اكتسب القطبُ الشماليُّ أهميةً كبيرةً في العقود الأخيرة الماضية، وجذب انتباه الدول المحيطة به، وهم – تحديدًا – روسيا وسبع دول أعضاء في حلف الناتو، على رأسهم الولايات المتحدة وكندا، ثم الدنمارك والنرويج وفنلندا وأيسلندا والسويد، فمع ذوبان الجليد الناتج عن التغيُّرات المناخية، خاصَّةً ظاهرة الاحتباس الحراري، أصبح الوصول الى أراضي وبحار القطب الشمالي أسهل من ذي قبْل، وخاصَّةً مع الطفرة العالمية في التقدُّم التكنولوجي التي وفَّرت المعدات والمركبات من كاسحات جليد وغيرها، التي أدَّت لتسهيل هذه الخطوة، وأتاحت الفرصة أمام الدول المطلة على القطب الشمالي الى التنافس على استخراج الموارد الطبيعية وتوطيد قدمهم في المنطقة، ويشهد القطب الشمالي تواجُدًا روسيًّا أمريكيًّا بارزًا؛ ما يطرح تساؤلا حول ملامح التعاون والتنافس بين روسيا والولايات المتحدة في القطب، خاصَّةً بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، والذي يتبنَّى نهْجًا مغايرًا تمامًا عن سلفه في التعامل مع روسيا، وفيما يأتي يمكن استعراض الأهمية الإستراتيجية للقطب الشمالي والمعضلة السياسية التي من المتوقع أن تحدث حال التفرُّغ لهذا الملف الذي لا يقلُّ أهميةً عن ملف الحرب “الروسية – الأوكرانية”.
أولًا- الأهمية الجيوسياسية للقطب الشمالي: –
موارد طبيعية غنية:
تزْخَرُ منطقة القطب الشمالي بالموارد الطبيعية المتنوعة من نفط وغاز ومعادن نفسية وغيرها من المواد الخام التي تدخل في صناعة التكنولوجيا والصناعات المتطورة، بخلاف الثروة السمكية والمياه العذبة، كل ذلك يجعل من القطب الشمالي محطَّ أنظار الدول المطلة على سواحله، وأبرزها روسيا التي يمتدُّ ساحلها الشمالي على طول المحيط المتجمد الشمالي إلى 42 ألف كيلو مترًا، وتعتبر الدولة صاحبة الإطلالة الأكبر على القطب الشمالي بحوالي 53% من إجمالي ساحل القطب وتليها كندا، بالإضافة إلى امتلاكها ميناء مورمانسك القابع على بحر بارنتس؛ ما أمكن لروسيا امتلاك منفذٍ بحريٍّ على المحيط المتجمد الشمالي، عبْر خليج خالي من الجليد طوال السنة،[1] وتحتوي المنطقة ما يقدر بنحو 7.3 مليار طن من الاحتياطات النفطية الروسية و50% من احتياطاتها من البلاتين الذي يدخل في صناعات مختلفة و40% من احتياطي الذهب و 90% من المنجنيز والكروم؛ ما جعل روسيا تطلق عقيدةً عسكريةً عام 2014، خاصَّةً “بحماية المصالح الروسية في القطب الشمالي”، والتي وضعت حلف الناتو كتهديدٍ أساسيٍّ “Fundamental threat” للمصالح القومية الروسية، والذي تُعدُّ بالأساس مصالح اقتصادية.[2]
وتشير أبحاث أجرتها هيئة المسح الجيولوجي عام 2008، أن القطب الشمالي يحتوي على حوالي 22% من احتياطيات النفط والغاز الطبيعي غير المكتشفة الموجودة في العالم، كما تشير إلى أن غالبية هذه الموارد ترتكز في حوض غرب سيبيريا وحوض بحر بارنتس الشرقي، ويحتويان على حوالي 47% من إجمالي الموارد غير المكتشفة.[3]
طريق تجاري بديل:
يتمتع القطب الشمالي بأهميةٍ إستراتيجية بالغة؛ حيث يُعدُّ طريق تجارة بديل وفي منأى عن الصراعات والتهديدات التي تضرب طرق التجارة العالمية، خاصَّةً في البحر الأحمر وقناة السويس؛ بسبب الهجمات الحوثية من اليمن التي تطلُّ على مضيق باب المندب، بالإضافة إلى كونه طريقًا تجاريًّا جديدًا يربط بين الشرق والغرب ولا يمر عبر القارة الأوروبية، وتهدف روسيا إلى فتح طريق بحري شمالي لتسهيل عمليات الشحن وتصدير النفط والغاز الطبيعي المسال، وتعزيز النقل البحري، الذي بدوره سيعزز قوة روسيا الاقتصادية والإستراتيجية والدبلوماسية مستقبلًا ونفوذها الإقليمي، وقد يكون هذا الطريق خيارًا جذَّابًا للتجارة بين آسيا وأوروبا، خاصَّةً بعد وجود شراكةٍ “روسية – صينية” في منطقة القطب الشمالي.
ثانيًا- دور مجلس القطب الشمالي:
تأسَّسَ مجلس القطب الشمالي عام 1996، بموجب إعلان أوتاوا، وضمَّ ثماني دول أعضاء، هم “الولايات المتحدة وكندا وروسيا والدنمارك وأيسلندا والنرويج والسويد وفنلندا”، وهدف ذلك المنتدى الحكومي الدولي الى تعزيز التعاون في منطقة القطب الشمالي والتنسيق بين دول وشعوب القطب وإشراكهم في قضايا التنمية المستدامة وحماية البيئة؛ بما يعود بالنفع على دول القطب بعيدا عن عسكرة القطب أو تسييسه، ولكن سُرْعان ما تحولت علاقات دول القطب بروسيا، بعد في عام 2022، بعد انطلاق الحرب “الروسية – الأوكرانية” التي تُعدُّ نقطة التحوُّل الرئيسية في أعمال المجلس، وقد قامت الدول الأوروبية بمقاطعة وأعمال المجلس، وأوقفت المساهمات المالية به، وكانت روسيا تترأس المجلس في ذلك العام، والذي تتناوب الدول الأعضاء على رئاسته كل سنتين، وبتوقُّف أعمال المجلس، فَقَدَ القطب الشمالي سلطةً تنسيقيةً مهمة، كانت تديره وأصبح عُرْضَةً للتنافس والصراع بين دول المجلس.[4]
اجتمعت الدول الأعضاء مرة أُخرى بدون روسيا لتسليم رئاسة المجلس إلى النرويج، وقامت روسيا بتعليق مساهماتها المالية السنوية في المجلس؛ حتى تتمَّ حلَّ المشكلات المتواجدة في أعمال المجلس وعودة أنشطته كاملًا، وهو ما يتوقف على وجود قنوات حوار بين موسكو والدول الأوروبية الأعضاء بالمجلس؛ حيث تحوَّل القطب الشمالي من منطقة حيادٍ سياسيٍّ إلى منطقة صراعات جيوسياسية، خاصَّةً بعد اكتشاف الموارد الطبيعية المهولة في المنطقة.
ثالثًا- مؤشرات التصعيد في منطقة القطب الشمالي: –
ضم فنلندا والسويد إلى الناتو:
يقيم حلف الناتو منطقة القطب الشمالي كنقطةٍ لاندلاع نزاعات محتملة بين الناتو وروسيا؛ لذا قام قادة الحلف في قمة الناتو 29 يونيو 2022، في مدريد؛ بدعوة فنلندا والسويد إلى الانضمام معًا الى الحلف، في خطوةٍ مكَّنت الناتو من ضمِّ دولتين قادرتين على الحرب في أجواء المناخية للقطب الشمالي؛ نظرًا للأجواء المناخية المشابهة في دولهم، وتمَّتْ المحادثات بين الناتو والدولتين، إلى أن انضمت فنلندا رسميًا في 4 ابريل 2023، ثم تلتها السويد رسميًا في 7 مارس 2024، ليكتمل بذلك تواجُد جميع الدول الاسكندنافية في حلف الناتو، وهم “الدنمارك، النرويج، أيسلندا، فنلندا، والسويد”.[5]
بهذا الانضمام، أصبح الحلف يملك أوراق ضغطٍ إضافيةٍ، مكَّنته من توسيع النشاط العسكري في القطب الشمالي؛ استعدادًا لأيِّ نزاعٍ محتملٍ مستقبلًا في هذه المنطقة.
