المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > زيارةُ «هاكان فيدان» إلى مِصرَ: تمهيدُ الطريقِ لزيارةِ السيسي إلى أنقرة في ظلِّ الوضعِ الإقليميِ المتوترِ
زيارةُ «هاكان فيدان» إلى مِصرَ: تمهيدُ الطريقِ لزيارةِ السيسي إلى أنقرة في ظلِّ الوضعِ الإقليميِ المتوترِ
- أغسطس 7, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: أماني السروجي
باحثة في الشئون التركية
تشهدُ العلاقاتُ التركيةُ المصريةُ خُطواتٍ جديدةً نحو تِعميقِ العلاقاتِ بين البلدين، حيثُ قامَ وزيرُ الخارجيةِ التركي «هاكان فيدان» بزيارةٍ رسميةٍ إلى مصرَ يومي 4 و5 أغسطس 2024، تلبيةً لدعوةٍ من نظيرهِ المصريِ بدر عبد العاطي، لبحثِ العلاقاتِ الثنائيةِ وتطوراتِ الأوضاعِ الإقليميةِ والدولية، كما هَدفت الزيارةُ أيضًا إلى تمهيدِ الطريقِ لزيارةِ الرئيس عبد الفتاح السيسي المتَوقعةِ إلى أنقرة.
وقد تزامنتْ هذه الزيارةُ في ظل التهديداتِ الأمنيةُ التي تشهدُها المنطقةُ نتيجةً لاستمرارِ العُدوانِ الإسرائيلي على قطاعِ غزة، والاغتيالاتِ الإسرائيليةِ لبعضٍ من قادةِ المقاومةِ، مثل مقتلِ القياديِ من حزبِ الله في لبنان فؤاد شكر في 30 يوليو، ومقتلِ إسماعيل هنية رئيسِ المكتبِ السياسيِ لحماس في العاصمةِ الإيرانيةِ طهران. كما تأتي الزيارةُ في ظلِّ حالةِ الترقبِ للردِ العسكريِ المُتوقعِ من إيران وقوى حركاتِ المقاومةِ المتحالفةِ مع طهران على إسرائيلَ ردًا على عملياتِ الاغتيالِ الأخيرةِ.
أبرزُ الفعالياتِ والقضايا والتصريحاتِ التي تخللت الزيارةَ:
زيارة «هاكان فيدان» إلى العريش:
بدَأ وزيرُ الخارجيةِ التركي زيارتَه الرسميةَ إلى مِصرَ بجولةٍ في مدينةِ العريش، حيث تفقدَ المخازنَ اللوجستيةَ التابعةَ للهلالِ الأحمرِ المصري، وميناءَ العريشِ البحريِ. وخلال الزيارةِ، قدمَ محافظُ شمالِ سيناءِ اللواء خالد مجاور للوزيرِ التركيِ شرحًا مفصلاً عن آلية استقبالِ المساعداتِ من مختلفِ دولِ العالمِ والمنظماتِ الدوليةِ.
وتأتي زيارةُ فيدان إلى العريش في إطارِ اهتمامِ تركيا بالقضيةِ الفلسطينيةِ وتطوراتِ الأوضاعِ المتسارعةِ للحربِ الإسرائيلية على قطاعِ غزة وتداعياتِها، وللتجاوبِ مع المطالبِ الشعبيةِ الداخليةِ بتكثيفِ الدورِ التركي تجاه أزمةِ قطاعِ غزة، وهو ما تجلَى بشكلٍ واضحٍ في نتائجِ انتخاباتِ البلدياتِ في مارس الماضي والتصويت العقابي لمناصري حزبِ العدالةِ والتنميةِ لمرشحي الحزبِ، بسببِ المواقفِ المحايدةِ للقيادةِ التركيةِ.
كما تأتي الزيارةُ في إطارِ توجهاتِ السياسةِ الخارجيةِ التركية لإغاثةِ الشعبِ الفلسطينيِ، حيث صرحَ السفيرُ التركيُ بالقاهرة، صالح موتلو شن، بأن تركيَا قدمت مئاتِ الأطنانِ من المساعداتِ الإنسانيةِ والإغاثيةِ إلى قطاعِ غزة عبر مصرَ، حيث تم إرسالُ عددٍ من طائراتِ الشحنِ إلى مطارِ العريش الدولي وعددٓ من سُفنِ المساعداتِ إلى ميناءِ العريش البحري. وفي هذا الإطارِ أكد «فيدان» أن مواقفَ مصرَ وتركيا متطابقةٌ في ضرورةِ إنهاءِ الحربِ على غزة وإقرارِ السلامِ في المنطقةِ من خلال حلِّ الدولتين.
