المقالات
سباق محموم حول الكعكة الصفراء في النيجر: المظاهر والتداعيات
- مايو 24, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
إعداد: شيماء ماهر
باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
أعاد الانقلاب العسكري الذي حدث في النيجر أواخر يوليو 2023م أهمية هذا البلد ومركزه في إمدادات الطاقة العالمية مرة أخرى إلى جدول الأعمال، كونه أحد أهم الموردين الرئيسيين لليورانيوم في العالم، ويمثل يورانيوم النيجر واحدًا من أهم المعادن الاستراتيجية بالغة الأهمية في الصناعات النووية الأمر الذي أدى إلى تكالب القوى الساعية للانتشار النووي للحصول على نصيب الأسد من الكعكة الصفراء لتأمين مصالحها الاستراتيجية من ناحية وإيجاد موطئ قدم لها في الدولة الغنية بالموارد الطبيعية والثروات الهائلة من ناحية أخرى، لاسيما بعد تراجع نفوذ قوى تقليدية حظيت بإرث كبير من هذا المعدن المشع على مدار عقود سابقة، وظهور قوى دولية وإقليمية جديدة تخطط لاستغلال ثروات نيامي الطبيعية وأن تحل بديلًا للنفوذ الغربي في منطقة غرب أفريقيا من بوابة النيجر.
العلاقة بين انقلاب يوليو ٢٠٢٣م والمنافسة الدولية على يورانيوم النيجر
اتخذ الوضع في النيجر منعطفاً خطراً في يوم 26 يوليو 2023 عندما قام مجموعة من أفراد الحرس الرئاسي بقيادة الجنرال عمر تشياني باحتجاز الرئيس محمد بازوم، وإغلاق الطرقات المؤدية إلى القصر الرئاسي في نيامي، وأعلن الكولونيل في سلاح الجو أمادو عبد الرحمن عزل بازوم على قناة التلفزيون الحكومية في النيجر، وأعلن تشكيل المجلس الوطني لحماية الوطن، للقيام بمهام إدارة البلاد وفي نفس السياق المعتاد تم فرض حظر تجوال ليلي وإغلاق الحدود والمجال الجوي، وإذا أمعن المرء النظر في التاريخ السياسي والاجتماعي لمنطقة الساحل منذ الاستقلال وحتى الآن، ولاسيما ديناميات التكالب الدولي على المنطقة، فإنه لن يستغرب عودة الظاهرة الانقلابية مرة أخرى، فقد تتعلق الأسباب المباشرة للانقلاب بصورة أساسية بالصراع على السلطة داخل النظام الحاكم في النيجر[1].
لقد كان الرئيس محمد بازوم الذي ينتمي إلى قبيلة أولاد سليمان العربية، المنتشرة في ليبيا، أول رئيس من أصول عربية في النيجر ورغم أنه كان الذراع اليمنى للرئيس السابق محمدو إيسوفو إلا أنه حاول توطيد سلطته من خلال تعيين أنصاره في المراكز الأمنية والسياسية الحساسة، وهو ما يعني التخلص من رجال الرئيس السابق في الحكومة والجيش، أي أن الانقلاب الذي حدث في النيجر له علاقة بصراعات سياسية داخل النخبة الحاكمة فضلا عن أن الرئيس المعزول محمد بازوم كان موالٍ لفرنسا والغرب وهذا ما رفضته سلطات المجلس العسكري الموالية لروسيا وذات العداء للغرب.
تأثير انقلاب يوليو 2023م على التنافس الدولي على اليورانيوم
تشهد القارة الأفريقية حالة من التكالب الدولي على الموارد والثروات الطبيعية التي تتمتع بها ، وبالنظر إلى طبيعة الصراع في النيجر، فإنه يكمن في مورد اليورانيوم الذي استغلت بعض القوى وقوع الانقلاب الأخير في نيامي وعملت على عقد صفقة للحصول على هذا المورد، فتلك إيران صاحبة الانتشار النووي الموسع قامت بعقد صفقة تقدر بحوالي 300 طن للحصول على أحد محركات مشاريعها النووي من النيجر ، وكذلك فرنسا كانت قبل انسحابها تستولى على هذا العنصر وتستخدمه في صناعتها النووية.
وتستعد الصين إلى العودة للبلد الواقع في الساحل الأفريقي، مستغلة تراجع القوى الغربية خاصة بعد أيام من دعوة نيامي واشنطن إلى سحب قواته، وستستأنف شركة مناجم أزيليك المملوكة بغالبيتها لصينيين أنشطتها لاستخراج اليورانيوم في شمال النيجر، وذلك وفقًا لما أفادته القناة الحكومية في النيجر، وكذلك الحال روسيا ذات الصلة الوثيقة بالمجلس العسكري الحاكم التى تستغل تحسن علاقاتها مع النيجر في اجتذاب لاعبين جدد إلى القارة الإفريقية لحماية مصالحها.
كما أن فكرة التنافس على يورانيوم النيجر كانت وسيلة لفرنسا للسيطرة على مستعمراتها القديمة واستنزاف ثرواتها الاقتصادية والتدخل في السياسات الداخلية في الدولة ولكن الدول الآخرى التى تعمل في مجال التنقيب على اليورانيوم داخل النيجر مثل الشركات الكندية بهدف التجارة دون التدخل مع سياسات الدولة او التأثير عليها.
مظاهر التنافس الدولي على الكعكة الصفراء
فرنسا
تمثل النيجر كنزا ثمينا لفرنسا باعتبارها أحد أقوى حلفاء باريس في دول الساحل والصحراء، فضلا عن كونها مصدرا رئيسيا للإمداد باليوارنيوم المستخدم في إنتاج الكهرباء لملايين الأسر بالبلاد، ويغطي يورانيوم النيجر 35% من الاحتياجات الفرنسية، ويساعد محطاتها النووية على توليد 75% من الطاقة الكهربائية الفرنسية، وتحتاج فرنسا إلى 7800 طن من اليورانيوم الطبيعي سنوياً لتشغيل 56 مفاعلاً في 18 محطة للطاقة النووية، وكانت تحصل على اليورانيوم من مستعمرتها السابقة النيجر منذ ما يقرب من 50 عاماً.
وتستفيد باريس من الدخول في مشروعات مشتركة مع النيجر لإنتاج اليورانيوم، فقد تم تدشين مشروع مشترك بين البلدين لإنتاج اليورانيوم تديره شركة سومير المملوكة للجنة الطاقة الذرية الفرنسية وتعد من أهم الشركات التى تمتلك وتدير الشركة المتعددة الجنسيات المملوكة للدولة الفرنسية بنسبة 90% ثلاثة مناجم في النيجر ومنها واحد فقط قيد الإنتاج فهناك منجم تديره شركة سومير المملوكة بنسبة 63.4% لمجموعة أورانو الفرنسية، ويقع هذا المنجم في الصحراء شمال النيجر، وبرغم اقتراب استنفاد اليورانيوم منه، فإن التكنولوجيا أسهمت في تمديد عمله حتى عام 2040م.
وهناك موقع التعدين ” أوكاكان” وتم إغلاقة منذ نهاية مارس عام 2021 بفعل استنفاد الاحتياطيات بعد أربعة عقود من التعدين، وتعمل شركة Compagnie minière d’Akouta المملوكة لمجموعة أورانو بنسبة 59%، الآن على مشروع إعادة تطوير الموقع، والثالث تمتلك فيه أورانو حصة بنسبة 63.52%، وهو منجم Imouraren الذي يعتبر أحد أكبر رواسب اليورانيوم في العالم. ومع ذلك، بعد إصدار تصريح التشغيل في عام 2009، تم تعليق الإنتاج في الموقع بسبب الافتقار إلى ظروف السوق المواتية [2].
