المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > رسوم ترامب الجمركية: تحديات جديدة أمام التجارة بين الولايات المتحدة وأفريقيا
رسوم ترامب الجمركية: تحديات جديدة أمام التجارة بين الولايات المتحدة وأفريقيا
- أبريل 11, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد: منة صلاح
باحث في وحدة الشؤون الأفريقية
أثار إعلانُ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نظامٍ جديدٍ للتعريفات الجمركية صدمةً واسعةً في الأوساط الاقتصادية العالمية؛ لما يحمله من تداعياتٍ عميقةٍ على استقرار الأسواق ونموّ التجارة الدولية، فمن المتوقع، أن يُحْدِثَ هذا النظامُ تحوُّلًا جِذْرِيًّا في علاقات تجارية راسخة، ويؤدي إلى اضطرابات في الأسواق، ويُبْطِئُ وتيرة النمو الاقتصادي العالمي، والأمر الأكثر إثارةً للقلق هو الأثر غير المتكافئ لهذه الرسوم على الدول الفقيرة، وفي مقدمتها 32 دولةً أفريقيةً منخفضة الدَّخْل كانت تحْظَى بإعفاءاتٍ جمركيةٍ بموجب قانون النموّ والفُرَص في أفريقيا (AGOA) منذ عام 2000؛ ما يضع مستقبل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وأفريقيا أمام تحديات غير مسبوقة.
أهمية الولايات المتحدة كوجهة تصديرية للدول الأفريقية:
تُعدُّ الولايات المتحدة من الأسواق غير الحيوية بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية؛ من حيث التصدير، ففي عام 2024، استوردت الولايات المتحدة بضائع من أفريقيا بقيمة 39 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبًا قيمة واردتها السنوية من المكسيك أو كندا في مدة لا تتجاوز الشهر، ومن جهةٍ أُخرى، تستورد الولايات المتحدة من هاتيْن الدولتيْن خلال 24 ساعة ما يفوق ما تستورده من نحو 40 دولةً أفريقيةً، وهو ما يتجاوز مليار دولار يوميًّا، لكن هناك استثناءات لهذه القاعدة؛ حيث تشكل صادرات جنوب أفريقيا ونيجيريا أكثر من نصف واردات الولايات المتحدة من القارة.
تعتبر الدول الأفريقية الأخرى غير مؤثرةٍ بشكلٍ كبيرٍ في التجارة مع الولايات المتحدة، وبالتالي لا تُعدُّ الولايات المتحدة سوقًا ذا أهمية كبيرة للعديد من الدول الأفريقية، ففي أكثر من نصف دول القارة، تشكل صادرات هذه الدول إلى الولايات المتحدة أقل من 2% من إجمالي صادراتها، ومع ذلك لا يمكن قياس الأهمية استنادًا فقط إلى حصة الصادرات، بل من الأفضل النظر إلى انفتاح الاقتصاد، عبْر نسبة الصادرات إلى الناتج المحلي الإجمالي، وفي هذا السياق، يعتبر مقياس الصادرات إلى الولايات المتحدة كنسبةٍ من الناتج المحلي الإجمالي أكثر دِقَّةً، وعند استخدام هذا المقياس، نجد أن ليسوتو هي الأكثر تأثرًا؛ حيث تمثل صادراتها إلى الولايات المتحدة 10% من ناتجها المحلي الإجمالي[1].
فرْض رسوم جمركية على الدول الأفريقية:
فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية على الدول الأفريقية، في إطار إعادة تشكيل التجارة العالمية، وذلك في يوم التحرير الذي تضمن أيضًا فرْض رسوم جمركية أساسية بنسبة 10% على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة، ومن بين الدول الأفريقية الأكثر تضرُّرًا من حملة ترامب لفرْض تعريفات متبادلة، نجد ليسوتو وجنوب أفريقيا؛ حيث ستخضع صادرات ليسوتو لرسوم جمركية بنسبة 50%، بينما ستتحمل مدغشقر رسومًا بنسبة 47%، وموريشيوس بنسبة 40%، وبوتسوانا بنسبة 37%، وأنغولا بنسبة 32%، وجنوب أفريقيا بنسبة 30%، وناميبيا بنسبة 21%، وزيمبابوي بنسبة 18%، وزامبيا ومالاوي بنسبة 17%..
