المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > رفع القيود التجارية بين الصين وأوروبا الدلالات والدوافع
رفع القيود التجارية بين الصين وأوروبا الدلالات والدوافع
- مايو 8, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات

إعداد: أكرم السيد
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
في السادس من مايو الجاري، أعلنت وزارة الخارجية الصينية عن رفع القيود التجارية المتبادلة بين الصين والاتحاد الأوروبي، في خطوة هامة تعكس تحركا نحو تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين، إذ تأتي هذه الخطوة بعد فترة من العقوبات المتبادلة التي عطلت مسارات التقارب بين الطرفين، وفي وقت مليء بالتوترات الاقتصادية العالمية، خصوصًا مع التحديات التي تطرحها الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة. كما يتضمن الإعلان أيضا رفع العقوبات المفروضة على بعض الشخصيات الأوروبية، مما يعكس رغبة الطرفين في تجاوز الخلافات السابقة وتعزيز التعاون في مجالات متعددة كالتجارة والتكنولوجيا والطاقة. وعلى الرغم من ذلك، تظل هناك تساؤلات بشأن مستقبل التقارب بين بكين وبروكسل لاسيما في ظل التحديات السياسية والاقتصادية المتجددة بينهما.
خلفية القرار
لم تكن المساعي الحالية وليدة اللحظة، إذ توصلت الصين والاتحاد الأوروبي في عام ٢٠٢٠ إلى معاهدة استثمار شاملة تهدف إلى إحداث تقارب في العلاقات الاقتصادية بينهما[1]. إلا أن التصديق على هذه المعاهدة من قبل الاتحاد الأوروبي تأجل بسبب تصاعد التوترات السياسية، خاصة بعد فرض الصين عقوبات على بعض الشخصيات الأوروبية كرد فعل من جانبها على انتقادات الاتحاد الأوروبي الموجهة إليها بشأن قضايا حقوق الإنسان. ونتيجة لذلك أصبح من الصعب المضي قدما في تفعيل معاهدة الاستثمار الشاملة المشار إليها، حيث لم يصدق بعد الاتحاد الأوروبي على المعاهدة.
في الوقت الحالي، وفي أبرز تطور يتعلق بالتقارب بين بكين والاتحاد الأوروبي، قررت الصين رفع العقوبات المفروضة على بعض الشخصيات الأوروبية التي كانت محورية في معارضة السياسات الصينية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث تم اتخاذ قرارات لرفع القيود التجارية بين الطرفين، وهو ما يمثل تحولًا مهمًا في العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي، حيث أنه بموجب هذه الخطوة سيتمكن الطرفان من تعزيز التجارة المتبادلة[2].
دلالات القرار
يمثل القرار المشترك بين الصين والاتحاد الأوروبي برفع القيود التجارية تحولا هاما في سياق العلاقات بين الطرفين، حيث يأتي هذا القرار بالتزامن مع مرور ٥٠ عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وأوروبا، وهي دلالة رمزية تعكس رغبة الطرفين في تعزيز التعاون بينهما، خاصة في ظل السياق الجيوسياسي المضطرب:-
١-الجانب الصيني
يعد رفع القيود التجارية دلالة واضحة على رغبة الصين في توسيع دائرة حلفائها، خصوصا في ضوء حربها التجارية مع الولايات المتحدة. ففي ظل السياسة الأمريكية الصارمة في ملف السياسات التجارية مع كافة دول العالم، تتجه بكين إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي كخطوة لتخفيف الضغوط الناتجة عن سياسة “الضغط الاقتصادي القصوى” التي تتبعها واشنطن، وكرسالة واضحة أيضا إلى واشنطن مفادها “أن الضغط الأمريكي لن ينجح في تقليص قدرة الصين على إيجاد مسارات تجارية بديلة”، بل سيزيد من دفعها للتعاون مع دول أخرى مثل الاتحاد الأوروبي لضمان استقرار اقتصاداها.
٢-الجانب الأوروبي
يسعى الاتحاد الأوروبي من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز علاقاته التجارية مع قوة اقتصادية كبرى كالصين لتعويض خسائره الناجمة عن التوترات مع واشنطن. ونتيجة لذلك يمكن القول أنه على رغم الخلافات السياسية بين الطرفين -الصيني والأوروبي- في قضايا مثل حقوق الإنسان وبعض الملفات السياسية الأخرى، فإن الواقع الاقتصادي الحالي قد فرض على الاتحاد الأوروبي غض الطرف عن بعض القضايا السياسية التي عطلت مسار التعاون مع الصين سابقا في سبيل تعزيز الشراكة الاقتصادية معها حاليا.
