المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > زيارة تاريخية: على ماذا انطوت زيارة الرئيس السيسي لتركيا؟
زيارة تاريخية: على ماذا انطوت زيارة الرئيس السيسي لتركيا؟
- سبتمبر 4, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: محمود محمد حسن
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
مقدمة:
توجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ توليه الرئاسة عام 2014، إلى العاصمة التركية أنقرة تلبيةً لدعوة نظيره التركي رجب طيب أردوغان مما يعد استكمالاً لمسار المصالحة الذي انطلق بين البلدين منذ عام 2020. ووفقاً للمؤتمر الصحفي الذي أعقب الاجتماع المغلق الذي جمع الرئيسين، تم مناقشة سبل تعزيز العلاقات الثنائية وتطويرها على كافة الأصعدة بجانب إجراء مباحثات ثنائية حول آخر التطورات الإقليمية وفي مقدمتها ملفات حرب غزة، التوترات بمنطقة القرن الأفريقي وليبيا. كما تم توقيع 20 مذكرة تفاهم بمجالات الطاقة والسياحة والاقتصاد والتعليم بين البلدين.
أولًا: جدول الزيارة:
وصل الرئيس السيسي على العاصمة التركية أنقرة في 5 سبتمبر 2024 رفقةً وفد مصري رفيع المستوى تضمن مجموعة من الوزراء، أبرزهم بدر عبدالعاطي وزير الخارجية وكامل الوزير نائب رئيس الوزراء لشئون الصناعة ووزير الصناعة والنقل بالإضافة إلى رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي بجانب مجموعة من رجال الأعمال. وكان في استقباله نظيره التركي أردوغان بجانب شخصيات تركية بارزة وفي مقدمتها وزير الخارجية هاكان فيدان ورئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن وعبدالقادر أورال أوغلو وزير النقل التركي ومحمد نور صوي وزير الثقافة والسياحة وألب أرسلان بيرقدار وزير الطاقة التركي ضمن آخرين.
وعُقد الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى مما يشير إلى نية البلدين نحو إضفاء الطابع المؤسسي والدوري على العلاقات الثنائية. كذلك، عقد مؤتمر صحفي لإعلان نتائج الزيارة والتوقيع على الاتفاقيات الثنائية والبيان الختامي المشترك. وتضمنت الحلقة الأخيرة من الزبارة مأدبة عشاء والتي تشير إلى حفاوة الزيارة واتسامها بالطابع “الأخوي”.
ثانيًا: قضايا الإقليم:
تضمن اللقاء التأكيد على أهمية عقد مشاورات دورية لتنسيق المواقف فيما يخص التطورات الإقليمية ويمكن استيضاحها على النحو التالي:
1- القضية الفلسطينية: جاء ملف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة على رأس محادثات القمة الثنائية بحيث تطرقت كلمة الرئيسين إلى ضرورة إنهاء الحرب في غزة وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع. كذلك، أشاد أردوغان بجهود السلطات المصرية على المستويين الإنساني والدبلوماسي كما أكد الرئيس التركي دعمه لجهود الوساطة المصرية للتوصل إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار بالقطاع.
ومن جانب الرئيس السيسي، أكد على أهمية إيقاف الحرب على القطاع وإطلاق عملية سياسية تفضي إلى دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وأخيراً، أطلق البيان الختامي المشترك دعوة مصرية-تركية للوقف الفوري للعمليات العسكرية في قطاع غزة بجانب تعزيز الاعتراف العالمي بدولة فلسطين.
2- الأزمة الليبية: الاتفاق على أهمية التشاور الثنائي بغية الوصول لمستقبل سياسي وأمني مستقر بالداخل الليبي. كما سلطت كلمة السيسي الضوء على أهمية عقد الانتخابات الليبية وإخراج القوات العسكرية الأجنبية وقوات المرتزقة من ليبيا.
3- أفريقيا: أظهرت مصر وتركيا رؤية مشتركة للأمن في السودان والقرن الأفريقي تقوم على وقف الصراعات المسلحة وتسوية الخلافات بالطرق السلمية، كما أعاد الرئيس السيسي الإشارة إلى ضرورة الحفاظ على “وحدة الأراضي الصومالية”. بالتالي، من المنطقي استنتاج إطلاع أردوغان لنظيره المصري على مستجدات جهود الوساطة التركية لتسوية الأزمة الصومالية-الإثيوبية أثناء القمة الرئاسية. كذلك، يجب الإشارة إلى الإعلان المشترك للقمة الذي أكد ضرورة “ضمان الأمن والسلم والاستقرار” في القرن الأفريقي والذي يظهر مدى التوافق الذي يحمله منظور البلدين تجاه الأزمة الصومالية.
