تتميزُ العلاقاتُ بين كينيا ومصر بالديناميكيةِ والتطوُّرِ المستمرِ؛ حيث تُعدُّ مثالًا بارزًا للتعاون الإقليمي في أفريقيا، وتستندُ إلى أُسُسٍ قويةٍ من المصالح المشتركة والتاريخ الدبلوماسي العريق، كما ترتكزُ هذه العلاقاتُ على التعاون الاقتصادي والتجاري، إضافةً إلى التنسيق السياسي في المحافل الدولية والإقليمية، مثل الاتحاد الأفريقي ومنظمة الكوميسا، وتسعى كُلٌّ من الدولتيْن إلى تعزيز علاقتهما الثنائية، من خلال الزيارات الدبلوماسية المتبادلة رفيعة المستوى، التي تعكسُ الرغبةَ المشتركةَ في تعميق الشراكات الإستراتيجية، ومن ناحيةٍ أُخرى، تلعب الاستثمارات المتبادلة دورًا مهمًا؛ إذ تسعى الدولتان إلى تعزيز التجارة الثنائية ودعْم المشاريع التنموية المشتركة، خاصَّةً في مجالات الزراعة والطاقة والبِنْية التحتِيَّة؛ ما يعكس التزام الدولتيْن بتعزيز التعاون الثنائي لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الإقليمي.
العلاقات “المصرية – الكينية”
تُعدُّ العلاقات بين جمهورية مصر العربية وجمهورية كينيا نموذجًا للتعاون الأفريقي المتكامل؛ حيث ترتكز على أُسُس التنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي والشراكة الأمنية، في إطار تحقيق الاستقرار الإقليمي والتنمية المستدامة، كما تجمع الدولتيْن علاقاتٌ دبلوماسيةٌ تاريخيةٌ تعود إلى فترة ما بعد استقلال كينيا عام 1963؛ إذ كانت مصر من أوائل الدول التي دعمت استقلالها؛ ما أسهم في بناء علاقات قوية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
من الناحية السياسية والدبلوماسية، تحافظ مصر وكينيا على مستوى عالٍ من التنسيق الدبلوماسي، في إطار الاتحاد الأفريقي، والسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (الكوميسا)، ومنظمة الإيغاد، إضافةً إلى الأمم المتحدة، ويأتي هذا التنسيق لتعزيز الأهداف المشتركة مثل: دعم السلام والاستقرار الإقليمي في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، إلى جانب تعزيز التعاون المشترك لمواجهة التحديات الأمنية، عن طريق تبادل المعلومات الأمنية والخبرات لمكافحة الجماعات الإرهابية والتطرُّف والجريمة المنظمة، فضلًا عن دعم الاستقرار الإقليمي، من خلال إيجاد حلولٍ دبلوماسية للصراعات الإقليمية.
أما من الناحية الاقتصادية، تُعتبر كينيا من أهم الشركاء التجاريِّين لمصر في شرق أفريقيا؛ حيث شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين نموًّا ملحوظًا، ويرجع ذلك إلى الاتفاقيات التجارية الإقليمية، مثل الكوميسا واتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، ومن أبرز مجالات التعاون الاقتصادي الزراعة والأمن الغذائي، من خلال تطوير المشروعات الزراعية والبِنْية التحتِيَّة المرتبطة بها في كينيا، والصناعة والتجارة، عن طريق زيادة الصادرات المصرية إلى السُّوق الكينية، إلى جانب المشروعات المصرية لدعم البِنْية التحتِيَّة من مياه وكهرباء ونقل.[1]
الزيارة
قام الرئيس الكيني “ويليام روتو” بزيارةٍ رسميةٍ إلى مصر، في ٢٩ يناير من العام الجاري؛ حيث استقبله الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” في قصر الاتحادية، وتناولت المباحثات بين الرئيسيْن سُبُل تعزيز العلاقات الثنائية ورفعها إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة، مع التركيز على مجالات الدفاع والأمن ومكافحة الإرهاب والمياه، كما شهد الرئيسان توقيع 12 اتفاقية تعاون في مجالات متنوعة، تشمل الاستثمار والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والفضاء والتدريب الدبلوماسي والإسكان والتعليم وتمكين المرأة والشباب وغيرهم.
