المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > زيارة رئيس جنوب إفريقيا إلى واشنطن: هل سينجح في إعادة ضبط العلاقات بين البلدين ؟
زيارة رئيس جنوب إفريقيا إلى واشنطن: هل سينجح في إعادة ضبط العلاقات بين البلدين ؟
- مايو 22, 2025
- Posted by: mostafa hussien
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات

إعداد: شيماء ماهر
باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
في خطوة مفاجئة لضبط بوصلة العلاقات الثنائية بين دولتين تربطهما مصالح مشتركة لكن فرقتهما مواقف متباينة إزاء ملفات إقليمية ودولية حساسة، وصل رئيس جمهورية جنوب أفريقيا ” سيريل رامافوزا ” إلى الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة عمل رسمية يوم الإثنين الموافق ١٩ مايو الجاري وتستمر لمدة أربع أيام، يرافقه فيها وفدًا رفيع المستوى، وذلك بعد فترة من التوتر الذي خيم على العلاقات بين البلدين في الأشهر الأخيرة، وتأتي هذه الزيارة استجابة لرغبة مشتركة في تهدئة الأجواء وتوسيع مجالات التعاون، خاصة في ضوء التحديات الدولية المتصاعدة وتداخل المصالح في عدد من الملفات السياسية والاقتصادية.
وعليه فهل ستنجح هذه الزيارة في إذابة الجليد والفتور الذي حل على مسار العلاقات بين البلدين، وفتح صفحة جديدة في مسار العلاقات بين واشنطن وبريتوريا؟ أم أن الخلافات العميقة ستلقي بظلالها على مخرجاتها وتعيد الطرفين إلى مربع التوتر؟
الجذور التاريخية للعلاقات بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية
لم تكن العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب إفريقيا تسير على وتيرة واحدة بل كانت متأرجحه للغاية، فخلال فترة حكم الفصل العنصري كانت أمريكا تدعم البيض الذين يتولون قيادة نظام الفصل العنصري ضد السود أصحاب الأرض، وهو ما جعل حركات المقاومة تلجأ إلى روسيا للاعتماد عليها في مكافحة نظام الفصل العنصري، ومع سقوط حكومة الفصل العنصري، وتولي حكومة مانديلا قيادة البلاد؛ ظلت الولايات المتحدة تدرج اسم الزعيم نيلسون مانديلا وحزب المؤتمر الوطني الإفريقي على قائمة الإرهاب الأمريكية حتى عام 2008م، لكن بعد وفاة الزعيم نيلسون مانديلا في ديسمبر 2013م قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالمشاركة في جنازته، ومع صعود زوما للسلطة في جنوب إفريقيا حدثت بعض التوترات التي أثرت على مسار العلاقات.
ومع تولي ترامب للسلطة للمرة الأولى في 2017م تصاعدت هذه التوترات، واستمرت العلاقات بين البلدين في التذبذب مع كل إدارة جديدة من كلا الجانبين، على الرغم من الروابط الاقتصادية القوية، وقد دفع هذا جنوب أفريقيا إلى التودد إلى منافسين جيوسياسيين للولايات المتحدة، بما في ذلك روسيا والصين، وفي عام 2023م، تصاعدت التوترات بين البلدين عندما اتهم السفير الأمريكي جنوب أفريقيا بتزويد روسيا بالأسلحة للصراع في أوكرانيا، على الرغم من موقف جنوب أفريقيا الرسمي بالحياد، وتدهورت العلاقات بين البلدين لدرجة غير مسبوقة عقب تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سدة الحكم مرة آخرى[1].
السياق الراهن للزيارة
تأتي هذه الزيارة في أعقاب تصاعد التوتر في العلاقات بين الإدارة الأمريكية الجديدة وحكومة جنوب إفريقيا، خاصة بعد قيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم 7 فبراير 2025م بتوقيع أمر تنفيذي يقضي بتجميد المساعدات المقدمة لجنوب إفريقيا، وذلك بدعوى تجاهل جنوب إفريقيا لحقوق مواطنيها، وإصدارها لقانون نزع الملكية لتمكين الحكومة من الاستيلاء على الممتلكات الزراعية للأقليات العرقية الأفريكانية دون تعويض، بجانب اتهام الحكومة بتبني سياسات مخصصة للإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص في التوظيف والتعليم والأعمال التجارية، مع اتهامها بتبني خطاب الكراهية ودعم الإجراءات التي تغذي العنف ضد ملاك الأراضي بصورة عنصرية.