لقاءُ فيدان مع الرئيسِ السيسي:
استقبلَ الرئيسُ السيسي وزيرَ الخارجيةِ التركي «هاكان فيدان» والوفدَ المرافقَ، خلالَ اليومِ الثاني من زيارتهِ الرسميةِ إلى مِصرَ، بحضورِ كلٍ من الدكتور بدر عبد العاطي وزيرِ الخارجيةِ والهجرةِ وشئونِ المصريين في الخارجِ، وسفيرِ تركيا بالقاهرة، نقلَ فيدان للرئيس تحياتِ وتقديرَ الرئيسِ رجب طيب أردوغان، وهو ما ثمَّنهُ السيدُ الرئيس، وفي هذا السياقِ تم الحديثُ عن أبرزِ نتائجِ زيارةِ الرئيسِ أردوغان لمصرَ في فبراير الماضي، والتي أثرتْ بشكلٍ إيجابيٍ في مسارِ تطورِ العَلاقاتِ بين البلدين.
كما تمَّ استعراضُ مُجمَلِ العلاقاتِ الثنائيةِ بين البلدين، حيث تمَّ التأكيدُ على بدأِ الاستعداداتِ لعَقْدِ الاجتماعِ الأولِ للمجلسِ الاستراتيجيِ رفيعِ المستوى بين مصرَ وتركيا، والذي قد تمَّ الاتفاقُ عليه في فبرايرَ الماضي خلالَ زيارةِ الرئيسِ أردوغان إلى مصر، ويَهْدِفُ إلى تعزيزِ التنسيقِ والتشاورِ بين الدولتينِ بهدفِ تحقيقِ الأمنِ والاستقرارِ في المنطقةِ، وناقشَ كلٌّ من فيدان وبدر عبد العاطي ملفَ تنظيمِ الاجتماعِ الاستراتيجيِ المشتركِ، والأسسَ الحاليةَ لحوالي 20 اتفاقيةً من المقررِ التوقيعُ عليها خلال الاجتماعِ الأولِ لمجلسِ التعاونِ الاستراتيجيِ.
المسئوليةُ الإقليميةُ:
هناك شعورٌ مشتركٌ بين كلٍ من مصرَ وتركيا بأن هناك نوعاً من المسؤوليةِ الإقليميةِ تِجاهَ المنطقةِ في ظلِّ التحدياتِ التي تواجهُ الإقليمَ. بالتالي، قد يؤسسُ تطويرُ العلاقاتِ بين الدولتيْن للقيامِ بدورٍ واسعٍ في المنطقةِ، خصوصًا في الملفاتِ الأمنيةِ؛ نظرًا لريادتهمِا ومكانتهِما كأبرزِ القوى الإقليميةِ. وهذا ما أكدَ عليه الرئيسُ السيسي بأن الشرقَ الأوسطَ يمرُ بمُنعَطفٍ شديدِ الدقّةِ والخطورةِ، يتطلبُ أعلى درجاتِ ضبطِ النفسِ وإعلاءَ صوتِ التعقلِ والحكمةِ، وأن سبيلَ نزعِ فَتيلِ التوترِ المتصاعدِ يَكْمُنِ في تضافرِ جهودِ القوى الفاعلةِ والمجتمعِ الدوليِ، وإتاحةِ الفرصةِ للحلولِ السياسيةِ والدبلوماسيةِ.
كما صرحَ فيدان خلالَ مؤتمرٍ صحفيٍ مع نظيرهِ المصريِ بأن المنطقةَ تشهدُ طوقًا من النيرانِ، وأكدَ على أهميةِ التعاونِ الوثيقِ بين البلدين، وأكدَ أن الحربَ على غزة تمثلُ تهديدًا كبيرًا، وأن تركيا تستنتجُ من اغتيالِ إسرائيلَ لرئيسِ المكتبِ السياسيِ لحركةِ المقاومةِ الإسلاميةِ (حماس) إسماعيل هنية أن رئيسَ وزرائِها بنيامين نتنياهو لا يريدُ وقفَ إطلاقِ النارِ. وهذا ما يشيرُ الى حاجةِ التضافرِ في الجهودِ أمام الفاعلينَ الإقليميينَ لتَحمّلِ المبادرةِ.
تصريحاتُ فيدان ضد ردودِ الفعلِ الأمريكيةِ تجاه الاعتداءاتِ الإسرائيليةِ:
أظهرتْ تصريحاتُ هاكان فيدان خلالَ المؤتمرِ الصحفي مع نظيرهِ المِصريِ، رفْضَهُ للسياسةِ الأمريكيةِ الداعمةِ للجرائمِ الإسرائيليةِ، حيث قال “يجبُ على أصحابِ إسرائيلَ أن يمسكوا بطَوْقِها” (في إشارةٍ إلى الولاياتِ المتحدةِ)، وذكرَ فيدان أن فلسطينَ اتخذت “موقفاً بناءً” خلالَ عمليةِ التفاوضِ، في حين كانت إسرائيلُ هي الطرفَ الذي “يُعرْقِلُ المفاوضاتِ”، وأكد أن من يَدْعَمُ إسرائيلَ “بلا قيدٍ أو شرطٍ هو المسؤولُ الرئيسيُ عن زعزعةِ أسسِ النظامِ الدوليِ”.
كما هاجمَ الولاياتِ المتحدةِ على إِثْرِ طلبِها من دولِ المنطقةِ كمصر وتركيا القيامَ بدورِ الوساطةِ في مسألةِ وقفِ إطلاقِ النارِ في غزة، وتبادلِ الأسرى، ولمنعِ تطلعاتِ الدولِ والأطرافِ الاخرى بالمنطقةِ التي تُريدُ الردَّ عسكرياً على الاعتداءاتِ الإسرائيليةِ ضد دُولِ وحركاتِ المقاومةِ في المنطقةِ، وهو الأمرُ الذي تمَّ طلبهُ مراراً وتكراراً، لاسيَّما بعد المجازرِ المتعددةِ التي قامتْ بها اسرائيلُ في غزة وكذلك حادثةُ ضَرْبِ اسرائيل للقنصليةِ الإيرانيةِ في دمشق وايضا بعد اغتيالِ اسرائيلَ لقادةِ حركاتِ المقاومةِ كحزبِ الله وحركةِ حماس.
وهو ما يُظْهِرُ تَملْمَلَ القيادةِ التركيةِ من الاستمرارِ في هذا النمطِ، حيثُ أكد أنه لم يَعُدْ مقبولاً أن تحاولَ الولاياتُ المتحدةُ تَخفيفَ كافةِ المساوئِ التي ترتكبُها إسرائيلُ، وأنه يجبُ على الذين يدعمونُ إسرائيلَ أن يتراجعوا عن هذا الخطأِ في أسرعِ وقتٍ مُمكنٍ وإذا لم تتوقفْ المذبحةُ في غزة، فلن تدفعَ المنطقةُ وحدَهَا، بل العالمُ كلهُ، ثمناً باهظاً.
التمهيدُ لقِمّةٍ في أنقرة بين الرئيسِ السيسي ونظيرهِ التركيِ أردوغان:
تَهدِفُ زيارةُ وزيرِ الخارجيةِ التركيِ إلى مِصرَ إلى وضعِ الترتيباتِ اللازمةِ لزيارةِ الرئيسِ السيسي إلى أنقرة، والتي ستمثلُ خُطوَةً هامّةً في مسارِ تعميقِ المصالحةِ والتأكيدِ على تجاوزِ الخلافاتِ بين البلدين، والتي أدتْ إلى قَطِيعةٍ استمرت لأكثرَ من عِقْدٍ من الزمنِ، وعلى الرغمِ من أن هذا التجاوزَ جاءَ اضطراريًا في بعضِ الملفاتِ نتيجةً للوضعِ الإقليميِ المضطربِ، إلا أن مسارَ المصالحةِ يسيرُ بشكلٍ جيدٍ حتى الآن.
