المقالات
سباقُ التسلّحِ في الشرق الأوسط
- نوفمبر 13, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
مصطفى أحمد مقلد
باحث فى العلوم السياسية
زادتْ وتيرةُ سباق التسلّحِ في الشرق الأوسط على وقْعِ الحرب في غزة ولبنان والضربات المتبَادلةِ بين إسرائيل وإيران، وهو ما قد يعني التمهيد لمعضلاتٍ أمنيةٍ جديدة تترتب على تعزيز القدرات العسكرية لكلٍ من إيران وإسرائيل، مما يدفع دول المنطقة الأخرى للتوجه ذاته وزيادةِ قدراتهم العسكرية كماً ونوعاً لتوفير الأمن بهدف الحفاظ على توازن القوى الإقليمي، وبينما يحدث ذلك ستتغير خريطةُ التسليح في المنطقة، وهو ما يُنذرُ بمزيدٍ من التصعيد.
وفي حين فكّر القادة قديماً في أحجام القوة العسكرية، بمعنى وجود قوات متفوقة عددياً ولديها معدات أكثر من الجانب الآخر، بوصفها أمراً حاسماً في إحراز الانتصار في المعركة، فإن السنوات الـ50 الماضية شهدت انصرافاً عن الأحجام وتوجهاً إلى الدقة، وبات زيادة الكفاءة والفاعلية عبر استخدام أسلحة متطورة تستطيع أن تضرب بدقة كل ما تستهدفه في أرجاء العالم هو الشغل الشاغل.
وتُبينُ الحروب الحالية والاستثمارات الضخمة التي تدفعها الولايات المتحدة والصين وحتى باقي القوى الكبرى والدول المتوسطة، أن الأحجامَ تُوشكُ على استعادة مكانتها، لكن ليس على حساب الدقة، فبات السعي من أجل امتلاك القدرة العسكرية من حيث الحجم والدقة اعتماداً على التكنولوجيا المتطورة، وتجدُ الجيوش نفسها في حقبةٍ جديدة تتسم بأن عدداً متزايداً من الأطراف الفاعلة يستطيع استخدام الصواريخ والأنظمة المسيرة، مع اكتسابهم الوصول إلى الأقمار الاصطناعية والتقنيات الأكثر تقدماً المتوفرة في الأسواق.[1]
لذا وعلى إثر الهجمات الجوية الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية، ترغب إيران في زيادة مدى ودقة وعدد صواريخها الباليستية والطائرات من دون طيار التي تصنعها، والاستثمار في الجوانبِ العسكرية لبرامجها النووية، كما تسعى إلى تحديث دفاعاتها الجوية، وقواتها البحرية والجوية التي تأخرت لأعوام عديدة.
وتستثمرُ إيران علاقاتها الدولية لدعم ذلك، فقد أعلن وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” خلال الجلسة العامة للمؤتمر الدولي الثاني للأمن الأوراسي في مينسك نهاية أكتوبر الماضي، أن اتفاقيةً للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران يتم العمل عليها وسيتم الإعلان عنها في المستقبل القريب، حسبما ذكرت وكالة “تاس” الروسية، واعتبر لافروف أن المعاهدةَ ستوضحُ التزام الطرفين بتوثيق التعاون في “مجالات الدفاع”، وفي 21 أكتوبر، صرح مساعد الرئيس الروسي “يوري أوشاكوف” أن الرئيسَ الإيراني سيزور روسيا لتوقيع اتفاق شراكةٍ استراتيجيةٍ شاملة قبل نهاية العام الجاري.[2]
يدفع ذلك إسرائيل لمحاولة منْعِ تحول توازن القوى الإقليمي لمصلحة إيران، ففي المقابل تسعى إسرائيل إلى توظيف التوترات بينها وبين إيران للحصول على مزيدٍ من الدعم العسكري الأميركي[3]، خاصةً أن إسرائيل تدركُ أن الولايات المتحدة لا تريد التورطَ بشكل مباشر فى الأزمة المستمرة في الشرق الأوسط.
وبالفعل، أفاد (البنتاغون) خلال أكتوبر الماضي، أنه سينشرُ بطاريةَ دفاعٍ جوي (ثاد) والطاقم المرتبط بها من الأفراد العسكريين الأمريكيين في إسرائيل للمساعدة في تعزيز الدفاعات الجوية الإسرائيلية في أعقاب الهجمات الإيرانية ضد إسرائيل في أبريل ومرة أخرى في أكتوبر، ومنظومة الدفاع الجوي “ثاد” هي منظومةٌ دفاعيةٌ صاروخيةٌ متقدمة مصمَّمة لاعتراض وتدمير الصواريخ الباليستية.[4] وتصل تكلفتها إلى مليار دولار، حيث وضعت استراتيجيات «حزب الله» وإيران، التي تركز على الصواريخ، ضغوطاً على الدفاعات الإسرائيلية والأميركية.
