المقالات
رسائل عدة: قراءة في جولة وزير الخارجية الصيني إلى أفريقيا
- يناير 22, 2024
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الدراسات الأفريقية
إعداد: شيماء ماهر
باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
أجرى وزير خارجية الصين، وانغ يي، جوْلةً، إلى عدة دول أفريقية، في الفترة من 13 إلى 18 يناير 2024م، شَمِلَتْ أربع دول أفريقية، وقد بدأت الزيارة بمصر، مرورًا بتونس وتوغو وساحل العاج؛ من أجل تزويد دوْر الصين السياسي في المنطقة وتدعيم وجودها الاقتصادي، وتأتي هذه الزيارة في ظلِّ توتُّرات كُبْرى تشهدها المنطقة؛ منها الحرب على قطاع غزة، والتوتُّرات في البحر الأحمر، وتطرح الجولة العديد من التساؤلات فيما يتعلق بدلالتها وتوقيتها، وأبرز مُخْرجاتها ومستقبل النُّفوذ الصيني في القارة الأفريقية، لا سيما في ظل التطورات الدولية والإقليمية الراهنة.
دلالة الزيارة وتوقيتها:
تحتلُّ هذه الزيارة مكانةً متميزةً؛ لكوْنها تقليدًا في السياسة الصينية تجاه القارة الأفريقية منذ 34 عامًا، والمتمثل في زيارة وزير الخارجية الصيني، مطلع كل عام إلى أفريقيا؛ ما يؤكد أن لتعزيز التعاون مع الدول الأفريقية أولوية دبلوماسية للصين؛ بصرْف النظر عن تغيُّرات البيئة الدولية، وتعتبر هذه الزيارة هي الأولى من نوْعها لوزير الخارجية الصيني، وانغ يي، منذ تولِّيه المنصب في يوليو 2023م، وتوضح أهمية أفريقيا بالنسبة للصين؛ لأن الصين مُحَاطةٌ بقُوَى كُبْرى في آسيا، وبالتالي يصْعُبُ منافستها؛ لذلك تُمثِّلُ أفريقيا المجال الحيوي بالنسبة للصين، كما تأتي هذه الزيارة في ظلِّ توتُّرات كُبْرى تشهدها المنطقة؛ منها الحرب على قطاع غزة، والتوتُّرات في البحر الأحمر، والذي يُمثِّلُ شُرْيانًا مهمًا للتجارة للعديد من دول العالم؛ على رأسها الصين، وتأمل الصين في لعب دوْرٍ كبيرٍ في حلِّ القضايا الدولية.
ومن المرجح أن اختيار هذه الدول ليس من قبيل الصدفة، فقد بدأت الجولة بمصر، باعتبارها تُمثِّلُ بوَّابة أفريقيا والشرق الأوسط والمنطقة العربية، كما أن موقف الصين لما يحدث في البحر الأحمر يتناقض بشكلٍ كبيرٍ للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وبالتالي فرُؤْيتها تتقارب مع مصر ومع معظم الدول العربية، التى تسعى إلى الاستقرار في البحر الأحمر، وتأتي هذه الزيارة بعد انضمام مصر للبريكس، وبالتالي فإن مصر أصبحت دولة مجاورة للصين في التجمع، وتتزامن الزيارة مع الاحتفال بالذكرى الـ 20 لإقامة منتدى التعاون “الصيني – العربي”.
وتم اختيار تونس؛ لرغبة الصين في تزويد استثماراتها مع تونس؛ لتصل إلى شراكةٍ استراتيجيةٍ، وبحْث فرص انضمام تونس إلى مبادرة “الحزام والطريق”، وتتصادف هذه الزيارة مع الذكرى الـ60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلديْن، أمَّا بالنسبة لتوغو وكوت ديفوار؛ فهناك انعطاف صيني في منطقة غرب أفريقيا وعلى الدول الفرانكفونية تحديدًا، وقد يحمل ذلك العديد من الدلالات؛ منها الفراغ الفرنسي في منطقة غرب أفريقيا، والتمدُّد الصيني في القارة؛ فالصين لها تمدُّد في الشرق والجنوب والوسط، والوقت الحالي، تتمدَّد في الغرب.
وتنطوي الزيارة على ملفات كثيرة، تتركز على الأبعاد الاقتصادية والتنموية والاستثمارية والسياسية، كما أن الشراكة “الصينية – الأفريقية” تمُثِّلُ أهميةً كُبْرى بالنسبة للصين؛ من أجل تنشيط اتفاقيات التجارة والاستثمار والاتفاقيات البينية والاتفاق على حوار “أفريقي – صيني”، ففي أغسطس 2023م، حَظِيَ حوار قادة الصين وأفريقيا، الذي انعقد في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا بقبولٍ وترحيبٍ واسعٍ، ومن المقرر أن تعقد الدورة الجديدة لمنتدى التعاون “الصيني – الأفريقي” في الصين في هذا العام، وعلى هذه الخلفية، ترسل زيارة “وانغ يي” إشارةً قويةً لمواصلة الصداقة التقليدية بين الصين وأفريقيا، وتعزيز زَخَمِ التضامن والتعاون بين الصين وأفريقيا.
الدوافع الرئيسية من هذه الزيارة
تتعدد الدوافع الصينية من إجراء هذه الزيارة إلى أفريقيا، ويمكن توضيح أهم هذه الدوافع على النحو الآتي:
تصاعُد حِدَّة التنافس الدولي في القارة الأفريقية:
أصبحت القارة الأفريقية مسْرحًا يتكالب عليه العديد من القوى الدولية والإقليمية؛ في محاولة كُلٍّ منها لخلْق نفوذٍ متنامٍ لها في القارة السمراء؛ من أجل خلْق النفوذ الذي يسهل في مرحلة تالية استنزاف المزيد من الموارد والثروات الطبيعية الأفريقية، ويتصدر التنافُس الأمريكي أولوية هذا المشهد، وهذا ما يدفع الأطراف المتنافسة نحو المسارعة؛ من أجل استمالة الأفارقة، من خلال العديد من الأدوات والمُحفِّزَات؛ من أجل تعزيز الحضور والنفوذ، حتى وإن كان ذلك يعمل على تهديد الاستقرار الإقليمي في بعض المناطق الأفريقية.
تأكيد النفوذ الصيني في القارة الأفريقية:
تسعى الصين إلى تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع الدول الأفريقية، خاصَّةً أنها تشعر بالقلق من تحرُّكات منافسيها الاستراتيجيين على الساحة الأفريقية، خاصَّةً بعد تراجُع النُّفوذ الفرنسي مؤخرًا في القارة الأفريقية؛ ما دفعها لتعزيز تحرُّكاتها في المنطقة، كما تسعى بكين إلى ضمان دعْم الحكومات الأفريقية مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، في إطار اتِّساع طموحاتها في توسيع البنية التحتية لها، التي تمتدُّ بشكلٍ رئيسيٍّ من شرق أفريقيا إلى غربها، وهذا ما تظهره الزيارة لكُلٍّ من تونس وتوغو وساحل العاج.
استمرار تداعيات الأزمات الدولية
تتأثر القارة الأفريقية تأثُّرًا سلبيًّا بتداعيات الأزمات الدولية؛ فهي ما زالت – حتى الآن – تعاني من تداعيات الحرب “الروسية – الأوكرانية”، وتعطل توريد سلاسل الغذاء والقمح وارتفاع الأسعار؛ الأمر الذي ينعكس بشكلٍ سلبيٍّ على معظم الاقتصادات الأفريقية، التي تشهد ارتفاعًا في معدلات التضخُّم وتراجُع النمو الاقتصادي، وفي الوقت الحالي، تتأثر العديد من الدول الأفريقية بتداعيات الحرب في السودان، لا سيما في تزايد أعداد اللاجئين المتدفقين إلى العديد من الدول الأفريقية، وزيادة التوتُّرات في البحر الأحمر، وتأثيراتها الشديدة على حركة الملاحة العالمية، جميع هذه الأزمات تُسهل مهمة القوى الدولية في الانخراط داخل أفريقيا؛ من أجل الاعتماد على حاجة الدول الأفريقية إلى المساعدات والاستثمارات والقروض.
تأمين الوصول إلى الموارد الأفريقية
تتطلع بكين إلى ضمان الحصول على الموارد والثروات؛ لدعم اقتصادها وصناعاتها المختلفة على خلفية الأزمات الدولية الراهنة؛ إذ تستورد الصين من الدول الأفريقية النفط وخام المنجنيز والخشب ومنتجاته والقطن وفول الصويا والكاجو؛ وهذا ما يبرر المساعي الصينية خلال هذه الجولة لتعزيز علاقاتها بالدول الأفريقية، في ظل تصاعُد التنافس الدولي.
أبرز مُخْرَجات الجوْلة
حقَّقت هذه الزيارة العديد من المُخْرَجات على مستوى الجانبيْن الصيني والأفريقي؛ فعلى المستوى المصري، اتفق البلدان على شراكةٍ مستمرةٍ واتفاقٍ استراتيجيٍّ، يتضمن مواصلة البلديْن تعميق الثقة الاستراتيجية المتبادلة، ودعْم بعضهم البعض في حماية المصالح الأساسية، والعمل المشترك بين البلديْن؛ من أجل البناء العالي الجودة لمشروع “الحزام والطريق”؛ لتحقيق منافع متبادلة ونتائج مُرْبِحة للطرفيْن على أعلى مستوى.
وأعربت الصين عن استعدادها للعمل مع الجانب المصري؛ من أجل تنفيذ خطة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلديْن للسنوات الخمس المقبلة، وتعميق التعاون العملي في جميع المجالات، ومواصلة دعْم مصر لتعزيز بنائها الاقتصادي والاجتماعي، واستيراد المزيد من المنتجات عالية الجودة من مصر، وتشجيع الشركات الصينية على زيادة انخراطها في مجال الاستثمارات في مصر.
وناقش الطرفان سُبُلَ تعزيز الحوار الحضاري، وتحقيق تبادلات شعبية أعْمق بين الجانبيْن، وتعزيز التعاون في مجالات الثقافة والشباب ومراكز البحوث والتعليم المهني، وتوثيق التعاون بين الدولتيْن؛ من أجل بناء نموذجٍ للتعاون “الجنوبي- الجنوبي” عالي الجودة، وتعزيز الحوْكمة العالمية بشكلٍ مشتركٍ؛ من أجل بناء عالمٍ متعدد الأقطاب، بالإضافة إلى حرْص البلديْن على ضرورة وقْف النار في غزة، وتجنُّب التصعيد، ونزْع فتيل التوتُّر في المنطقة على خلفية العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، ووقَّع الوزير المصري، سامح شكري، مع وزير خارجية الصين في ختام مباحثاتهما في القاهرة على البرنامج التنفيذي للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين جمهورية مصر العربية وجمهورية الصين، خلال عام 2024م: 2028م.
وفيما يتعلق بتونس؛ فقد هَيْمَنَ الملف الاقتصادي على كافَّة الأصعدة؛ فقد وقَّع الطرفان الصيني والتونسي اتفاقيةً، قد تساعد على رفْع حجم التبادل الاقتصادي إلى 40%، خلال السنوات القادمة، وبحث الطرفان فُرَص انضمام تونس إلى مبادرة “الحزام والطريق”، وتشمل المذكرة استثمار تونس في عددٍ من المشاريع الكُبْرى؛ كتهيئة وحداتٍ في ميناء بنزرنت، وإقامة جسْرٍ ضخْمٍ في مدن بنزرت، واتفق الجانبان على أن العلاقات التونسية تتمتع بآفاق واسعة، وسوف يتم تعزيز التبادُلات رفيعة المستوى، وسيعمل الجانبان على تعزيز التضامن والتنسيق؛ من أجل حماية الحقوق والمصالح المشروعة للدول بشكلٍ مشتركٍ، ودعْم مبدأ عدم التدخُّل في الشؤون الداخلية.
وتعهَّد وزير خارجية الصين مع وزير خارجية توغو “روبرت دوسي”، بتعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلديْن، في جهودهما المشتركة نحو التحديث، وبحث الطرفان سُبُلَ التعاون الشامل، وتنفيذ المشروعات المشتركة بشكلٍ فعَّالٍ، وقد اختتم “وانغ يي” جوْلته الأفريقية إلى كوت ديفوار، والتقى بالرئيس، الحسن واتارا، وتعهَّد الطرفان بتعزيز التعاون الشامل بين الجانبيْن، وتوسيع التبادلات؛ في إطار منتدى التعاون “الصيني – الأفريقي”، ومواصلة توسيع التعاون المتبادل والتعاون من تجربة الصين، واستكشاف طريقٍ للتحديث، يتناسب مع الظروف الوطنية لكوت ديفوار.