وفي السياق ذاته يتهم حكومة جنوب إفريقيا باتخاذ مواقف عدوانية تجاه الولايات المتحدة وحلفائها بما في ذلك اتهام إسرائيل، وليس حماس بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية، كما قامت واشنطن بإعلان أن سفير بريتوريا لديها ” إبراهيم رسول” شخصا غير مرغوب فيه وطردته من أراضيها، واتهم وزير الخارجية الأمريكي “ماركو روبيو ” الدبلوماسي جنوب الإفريقي بأنه يكره البلاد ورئيسها دونالد ترامب، ويؤجج التوترات العرقية.
ونظرًا للتقارب الجنوب إفريقي مع الصين خلال الفترة الأخيرة سياسيًا واقتصاديًا، بجانب تقارب جنوب إفريقيا مع إيران أيضًا، وخاصة بعد انضمامها لمجموعة البريكس، وقد أثار غضب الإدارة الأمريكية، وجعل علاقاتها مع جنوب إفريقيا متوترة، فضلًا عن دعم حكومة جنوب إفريقيا لروسيا، وعدم مبالاتها بالموقف الأمريكي منها، حيث نجد أنه في ظل العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، فقد كانت العلاقات بين جنوب إفريقيا وروسيا تتسم بالتقارب سواء على مستوى التعاون داخل مجموعة بريكس أو حتى على المستوى الثنائي[2].
تزامنًا مع ذلك أعلن وزير الخارجية الأمريكي “ماركو روبيو” يوم 5 فبراير 2025م عن مقاطعته وعدم حضوره لاجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، كما برر ذلك بأن جنوب إفريقيا تفعل أشياء سيئة للغاية، منها مصادرة الممتلكات، واستخدام مجموعة العشرين لتعزيز التضامن والمساواة والاستدامة، وردت حكومة جنوب أفريقيا على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بقولها إنه لا يوجد لديهم حالات نزع ملكية تعسفي للأراضي أو الممتلكات الخاصة، وإن القانون الذي تم إقراره مؤخرًا مُشابه لقوانين نزع الملكية العامة في العديد من دول العالم، وفي يوم 12 مايو الجاري رحبت الولايات المتحدة بأول مجموعة من مهاجري جنوب إفريقيا المنحدرين من أقلية الأفريكانز، وهم من أحفاد المستعمرين البيض، وذلك في أول رحلة لهم منذ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب فتح أبواب الهجرة أمامهم بزعم تعرضهم للاضطهاد[3].
أبرز ما جاء خلال لقاء ترامب ورئيس جنوب أفريقيا
التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في واشنطن العاصمة، في 21 مايو الجاري وتبادل الزعيمان أطراف الحديث حول رياضة الجولف التي تُعد من اهتمامات ترامب الشخصية والتجارية البارزة، وأهدى رامافوزا نظيره الأمريكي كتابًا ضخمًا يزن 14 كغ يوثق ملاعب الغولف في جنوب أفريقيا، قائلاً: ” أحضرت لك هذا الكتاب عن ملاعب الغولف في بلادنا” ، مضيفا :أنا آسف، لأنني لا أملك طائرة لأعطيك إياها”.
وسرعان ما تحول اللقاء إلى ساحة حوار دبلوماسي مشحونة بالتوترات حول قضايا شائكة، أبرزها مزاعم “إبادة جماعية” تستهدف المزارعين البيض في جنوب أفريقيا، وعرض ترامب مقاطع فيديو توثق مزاعم عن عمليات قتل وتشييع لمزارعين بيض، وأشار إلى وجود مقبرة جماعية مزعومة دون أن يحدد موقعها، وفي مواجهة هذه الادعاءات، نفى رامافوزا وجود أي سياسة حكومية تستهدف المزارعين البيض، وقال رامافوزا إن جنوب إفريقيا بلد ديمقراطي يسمح بالتنوع وحرية التعبير، مؤكدا مرة أخرى أن سياسة الحكومة تتعارض تماما مع ورد في المقطع الذي تم عرضه، وأن الجريمة تطال جميع فئات المجتمع، سواء كانوا من البيض أو السود، وبرر أن التصريحات التحريضية التي ظهرت في مقاطع الفيديو، والتي تعود إلى زعيم حزب المعارضة “المناضلون من أجل الحرية الاقتصادية”، جوليوس ماليما، لا تعبر عن موقف الحكومة.
