في إشارةٍ لافتةٍ لتحسُّن العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، خاصَّةً بعد الهجوم المضاد الذي قامت به القوات الإثيوبية على مواقع تابعة للجيش الصومالي، تأتي زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود؛ لتشكل بارقة أمل نحو تبريد الأزمة التي حدثت بين الجانبيْن منذ أن شرع آبي أحمد في عقْد اتفاق مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، والتي كان من الممكن أن يفاقمها الهجوم على المواقع العسكرية، وذلك بالرغم من اتفاق المصالحة الذي تمَّ بين حكومتيْ مقديشو وأديس أبابا بوساطة تركية، والذي ربما كان قد يتأثر نتيجةً لذلك، إلَّا أن بهذه الزيارة يحتمل أن تنجح جهود الوساطة، ويتحقق الحلم الإثيوبي بالوصول إلى البحر عبْر بوابة الصومال، وقد تزامن هذا اللقاء مع اجتماعٍ وزاريٍّ ثلاثيٍّ بين القاهرة ومقديشو وأسمرة بمصر كنتيجةٍ لقمة أسمرة الثلاثية، التي عُقدت أكتوبر 2024.
زيارة الرئيس الصومالي لإثيوبيا
توجَّه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، 11 يناير 2025؛ لمتابعة الاتفاق الذي سبق التوصُّل إليه في تركيا؛ لتهدئة الأوضاع المتوترة بين الجانبين الصومالي والإثيوبي بعد عام من الخلاف؛ نتيجة مخطط إثيوبيا لبناء قاعدة عسكرية في إقليم “صومالي لاند”، أيضًا تطرَّق شيخ محمود إلى سُبُل تعزيز العلاقات الثنائية ودفع الأولويات المشتركة بين الدولتيْن؛ على اعتبار ذلك بداية عهد جديد للتعاون ونبْذ الخلافات، وقد نصَّ بيان مشترك عن حكومتيْ البلديْن على الاتفاق على عودة العلاقات الثنائية ودعمها، عبْر القنوات الدبلوماسية والتمثيل الدبلوماسي الكامل في العاصمتين، علاوةً على تأكيد أهمية التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، واتفق الطرفان على توسيع البِنْية التحتِيَّة؛ لتسهيل حركة التجارة وتحقيق الانتعاش الاقتصادي في كلا البلديْن.[1]
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن وزيرة الدفاع الإثيوبي قد زارت العاصمة مقديشو، في الثاني من يناير الحالي؛ لتندرج كأول زيارة ثنائية منذ بداية الأزمة؛ ظاهرها تعزيز الحوار والتفاهم الإقليمي، إلَّا أنها ربما سعت لتجديد تواجد القوات الإثيوبية ضمن بعثة حفظ السلام الجديدة في الصومال، أيضًا في نهاية ديسمبر الماضي، أجرى وفد صومالي برئاسة وزير الدولة للشؤون الخارجية والتعاون الدولي علي عمر، مباحثات مع وزير الدولة للشؤون الخارجية الإثيوبية مسجانو أرجا، في إشارة إلى تنسيق الجهود المشتركة؛ ضمانًً للتنفيذ الكامل لإعلان أنقرة.[2]
دلالات مهمة
تُلقي هذه الزيارة بظلالها على استعادة نَمَطِ العلاقات “الصومالية – الإثيوبية” وتخفيف حِدَّة التوتُّرات والارتقاء من مستوى متوسط كاد أن يصل إلى حافة الهاوية إلى مستوى أعلى بعد زيارة شيخ محمود، ويحتمل أن يحدث تبادُلٌ للزيارات كأن يتوجَّه آبي أحمد إلى مقديشو في وقتٍ لاحقٍ؛ لإتمام عملية المصالحة التي تمَّت بينهما، والدَّفْع نحو اتفاقٍ يمكن أديس أبابا من امتلاك قاعدة بحرية، كما أن توقيت هذه الزيارة جاء عقب المناوشات العسكرية التي شنَّهَا جنودٌ إثيوبيون على مواقع صومالية، فعلى ما يبدو أن الطرفيْن باتا يدافعا عن علاقاتهما، والحيلولة دون حدوث ما يمكن أن يُقوِّضَ المسار الذي بدأته تركيا بتوسُّطها في الأزمة؛ في الوقت الذي ضاعفت فيه جهودها لتنفيذ الاتفاق وتجنيب الطرفيْن الصومالي والإثيوبي من الدخول في مواجهات، من شأنها عرقلة المساعي التركية في هذا الإطار.
اجتماع ثلاثي بالقاهرة
تزامنًا مع زيارة الرئيس الصومالي إلى إثيوبيا، استضافت القاهرة ١١ يناير ٢٠٢٥، الاجتماع الأول للجنة الوزارية بين وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا، والذي كان امتدادًا لقمة أسمرة الثلاثية، التي عُقدت أكتوبر من العام الماضي؛ بهدف تعزيز أُطُر التعاون الإقليمي ودعم الاستقرار والأمن في منطقة القرن الأفريقي، وقد حمل هذا اللقاء في طيَّاتِهِ رسالةً لأديس أبابا، مفادها؛ أن أمن وسلامة البحر الأحمر قضية مشتركة مرهونة بإرادة الدول المشاطئة، التي لن تسمح بأية تهديدات لهذه الرُّقْعة الجغرافية.
مُخْرَجات الاجتماع
أكَّد هذا الاجتماع الوزاري، على أهمية الارتقاء بمقدرات الدولة الصومالية؛ لتمكينها من محاربة الإرهاب وبسْط سيطرتها على كافَّة ربوع الدولة، بجانب دعْم قدراتها؛ لكي تستطيع حماية حدودها البرية والبحرية على حد سواء، هذا وقد تم الاتفاق على تعزيز التشاور والتنسيق بين الأطراف الثلاثة، مع الإعداد الجيِّد للجولة الثانية من القمة الثلاثية بين القاهرة والصومال وأسمرة، في وقتٍ قريبٍ سيتمُّ الاتفاق عليه فيما بينهم، والتوافق على إنشاء آلية وزارية للاجتماع بشكلٍ دوريٍّ؛ للارتقاء بمستوى العلاقات.[3]
ختامًا:
تشير زيارة الرئيس الصومالي إلى بدايةٍ جديدةٍ؛ للارتقاء بمستوى العلاقات بين مقديشو وأديس أبابا، ويحتمل أن تشهد الفترة القادمة تكثيف الجهود الدبلوماسي، عبْر الزيارات المختلفة، وبالتالي وصول اتفاق المصالحة إلى حيِّز التنفيذ، وربما يحدث تعثُّرات لهذا المسار إذا ما حدثت توتُّرات أخرى، ولكن على ما يبدو أن الوساطة التركية ستحقق أهدافها المنشودة، وتمكن أديس أبابا من الحصول على قاعدة بحرية على سواحل البحر الأحمر، من خلال الصومال، ولكن هذا الأمر لن يكون بمفاد الوجود البحري فحسب، بل سيمتدُّ إلى ما هو أبعد من ذلك؛ حيث التواجد عسكريًّا في هذه المنطقة الحيوية.
المصادر:
[1] بعد عام من التوتر.. رئيس الصومال في إثيوبيا لمتابعة “اتفاق أنقرة”، الشرق، 11 يناير 2025، متاح على الرابط الآتي:
[3] بيان مشترك لاجتماع اللجنة الوزارية المشتركة الثلاثية بين مصر وإريتريا والصومال، الهيئة العامة للاستعلامات، ١١ يناير ٢٠٢٥، متاح على الرابط الآتي: https://n9.cl/zu4nb