4- سوريا: رحبت القيادة المصرية بمساعي التقارب التركي-السوري وشددت على ضرورة الانطلاق من قرارات مجلس الأمن ذات الصلة للحفاظ على وحدة الأراضي السورية. وفي ضوء هذا التصريح، تم التأكيد على أهمية الحل السياسي للأزمة والقضاء على الإرهاب.
5- شرق المتوسط: نوه الرئيس السيسي إلى أهمية تصفية الخلافات بشكلٍ سلمي وقائم على الحوار بين “الدول المتشاطئة” في إشارة إلى الأزمة القبرصية وتوتر العلاقات التركية-اليونانية. إلا أنه من المستبعد استضافة مصر لمحادثات ثنائية لتقريب وجهات النظر التركية واليونانية بشأن قضية قبرص على الأقل في الأمد القريب. لكن، قد يتم عقد مشاورات مستقبلية حول كيفية دمج تركيا بالنظام الطاقوي الشرق متوسطي الذي تقوده القاهرة عبر منصة “منتدى غاز شرق المتوسط”.
ثالثًا: التعاون الاقتصادي:
تعد زيارة الرئيس السيسي إلى أنقرة اقتصادية بامتياز، في خضم الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها كلً من مصر وتركيا والمتمثلة في انخفاض قيمة العملة المحلية وارتفاع مستويات التضخم بصورة غير مسبوقة في البلدين، احتل الاقتصاد حيزاً كبيراً على أجندة الزيارة. في ضوء هذه المعطيات، تم توقيع 20 مذكرة تفاهم بين البلدين في العديد من المجالات. كذلك، أشاد الرئيس السيسي بتدفق حركة المصانع التركية إلى مصر.
علاوةً على ذلك، أكدت المباحثات الثنائية على ضرورة تيسير حركة التبادل التجاري وزيادة حجم التبادل التجاري البيني من 10 إلى 15 مليار دولار في الأمد القريب وتفعيل اتفاقية التجارة الحرة المصرية-التركية. هذا يأتي بجانب توجيهات السيسي بتقديم كافة التسهيلات للمستثمرين الأتراك وإتاحة الفرصة أمام رجال الأعمال الأتراك للاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة في مصر. على الجانب الآخر، وجه أردوغان دعوة مماثلة لتعزيز الاستثمارات التركية في مصر والتي بلغت 3 مليار دولار.
رابعًا: دلالات هامة:
1- تسليط أردوغان الضوء على الإسهامات التركية لمساعدة الفلسطينيين: ومن ضمنها ذكر حيازة المساعدات التركية للقطاع على نسبة 32 % من إجمالي المساعدات المقدمة بالإضافة إلى انضمام تركيا إلى دعوى الإبادة الجماعية التي تقودها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بمحكمة العدل الدولية. على النقيض، تطرق أردوغان بشكل مختصر إلى القضايا الإقليمية الأخرى مما يعكس الأهمية التي حظي بها الملف الفلسطيني خلال الاجتماع الرئاسي المغلق.
2- مغازلة الرئيس التركي لمصر: من المثير للاهتمام أن أردوغان استقبل الرئيس المصري بمطار أنقرة مخالفاً البروتوكول المعمول به تركياً عند استقبال قادة الدول الأخرى بمقابلة الرئيس التركي لهم بالقصر الرئاسي مما يعكس الودية التي أحاطت بالزيارة. كما حرصت القيادة السياسية التركية على ملأ خطابها بعبارات تشيد بدور مصر التاريخي وحضارتها فضلاً عن العلاقات “الأخوية والتاريخية” التي تجمع البلدين. كما أشاد أردوغان بحفاوة الاستقبال التي حظي بها أثناء زيارته للقاهرة بتاريخ 14 فبراير الماضي، وهذا يمثل إرادة سياسية واضحة لدى أنقرة والقاهرة لطي صفحة الخلافات كان قد أشار إليها الرئيس المصري أثناء كلمته التي ألقاها فور وصوله لأنقرة.
3- بيان وزارة الخارجية التركية: وتزامناً مع الزيارة، أصدرت وزارة الخارجية التركية بياناً يساند الموقف المصري فيما يخص أزمة “محور فيلادلفيا” الراهنة ويدين الادعاءات الإسرائيلية التي تستهدف أمن مصر واصفةً إياها “بغير المقبولة”، وهذا التزامن يعطي دلالة واضحةً حول مدى التوافق المصري-التركي بشأن القضية الفلسطينية ووحدة الموقف المشترك.
