عُقِدَت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الإيرانية في دوْرتها الرابعة عشرة، يوم الجمعة 28 يونيو عام 2024؛ لتعين الرئيس التاسع للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وجاء هذا القرار بعد تحديد موعدٍ مبكرٍ لإجراء الانتخابات، بعيدًا عن الجدول الزمني المقرَّر مُسْبَقًا للعام المقبل.
في هذا السياق؛ تتوجه الانتخابات الإيرانية إلى دورةٍ ثانيةٍ، يوم الجمعة ٥ يوليو المقبل، يتواجه فيها كُلٌّ من المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، الذي حصل على 42.11% من الأصوات، والمرشح المتشدد سعيد جليلي، الذي نال 38.3%، مع عدم قدرة أيٍّ منهما على الحسْم من الدورة الأولى التي شهدت نسبة مشاركة متدنية.
تأتي هذه الانتخابات في ظِلِّ توتُّراتٍ إقليميةٍ متزايدةٍ؛ نظرًا للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتوتُّرات المحيطة بالحدود اللبنانية، بالإضافة إلى الضغوط الغربية المتزايدة على إيران؛ بسبب برنامجها النووي المتسارع التطور، وفيما يلي قراءةٌ في المشهد الانتخابي الإيراني والسيناريوهات المحتملة للجولة المقبلة.
مشاركةضعيفة
في السابق، كانت الانتخابات الإيرانية تجذب حشودًا كثيفةً من الناخبين، ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة تراجُعًا ملحوظًا في نسبة الإقبال على التصويت، كوسيلةٍ احتجاجيةٍ ضد النظام الحاكم، فحسب القانون الإيراني، يتعين أن يحصل المرشح الفائز على أكثر من 50% من الأصوات المُدْلَى بها للفوْز بالانتخابات الرئاسية؛ وفي حال عدم تحقُّق هذا الشرط، يخوض المرشحان اللذان حصلا على أكبر عددٍ من الأصوات جولة إعادةٍ بعد أسبوع.
وفي هذا السياق، وبعد الانتهاء من فرْز جميع صناديق الاقتراع، البالغ عددها 58,640 صندوقًا، مُوزَّعةً على 482 مدينةً في البلاد، والتي جمعت 24 مليونًا و535 ألفًا و185 صوتًا، حصل المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان منها على نسبة 42% ، من إجمالي الأصوات المُدْلَى بها، فيما حصد المرشح المُتشدِّد سعيد جليلي نسبة 39% ، وحصل محمد باقر قاليباف على 14%، أمَّا مصطفى بور محمدي، فقد حصل على مجموع أصوات بلغ 206,397 صوتًا، وقد بلغت الأوراق المُلْغَاة ما يُعادل نسبة 4% من إجمالي الأصوات[1].
وعليه؛ أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية إجراء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، في الخامس من يوليو المقبل، بين الإصلاحي مسعود بزشكيان والمحافظ سعيد جليلي؛ نظرًا لعدم حصول أيٍّ منهما على النسبة المطلوبة للفوْز وهي أكثر من نصف الأصوات، ويُذْكَرُ أن نسبة التصويت في الجولة الأولى بلغت فقط أربعين بالمائة (40%) وهي الأدْنى مُنْذُ تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ حيث شارك فيها نحو 24 مليونًا و535 ألفًا و185 ناخبًا فقط مِن أصل قاعدة انتخابية تُقدَّرُ بـ61 مليون ناخبٍ مُؤهَّلٍ للتصويت.
وتعتبر نسبة الإقبال الضئيلة تاريخيًّا؛ حيث لم تشهد إيران سوى جولة إعادةٍ واحدةٍ في الانتخابات الرئاسية عبْر تاريخها، كانذلك في عام 2005، عندما أُعِيدَت الانتخابات بين محمود أحمدي نجاد وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني، وانتصر حينها أحمدي نجاد، بحصوله على 61.69% من الأصوات، مقارنةً بـ 35.93% لرفسنجاني، ضمن نسبة مشاركة بلغت 59.76%.[2]
ويعود انخفاض نسبة المشاركة إلى عدة عوامل رئيسة: أبرزها إدراك قطاعٍ واسعٍ من الشعب الإيراني أن السلطات والصلاحيات الرئيسة تقع بيد المرشد الأعلى خامنئي، وأن دور الرئيس هو مُجرَّد تنفيذ توجُّهات وسياسات مُحدَّدة مُسْبَقًا من قِبَلِ المرشد والمؤسسات التابعة له، رغم وجود مساحة حركة سياسية للرئيس، بالإضافة إلى ذلك، تأثرت الانتخابات الحالية بالوفاة المفاجئة لرئيسي، إثْر تحطُّم مروحيته خلال زيارة لمحافظة أذربيجان الشرقية، في 19 مايو الماضي؛ ما أدَّى إلى انعزال الانتخابات الرئاسية عن الانتخابات البلدية، التي كان مُقرَّرًا إجراؤُها بالتزامن مع الاستحقاقات الوطنية، في عام 2025؛ لضمان مشاركةٍ شعبيةٍ واسعةٍ، والتي لم تتحقق هذا العام، فضلًا عن أن الفترة الزمنية القصيرة البالغة أقل من ثلاثة أشهر مُنْذُ إجراء الانتخابات البرلمانية الأخيرة، قد أسهمت أيضًا في تقليل الحماس الشعبي للمشاركة الانتخابية مُجَدَّدًا. [3]
ومن ثمَّ يبدو أن الامتناع الواسع عن التصويت، والمشاركة الضئيلة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، تعكس – بشكلٍ واضحٍ – رفْض الشعب للنظام الحاكم، وتُعدُّ شكلًا من أشكال الاحتجاج عليه.
مؤشرات مهمة
بالاعتماد على نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، باتت المنافسة محتدمة بين مسعود بزشكيان وسعيد جليلي، بفارقٍ ضئيلٍ يبلغ مليون صوتٍ، يُعزِّزُ هذه المنافسة الشديدة السعي الدؤُوب لكلا التياريْن لحشد مزيدٍ من الناخبين مع التركيز على نقاط قوتهما.
وعلى الرغم من خيْبة أمل العديد من الناخبين في الحكومة الحالية التي يهيمن عليها المحافظون، لا يزال غير مؤكد أن هؤلاء سيخرجون لدعم الإصلاحي بزشكيان في جولة الإعادة، فتجْدُرُ الإشارة إلى أن إحدى العوامل التي ساهمت بوصول بزشكيان إلى هذا الدور، هو انقسام أصوات المحافظين بين المرشحين الرئيسيِّين: سعيد جليلي ورئيس البرلمان المتشدد محمد باقر قاليباف؛ حيث كشفت استطلاعات الرأي السابقة، أن العديد من نخبوي الأخير لم يكونوا متحمسين لدعم جليلي؛ ولكن قد يتغير هذا الوضع بعد تدخُّل قاليباف ودعوته لأتباعه للتصويت لصالح جليلي؛ لضمان انتصار المحافظين.[4]
وبالنظر إلى الدعم الانتخابي لكُلِّ مرشحٍ؛ يُشَارُ إلى أن مسعود بزشكيان يستند إلى دعم الجبهة الإصلاحية بأحزابها ونخبتها السياسية المرموقة، والتي احتشدت بكثافةٍ للتصويت له؛ حتى حصل على 42% من الأصوات، كما استفاد جُزْئيًّا من دعمه لقوميته الأذرية، الذين سعى لجذب تأييدهم في خطاباته، ومع ذلك، ربما يحتاج بزشكيان لتعزيز جهوده؛ لحشد المزيد من دعم قاعدته الإثنية من أبناء قوميته؛ بسبب تدنِّي نسب المشاركة في المناطق التي يقْطُنُها الأذريون، وقد بلغت نسب المشاركة فيها الأرقام التالية: شرق أذربيجان (40%) وغرب أذربيجان (50%) ووزنجان وأردبيل وقزوين بنسبة 46% و42% تواليًا.[5]
فيما يتعلق بالمرشح الأصولي سعيد جليلي، يُلاحظ أن جليلي يعتمد بشكلٍ رئيسيٍّ على ثقة المرشد الأعلى، وهي ذات الثقة التي مكَّنَتْه من تولِّي منصب ممثل المرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي، بالإضافة إلى العديد من المناصب المهمة الأخرى السابقة، كما اعتمد أيضًا على دعم جبهة الصمود، التي أعلنت في بيانٍ صادرٍ عنها، بتاريخ 24 يونيو 2024، دعمها لجليلي في الانتخابات، وأشادت الجبهة برئاسة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي خلال ولايته الثالثة عشرة، مشيرةً إلى أنها استطاعت تعويض الكثير من الخسائر، ورسْم مسار التقدُّم بعد عقْدٍ كاملٍ، تميَّز باعتماد سياسات جعلت حياة الشعب والوضع العام للبلاد مرتبطين بالغرب.[6]
هذا الدعم يشير إلى أن الجبهة اختارت جليلي لمواصلة نهْج رئيسي، وتُعتبر هذه النقطة أساسيةً لدعم ترشيحه، ويُعزِّزُ هذا الموقف كوْن الجبهة الذِّرَاع السياسية للحرس الثوري، والتي تمثلها حاليًا داخل البرلمان، فضلًا عن الشعبية الكبيرة التي يحظى بها جليلي بين قوات الباسيج، خاصَّةً الشباب المنتمين للتيار الأصولي.