ويرى محللون أن نشْرَ تلك المنظومة قد يؤدي إلى الإخلال بتوازن القوى في المنطقة، فنَشْرُ نظام “ثاد” يُضعفُ الردعَ الإيراني تجاه إسرائيل، وستكون إسرائيل قادرةً على القيام بإجراءات أكثر مباشرة وحزمًا ضد إيران[5]، ومن ناحية أخرى، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية مؤخراً توقيعها اتفاقاً مع شركة “بوينغ” لشراء 25 طائرةً مقاتلةً مطورة من طراز “إف-15” بتمويل من المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل حيث كانت قد حصلت إسرائيل منذ بدء الحرب مع “حماس” على اتفاقات شراء أسلحة بقيمة تصل إلى 40 مليار دولار.
وتنصُ الاتفاقيةُ التي تبلغُ قيمتها 5.2 مليار دولار على إمكانية شراء 25 طائرة إضافية، وستكون الطائراتُ الجديدةُ مجهزةً بأنظمة أسلحة متطورة وستتميز بمدى أطول وحمولة أكبر وأداء أفضل في سيناريوهات تشغيلية مختلفة وتشمل دمج التقنيات الإسرائيلية المتطورة.
تأتي تلك الخطوة بعد إتمام اسرائيل شراء سربٍ ثالثٍ من مقاتلات إف-35، في وقت سابق من هذا العام، ما يمثّلُ تعزيزاً تاريخياً تلقته إسرائيل في ضوء حربها ضد حماس[6]، وفي هذا السياق، نشر معهد واتسون الأمريكي، التابع لجامعة “بروان”، ورقةً بحثيةً تفيد بأن واشنطن قامت بتمويل 70% من تكلفةِ الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وقُدّرتْ التكلِفةُ الإجمالية بـ 22.76 مليار دولار أمريكي على الأقل[7].
وأشار المعهد إلى أن واشنطن خصصت حوالي 17.9 مليار دولار من إجمالي الإنفاق لتمويل العمليات العسكرية الإسرائيلية، ويُعتبرُ هذا المبلغُ هو الأكبر الذي قدمته لتل أبيب منذ بدءِ تقديم المساعدات والدعم المالي لها في عام 1959، وأضاف المعهد أن واشنطن أنفقت 4 مليارات دولار على الأقل لصدِّ العمليات الحوثية في المنطقة، مشيرًا إلى أن استهدافَ السفن التجارية من قِبلِ جماعة أنصار الله كلف التجارة البحرية الأمريكية 2.1 مليار دولار، حيث اضطُرت السفن إلى تحويل مسارها أو دفْعِ رسوم تأمين باهظةٍ، مما أدى إلى رفْعِ أسعار بعض السلع في الولايات المتحدة.
وحتى فى شأن المواجهات بين تحالف حارس الازدهار الذي تقوده الولايات المتحدة وبريطانيا ضد هجمات الحوثيين، فقد أوردت مصادرُ أن إيران توسطت في محادثاتٍ سريةٍ بين روسيا وجماعة الحوثي نهاية سبتمبر الماضي لنقل صواريخ مضادة للسفن إلى الجماعة المسلحة، وهو تطورٌ يسلطُ الضوء على العلاقات المتنامية بين طهران وموسكو، ومحاولة إيران عدم ترك الساحة لانتصارٍ عسكرى أمريكي، وهو ما تريده أيضاً روسيا لكنها تجدُ نفسها مقيدةً، باعتبار أن إقدامها على تلك الخطوة قد يُعكّر صفو علاقاتها مع حلفائها الاستراتيجيين متمثلين في مصر والخليج.
وقد استفادت الدول العربية الرئيسية في الإقليم، استراتيجياً من استنزاف الطرفين لبعضهما، بل اكتسبت أيضا ثِقلاً سياسيا جديدا باعتبارها أطراف تسعى لتهدئة الأوضاع في الإقليم واستعادة الاستقرار، وهو ما لم يمنعْها من البحث عن تعزيز قدراتها العسكرية، فمثلاً تمتلك السعودية إحدى أكبر ميزانيات الدفاع في العالم، ومن بين الأهداف في الخطة الطموحة للمملكة “رؤية السعودية 2030″، إنفاق 50 في المائة من ميزانيتها العسكرية محلياً، وإلزام شركات الدفاع الأجنبية بفتح مكاتبَ داخل المملكة أو إقامةِ شراكاتٍ مع شركات محلية.