وأعلنت سلطات الانقلاب في النيجر في أغسطس 2023م وقف تصدير اليورانيوم إلى فرنسا، وهو القرار الذي يمكن أن يتسبب في تأثير سلبي على قطاع الكهرباء في باريس، حيث تستمد محطات الطاقة النووية الفرنسية ما بين 10٪ و 15٪ من اليورانيوم الذي تحتاج إليه من النيجر، وأعلنت شركة “ﺃﻭﺭﺍﻧو” ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ لتعدين اليورانيوم والوقود النووي في بيان لها أن أعمالها في النيجر لم تتأثر بالتطورات السياسية الحالية، وأكدت استمرار أعمالها في النيجر.
الصين
تتمتع النيجر بأهمية اقتصادية واستراتيجية كبيرة بالنسبة للصين، فتمثل النيجر سابع أكبر منتج لليورانيوم في أفريقيا وثالث أكبر مورد لفرنسا، وتمتلك موقع استراتيجي بالنسبة لفرنسا ومع ذلك فإن موارد اليورانيوم في النيجر لها أيضًا تأثير مهم على الصين حيث تعد الصين أكبر مستهلك لليورانيوم في العالم، وتعتمد بشكل كبير على الإمدادات الخارجية لتلبية احتياجاتها من الطاقة، وباعتبارها دولة غنية بموارد اليورانيوم، يمكن للنيجر أن تزود الصين بإمدادات مستقرة من اليورانيوم، وهو أمر ذو أهمية استراتيجية هامة للصين، ووفقاً لوزارة التجارة الصينية، استثمرت شركتان مملوكتان للدولة، وهما شركة البترول الوطنية الصينية والمؤسسة النووية الوطنية الصينية 4.6 مليار دولار أمريكي و480 مليون دولار أمريكي على التوالي في تطوير احتياطيات النفط واليورانيوم في النيجر.
وقبل انقلاب النيجر التقى الرئيس بازوم بممثلي شركة اليورانيوم الصينية CNUC لمناقشة شروط الاستحواذ على شركة التعدين أزيليك (سومينا)، وهي مشروع مشترك بين شركة CNUC والحكومة مع النيجر باعتبارها المساهم الرئيسي، وعقب مرور عشر سنوات من انقطاعها عن الاستثمار في اليورانيوم بسبب قلة الربح في النيجر، تستعد الصين إلى العودة للبلد الواقع في الساحل الأفريقي، مستغلة تراجع القوى الغربية خاصة بعد أيام من دعوة نيامي واشنطن إلى سحب قواته، وستستأنف شركة مناجم أزيليك المملوكة بغالبيتها لصينيين أنشطتها لاستخراج اليورانيوم في شمال النيجر، وذلك وفقًا لما أفادته القناة الحكومية في النيجر، وجاء هذا التطور بعد أيام من تداول تقارير غربية تتحدث عن مفاوضات متقدمة بين إيران والنيجر حتى تحصل طهران على 300 طن من يورانيوم النيجر وهو أمر سبق وهو ما نفته حكومة نيامي[3].
إيران
تحسنت علاقة إيران بالنيجر عقب الانقلاب العسكري الذي حدث في النيجر في أغسطس 2023م الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، وعقب هذا الانقلاب اتخذت السلطات الحاكمة موقفًا معاديًا من فرنسا والغرب الأمر الذي أدى إلى استغلال إيران الفرصة لبناء علاقات مكثفة مع النيجر وإعادة صياغة العلاقات معها، ففي 25 أكتوبر 2023م استقبل الرئيس الراحل الإيراني إبراهيم رئيسي وزير الخارجية النيجري بكاري ياو سنغاري في طهران ورحب المسؤولون الإيرانيون عن استعدادهم لتوسيع نطاق التعاون مع نيامي، وعقب ذلك قام رئيس الوزراء المعين من قبل المجلس العسكري في النيجر “على محمد الأمين” بزيارة إيران في 2024م ووفقًا للمعلومات الواردة فإن الاتفاق على صفقة اليورانيوم كان من ضمن المشاورات التى حدثت بين مسؤولي البلدين في هذه المرحلة.
وكشف موقع ” أفريقيا إنتلجنس” في نهاية إبريل الماضي أن هناك مفاوضات سرية بين إيران والنيجر تم إجرائها لشراء 300 طن من الكعكة الصفراء، وتقدر قيمة هذه الكمية من الكعكة الصفراء التي أشار إليها التقرير بنحو 56 مليون دولار، مما وضع شركة أورانو الفرنسية الفرنسية التى تقوم بتعدين اليورانيوم في النيجر في موقف صعب، فوفقًا لصحيفة لوموند وعدت شركة أورانو الفرنسية بالامتثال للعقوبات الدولية التي تحظر بيع اليورانيوم لإيران، ويجب الإبلاغ عن أي عملية شراء وبيع لليورانيوم إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أكدت أنه لم يتم إبلاغها حتى الآن ببيع يورانيوم من النيجر إلى إيران، ونفت حكومة النيجر تزويد إيران باليورانيوم[4].
ومن المعلوم أن إيران لديها اهتمام بالوصول إلى واردات اليورانيوم من الخارج، وبالفعل نجحت في الحصول عليها من عدة جهات من الخارج، من بين هذه الجِهات جنوب أفريقيا في أوائل الثمانينات، وروسيا في عام 2015م، وحاولت طهران شراء اليورانيوم مباشرة من كازاخستان في عدة مناسبات، لكن الضغوط الغربية أعاقت ذلك، كما أن لدى إيران اهتمام خاص بيورانيوم النيجر فقد حاولت إيران خلال فترة أحمدي نجاد إبرام صفقة مع النيجر للحصول على اليورانيوم الخام، وذلك في ظل استنفاد احتياطاتها من اليورانيوم الخام، وحاجتها لمصادر خارجية من أجل استمرار نشاطها النووي ولم تنجح في ذلك بسبب مخاوف الدول من التعاون مع إيران في هذا المجال بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي.
روسيا
منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر في أواخر يوليو 2023م رصدت العديد من التقارير تكرار الزيارات التي قام بها مسؤولون عسكريون روس إلى نيامي، بما في ذلك نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف، وقد دافع المجلس العسكري الحاكم في نيامي عن رغبته في تعزيز التعاون مع موسكو للحد الذي جعل بعض التقارير الأمريكية تربط بين التصعيد الأخير من قبل السلطات النيجرية ضد الولايات المتحدة وبين النفوذ الروسي المتزايد في نيامي.
ومن المعلوم أن روسيا لعبت دورًا بارزًا في صفقة اليورانيوم السرية بين نيامي وطهران لتأمين وصول طهران إلى احتياطات اليورانيوم الهائلة التى تتمتع بها النيجر، ولا يمكن استبعاد أن تكون النيجر قد توصلت إلى صفقة مع روسيا تسمح لها ببناء قاعدة عسكرية في البلاد مع نشر قوات الفيلق في النيجر لنشره في منطقة الساحل وفي الدول الصديقة لروسيا، وخاصة النيجر ومالي وبوركينافاسو، وكذلك أفريقيا الوسطى وليبيا وهناك العديد من الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية والسياسية بين نيامي وموسكو ومن المحتمل أن يكون من ضمنها تنقيب الشركات الروسية على الثروات الطبيعية الموجودة في النيجر لا سيما اليورانيوم[5].
يورانيوم النيجر… بداية الاستكشاف والأهمية الاستراتيجية
تعتبر النيجر واحدة من الدول الغنية بمعدن استراتيجي بالغ الأهمية والذي صار مطلبًا للعديد من القوى الدولية والإقليمية لكونه يستخدم في المجال السلمي والعسكري، وتم اكتشاف اليورانيوم في أزيليك بالنيجر عام 1957م من قبل مكتب البحوث الجيولوجية والمناجم الفرنسي (BRGM)وبدأت هيئة الطاقة الذرية الفرنسية بإجراء المزيد من الدراسات، وتبع ذلك اكتشافات أخرى في الحجر الرملي بما في ذلك في أبوكوروم في 1959م، وماداويلا في 1963م، وأرليت، وأريجي، وأرتواز وتاسا في 1965م وإيمورارين عام 1966م وأكوتا في1967م.
ويتم استخراج اليورانيوم بالقرب من مدينتي التعدين أرليت وأكوكان، على بعد 900 كم شمال شرق العاصمة نيامي (أكثر من 1200 كم عن طريق البر) على الحدود الجنوبية للصحراء الكبرى وعلى السلسلة الغربية لجبال إير، ويتم نقل المركزات بالشاحنات لمسافة 1600 كيلومتر إلى باراكو في بنين، ثم تقطع مسافة 400 كيلومتر إلى ميناء كوتونو ويتم تصديرها لتحويلها، معظمها إلى كومورهيكس في فرنسا، ووفقًا لبيانات البنك الدولي يمثل اليورانيوم ثاني أكبر صادرات النيجر من الناحية النقدية بعد الذهب، وبدأ إنتاج اليورانيوم في شرق العاصمة نيامي في عام 1971م وأضحت شركة سومير أول منتج لليورانيوم في النيجر، ويعد منجم سومير هو الوحيد الذي يعمل في النيجر وتملك الشركة نحو 63.4% لشركة أورانو الفرنسية، 36.6% لشركة سوبامين التابعة لحكومة النيجر [6].
وبدأت شركة أورانو في إنتاج اليورانيوم من منجم تحت الأرض في أكوتا عام 1978م وأنتجت أكثر من 7500 طن قبل انتهاء العمليات في عام 2021م، وتزود النيجر حوالي 5% من اليورانيوم في العالم، لكنها من كبار موردي اليورانيوم إلى الاتحاد الأوروبي، وفي عام 2006م وقعت الشركة النووية الوطنية الصينية (CNNC) اتفاقية لتطوير مستودع أزيليك- أبوكرم.
وأنشئت شركة جديدة في عام 2007 لهذا الغرض أطلق عليها اسم “سومينا “، وفي عام 2007م نشطت عمليات استكشاف اليورانيوم في النيجر عقب ارتفاع سعر اليورانيوم، وبحلول عام 2011 كانت أنشطة استكشاف اليورانيوم قيد التنفيذ على 160 امتيازًا من قبل الشركات الأجنبية، وفي الفترة من عام 2001م: 2016م، تم تسجيل 356 تصريحًا للتنقيب عن اليورانيوم، ويوجد في النيجر كذلك منجم إيمورارين الذي يحتوي على ثروة من أكبر احتياطيات اليورانيوم في العالم، وقد توقف العمل فيه لاعتبارات سعر المعدن، وهناك منجم أكوتا وقد استنفدت الشركة جميع احتياطياته، وقررت إغلاقه في مارس 2021م[7].
يتم بيع الإنتاج أولاً إلى الشركاء بما يتناسب مع حصتهم في سعر الاستخراج الذي تحدده الحكومة، ويعتمد نظريًا على تكاليف التشغيل، ولكنه أعلى إلى حد ما ويستخدم في توليد الكهرباء من الطاقة، وتستعمل دول القارة العجوز اليورانيوم في علاجات السرطان، وللدفع البحري، وفي الأسلحة النووية، ويوفر 35% من الوقود النووي لفرنسا، و25% من كهرباء التدفئة لأوروبا، وتعد النيجر المنتج السابع لليورانيوم في العالم، ووفقًا للجمعية النووية العالمية بلغ إنتاجها حوالي 2020 طنًا متريًا حسب إحصاءات عام 2022م [8].
تداعيات التكالب الدولي على أمن واستقرار النيجر
إن التكالب الدولي على يورانيوم النيجر يسهم بشكل كبير في عدم استقرار البلاد من خلال التدخلات العسكرية واستغلال الموارد الطبيعية والضغوط السياسية والدبلوماسية والتنافس على النفوذ بين القوى الكبرى لاستغلاله، الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي على أمن واستقرار نيامي، فنجد أن فرنسا وروسيا من أجل حماية مصالحهم في استخراج اليورانيوم تنشر قواعدها العسكرية ويؤدي هذا الوجود العسكري إلى ردود فعل سلبية من بعض الجماعات المحلية مما يزيد من التوترات الأمنية، ومن الممكن أن تقوم الدول المستوردة لليورانيوم بدعم الحكومات النيجرية لتحقيق الاستقرار اللازم لاستمرار استخراج اليورانيوم، وقد يتسبب هذا الدعم في تعزيز الأنظمة غير الديمقراطية مما يؤدي إلى اضطرابات سياسية داخلية.