ومن ناحيةٍ أُخرى استقبلت السيدة “انتصار السيسي” قرينة الرئيس المصري، السيدة “راتشيل روتو” حرم الرئيس الكيني، في لقاء يهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي وتوطيد أواصر الصداقة بين البلديْن، تأتي هذه الزيارة بالتزامن مع مرور 60 عامًا على تدشين العلاقات الدبلوماسية بين مصر وكينيا؛ ما يعكس عُمْق الروابط التاريخية بين البلديْن، كما تُشكِّلُ هذه الزيارة نقطة تحوُّلٍ في العلاقات “المصرية – الكينية”؛ إذ تُعزِّزُ الاندماج السياسي والاقتصادي والأمني بين البلدين، وتدعم الإستراتيجية المصرية لتعميق حضورها في شرق أفريقيا؛ ما يجعلها خطوةً مهمةً في صياغة مشهدٍ جيوسياسيٍّ جديدٍ في القارة الأفريقية.[2]
دلالات الزيارة
تحمل زيارةُ الرئيس الكيني لمصر العديدَ من الدلالات السياسية والإستراتيجية منها:
1- تعزيز النفوذ المصري في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي: إذ تعكس الزيارة اهتمام مصر المتزايد بتوسيع حضورها في القرن الأفريقي، وهي منطقة تشهد تنافُسًا إستراتيجيًا بين قوى إقليمية ودولية، مثل إثيوبيا وتركيا والصين، إلى جانب الولايات المتحدة، كما تأتي هذه الزيارة في سياق توجُّهٍ مصريٍّ لترسيخ دورها كقوة إقليمية، خاصَّةً في ظلِّ التحديات المرتبطة بأمن البحر الأحمر وقضية السد الإثيوبي.
2- تعميق التعاون في ملف الأمن المائي: حيث تُعدُّ كينيا من دول منابع النيل وعضوًا في مبادرة حوض النيل؛ ما يجعل التقارب معها مهمًا لمصر في سياق التحرُّكات الدبلوماسية الهادفة لحماية الأمن المائي المصري، وتأتي الزيارة في وقتٍ تسعى فيه القاهرة لتعزيز التحالفات مع الدول الأفريقية لضمان موقف داعم لها في ملف السد الإثيوبي.
3- التعاون الأمني والدفاعي لمواجهة التهديدات المشتركة: تُمثِّلُ كينيا أحد الأطراف الفاعلة في جهود مكافحة الإرهاب في شرق أفريقيا، خاصَّةً في ظل التهديدات التي تمثلها حركة الشباب الصومالية والتنظيمات المسلحة في المنطقة، كما أن التعاون في المجال الأمني يعكس التوجُّه المصري؛ لتعزيز قدراتها في إدارة الملفات الأمنية الإقليمية، خصوصًا فيما يتعلق بأمن البحر الأحمر والمحيط الهندي.
4- تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية والاستثمارية: تعكس الاتفاقيات الـ 12 التي تمَّ توقيعها دلالة واضحة على استخدام مصر للدبلوماسية الاقتصادية كأداةٍ لتعزيز العلاقات الثنائية، إلى جانب استهداف القاهرة تعزيز الاستثمارات المصرية في نيروبي؛ ما يُسْهِمُ في تقوية نفوذها الإقليمي عبر الاندماج الاقتصادي والتعاون التنموي.
5- إعادة هيكلة التحالُفات الأفريقية: تشير الزيارة إلى رغبة مصر في تنويع تحالفاتها في القارة الأفريقية، بعيدًا عن الاقتصار على علاقاتها التقليدية مع الدول العربية والأفريقية الكُبْرى، ويتماشى ذلك مع سياسة الانفتاح المصري على أفريقيا، التي تزايدت منذ تولِّي الرئيس السيسي رئاسة الاتحاد الأفريقي عام 2019؛ حيث عزَّزت القاهرة علاقاتها مع الدول “رواندا وأوغندا وبوروندي”، إضافةً إلى تنزانيا.[3]
ختامًا:
تمثل هذه الزيارةُ دفعةً قويةً للعلاقات “المصرية – الكينية”، ومن المتوقع أن تشهد الفترةُ المقبلةُ ترجمةً حقيقيةً لهذه التفاهمات، عبْر مشاريع تنموية واستثمارية ملموسة، تُعزِّزُ التكامل الأفريقي وتُوطِّدُ مكانة مصر كفاعلٍ رئيسيٍّ في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، كما أن زيارة الرئيس الكيني إلى مصر ليست مُجرَّد لقاءٍ دبلوماسيٍّ، بل هي خطوة إستراتيجية ذات أبعاد متعددة؛ تهدف إلى تعزيز النفوذ المصري في شرق أفريقيا، تأمين المصالح المائية، وتوسيع التحالفات الاقتصادية والأمنية؛ ما يجعلها جزءًا من رُؤْيةٍ مصريةٍ أوسع لإعادة التموضع في القارة الأفريقية، كما أرْسَتْ تلك الزيارةُ أُسُسَ شراكة إستراتيجية شاملة، تمتدُّ إلى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، إضافةً إلى أنها جاءت في توقيتٍ حسَّاسٍ إقليميًّا؛ ما يعكس إدراك البلديْن لأهمية التكامل والتعاون في مواجهة التحديات المشتركة، سواء في ملف الأمن المائي، مكافحة الإرهاب، أو تعزيز الاستثمارات والتجارة البَيْنِيَّة.
المصادر:
[1] ماجد تمراز، “اكسترا نيوز” تعرض تقريرا عن تطور العلاقات المصرية الكينية، اليوم السابع، ٣٠ يناير ٢٠٢٥، https://rb.gy/wf2zw4 .