وقد استجابت شركة “بوينغ” بالفعل لهذه الدعوة من خلال توقيعها على مشروعٍ مشتركٍ لصيانة الطائرات مع “الشركة السعودية للصناعات العسكرية”، ليشملَ “ليس فقط الاستدامة، بل أيضاً التصنيعَ والتدريبَ والهندسة والبحث والتطوير”. وبالمثل، أقامت شركة “لوكهيد مارتن” شراكةً سعوديةً لإنتاج مكونات لنظام “الدفاع الصاروخي للمناطق المرتفعة” (ثاد).[8]
كما أن الرياضَ مهتمةٌ بعقْد اتفاقٍ دفاعي ثنائي استراتيجي مع الولايات المتحدة، فالسعودية تحتاج إلى حلٍ طويلِ الأمد لمواجهة القدرات العسكرية الهجومية الإقليمية المعادية المتنامية، ورغم أن تحسّنَ العلاقات بين الرياض وطهران، الذي سهلته الصين، قد حقق وقف الهجمات الصاروخية الحوثية المستمرة من اليمن، فإنه لا ينهي التهديدات الأمنية التي تواجهها السعودية، وهو ما يؤكد على مدى إلحاح الأمر.[9]
وبالنسبة لمصر، القوةُ العسكريةُ العربية الأولى، فتُظهرُ خريطةُ التهديدات المحتملة أن أهمَّ التهديدات تقعُ في أماكنَ نائيةٍ، ما يخلق تحديات، وتشمل هذه التهديدات الفوضى التي قد تخلقها التوترات والضربات العسكرية بين إسرائيل وإيران، وجنوب البحر الأحمر وإثيوبيا، بجانب تأمين الحدود الجنوبية والغربية. بالتالي، فإن هذه القائمة مدعاةٌ لاستكمال بناء وتحديث القدرات العسكرية.
ومع الأخذ في الاعتبار أن العاملَ الرئيسي للمبيعات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط هو التمسكُ بمبدأ التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي على جيرانها، فربما حان الوقت للعودة إلى تكتيكات الحرب الباردة المتمثلة في التنويع وتحقيق التوازن، والتي انتهجتها مصرُ بالفعل منذ 2014، ومن المؤكد أن قوةً عسكريةً ثقيلةً مثل مصر عندما تعتمد على بدائل مثل الصين وكوريا الجنوبية ستعزز حصةَ تلك الدول في سوق الأسلحة الإقليمية، مثلما أدى شراء القاهرة لطائرة رافال الفرنسية إلى تعزيز شعبيتها على مستوى العالم.
إن البحث عن ترقيةِ التكنولوجيات المتاحة لمصر بات ضرورةً استراتيجيةً وتكتيكيةً وتشغيلية، لذا فمن المؤكد أن الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أيضاً مدعون لإجراء مراجعةٍ لسياسة المبيعات العسكرية بما يراعي تقاسمَ التكنولوجيات العسكرية مع مصر[10]، وتسهيلَ الحصول على الأسلحة الأمريكية، فهناك مشكلات من قبيل ارتفاع الأسعار والتأخيرات الطويلة
في عمليات التسليم والمتطلبات الإدارية المعقدة، وفي بعض الحالات، قد تستغرق عملية إخطار الكونغرس بشأن عملية بيع “عدة سنوات”، وفي هذا الإطار، أفاد قائد “القيادة المركزية الأمريكية”، الجنرال مايكل كوريلا، بأن مدى سرعة وسهولة برنامج المبيعات العسكرية الخارجية للصين مقارنة بالولايات المتحدة كانت أحدَ الأسبابِ لتَحوّلِ بعض حلفاء الولايات المتحدة لشراء الأسلحة الصينية، وهو ما استطاعت الولايات المتحدة التغلب عليه في حالة أوكرانيا. لذلك، سيؤدي إلغاء بعض الإجراءات الإدارية الروتينية في عمليتَي إخطار الكونغرس ومنْحِ العقود إلى تقليل المُدد الزمنية ومساعدة الولايات المتحدة على البقاء خياراً مغرياً للحصول على الأسلحة[11].
المصادر:
[1] العاملان الكمي والنوعي للسلاح في التفوق العسكري في الحرب… https://linksshortcut.com/izkbp
[2] لافروف: روسيا وإيران توقعان اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة قريباً… https://linksshortcut.com/edRqA
[3] إيران وإسرائيل تنقلان الشرق الأوسط إلى سباق التسلح.. https://linksshortcut.com/BiOJH
[4] البنتاغون يكشف تفاصيل نشر منظومة “ثاد” الصاروخية في إسرائيل.. https://linksshortcut.com/ykXDJ
[5] Middle East crisis to intensify if THAAD deployed in Israel: expert.. https://linksshortcut.com/VfWTQ
[6] إسرائيل تشتري من “بوينغ” 25 طائرة “مطورة” من طراز إف-15.. https://linksshortcut.com/rwizf
[7] ورقة بحثية: واشنطن موّلت 70% من تكلفة الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان.. https://linksshortcut.com/KKRkM
[8] التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والسعودية: الخطوات التالية… https://linksshortcut.com/IPIDP
[9] الشروط السعودية… ومشكلة الثقة بين الرياض وواشنطن… https://linksshortcut.com/DNQYJ
[10] Egypt’s purchase of a Chinese fighter jet is a reminder Cold War tactics are back in the Middle East.. https://linksshortcut.com/QuBbV
[11] الحفاظ على المزايا العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط… https://linksshortcut.com/dLgxH