التدريبات العسكرية لحلف الناتو في القطب الشمالي:
ينتشر الجيش الأمريكي على بُعْد 82 كيلو مترًاعن روسيا بالتواجُد في ألاسكا الولاية الأمريكية الأكبر، والتي يفصلها مضيق بيرينغ عن روسيا، والتي قد قامت الولايات المتحدة بتطوير البنية التحتية العسكرية بها، والجدير بالذكر، أنه لم تكن هذه التحرُّكات وليدة اللحظة، بل بدأت واشنطن في اتخاذ هذه السياسات في أثناء الحرب الباردة، وقد قام الرئيس السابق للولايات المتحدة جو بايدن، بإطلاق إستراتيجية وطنية خاصَّةً بالقطب الشمالي، تهدف الى تعزيز التواجد العسكري الأمريكي في القطب الشمالي، بالإضافة إلى تكثيف التدريبات والمناورات العسكرية في القطب الشمالي مع الدول الشريكة المطلة على القطب، وقد أبرمت الولايات المتحدة اتفاقيات ثنائية مع النرويج؛ لتكثيف النشاط العسكري معها، في إطار الناتو وفي إطارٍ ثنائيٍّ أيضًا.
قام حلف الناتو بإجراء تدريبات عسكرية تسمى “الرَّدّ البارد 22″ أو “Cold Response 22” في القطب الشمالي السويدي بقيادة النرويج، وتهدف المناورات إلى تدريب أعضاء الحلف والدول الشركاء على رفْع كفاءتهم وقدراتهم بالعمل معًا، والجهوزية لأيِّ مواقف طارئة في أقصى الشمال، كما تقوم مشاة البحرية الأمريكية بالتدريب في أقصى الجزء الشمالي من النرويج؛ لإجراء تدريب “الرَّدّ الشمالي” “Nordic Response”، وهو جزءٌ من مناورات “المدافع الصامد 24” أو “Steadfast Defender 24”؛ لزيادة قدراتهم القتالية في القطب الشمالي النرويجي، والتدريب على التكيُّف مع الشتاء النرويجي القارس والتعامل مع التضاريس النرويجية الصعبة، وذلك بالتعاون مع نظرائهم من الجيش النرويجي في مقاطعة سيتيرموين شمال النرويج التي تنتشر بها معسكرات الجيش النرويجي، وتُعدُّ هذه المناورات هي الأكبر للناتو منذ فترات طويلة؛ ما يشير إلى أهميتها وحساسيتها بالنسبة للحلف؛ لكي يكون مستعدًّا لأيِّ نزاعات مستقبلية في منطقة القطب الشمالي.[6]
رابعًا- يمكن فهْم التطورات الخاصة بمنطقة القطب الشمالي ما بعد وصول ترامب في النقاط التحليلية القادمة: –
التواجد الروسي في منطقة القطب الشمالي:
تعي روسيا مقدار الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية للقطب الشمالي بالنسبة للأمن القومي الروسي، بالإضافة إلى وجود تقديرات، بأن القطب الشمالي هي ساحة نزاع محتملة مستقبلًا، وهي ثاني ساحة أكثر خطورة بعد أوكرانيا بالنسبة للغرب، ويُعدُّ القطب الشمالي منطقة نفوذ روسية؛ حيث تعتبر هي الدولة الأكبر في امتلاك سواحل وحدود على القطب الشمالي وتليها كندا، وتمتلك موسكو العديد من كاسحات الجليد التي تعمل بالطاقة النووية، وتقدر على اختراق الجليد البالغ سُمكه 3 أمتار، وذلك ضمن خطط روسية لتنمية القطب الشمالي الروسي، باعتبار روسيا دولة شمالية.
ويشكل القطب الشمالي أهمية إستراتيجية واقتصادية كبيرة لموسكو، وبناءً على ذلك، تقوم روسيا بإعادة تأهيل قواعد عسكرية كانت موجودةً سابقًا في الحِقْبَة السوفيتية، بالإضافة إلى القواعد الجوية ومحطات الرادارات في القطب الشمالي وتعمل على تطوير قدراتها الدفاعية بالأجزاء الشمالية لروسيا، وتلعب الصين بالشراكة مع روسيا دورًا حيويًّا في القطب الشمالي؛ حيث يقوما بإجراء مناورات عسكرية جوية مشتركة في المنطقة لحماية السواحل القطبية الروسية وطريق التجارة القطبي وتأمين الممر الشمالي القطبي والممرّ الشمالي الشرقي.