وبشكل عام، يعكس القرار رغبة الطرفين في بناء شراكة استراتيجية بعيدة عن التأثيرات الأمريكية، بما يضمن لهما القدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية في ظل بيئة سياسية متوترة.
دوافع القرار
تعكس دوافع هذا القرار مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية التي تهم كل طرف بشكل منفصل ولكن تتقاطع في العديد من النقاط، ويمكن الإشارة إليها في السياق التالي :-
١-دوافع الصين
من ناحية أخرى، يعد تجنب العزلة الاقتصادية أحد الدوافع الأساسية بالنسبة للصين خصوصا في ظل التصعيد المتبادل من قبل واشنطن وبكين فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية وسط غموض -حتى هذه اللحظة- حول الدخول في مفاوضات جادة تحد من حالة التصعيد الجاري وتضع حلول مناسبة لحالة الاضطراب التجاري الحادث بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم[3]. ومن هذا المنطلق، تسعى الصين إلى تعزيز علاقاتها مع القوى الاقتصادية الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي لتقليل تأثير العقوبات والعزلة التجارية المفروضة عليها، إذ تعتبر الصين أن أوروبا تمثل سوقا هاما يمكّنها من تنويع علاقاتها التجارية ومن ثم تقليل اعتمادها على الأسواق الأمريكية التي باتت تشهد توترًا متزايدًا.
٢-دوافع أوروبا
بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن واحدا من أهم دوافعه تكمن في حاجته لتعزيز سلاسل الإمداد بشكل أكثر كفاءة لتجنب أي اضطرابات قد تنشأ نتيجة للأزمات الاقتصادية العالمية أو الحرب التجارية المتأثرة بسياسة إدارة ترامب الجمركية. وفي الوقت الذي يعاني فيه الاتحاد الأوروبي من ضغوطات اقتصادية في ظل تباطؤ النمو في العديد من دوله، فإن الحاجة إلى البحث عن أسواق جديدة وأكثر استقرارًا لتوريد المواد الخام والتكنولوجيا مسألة ذات أهمية كبير، وفي هذا السياق تعتبر الصين سوقا رئيسيا يمكن الاعتماد عليه. علاوة على ذلك، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تقليل التكاليف الاقتصادية المرتبطة بالتجارة الدولية، وهو ما يمكن أن يتحقق من خلال زيادة التعاون مع الصين التي تعد واحدة من أكبر الاقتصادات العالمية. حيث تتيح هذه الشراكة توفير فرص لتقليل التكاليف المرتبطة بالاستيراد من دول أخرى غير الصين، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مجالات أخرى مثل الطاقة المتجددة والتصنيع والتكنولوجيا.
٣-دوافع مشتركة
تعتبر الرسوم الجمركية المرتفعة التي تفرضها إدارة ترامب أحد العوامل التي جعلت من التقارب بين الصين والاتحاد الأوروبي أمرا ضروريا، حيث أن فرض تعريفات جمركية مرتفعة على المنتجات الصينية سيلحق الضرر بالاقتصاد الصيني على المدى القريب إن لم يتم التوصل اتفاقية مع واشنطن في الفترة المقبلة، وبالمثل فإن فرض الأمر نفسه على الاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى نفس الأضرار. في هذا السياق يمكن القول أن الوضع الحالي يجعل من التقارب بين الصين والاتحاد الأوروبي هو بمثابة “تقارب الضرورة“ من أجل تخفيف تأثير هذه الرسوم الجمركية من ناحية والبحث عن بدائل تجارية أكثر توازنا وأقل تبعية للولايات من ناحية أخرى.