على الجانب الآخر حاول الرئيس الأمريكي تسليط الضوء على القضية باستخدام مواد أعدها مسبقًا، بما في ذلك صور ومقالات حول ضحايا مزعومين، قائلاً “نريد الحديث عن هذا”، ما أدخل اللقاء في حالة من الفوضى وسط تدافع الأسئلة من الصحفيين، وفي السياق ذاته قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه لا يتوقع أي نتيجة من قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل.
ورداً على حديث ترمب عن وجوب تقديم تنازلات، قال رامافوزا إن حكومته تضم وزير زراعة أبيض ينتمي إلى حزب معارض، تم تعيينه لمعالجة ملف الأراضي، كإشارة إلى شمولية الحكومة، وقال وزير الزراعة الجنوب إفريقي إن “الغالبية العظمى من المزارعين، صغاراً وكباراً، يريدون البقاء في البلاد والمساهمة في نجاحها”، مشيراً إلى مشاركته في أكبر معرض زراعي في نصف الكرة الجنوبي، حيث لم يلمس رغبة لدى المزارعين في المغادرة.
وفي ختام الجدل، سعى رامافوزا إلى إعادة المحادثات لمسار أكثر إنتاجية، مشيرًا إلى أهمية الشراكة التجارية والتكنولوجية بين البلدين، وداعيًا إلى حوار مغلق بعيدًا عن الكاميرات قد يفضي إلى نتائج إيجابية لكلا الطرفين، مشيراً إلى وجود فرص اقتصادية واعدة يمكن للطرفين استثمارها، خصوصاً في قطاع المعادن النادرة[4].
مستقبل العلاقات بين جنوب افريقيا والولايات المتحدة الأمريكية
يبدو أن مستقبل العلاقات بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية معقدًا ومفتوحًا على عدة سيناريوهات، يتأرجح بين التوتر والتعاون المشروط، في ظل تغير التحالفات العالمية والتحولات الداخلية في كلا البلدين، فقد كانت زيارة الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا الأخيرة إلى واشنطن محاولة واضحة لإعادة بناء الجسور مع الإدارة الأمريكية الجديدة، لكن النقاش الذي طغى على اللقاءات خاصة قضية “اضطهاد البيض” كشف عن وجود اختلاف في الرؤى وسوء فهم عميق حول طبيعة التحديات داخل جنوب أفريقيا، ومع ذلك، فإن هناك محاولات جادة من قبل جنوب أفريقيا لاحتواء الأزمة، من خلال تعيين مبعوثين خاصين، والانفتاح على حوار تجاري وأمني جديد، خاصة في إطار رئاستها لمجموعة العشرين، ما يمنحها منصة دولية مؤثرة قد تُستخدم لتخفيف التوترات.
وفي حالة استمرت واشنطن في نهجها الصدامي، فإن العلاقات قد تدخل مرحلة من الفتور حيث يستمر التعاون في الملفات الاقتصادية والتجارية، مع تراجع الثقة السياسية والدبلوماسية. لذلك، فإن مستقبل العلاقات بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة مرهون بمدى استعداد الطرفين لتقديم تنازلات، والاعتراف بخصوصية المواقف الداخلية والخارجية، والعمل المشترك على أساس المصالح المتبادلة، وإذا فشلت هذه الجهود، فقد نشهد مزيدًا من الابتعاد بين البلدين، وتحول جنوب أفريقيا بشكل أعمق نحو شراكات بديلة تُعيد رسم خارطة نفوذها الإقليمي والدولي.
ختامًا
يمكن القول إن لقاء الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شكل محطة مفصلية في مسار العلاقات بين بريتوريا وواشنطن، حيث كشفت الزيارة عن وجود تباينات حادة في بعض الملفات، خاصة ما يتعلق بحقوق الإنسان، وسياسات الإصلاح الزراعي، وأولويات الشراكة الاقتصادية، ومع ذلك، فإن حرص الجانبين على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة، وسعيهما لتعزيز التعاون في مجالات مثل التجارة، الطاقة، ومكافحة الأمراض، يشير إلى إدراك مشترك لأهمية العلاقة الاستراتيجية بين البلدين.
وبينما قد تؤدي الخلافات الراهنة إلى فترات من الفتور أو التوتر الدبلوماسي، إلا أن المصالح المتبادلة، تفرض على الطرفين البحث عن أرضية مشتركة تقوم على الاحترام المتبادل لذلك، فإن مستقبل العلاقات بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة سيعتمد إلى حد كبير على قدرتهما على تجاوز الخطابات التصادمية، والعمل على بناء شراكة متوازنة تخدم تطلعات شعبيهما في التنمية والاستقرار.
المصادر: