استكمالًا لجهود التكامل المصري مع بعض الدول الأفريقية المجاورة لإثيوبيا، استضافت العاصمة الإريترية أسمرة، قمة ثلاثية جمعت كُلًّا من، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود، بجانب الرئيس الإرتيري أسياس أفورقي؛ للتباحُث حول المُسْتجدَّات في القرن الأفريقي، وتعزيز التعاون العسكري الاستخباراتي بين الدول الثلاث، مع احتمالية أن تكون هذه الزيارة هادفة لتوقيع اتفاق عسكري دفاعي مع أفورقي؛ ما يُشكِّلُ خطوةً بالغة الأهمية للجانب المصري، ولها عظيم الأثر على الحكومة الإثيوبية، التي تشهد انهيارات داخلية ناجمة عن التحرُّكات التي تقوم بها ميليشيا فانو؛ والتي أدَّت إلى حدوث حالةٍ من الانفلات الأمني في أديس أبابا.
قمة ثلاثية:
في التاسع من شهر أكتوبر الجاري، وصل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى إريتريا، والذي كان في استقباله نظيره إريتريا أسياس أفورقي، وفي العاشر من الشهر ذاته، توجَّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أسمرة؛ للمشاركة في قمة ثلاثية مع نظرائه من الصومال، ويتوقع أن يعقب هذه الزيارة توقيع اتفاق تعاون عسكري بين الجانبيْن المصري والإريتري، على غرار المُوقَّع بين مصر والصومال؛ بهدف مساندة ودعم القوات الأمنية والعسكرية للأخيرة، فضْلًا عن تطويق وحصار إثيوبيا، التي مازالت تعبث بأمن واستقرار المنطقة؛ ضاربة بالقوانين والأعراف الدولية عرْض الحائط، وتأتي هذه القمة؛ بناءً على توافُقٍ في الرُّؤَى والأهداف بين الدول الثلاث، على مجابهة التحديات التي تعصف بمنطقة القرن الأفريقي؛ حيث مكافحة الإرهاب وتأمين حركة المِلَاحة البحرية ضِدَّ القرصنة، إضافةً إلى قطْع أذرع إثيوبيا الممتدة في المنطقة، والتي تهدد ركائز الاستقرار والتنمية والسلام بها.
تجدر الإشارة إلى أن وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا، كانوا قد عقدوا اجتماعًا ثلاثيًّا في نيويورك، سبتمبر الماضي، خلال مشاركتهم في أعمال الدورة ٧٩ للجمعية العامة للأمم المتحدة.[1]
دلالات زيارة السيسي إلى إريتريا:
تُعدُّ هذه الزيارة أول زيارةٍ للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى إريتريا، وتأتي في إطار تكريس دبلوماسية القمة التي أطلقها السيسي صوْب دول القارة الأفريقية، إضافةً إلى طبيعة التحدِّيات التي تواجه منطقة القرن الأفريقي، لا سيما تهديد أمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ناهيك عن محاولات إثيوبيا للسطو على سيادة الصومال، أيضًا ترتبط كُلٌّ من مصر وإريتريا بآلية دول جوار السودان، وسعي القاهرة لإيقاف نزيف الحرب السودانية، كما أن هذه الزيارة تأتي بعد زيارة رئيس المخابرات المصرية ووزير الخارجية إلى أسمرة، وهو ما يشير إلى احتمالية توقيع اتفاقٍ عسكريٍّ مع إريتريا، مثلما فعلت مصر والصومال، بل وتشكيل رابطةٍ ثلاثيةٍ بين القاهرة ومقديشو وأسمرة؛ لمواجهة طموحات أديس أبابا في المنطقة.
زيارة رئيس المخابرات المصرية ووزير الخارجية إلى إريتريا:
في سبتمبر المنصرم، توجَّه كُلٌّ من رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، ووزير الخارجية بدر عبد العاطي، إلى العاصمة الإريترية أسمرة، تناولت هذه الزيارة دعْم سُبُل تطوير العلاقات الثنائية بين البلديْن على كافَّة الأصعدة، والوقوف على آخر مُستجدَّات الأوضاع الأمنية والسياسية في القرن الأفريقي، والاتفاق على تكثيف الجهود المشتركة، والتشاور حول كيفية الحفاظ على سيادة الصومال ووحدة أراضيه، بل وإتاحة الظروف المواتية لاستعادة الحركة الطبيعية للمِلَاحة البحرية والتجارة الدولية، عبْر مضيق باب المندب، ومناقشة الأوضاع في البحر الأحمر.[2]
أبعاد التحرُّكات المصرية في القرن الأفريقي على الداخل الإثيوبي:
يشهد الداخل الإثيوبي حالةً من التشرذُم والاضطراب، فبعد اتفاق التعاون العسكري المصري مع الصومال، ووصول الطائرات المصرية إلى مقديشو، والحكومة الإثيوبية في حالة ذُعْرٍ وقلقٍ، نَجَمَ عنه تحرُّك جيشها نحو إقليم أوجادين المحاذِي للصومال، ومن هنا بدأت الحرب التي أشعلتها ميليشيا فانو ضد حكومة آبي أحمد، وتلاها حزمةٌ من التطورات والمعارك المتبادلة بين الطرفيْن؛ ما يُشكِّلُ تهديدًا صارخًا لأمن واستقرار الدولة الإثيوبية، وفي الآتي أبرز المُستجدَّات على الصعيد الأمني الداخلي في البلاد:
فانو تسيطر على قاعدة عسكرية قُرْب العاصمة أديس أبابا:
مع مطلع أكتوبر الجاري، أقدمت ميليشيا فانو الأمهرية على إسقاط قاعدة عسكرية تابعة للجيش الإثيوبي بمدينة لاليبيلا، التي تبعد عن العاصمة أديس أبابا بنحو ٣٤١ كيلومترًا؛ حيث سيطرت عليها، وتمَّ تعليق رحلات الطيران إلى مطار لاليبيلا؛ هذا بالإضافة إلى سيطرة فانو على مدينة أنكوبر التاريخية، الواقعة على مقربةٍ من العاصمة الإثيوبية، والتي كانت العاصمة الأولى لإثيوبيا في القرن التاسع عشر، والتي تحوَّلت بعد ذلك إلى مزارٍ سياحيٍّ، وقد تفاقم حِدَّة النزاع بين الأمهرة والجيش الإثيوبي؛ ما أدَّى إلى قيام المستثمرين الصينيِّين بمغادرة البلاد؛ متوجهين نحو كينيا وتنزانيا وأوغندا؛ بسبب المخاوف المتعلقة بالأمن واللوائح الضريبية غير المتسقة في البلاد[3]، وتشير هذه التحرُّكات إلى أن فانو لم تعُدْ ترغب في السيطرة على إقليم أمهرة فحسب، بل توسَّعت ميولها حتى وصلت إلى مقربةٍ من العاصمة الإثيوبية، وهذا منحىً خطيرٌ يُوحِي بتراجُعٍ أمنيٍّ حادٍّ واضطراباتٍ داخليةٍ في أديس أبابا، ربما تُشكِّلُ بداية النهاية لحكومة آبي أحمد.
معارك طاحنة بين الجيش الإثيوبي وميليشيا الأمهرة:
في السابع من أكتوبر الحالي، وقعت معارك استمرت أكثر من يوميْن بين الجيش الإثيوبي وجبهة فانو بمنطقة جوجام، وسط وغرب إثيوبيا، بإقليم أمهرة؛ ما أسفر عن مقتل عقيدٍ في الجيش و٢٧٠ عنصرًا من قواته، كما دمّرت قوات فانو الأمهرية معسكرًا تابعًا لقوات الدفاع الوطنية الإثيوبية، في ديمبيتشا جوجام، ونَجَمَ عن ذلك خسائر فادحة في صفوف قوات الدفاع الوطني الإثيوبية؛ حيث قُتِلَ وجُرِحَ وأُسِرَ العديد من الجنود؛ ما يُسلِّطُ الضوْء على التصعيد الكبير الذي يحدث في إثيوبيا من قِبَلِ قوات فانو الأمهرية على الجيش الإثيوبي.[4]
مُخْرَجات القمة الثلاثية:
١-أكَّد رؤساء الدول الثلاث، ضرورة الالتزام بالمبادئ والمراكز الأساسية للقانون الدولي، باعتبارها الأساس الذي لا غنى عنه للاستقرار والتعاون الإقليميِّين.
2- الاحترام المطلق لسيادة واستقلال ووحدة أراضي بلدان المنطقة، ورفض التدخُّلات في الشؤون الداخلية لدول المنطقة تحت أيِّ ذريعةٍ.
3- تطوير وتعميق التعاون والتنسيق بين الدول الثلاث؛ من أجل تعزيز إمكانيات مؤسسات الدولة الصومالية؛ لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، وتمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدِّي للإرهاب بكافَّة صوره، وحماية حدوده البرية والبحرية، وصيانة وحدة أراضيه.
4- وفي هذا السياق، تناولت القمة بعض القضايا واتفقت على الآراء بشأن المسائل التالية:
– الأزمة في السودان وتداعياتها الإقليمية.
– الوضع في الصومال في ضوء التطورات الإقليمية الأخيرة.
– قضايا الأمن والتعاون بين الدول المتشاطئة للبحر الأحمر ومضيق باب المندب في سياق أهمية التصدِّي للقرصنة البحرية.
– آليات التنسيق الدبلوماسي والجهود المشتركة بين الدول الثلاث.
5- الترحيب بالجهود التي تقوم بها كُلٌّ من دولة إريتريا وجمهورية مصر العربية، في دعْم الاستقرار في الصومال، والإشادة بعرْض جمهورية مصر العربية، المساندة المتواصلة لجهود السلام والأمن في جمهورية الصومال الفيدرالية.
6- الاتفاق على إنشاء لجنةٍ ثلاثيةٍ مشتركةٍ من وزراء خارجية إريتريا ومصر والصومال؛ للتعاون الإستراتيجي في كافَّة المجالات.[5]
ختامًا:
إن ما يحدث في القرن الأفريقي؛ حيث الشرارة التي أشعلتها إثيوبيا؛ باستفزازاتها المتكررة لدول المنطقة، يُشكِّلُ خطرًا داهمًا على أمن واستقرار هذه الرُّقْعة الجغرافية الإستراتيجية؛ ويتوقع خلال الفترة القادمة، احتمالية تشكيل تحالُفٍ ثلاثيٍّ بين مصر والصومال وإريتريا لتطويق إثيوبيا، والحيلولة دون تمدُّد أذرعها التخريبية في المنطقة؛ تكون مهمة هذا التحالُف هو الدفاع عن أمن واستقرار القرن الأفريقي، ويُعدُّ ذلك تقدُّمًا ملحوظًا للدور المصري في القارة الأفريقية، والتحوُّل من اتباع دبلوماسية المفاوضات مع الحكومة الإثيوبية إلى اتباع سُبُل دفاعية؛ للدفاع عن أمنها القومي ومستقبل شعبها.
المصادر:
[1] قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في أسمرة، “RT”، ٩ أكتوبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط الآتي: https://n9.cl/1g9ij
[2] برسالة من السيسي.. رئيس المخابرات المصرية ووزير الخارجية يلتقيان رئيس إريتريا، الشرق للأخبار، ١٤ سبتمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط الآتي: https://n9.cl/z2qnh
[3] حنان عبد الهادي، سيطرت على قاعدة عسكرية إثيوبية، قولت فانو تتقدم نحو أديس أبابا وتورط آبي أحمد، فيتو، ١ أكتوبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط الآتي: https://www.vetogate.com/5250400
[4] حنان عبد الهادي، إثيوبيا تقع في الشرك.. فانو تقتل قائداً كبيراً و١٥٠ جندياً بجيش آبي أحمد، فيتو، ٨ أكتوبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط الآتي: https://www.vetogate.com/5255429
[5] بيان مصري صومالي إريتري بعد إجراء «مشاورات مكثفة بشأن قضايا هامة، المصري اليوم، ١٠ أكتوبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط الآتي: https://n9.cl/ewvqw