توقُّعات الجولة الثانية من الانتخابات
في ظِلِّ التطورات الحالية على السَّاحة السياسية الإيرانية، نستعرض أبرز السيناريوهات المحتملة للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، المقررة في الخامس من يوليو:
السيناريو الأول: فوْز بزشكيان بالرئاسة
استنادًا إلى النتائج المُحقَّقة في الجولة الأولى، والتي حصل فيها بزشكيان على مركزٍ أول، يرتهن فوْزه النهائي على زيادة المشاركة الشعبية خلال جولة الإعادة، ويتطلب ذلك استقطاب أعدادٍ كبيرةٍ، خاصَّةً من غير المرتبطين بأيِّ تيارٍ سياسيٍّ مُعيَّن بجانب أصوات الإصلاحيين، أو جزء منها لدعمه، باعتباره مرشح التغيير المنشود، مع احتمالية تحسين الاقتصاد والظروف المعيشية والانفتاح على الخارج، بعد ثلاث سنوات من حُكْم الرئيس الراحل رئيسي، التي بلغت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية مستويات غير مسبوقة من التأزُّم إبَّان فترة حُكْمه.
وستكون قدرة بزشكيان على جذْب أصوات جديدة، بالإضافة إلى الكتلة التي دعمته بالفعل في الجولة الأولى عاملًا حاسمًا، وهذا يشمل الأصوات التي لم تشارك بعْدُ، أو تلك التي صوَّتت لصالح قاليباف في الجولة الأولى.
ومع ذلك، يواجه بزشكيان عدة عقبات محتملة قد تعرقل فُرَصَهُ، بما في ذلك توحُّد المحافظين خلف جليلي ومعارضته لبعض المبادئ المتشددة للنظام، مثل إلزامية الحجاب ودعوته للانفتاح على الغرب؛ وهي مواقف لا تحظى بتأييد مؤسسات صُنْع القرار المحافظة.
فوْز جليلي لايزال سيناريو مطروحًا، ويرتهن نجاحه بشكلٍ كبيرٍ على تنظيم وتوحيد صفوف المحافظين لدعمه، فضلًا عن الحفاظ على مستوى المشاركة الشعبية نفسه، الذي شهدته الجولة الأولى دون توسعةٍ إضافيةٍ لهذه القاعدة الانتخابية، وإذا تمكَّن جليلي أيضًا من استقطاب جميع الأصوات المؤيدة لقاليباف خلال الجولة الأولى، فإن فُرَصَ نجاحه ستتعزَّز بشكلٍ كبيرٍ، ويُعزِّزُ من ذلك أيضًا، أن المؤسسة الحاكمة برئاسة المرشد علي خامنئي، باتت تُفضِّلُ – بشكلٍ واضحٍ – فوْز جليلي في الانتخابات، فالمرشد يتفق معه في العديد من وِجْهات النظر، وقد انتقد بزشكيان مؤخرًا بطريقة غير مباشرة؛ بسبب ارتباطه الكبير بالغرب، إضافةً إلى ذلك، فإن قرار المجلس الديني الذي يُشْرِفُ على مراجعة ترشيحات الرئاسة بالسماح لخمسة محافظين، بالإضافة إلى مرشح إصلاحي واحد فقط بالتنافس، يعكس رغبة المرشد الأعلى في دعْم أجندةٍ تتماشى مع رؤيته.
في النهاية، وبغض النظر عن نتائج الجولة القادمة من الانتخابات، يُتَوَقَّع ألَّا تشهد سياسات إيران الداخلية والخارجية تغييرات جِذْريّة؛ نظرًا لاستمرار سيطرة المرشد الأعلى علي خامنئي على جميع مراكز صُنْع القرار وتحديده للخطوط العريضة لسياسة البلاد.
المصادر:
[1] إيران تجري جولة ثانية من انتخابات الرئاسة، الاتحاد، يونيو ٢٠٢٤.
