَ القارة الأفريقية بنفسها عن ذلك الحدث؛ فقد ارتفعت الأصوات داخل القارة السمراء، التي عبَّرت عن رفضها لتلك الأوضاع، ورفض سياسات العقاب الجماعي، والرغبة في وضْع الحل الشامل للقضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في الحصول على كافة حقوقه، فضلًا عن الأزمة الإنسانية التي تشهدها غزة، فقد أصبحت غزة – اليوم- تعاني من كارثةٍ إنسانيةٍ كُبرى، لا تُصنَّفُ من الكوارث الطبيعية أو البيئية، ولكن هي كارثةٌ إنسانيةٌ بكل المقاييس؛ جرَّاء الآلة الحربية الإسرائيلية المتواصلة، ومن هذا المنطلق، نرْصُد بعض ردود الفعل الرئيسية للدول الأفريقية على النحو الآتي:
موقف الاتحاد الأفريقي من الصراع داخل غزة
دعا الاتحاد الأفريقي إلى ضرورة إنهاء الصراع في فلسطين، والذي أسفر عنه آلاف القتلى، منذ بدْء عملية «طوفان الأقصى»، وفي هذا الصدد، فقد أعلن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، عن ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات؛ لتنفيذ مبْدأ دولتيْن تعيشان جنبًا إلى جنب، وقد دعا موسى فقيه، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، إلى تشكيل جبهة عالمية مفتوحة؛ لوقف العنف المستمر في قطاع غزة، مطالبًا بالتوقُّف عن الاكتفاء بالتنديد والدخول في مرحلة الفعل.
وقد أكد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، خلال مشاركته في قمة السلام، التي عُقدت بالقاهرة، يوم السبت 21 أكتوبر 2023، بحضورٍ دوليٍّ كثيفٍ، على الأهمية القصوى لذلك الاجتماع؛ وذلك لبحث سُبُل إنهاء الصراع المستمر داخل فلسطين، وقد شدَّد على أن غزة تتعرض لحرب مدمرة غير مسبوقة لأيِّ مدينةٍ في التاريخ؛ وهو ما يستدعي – منذ اللحظة الأولى- التوقُّف الفوري للعنف، وتوفير كافَّة الأمور للمساعدات الإنسانية، وقد دعا الاتحاد الأفريقي إلى إطلاق سراح الرهائن المدنيين؛ خاصَّةً النساء والأطفال.
وقد دعا إلى ضرورة تشكيل جبهة عالمية مفتوحة؛ لوقف اللجوء إلى كافَّة أشكال العنف ضد المدنيين؛ وذلك لاقتلاع جذور الصراع، ووقْف كافَّة أشكال العنف، خاصَّةً ضد المدنيين؛ انطلاقًا من المبادئ الراسخة والقرارات الدولية والأفريقية ذات الصلة، مشددًا على أن الحرب والأزمة الدولية الخطيرة التي تُنْذِر بها، يجب الخروج منها بقرارات عاجلة، تُسْهِم في حلِّ القضية الفلسطينية.
موقف كينيا من تصاعُد الأوضاع داخل غزة
تؤكد كينيا أنه لا يُوجد شيءٌ يُبرِّرُ الإرهاب الذي يُشكِّلُ تهديدًا خطيرًا للسِّلْم والأمن الدولييْن، ونظرًا للسياق المُعقَّد والحسَّاس، فقد دعت كينيا أيضًا إلى وقْف تصعيد العنف، فضلًا عن حثِّ جميع الأطراف، بالامتناع عن القيام بمزيدٍ من العمل العسكري، وقد أدانت بشدة التصعيد الذي تشهده الأوضاع، بالإضافة إلى تشجيع الحوار السلمي بين إسرائيل و«حماس» لحلِّ الخلافات، والدعوة إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتجنُّب تعريض المدنيين لخطرٍ إضافيٍّ.
موقف جنوب أفريقيا من الصراع داخل غزة
دعت جنوب أفريقيا وبقوة إلى وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل وفلسطين، فضلًا عن دفاعها عن القضية الفلسطينية لعقوٍد عديدةٍ، ولذلك فإن اندلاع التوتُّر الجديد ناجمٌ عن استمرار الاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية، والتوسُّع المستمر في المستوطنات، والقمْع الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى ذلك، فإن جنوب أفريقيا مستعدة وبقوة لمشاركة تجربتها في الوساطة وحل النزاعات، كما فعلت في القارة وفي جميع أنحاء العالم.
وقد دعا رئيس جنوب أفريقيا، خلال مشاركته في قمة القاهرة للسلام، كافَّة الدول المعنيّة، بعدم إمداد طرفيْ الصراع بالأسلحة، وشدَّد على أن لجوء إسرائيل إلى استخدام القوة والقصف على قطاع غزة، ينتهك كافَّة القوانين الدولية، بالإضافة إلى انتهاك القانون الدولي الإنساني؛ فهناك رفْضٌ تامٌّ للحصار المفروض على غزة وقتل المدنيين عمدًا، وقرار التهجير الإجباري لسكان القطاع، وقد طالب أيضًا بفتح معبر رفح؛ لدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
موقف السنغال من تطورات الأوضاع داخل غزة
أدانت وزارة الخارجية السنغالية بشدة الأوضاع داخل فلسطين، وأعربت أنها تشعر بقلقٍ بالغٍ إزاء استئناف الأعمال العدائية في الصراع، بالإضافة إلى إدانتها كافَّة الهجمات التي تسببت في الوصول إلى هذا الصراع، وتطلب بصفتها الدولة التي ترْأَس لجنة الأمم المتحدة، ضرورة إحياء المفاوضات بين الجانبيْن في أسرع وقتٍ ممكنٍ.
هل أثَّرت تطورات الأوضاع في فلسطين على توجُّهات القوى الكبرى تجاه القارة الأفريقية؟
إن هذه الأزمة المُعقَّدة مثَّلتْ اختبارًا ضخْمًا للدول الغربية، وعلى النقيض من ذلك؛ فهناك حِرْصٌ على تقديم صورةٍ موضوعيةٍ تعكس مختلف أبعاد الأزمة، خاصَّةً في ظلِّ ما تمتلكه وسائل الإعلام الغربي من قدرات على الوصول إلى أطراف الأزمة، فقد اتَّسم الجانب الغربي بالانحياز إلى الجانب الإسرائيلي، وتبرير كافَّة الانتهاكات التي قامت بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة، فضلًا عن تصوير هجوم «حماس» على أنه هجوم إرهابي تدفعه أيديولوجية متطرفة، وامتنعت عن إدانة إسرائيل، كما امتنعت عن مطالبتها بالالتزام بالمواثيق والأعراف الدولية، وعَزَفَتْ عن المطالبة بوقْف إطلاق النار؛ فتوجُّهات الرأي العام الغربي اتَّسمت بدرجةٍ عاليةٍ من التعقيد.
وقد اكتسبت القارة الأفريقية بمختلف دولها اهتمامًا متزايدًا من جانب القوى الدولية، بالرغم من اندلاع الأزمات الدولية المتكررة، فقد بدا أن القوى الدولية سَعَتْ إلى نقل جزْءٍ من صراعها؛ للسيطرة على النظام الدولي نحو السيطرة على القارة الأفريقية، فإن تقدُّم الدور الغربي في أفريقيا لم يسر على وتيرةٍ واحدةٍ، فالتقدُّم الملحوظ الذي شهدته بعض الدول، صَاحَبَهُ تقهْقُر بعض الدول، ومن المحتمل أن يؤثر تصاعُد الأوضاع الراهنة في غزة على توجُّهات بعض القوى الكبرى تجاه دول القارة الأفريقية.
ختامًا
انطلاقًا من المبادئ الثابتة والقرارات الدولية والأفريقية ذات الصلة، فهناك تشديد على أن الحرب الراهنة ما هي إلا أزمة دولية خطيرة، وهناك ضرورة للخروج منها بقرارٍ فعَّال، حول إعمال مبدأ دولتيْن مستقلتيْن آمنتيْن، في إطار مبْدأ حُسْن الجوار؛ نظرًا لأن أيَّ اتجاهٍ آخر لن يؤسس السلام؛ فالدول الأفريقية مستعدةٌ استعدادًا تامًّا؛ لإضافة جهْدها المتواضع للمجهودات الدولية جميعًا؛ لإحداث الوثْبة الدولية المطلوبة؛ في سبيل إيجاد حلٍّ عادلٍ للقضية الفلسطينية، وحصول الشعب الفلسطيني على كافَّة حقوقه المشروعة؛ فهناك مخاوف من استمرار الصراع والتصعيد على الأرض، وارتكاب المجازر من جانب قوات الاحتلال؛ ما قد يؤدي إلى تفاقُم الأوضاع سوءًا؛ ولذلك فمن الضروري، إحياء مسار التفاوض؛ من أجل التوصُّل إلى اتفاق سلامٍ شاملٍ ودائمٍ، ولا بديل لذلك.