وقد تستهدف الجماعات المسلحة البنية التحتية لاستخراج اليورانيوم، سواء لتمويل أنشطتها أو لتوجيه رسائل سياسية، ويؤدي ذلك إلى زيادة انعدام الأمن في المناطق المحيطة بالمناجم وتس تغل القوى الدولية هذا المورد مما يؤدي إلى تهميش بعض المجتمعات المحلية ويزيد من التفاوت الاقتصادي والاجتماعي، ويمكن أن تؤدي فوائد استخراج اليورانيوم غير المتكافئة إلى نشوب نزاعات بين المجتمعات المحلية، خاصة إذا لم يتم توزيع العائدات بشكل عادل.
كما أن الاعتماد المفرط على اليورانيوم كمصدر رئيسي للإيرادات يمكن أن يجعل اقتصاد النيجر هشًا أمام تقلبات السوق العالمية وأن أي تراجع في أسعار اليورانيوم يمكن أن يؤدي إلى أزمات اقتصادية، وقد أدى تنافس الشركات متعددة الجنسيات على حقوق استخراج اليورانيوم إلى تجاهل التنمية المستدامة وتدهور البيئة المحلية وهذا بدوره يفاقم التوترات الاجتماعية والاقتصادية، وتؤدي عملية استخراج اليورانيوم إلى تلوث البيئة مما يؤثر على صحة السكان المحليين ويزيد من التوترات بين الشركات والحكومة من جهة والمجتمعات المحلية من جهة أخرى.
علاقة تراجع النفوذ الأمريكي والفرنسي في النيجر بهذه التحركات
يتعرض النفوذ الأمريكي في نيامي للتراجع إذ أعلن المجلس العسكري الحاكم في النيجر في 16 مارس 2024م إلغاء بأثر فوري الاتفاق العسكري المُبرم في 2012م بين الولايات المتحدة والنيجر، والذي يسمح بوجود عسكريين وموظفين مدنيين من وزارة الدفاع الأمريكية على أراضيها وجاء ذلك الإعلان بعد يوم واحد فقط من مُغادرة وفد أمريكي رفيع المستوى نيامي، في أعقاب زيارة لمدة استمرت ثلاثة أيام، وبررت النيجر سبب إعلانها تعليق الاتفاقية العسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية في أن الوفد الأمريكي لم يلتزم بالبروتوكول الدبلوماسي فلم يتم إبلاغ نيامي عن تشكيل الوفد وموعد وصوله أو حتى جدول أعماله، واعتبرت السلطات في النيجر ان الاتفاقية غير متوازنة وأن واشنطن فشلت في تبادل المعلومات الاستخباراتية التى يتم جمعها باستخدام أسطول الطائرات من دون طيار وقيتمها بإجبار نيامي على دفع التكلفة الباهظة صيانة هذه الطائرات[9].
وبالنظر إلى فرنسا فنجد أن القوات الفرنسية أكملت انسحابها من النيجر في أواخر عام 2023م لإنهاء وجود عسكري امتد حوالي 10 أعوام، والذي كان مخصص لمكافحة الإرهاب والتطرف في منطقة الساحل الأفريقي، إذ كانت النيجر أحد آخر حلفاء فرنسا قبل انقلاب يوليو 2023م، ومنذ ذلك الحين قطع جنرالات النيجر علاقاتها مع عدد من الشركاء الغربيين واقتربوا من الروس، وهو ما يمثل نهاية عملية فك ارتباط القوات الفرنسية في منطقة الساحل، وجاء ذلك بعد توتر العلاقات مع السلطات العسكرية المنبثقة عن الانقلاب والتي ألغت عدد من اتفاقيات التعاون العسكري مع باريس.