وستتأثر دول شمال أفريقيا أيضًا بهذه الرسوم؛ حيث ستخضع ليبيا لرسوم بنسبة 31%، والجزائر بنسبة 30%، وتونس بنسبة 28%، وفي غرب أفريقيا ستكون كوت ديفوار الأكثر تضرُّرًا بنسبة 21%، بينما ستتحمل نيجيريا رسومًا جمركية بنسبة 14%، ويبدو أن هذه التعريفات الجمركية المتبادلة والعالمية تتجاوز الأحكام التي كانت تسمح بالإعفاء من الرسوم بموجب قانون النمو والفرص في أفريقيا (أغوا)، وهو التشريع الأمريكي الذي نَظَّمَ الكثير من التجارة بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية في العقود الأخيرة، ولكن من المقرَّر أن ينتهي في سبتمبر المقبل[2].
التداعيات الناجمة عن الرسوم الجمركية على أفريقيا:
أثارت الرسوم الجمركية اضطرابًا كبيرًا في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وعددٍ من الدول الأفريقية، وفي هذا السياق، سنتناول أبرز التداعيات التي خلفتها هذه الرسوم على الدول الأفريقية الأكثر تضرُّرًا، إلى جانب انعكاساتها على قانون النمو والفرصة في أفريقيا (أغوا)، وذلك على النحو الآتي:
ليسوتو: تُعدُّ ليسوتو من بين الدول الأفريقية التي تأثرت بشدة بالرسوم الجمركية الجديدة، وهي مملكة جبلية فقيرة مُحَاطة بالكامل بجنوب أفريقيا، وتُعدُّ ليسوتو واحدةً من أكبر مُصدِّري المنسوجات، إلا أنها تواجه الآن تعريفةً جمركيةً تصل إلى 50% على صادراتها إلى الولايات المتحدة، وهي أعلى نسبة تفرضها التدابير التجارية الجديدة التي أقرَّها الرئيس الأمريكي، وتتمتع ليسوتو بعددٍ من المصانع التي تصدر منتجاتها إلى السوق الأمريكية، وتوظف هذه المصانع عددًا كبيرًا من العمال؛ ما يزيد من القلق بشأن فُقْدان الوظائف نتيجة لهذه الرسوم الجمركية، وفي ظلِّ هذه المخاوف، تمَّ اقتراح تعزيز التجارة الإقليمية مع الحفاظ على الوصول إلى الأسواق العالمية.
جنوب أفريقيا: تأثرت صادرات جنوب أفريقيا من المركبات بشكلٍ كبيرٍ نتيجةً للرسوم الجمركية الجديدة، ورغم أن الرسوم الجمركية البالغة 30% قد لا تؤثر بشكلٍ مباشرٍ على الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، إلا أنها ستؤثر بشكلٍ كبيرٍ على قطاعات حيوية، مثل الزراعة وصادرات المركبات، وأشار أحد المحللين إلى أن هذه القطاعات تُساهم بشكلٍ كبيرٍ في الناتج المحلي الإجمالي في مناطق، مثل كيب الغربية والشرقية؛ حيث قد يشهد سوق العمل خسائر في الوظائف، خاصَّةً في صناعة تصدير السيارات؛ حيث تُصدر جنوب أفريقيا حوالي 10% من مركباتها إلى الولايات المتحدة.
وبالنسبة للصادرات الزراعية، أكَّدت بعض المصادر، أن جنوب أفريقيا ستسعى للبحث عن أسواق بديلة، إلا أن المنتجات مثل “النبيذ والفواكه الطازجة” ستتأثر بشكلٍ أكبر، كما حذَّرت جمعية مزارعي الحمضيات في البلاد من أن الرسوم الجمركية قد تعرض حوالي 35 ألف وظيفة مرتبطة بالحمضيات للخطر.
نيجيريا: أقرَّت الحكومة النيجيرية بأن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي على صادراتها ستؤثر سلبًا على التجارة، خاصَّةً في القطاع غير النفطي، وهذه التعريفات الجمركية ستضعف القدرة التنافسية للسلع النيجيرية في السوق الأمريكية؛ ما قد يؤدي إلى تعطيل العلاقات التجارية وزيادة التحديات الاقتصادية، كما ستؤثر هذه التدابير على الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على إعفاءات قانون النموّ والفُرَص في أفريقيا؛ ما يزيد من الضغط عليها نتيجةً لارتفاع التكاليف وعدم استقرار التزامات المشترين، ومن جهة أخرى، تواصل نيجيريا تعزيز جهودها لتطوير صادراتها غير النفطية وتحسين جودة منتجاتها لتلبية المعايير العالمية[3].
قانون النموّ والفُرْصة في أفريقيا (AGOA):
تعمل الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على تقويض قانون النموّ والفُرَص في أفريقيا ( (AGOA، الذي يسمح للدول المؤهلة في المنطقة بالوصول إلى الأسواق الأمريكية دون رسوم جمركية، ويعمل تحت شعار التجارة، لا المساعدات، ويضمن هذا التشريع الوصول المُعْفَى من الرسوم الجمركية للسلع الأفريقية، وقد ساهم في تطوير الصناعات المحلية بالقارة؛ ما أدَّى إلى خلْق مئات الآلاف من فرص العمل في قطاع النسيج، وقد تُلْغَي الرسوم الجمركية المتبادلة فعليًّا الامتيازات التي تتمتع بها دول أفريقيا جنوب الصحراء بموجب قانون النموّ والفُرَص في أفريقيا، ويشير الخبراء إلى أن اتفاقية التجارة قد تنتهي في سبتمبر 2025، وأن فُرَص تجديدها أصبحت ضئيلةً[4].
كيف يمكن للدول الأفريقية التخفيف من آثار رسوم ترامب الجمركية؟
يجب تفعيل دور الاتحاد الأفريقي لمواجهة التحديات التي تطْرَأُ على التجارة مع الولايات المتحدة، وفي هذا الصدد، يجب على الرئيس الأنغولي جواو لورينسو، بصفته الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، بالتعاون مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الجديد محمود يوسف، الدعوة إلى اجتماعٍ استثنائيٍّ؛ لمناقشة هذه القضايا والتوصُّل إلى إستراتيجية مُوحَّدة، تأخذ في اعتبارها النقاط الآتية:
-
يجب على الدول الأفريقية التعاون مع نظيراتها الأمريكية لدعم مطلبها في منْح القارة مزايا تجارية جديدة، وكما تمَّ إعفاء كندا والمكسيك من الرسوم الجمركية المتبادلة؛ حفاظًا على المصالح الوطنية الأمريكية، يُمكن للدول الأفريقية تقديم حجج مشابهة لتأمين وصولها إلى الأسواق وضمان سلسلة إمدادات المعادن الأساسية.
-
يجب على الدول الأفريقية تسريع تنويع أسواقها التصديرية، وذلك بالتوازي مع تعزيز التكامُل الداخلي، من خلال تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)، خاصَّةً في ظلِّ تفكُّك النظام التجاري العالمي إلى تكتُّلات إقليمية.
-
ينبغي للاتحاد الأفريقي توجيه انتباهه إلى الأسواق العالمية الأخرى، مثل دول البريكس، التي تمثل فرصةً كبيرةً لتنويع الصادرات الأفريقية، خاصَّةً في القطاعات ذات القيمة المضافة، ففي عام 2022، شكَّلَتْ دول البريكس نحو 23% من إجمالي صادرات أفريقيا، ويجب على الاتحاد الأفريقي أيضًا تعزيز التعاون التجاري مع الاتحاد الأوروبي والدول الأصغر، مثل المملكة المتحدة، مع التأكيد على أهمية الاعتراف باتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية.[5]