يسعى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، مُنْذُ إعادة انتخابه للمرَّة الثالثة، منتصف العام الجاري، إلى زيادة الشراكات الإستراتيجية في ميادين عِدَّة، وبصفةٍ خاصَّةٍ في مجال الأمن البحري مع الدول الجزرية شرق وغرب المحيط الهندي؛ من أجل حماية المصالح البحرية الهندية، وتعميق التعاون الاقتصادي والعسكري مع الشركاء الأفارقة؛ وعليه جاءت زيارة مودي إلى نيجيريا قبْل أن يتوجَّه إلى البرازيل لحضور قمة العشرين، وهذه التحرُّكات تحمل العديد من الدَّلالات التي باتت تحكم أجندة السياسات الهندية.
العلاقات “الهندية – النيجيرية”:
ترتبط الهند ونيجيريا بعلاقاتٍ وطيدةٍ ترجع إلى عام ١٩٥٨، وعلى مدار هذه الأعوام والقيادات السياسية في كلا البلديْن يستثمران في تطوير هذه العلاقات، وتُعدُّ نيودلهي شريكًا مِحْوَرِيًّا لأبوجا؛ حيث تُشكِّلُ المنتجات الهندية أكثر من ٧٠٪ من سوق الأدوية في نيجيريا، ووصل حجم التجارة الثنائية بينهما ٧,٨٩ مليار دولار عام ٢٠٢٣-٢٠٢٤، كما تُعدُّ الدولة الغرب أفريقية ثاني أكبر شريكٍ تجاريٍّ للهند في القارة، وتعمل بها أكثر من ٢٠٠ شركةٍ هنديةٍ، بإجمالي استثمارات تصل نحو ٢٧ مليار دولار في قطاعات عِدَّة، بما فيها الصناعات الدوائية والطاقة والتشييد.
وفي قطاع الدفاع يتعاون البلدان؛ فتقدم الهند التدريب والدَّعْم للقوات النيجيرية، علاوةً على تعزيز التعاون البحري، لا سيما في خليج غينيا، تلك المنطقة بالغة الأهمية؛ للحفاظ على طُرُق التجارة الدولية، وهناك تبادُلٌ للتدريبات العسكرية والمبادرات التعاونية، في إطار برنامج التعاون الفني والاقتصادي الهندي، الذي يتيح ١٥٠ فُرْصة عملٍ سنويًّا لأفراد الدفاع النيجيريِّين، مع الاهتمام المتزايد بالمُعدّات العسكرية، وتسعى نيجيريا لتوسيع دائرة التعاون مع الهند؛ حيث تدرس شراء طائرات هليكوبتر وطائرات مقاتلة من شركات هندية، مثل شركة هندوستان للطيران، وتتوافق هذه التطوُّرات مع الشراكة الإستراتيجية المُوسَّعة بين الدولتيْن، والتي شهدت حصول أبوجا على مساعداتٍ دفاعيةٍ من الهند مؤخرًا.
ولم يقتصر التعاون على مجال الدفاع فحسب، بل امتدَّ لمجالات الفضاء والأمن السيبراني، ومن المفترض أن يتمَّ توقيع مذكرة تفاهم، بشأن التعاون الفضائي لتعزيز العلاقات الثنائية، إضافةً إلى إطلاق برامج تدريبية متخصصة لوكالة الفضاء الوطنية النيجيرية يناير ٢٠٢٥، مع تركيز الجهود التعاونية على الاستشعار عن بُعْد ورسْم الخرائط وتطوير الأقمار الصناعية، وكذلك تمَّ توقيع مذكرة تفاهُم بين فريق الاستجابة لحالات الطوارئ الحاسوبية الهندي ونظيره النيجيري؛ بهدف تحقيق التعاون في مجال الأمن السيبراني.[1]
زيارة ناريندرا مودي إلى نيجيريا:
توجَّهَ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى أبوجا، في زيارةٍ رسميةٍ على مدار يوميْ ١٦ و١٧ نوفمبر، بدعوةٍ من نظيره النيجيري بولا تينوبو، وقد اتفق الطرفان على تعميق سُبُل التعاون بينهما في مجالات الأمن البحري والاستخبارات ومكافحة الإرهاب، فضلًا عن التباحُث حول تعزيز التنمية الاقتصادية والدفاع والرعاية الصحية والأمن الغذائي، كما اتفقا على العمل المشترك؛ لتأمين طُرُق التجارة البحرية ومجابهة عمليات القرصنة، خاصَّةً مع تزايُد التهديدات في خليج غينيا والمحيط الهندي[2]، ويُعدُّ مودي أول رئيس حكومة هندي يزور الدولة الغرب أفريقية منذ ١٧ عام، فقد كانت الزيارة السابقة عليها، تعود لعام ٢٠١٧ لرئيس الوزراء آنذاك مانموهان سينغ، وتأتي هذه الزيارة ضِمْن رحلةٍ رسميةٍ إلى نيجيريا والبرازيل وغويانا، تستمر حتى ٢١ نوفمبر؛ للمشاركة في قِمَّة مجموعة العشرين بريودي جانيرو.[3]
دلالات مهمة:
لقد أصبحت الدُّولُ الجزريةُ الأفريقيةُ المُطِلَّةُ على غرب المحيط الهندي محطَّ اهتمام السياسة الهندية، فخلال السنوات الأخيرة، استقبلت نيودلهي العديدَ من القادة الأفارقة، وساهمت في إجراء العديد من التدريبات المشتركة مع شركاء القارة السمراء غرب المحيط الهندي، وعملت على إنشاء أكاديميات للدفاع في إثيوبيا وتنزانيا شرقًا، وفي نيجيريا غربًا، وبالنظر إلى الأهمية الإستراتيجية التي تحْظَى بها السواحل الأفريقية المُطِلَّة على المحيط الهندي، فقد عملت الحكومة الهندية على تعزيز نطاقها الأمني، عبْر مشاركتها في خليج غينيا، من خلال تدشين مؤسسات للقوات الجوية في غانا، وكلية حربية في نيجيريا.[4]
وتتمثل أهداف الهند في القارة الأفريقية في التواجُد على السواحل المُطِلَّة والقريبة من المحيط الهندي؛ لتوفير الأمن البحري؛ لذا تعمل على توطيد العلاقات بينها وبين الحكومة النيجيرية؛ نظرًا لقُرْبها من خليج غينيا الذي يحُدُّها من الجنوب، والذي يُعدُّ ممرًّا مهمًّا للتجارة الدولية، ناهيك عن أن اقتصاد نيجيريا يندرج ضِمْن أكبر اقتصادات أفريقيا؛ بما يمتلكه من مواردَ طبيعيةٍ ضخمةٍ؛ حيثُ النفط واحتياطات هائلة من الغاز الطبيعي[5]، إضافةً إلى المساعي الهندية لجذْب الاستثمارات من بعض الاقتصادات الكُبْرَى، والتي تُعدُّ أبوجا من بينها، في الوقت الذي تعمل فيه أكثر من ٢٠٠ شركةٍ هنديةٍ في البلاد.
كما أنها تسعى لمُزَاحمة الصين في منطقةٍ تُمثِّلُ بُعْدًا إستراتيجيًّا في السياسة الهندية والصينية، فتتنافس القوتان على منطقة غرب المحيط الهندي وسواحل أفريقيا الشرقية، باعتبارها أهمَّ خطوط المِلَاحة البحرية العالمية ومصدرًا رئيسيًّا للطاقة والمواد الخام، وتُعوِّلُ عليها حكومة نيودلهي في تجارتها بشكلٍ كبيرٍ؛ فيمُرّ نحو ٦٠٪ من التجارة عبْرها؛ ما يجعلها شُرْيان الحياة لاقتصاد البلاد؛ وبالتالي تسعى الهند لتقوية أواصر التعاون والتنسيق المشترك مع دول المنطقة؛ لضمان تحقيق أهدافها وتأمين مصالحها عبْر التواجُد في هذه النقاط الحيوية، خاصَّةً أَّن لديها مخاوف من أن يُهدِّدَ التواجُد الصيني تجارتها البحرية التي تمُرُّ عبْر المنطقة، ومن ثمَّ التأثير على نفوذها في القارة الأفريقية.[6]
ختامًا:
تحمل الزيارة التي قام بها ناريندرا إلى نيجيريا في طيَّاتِها عوامل سياسية؛ فأدركت نيودلهي أن الصين أصبحت تُحقِّقُ نجاحاتٍ ملموسةً في بلدان الجنوب العالمي، وأن ذلك من شأنه التأثير بشكلٍ أو بآخر على مكانتها كزعيمٍ لدول الجنوب؛ لهذا فقد سَعَتْ لتوسيع دائرة تحالُفاتها في القارَّة السمراء، التي باتت تشهد استقطابات من قِبَلِ العديد من القُوَى الدولية، وفي هذا الصدد، يحتمل أن تُكثِّفَ الهند جهودها التعاونية مع دولٍ أفريقيةٍ مختلفةٍ، خاصَّةً التي تقع على مقْربةٍ من المحيط الهندي، فلن يقتصر الأمر على نيجيريا فحسب، بل يفترض أن تتحرك في اتجاهاتٍ متوازيةٍ خلال الفترة القادمة، فمن ناحيةٍ، تُطوِّقُ النُّفُوذَ الصينيَّ في المنطقة، ومن ناحيةٍ أخرى، حماية مصالحها وجذْب المزيد من الاستثمارات وتوسيع دائرة الشراكة مع دول المنطقة، لا سيما في مجال الأمن البحري.
[4] دبلوماسية الهند البحرية في قارة أفريقيا في عهد ناريندرا مودي، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، ٢٩ أغسطس ٢٠٢٤، متاح على الرابط الآتي: https://n9.cl/00jb8
[5] نيجيريا.. من حرب بيافرا إلى أكبر اقتصاد في أفريقيا، الجزيرة، ٢٤ أغسطس ٢٠٢٤، متاح على الرابط الآتي: https://n9.cl/s7o8e
[6] نشوى عبد النبي، التنافس البحري الصيني الهندي في سواحل أفريقيا الشرقية، الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية، ٢٩ أبريل ٢٠٢٤، متاح على الرابط الآتي: https://sawtoroba.com/?p=54933