ويمثل العامل الإيراني والروسي أحد الأسباب التي تفسر خروج الولايات المتحدة من النيجر إذ من المعروف أن الولايات المتحدة اتخذت موقفاً أكثر صرامة تجاه النيجر منذ يناير 2024، نظراً لعلاقات النيجر المتنامية مع إيران وروسيا، مما ساهم في المأزق الحالي وبالفعل اتهمت الإدارة الأمريكية النيجر بالبحث سراً في صفقة تسمح لإيران بالوصول إلى احتياطياتها من اليورانيوم خلال اجتماعات 12: 13مارس 2024م.
وذكرت مجلة جون أفريك أن الشكوك الأمريكية بأن إحدى اتفاقيات الطاقة الموقعة بالفعل بين إيران والنيجر تتضمن توفير اليورانيوم أصبحت خطاً أحمر للتعاون الأمريكي المستقبلي مع النيجر، ومن جهة ثانية يمكن للمرتزقة الروس (الفيلق الأفريقي- فاجنر سابقاً) ملء المواقع الأمريكية المهجورة في شمال النيجر في غضون أشهر من مغادرة القوات الأمريكية البلاد، الأمر الذي من شأنه أن يشكل تهديدات مختلفة للجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي وتعزيز الشبكات اللوجستية الروسية في أفريقيا[10].
ختامًا
يعكس التكالب الدولي على كعكة النيجر الصفراء أهمية هذا المعدن الحيوي في السياق العالمي من حيث استخداماته سواء لأغراض الطاقة أو الأمن، فيعد اليورانيوم مورداً استراتيجياً يُمكن الدول من تحقيق استقلالية طاقوية وتقوية قدراتها الدفاعية، مما يجعل السيطرة عليه هدفاً محورياً للعديد من القوى العالمية، وهذا التنافس ليس مجرد مسألة اقتصادية بل يتشابك مع الأبعاد السياسية والأمنية والبيئية وبالتالي يبقى مستقبل يورانيوم النيجر مرهوناً بقدرة المجتمع الدولي والسلطات المحلية على تبني سياسات حكيمة وشاملة، تعزز من استغلال هذه الثروة بشكل يحقق الفوائد المرجوة لجميع الأطراف المعنية، ويضمن في الوقت ذاته الحفاظ على استقرار وأمن الدولة على المدى الطويل.
المصادر:
https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/8430 [1]
[2] Philipp Sandner, Are Niger’s uranium supplies to France under scrutiny?, Deutsche Welle, 2023, available at: https://www.dw.com/en/are-nigers-uranium-supplies-to-france-under-scrutiny/
[3] شركة صينية تستأنف استخراج اليورانيوم في النيجر بعد 10 سنوات من الانقطاع، اقتصاد الشرق، 14 مايو 2023م، متاح على: https://asharq.com/politics/88128
[4] “لوموند” تكشف كواليس الصفقة السرية… 300 طن “كعكة صفراء” من النيجر إلى إيران، العربية، 12 مايو 2024م، السعودية، متاح على الرابط: https://www.alarabiya.net/iran/2024/05/12/
[5] حمدي بشير، مسار جديد: لماذا ألغت النيجر اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة؟، الحائط العربي، 2024م، متاح على: https://arabwall.com/%d9%84%d9%85%d8%a7%
[6] A guide: Uranium in Niger, world nuclear news, England, 2023, available at: https://2u.pw/IolyCqui
[7] يورانيوم النيجر.. كنز أو لعنة في سابع أفقر دول العالم؟، الجزيرة، قطر، 2023م، متاح على: https://www.ajnet.me/news/2023/8/25/
[8] به زبان فارسي، صفقة اليورانيوم مع النيجر وجبهة جديدة للمواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، المعهد الدولى للدراسات الإيرانية، 31 مارس 2024م، متاح على: https://rasanah-iiis.org
[9] نفوذ مُتراجع: ماذا يعني إنهاء النيجر تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبي، 2024م، متاح على: https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/9137/
[10] حمدي عبدالرحمن حسن، معضلة النيجر: هل انتهت إمبراطورية الغرب في أفريقيا؟، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مصر، 2023م، متاح على: https://acpss.ahram.org.eg/News/21143.aspx