وقد أعلن بوتين في المنتدى الدولي للقطب الشمالي الذي عقد بمدينة مورمانسك، أنه سيتمُّ زيادة عدد الجنود في منطقة القطب الشمالي؛ لمواجهة توسُّع حلف الناتو هناك.[7]
الصراع “الروسي – الغربي”:
تشهد العلاقات “الأوروبية – الروسية” تدنِيًّا غير مسبوق، خاصَّةً منذ عام 2014 ، الذي أعلنت فيه أوكرانيا ضِيقَها من حالة الحياد، وأعلنت رغبتها الرسمية في الانضمام إلى حلف الناتو، وشجَّعتها على هذه الخطوة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية المختلفة، وقد كانت روسيا تتهم الحلف بشكلٍ متكررٍ، أنه يقوم بتحويل أوكرانيا إلى جبهة مواجهة “Confrontation front”، وهو ما بدأت شرارته عام 2014 بسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، ثم في 24 فبراير عام 2022 ببداية الحرب “الروسية – الأوكرانية”، التي مازالت مستمرة حتى الآن.
وبناء على ذلك، سادت حالةٌ من انعدام الثقة والتشرذم في العلاقات بين روسيا ودول حلف الناتو عدا تركيا، ومؤخرًا بعد عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بنهْجٍ مغايرٍ متقاربٍ مع وجهات النظر الروسية، فتحوَّلَ الصدام بشكلٍ مباشرٍ مع الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف، على رأسهم “فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا”.
بالإضافة إلى سعي الناتو لضمِّ فنلندا والسويد، ورغبتهم بحلِّ الصراع في أوكرانيا بإستراتيجية إحلال السلام بالقوة وهزيمة بوتين، وأن يكون لهم دورٌ في حلِّ النزاع “الروسي – الأوكراني”، وعلى هذه الشاكلة تعمل الدول الأوروبية على ألَّا يتمَّ تنحيتها في القضايا المحورية في القارة، وبالتالي سترغب في التواجد في أيِّ محادثات مستقبلية محتملة، خاصَّةً بالقطب الشمالي.
وقد تكون القارة الأوروبية في حالة ضعْف وفي موقع لا يسمح لها بفرْض أيِّ أوراق على طاولة المفاوضات، إلا أن لديها قدرة قوية على عرقلة أيِّ اتفاقيات لا تتواجد بها، على شاكلة تشجيعها لأوكرانيا باستكمال الحرب واتباع نهْج الرئيس الأمريكي السابق في هذه الحرب بفرْض السلام مقابل القوة؛ لذا من المتوقع، أن تعارض الدول الأوروبية أيّ مكاسب روسية، خاصَّة في القطب الشمالي، أو أي تفاوض بين روسيا والولايات المتحدة بالمنطقة لا يتم، تشارك الدول الأوروبية به، خاصَّةً أن القطب أصبح محلَّ اهتمام دول غير مطلة على القطب، مثل “فرنسا والصين”.
الصراع “الغربي – الغربي”:
منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وتشهد العلاقات الأمريكية بالقارة الأوروبية تقلُّبات شديدة تتعلق بحلف الناتو والإسهام المالي للدول الأعضاء في ميزانية الحلف الدفاعية الذي يراها ترامب لا يكافئ ما تنفقه وتتحمله الولايات المتحدة من أعباء في حلف الناتو، الذي يراها يخدم مصالح الأوروبيين فقط، أمَّا النقطة الثانية في الخلاف فتكمن في الحرب التجارية التي يشنُّها ترامب على العالم؛ بما فيها الاتحاد الأوروبي؛ حيث لم يستثنِ ترامب حلفاءه الأوروبيِّين من الرسوم الجمركية وفرض عليه رسوم تقدر بـ 20%، ثم تأتي النقطة الخلافية الثالثة، حول جزيرة جرينلاند التي تحاول الولايات المتحدة شرائها؛ حيث تُعدُّ الجزيرة بوَّابةً حيويةً على القطب الشمالي، بالإضافة إلى ما تمتلكه الجزيرة من موارد طبيعية.