كما تمثلُ هذه الزيارةُ المرتقبةُ رَدًا على زيارةِ الرئيسِ أردوغان إلى القاهرةِ في 14 فبراير الماضي، والتي شَهِدتْ الاتفاقَ على رفعِ مستوى التبادلِ التِجَاريِ بين البلدين إلى 15 مليارَ دولار خلال السنواتِ القليلةِ القادمةِ، وتعزيزِ الاستثماراتِ المشتركةِ، وفَتْحِ مجالاتٍ جديدةٍ للتعاونِ، كما أكدت على اهتمامِ البلدين بتعزيزِ التنسيقِ المشتركِ والاستفادةِ من موقعِ الدولتين كمركزيِ ثِقَلٍ في المنطقةِ.
تُشكلُ هذه الزيارةُ أيضًا خُطْوَةً هامَّةً نحو تعزيزِ علاقاتِ البلدين في مختلفِ المجالاتِ بما يتناسبُ مع تاريخِهما وإرثهمِا الحضاريِ المشتركِ، حيث ستشهدُ انطلاقَ الاجتماعِ الأولِ لمجلسِ التعاونِ الاستراتيجيِ رفيعِ المستوى بين مِصرَ وتركيا، والذي يأتي في ظلِّ التوتراتِ والتحدياتِ الإقليميةِ الراهنةِ، والأزماتِ الاقتصاديةِ الناتجةِ عن تداعياتِ الأزماتِ الدوليةِ. لذا، سيشهدُ هذا الاجتماعُ تقاربًا كبيرًا بين البلدين وتَوقيعَ العديدِ من اتفاقياتِ التعاونِ، فضلًا عن محاولاتٍ لتعزيزِ التنسيقِ بين البلدين للتصديِ لبعضِ الأزماتِ الإقليميةِ ومحاولةِ إيجادِ حُلُولٍ لها.
ختامًا،
في خضمِّ التهديداتِ الأمنيةِ والتوتراتِ الإقليميةِ، جاءت هذه الزيارةُ كمبادرةٍ هامّةٍ لتنسيقِ الجهودِ وتفعيلِ الحوارِ بين تركيا ومصرَ، بما يَعكِسُ التزامهَما المشتركَ بإيجادِ حلولٍ سِلْميةٍ وشاملةٍ للأزماتِ، إن هذا التقدمَ في العلاقاتِ الثنائيةِ يَعكِسُ قدرةَ البلدينِ على تجاوزِ التحدياتِ وتعزيزِ استقرارِ المنطقةِ من خلالِ التعاونِ الفعّالِ والدبلوماسيةِ البناءّةِ.
المراجع
- الرئيس عبد الفتاح السيسي يستقبل وزير خارجية تركيا، موقع رئاسة الجمهورية، 5 اغسطس https://2u.pw/mOePoslY
- وزير خارجية تركيا من القاهرة: طوق نيران حول منطقتنا وعلينا التعاون، موقع الجزيرة، 5 اغسطس https://2u.pw/FJepUBqX
- مصر – تركيا.. الاستعدادات جارية لعقد اجتماع مجلس التعاون رفيع المستوى، نوفا نيوز، 5 اغسطس https://2u.pw/hNqXaota
- يزور العريش ورفح.. وزير الخارجية التركي يثمن دور مصر في غزة، سكاي نيوز عربية، 4اغسطس https://2u.pw/MAOpjbjg
- رباب فتحي، مصر – تركيا شراكة تشمل كافة المجالات.. بدر عبد العاطى: بحثت مع وزير الخارجية التركى دور المجلس الاستراتيجى تحت رئاسة الرئيس السيسى وأرودغان.. هاكان فيدان: نولى أهمية خاصة للتشاور مع مصر.. ونقدر دورها فى ملف غزة، اليوم السابع، 5 أغسطس https://2u.pw/QBj5mT4L
- جوكهان تشيلكلار، مريم محمد كارا، فيدان: إسرائيل اغتالت بخسة هنية كبير مفاوضي وقف إطلاق النار، وكالة الأناضول، 5 أغسطس https://2u.pw/1ff3dCTu
- زيارة الرئيس التركي إلى القاهرة، الهيئة العامة للاستعلامات، 14 فبراير https://2u.pw/HfOHDKYv