مستقبل النفوذ الصيني في القارة السمراء
تعكس هذه الزيارة مدى اهتمام الصين بتعزيز حضورها في القارة السمراء، التي تستقطب اهتمامًا دوليًّا متزايدًا، في ظل حالة الصراعات التي تعاني منها معظم دول القارة الأفريقية؛ ما جعل بكين تُوظِّفُ جميع أدواتها الدبلوماسية والعسكرية في القارة الأفريقية؛ من أجل تحقيق تفوُّقٍ استراتيجيٍّ ونوْعيٍّ على القوى الأخرى في المنطقة، ومن المحتمل تزايُد الانخراط الصيني في أفريقيا، بالاعتماد على الأداة الاقتصادية في المقام الأول؛ من تجارة واستثمارات في الموانئ والبنية التحتية والشحن والنقل والتعدين والطاقة ومساعدات وقروض ومشاريع مشتركة، خاصَّةً في مجالات القطاعات الناشئة.
وستعمل الحكومات الأفريقية على تنمية علاقاتها مع الصين، في ظل احتياجها لمزيدٍ من المشروعات والاستثمارات والمساعدات الصينية؛ للخروج من تداعيات الحرب “الروسية – الأوكرانية”، خاصَّةً أن الصين تحظى بقبولٍ شعبيٍّ لدى معظم النُّخب الأفريقية؛ لتبنِّيها سياسة عدم التدخُّل في الشؤون الداخلية، وتدفُّق المساعدات والاستثمارات إلى الدول الأفريقية، دون وجود أيِّ شروطٍ سياسيةٍ، وقد تتجه الصين إلى عسكرة في القارة الأفريقية، وتوطيد وتطوير قدراتها العسكرية؛ حتى تتجاوز مرحلة تجارة السلاح؛ لتصل إلى مرحلة إقامة القواعد العسكرية؛ ما يؤدي إلى تحويل ديناميكيات القوة العالمية، وتقويض الهيمنة الأمريكية، ففي الفترة المُقْبلة، قد تنخرط الصين عسكريًّا في بعض مناطق القارة؛ لحماية وجودها الاقتصادي.
وتحمل الجولة الصينية إلى أفريقيا العديد من التداعيات، والتي من الممكن أن يكون لها انعكاسات على مستقبل التنافُس الدولي في القارة الأفريقية، وهذا الأمر سوف يدعم مكانة أفريقيا على الصعيد العالمي؛ الأمر الذي يُنْذِرُ بتحوُّل القارة الأفريقية إلى ساحة صراعٍ بين القُوَى الكُبْرى؛ ما قد يُهدِّدُ الاستقرار الإقليمي.
إجمالًا:
تمتلك بكين فُرَصًا واعدةً لزيادة نفوذها داخل القارة الأفريقية، لا سيما بعد تراجُع النفوذ الغربي، ومن المرجح أن تنتقل الصين قريبًا إلى مرحلةٍ جديدةٍ، تستخدم فيها جيْشها تحت ستار العمليات الأمنية أو الشراكات؛ من أجل التأثير على الحكومات، وفقًا لمصالحها، ويبدو أن عام 2024م، سوف يكون مليئًا بالأنشطة الدبلوماسية المُكثَّفة للقوى الدولية الفاعلة في أفريقيا؛ ما يعني أن القارة السمراء أضحت أداةً استراتيجيةً يتنافس عليها الجميع؛ من أجل تعظيم الحضور والنُّفُوذ فيها؛ ومن المستحيل أن تكون القارة الأفريقية فُرْصَةً للتعاوُن بين القُوَى الكُبْرى، بل ستكون مسْرحًا تنافُسيًّا بامتيازٍ بين القُوَى الكُبْرى، في ضوْءِ تضارُب المصالح الدولية في كثيرٍ من الأحيان؛ ما يُثِيرُ المخاوف من آثار التكالُب الدولي على أمن واستقرار وثروات القارة الأفريقية.