تحديات التقارب الصيني الأوروبي
رغم مؤشرات التقارب الاقتصادي والدبلوماسي بين الصين والاتحاد الأوروبي، إلا أن هذا المسار محفوف بتحديات عميقة ومعقدة تقف حائلًا أمام تحقيق شراكة استراتيجية متوازنة ومستدامة، ويمكن الإشارة إليها في السياق التالي:-
١-تحديات تجارية
يعتبر الخلل في الميزان التجاري من أبرز تحديات حدوث تقارب صيني أوروبي، حيث تعاني أوروبا من عجز كبير في تجارتها مع الصين، وهو ما يثير قلق العواصم الأوروبية بشأن الاعتماد المفرط على الواردات الصينية، خاصة في القطاعات الحيوية كالتكنولوجيا والطاقة المتجددة[4]. كما تشكل قضية دعم الحكومة الصينية لشركاتها الوطنية تحديًا رئيسيًا، إذ تُتهم بكين بإغراق الأسواق الأوروبية بمنتجات مدعومة بأسعار منخفضة تُضعف تنافسية المنتج الأوروبي، كما حدث في ملف السيارات الكهربائية. في المقابل، تشكو بكين من القيود التنظيمية الأوروبية، وهو ما تعتبره تمييزا ضدها.
٢-توترات سياسية
بالنظر إلى المستوى السياسي، فإن ثمة تفاقم في التوترات بين الجانبيبن بسبب تباين المواقف حول قضايا كحقوق الإنسان وغيرها، وهو ما يضع الاتحاد الأوروبي تحت ضغط داخلي وخارجي للحفاظ على مبادئه الليبرالية دون خسارة السوق الصينية. ويضاف إلى ذلك عامل التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين، حيث تجد أوروبا نفسها في موقع حساس بين الحليف الأمريكي والشريك التجاري الصيني.
٣-ملف الحرب الأوكرانية
تعتبر حرب أوكرانيا تحديا إضافيا للعلاقات بين الصين وأوروبا، حيث تبنت الصين موقفًا محايدًا نسبيا حيال الحرب، وهو ما أغضب بعض العواصم الأوروبية التي تتوقع دورًا أكثر نشاطًا من الصين في الضغط على روسيا لإنهاء النزاع. حيث تجد أوروبا في هذا الموقف صعوبة في تقارب المصالح الاستراتيجية مع الصين، حيث ينعكس تحالف روسيا مع الصين على علاقات أوروبا مع بكين. كذلك، لا تزال أزمة الثقة المتبادلة تعيق بناء حوار استراتيجي شامل، في ظل غياب آلية واضحة لضبط الخلافات التجارية والسياسية.
وفي هذا السياق يمكن القول أن مسار التقارب بين الصين وأوروبا لن يكون سهلًا أو مباشرًا، بل يتطلب توازنا دقيقا بين المصالح الاقتصادية والاعتبارات السياسية، واستعدادًا لتقديم تنازلات متبادلة لبناء شراكة واقعية قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
إجمالا
يعتبر قرار رفع القيود التجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي خطوة هامة نحو التقارب، إلا أن الجزم بتحقيق تقارب عميق بين الطرفين في المستقبل هو أمر سابق لأوانه، ولم تتوافر له شواهد تؤيده حتى الآن. كما أن مساعي التقارب الحالي جاءت في الأساس نتيجة اتفاق الطرفين على رفض السياسات التجارية لإدارة ترامب، وليس بسبب رغبة ذاتية حقيقية من كل طرف. وهذا يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي بعد انتهاء فترة إدارة ترامب، وما إذا كان التقارب سيستمر بعد تغيير السياسات الأمريكية. لذا يمكن وصف المشهد الحالي بأنها مساعي مرحلية لإحداث تقارب استراتيجي قد يستفيد منه الطرفان على المدى القريب، إلا أن استدامة هذا التقارب تتطلب من الطرفين تسوية القضايا العالقة والبحث عن أرضية مشتركة تتجاوز الخلافات السياسية.
المصادر:
[1] د. أحمد قنديل، اتفاقية الاستثمار “التاريخية” بين الصين والاتحاد الأوروبي والتوازنات الدولية، مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، ١٠-١-٢٠٢١
https://acpss.ahram.org.eg/News/17031.aspx
[2] الصين: اتفقنا مع البرلمان الأوروبي على رفع القيود عن التبادلات التجارية، العربية، ٦-٥-٢٠٢٥
[3] الحرب التجارية.. الصين تعلن رفع الرسوم الجمركية على أمريكا إلى 125%، سي ان ان، ١١-٤-٢٠٢٥
[4] ما هي أكثر المنتجات المستوردة والمصدرة بين الصين والاتحاد الأوروبي؟، يورو نيوز، ١٤-٣-٢٠٢٥