وقد استغلت روسيا وجود صراع “غربي – غربي” بين الولايات المتحدة الأمريكية والدنمارك حول جرينلاند؛ ليصرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مقابلةٍ مع القناة الأولى الروسية “Channel One”، [8]بأن واشنطن تعي جيدًا بأن أوكرانيا اهم للأمن القومي الروسي أكثر من أهمية جرينلاند للأمن القومي الأمريكي، وأعلن أن موسكو تلتزم الحياد في هذه القضية، في إشارةٍ غير مباشرة منه إلى احتمالية وجود بعض التفاهمات بين الطرفين، بأن تعمل واشنطن على إنهاء الحرب “الروسية – الأوكرانية” بالشروط الروسية، بمنْعها كييف من الانضمام إلى حلف الناتو، مقابل التعاون مع الولايات المتحدة بشكلٍ أكثر فاعلية في القطب الشمالي، وعدم إبداء اعتراضات أو تصريحات حول رغبة الولايات المتحدة ضمّ جرينلاند، وأخيرًا الصراع بين الولايات المتحدة وكندا؛ حيث تريد الولايات المتحدة ضمَّ كندا وتشُنُّ عليها حربًا اقتصادية؛ بفرضها رسومًا جمركيةً عليها، والمستفيد الأكبر من تلك الخلافات التي تنشب بين الدول الغربية هي موسكو، التي تقاربت بشكلٍ كبيرٍ مع واشنطن.
التقارب “الأمريكي – الروسي” في فترة ترامب الحالية: –
شهدت العلاقات “الأمريكية – الروسية” تطوُّرًا ملحوظًا منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض؛ حيث تغيَّرت لهْجَةُ الحوار الأمريكية تجاه موسكو من لغة التهديدات إلى إنشاء علاقات ثنائية أساسها التوازن، واحتمالية التعاون في القطب الشمالي قد يكون الطريق الأمثل لرفع مستوى التعاون بين الدولتين؛ حيث أشار ستيف ويتكوف صراحةً إلى أن هناك احتماليةً للعمل على تكامُل سياسات الطاقة بالقطب الشمالي بين روسيا والولايات المتحدة وضخّ الغاز لأوروبا بشكلٍ مشتركٍ، وقد أبدى بوتين انفتاحًا كبيرًا على التعاون مع واشنطن في القطب الشمالي، ومن المحتمل، أن يستخدم منطقة القطب ومواردها الطبيعية كورقةٍ لإغراء ترامب الذي يميل إلى الصفقات الاقتصادية المربحة؛ بجدوى العلاقات “الأمريكية – الروسية”، والذي بدوره سيُنَحِّي القارة الأوروبية جانبًا بشكلٍ غير مسبوقٍ، في خطوةٍ تحقق مكاسب سياسية ضخمة لروسيا، وأخرى اقتصادية للولايات المتحدة.[9]
ختامًا:
من المحتمل، أن تشهد الفترة المقبلة اهتمامًا متزايدًا بمنطقة القطب الشمالي، خاصَّةً من قِبَلِ الولايات المتحدة الأمريكية، التي أصبحت تُولِي هذا الملف اهتمامًا كبيرًا، وأيضًا من قِبَلِ الدول الأوروبية التي باتت تشعر بالتهميش في هذا الملف؛ نظرًا للجفاء الذي يضرب العلاقات الدبلوماسية بين أوروبا وحليفتها التقليدية الولايات المتحدة، ولكن على الرَّغْم من النقاط التحليلية التي تمَّ ذكرها، إلا أن القدرة على التنبؤ بمدى إيجابية أو سلبية التفاهمات التي من الممكن أن تصل إليها موسكو وواشنطن بشأن المنطقة مازال غير محسومٍ؛ نظرا للتواجُد الصيني بالمنطقة، والتي تُعدُّ شريكًا وحليفًا قويًّا لروسيا منذ بدأ الحرب “الروسية – الأوكرانية”؛ لذا من المتوقع أن تأخذ واشنطن ذلك الاعتبار عند قرارها تكثيف العمل في هذا الملف وتوجيه جهودها السياسية والاقتصادية والعسكرية لتحقيق مكاسب اقتصادية مُرضية لإدارة ترامب، وكذلك بوتين الذي يعلم جيدًا مفتاح تطوير العلاقات الثنائية مع ترامب، ألا وهي الصفقات الاقتصادية المُرْبِحة، وقد يكون القطب الشمالي هي الصفقة التي يعدها بوتين لترامب نظير تقارب وجهات النظر “الأمريكية – الروسية” في ملف الحرب الأوكرانية.