4- حجم المذكرات والاتفاقيات الموقعة: كما كان متوقعاً نظراً للوفد المصري المصاحب للرئيس، يلاحظ تنوع مجالات التعاون التي تضمنتها مذكرات التفاهم الموقعة والتي شملت التعاون الثقافي والتعليمي والتكنولوجي، كذلك وقع مسؤولو البلدين اتفاقيات لتبادل الخبرات بمجالات العلوم البنكية والإدارية والزراعية. علاوةً على ذلك، حضرت مجالات إدارة الطيران وتطوير السكك الحديدية والتعاون بمجال السياحة على رأس الاتفاقيات الموقعة. ولعل أهم مخرجات الزيارة المذكرة التي وقعها الطرفان لإنشاء منطقة صناعية تركية بمدينة “السادس من أكتوبر” المصرية والتي تعكس خطوات قيادات البلدين الهامة نحو تعزيز التعاون الاقتصادي والتأكيد على ما ورد بهذا الصدد أثناء كلمة السيسي.
5- التأكيد التركي على أهمية التعاون بمجال الطاقة: حرص الرئيس أردوغان على التنويه لأهمية التعاون المشترك بمجالات الطاقة وبالأخص الغاز الطبيعي. بالإضافة إلى ذلك، شددت تركيا على أهمية تسوية الخلافات بمنطقة شرق البحر المتوسط، وهذه المؤشرات تعبر عن حضور ملف ترسيم الحدود البحرية بين مصر وتركيا في مقدمة المباحثات الثنائية.
6- غياب التعاون العسكري عن القمة: بعكس توقعات العديد من المراقبين، غابت اتفاقيات التعاون الدفاعي والعسكري عن المشهد مما يناقض تصريحات فيدان حول “تزويد مصر بطائرات مسيرة” أو زيارة رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية السابق الفريق أسامة عسكر إلى أنقرة في أبريل 2024 لمناقشة فرص تطوير الإنتاج العسكري المشترك. وربما آثرت أنقرة والقاهرة إخفاء أي استراتيجيات تصنيع عسكري مشترك أو صفقات تسليح متبادلة لحسابات واعتبارات سياسية معينة.
ختامًا:
تعد زيارة الرئيس السيسي إلى تركيا مؤشراً إيجابياً حول تحسن العلاقات الثنائية وطي صفحة الخلافات، كما تعبر عن تلاقي مصالح الطرفين في العديد من الملفات الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية، لكن هذا لا ينبغي أن يقودنا إلى استنتاج أن تشكل هذه المقاربات نواة “تحالف” أو “محور مصري-تركي” جديد في الشرق الأوسط بحكم الملفات الخلافية البينية، بل تعبر هذه التحركات عن نشوء استراتيجية جديدة في التفاعلات المصرية-التركية قائمةً على البناء على نقاط التعاون والاتفاق وتجنب تفجير محاور الخلاف. وفي نهاية المطاف، أشار الإعلان المشترك إلى أن عام 2025، باعتباره مئؤية إقامة العلاقات الدبلوماسية المصرية-التركية، يجب أن يمثل انطلاقة نحو استكشاف قطاعات جديدة للتعاون وتعظيم المصلحة المتبادلة.
المراجع
-
وسام عبدالعليم. الرئيس السيسي ونظيره التركي يشهدان توقيع عدد من مذكرات التفاهم في مجالات التعاون المختلفة. الأهرام نيوز. 5/9/2024. متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/9j56fytm .
-
مؤتمر صحفي للرئيس السيسي ونظيره التركي. اكسترا نيوز. 5/9/2024. متاح على الرابط التالي: https://youtu.be/bLPVm31Xx8I
-
فتحية الدخاخني. كيف ترى مصر الوساطة التركية في أزمة «المنفذ الإثيوبي» بالبحر الأحمر؟. جريدة الشرق الأوسط. 13/8/2024. متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/kjyvhEZu
-
السيسي: زيارتي إلى تركيا تعكس إرادة لبدء صداقة جديدة. جريدة زمان . 4/9/2024. متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/6l0JGREz
-
وصول السيسي إلى أنقرة.. وأردوغان في الاستقبال. سكاي نيوز عربية. 5/9/2024. متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/hIXDRTbq
-
زيد اسليم. ما دلالات زيارة الرئيس المصري إلى تركيا؟. الجزيرة نت. 3/9/2024. متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/yqhuK4nn
-
هل تحمل زيارة السيسي إلى تركيا أسرارا عسكرية لم تكشف بعد؟. سكاي نيوز عربية. 5/9/2024. متاح على الرابط التالي: https://youtu.be/eZYsyr1vKD0
-
الإعلان المشترك للاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي بين جمهورية تركيا وجمهورية مصر العربية. رئاسة جمهورية مصر العربية. 4/9/2024. متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/jSvftBqu
-
حول ادعاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ضد جمهورية مصر العربية. وزارة الخارجية للجمهورية التركية. 4/9/2024. متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/QgifyPJL