المقالات
سبلُ إحياءِ مشروع قناة جونجلي
- سبتمبر 21, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
إعداد/ مصطفى مقلد
باحث فى العلوم السياسية
مقدمة:
تاريخياً، سعتْ مصرُ لتأمين أمنها المائي عبر الحفاظ على حصتها من مياهِ النيل بل وأيضا عبر الاستثمار فى زيادة الإيراد المائي والحفاظ على استدامة وتنمية الموارد المائية عبر إنشاء أو المساعدةِ في إنشاءِ المشروعات المائية على طول مجري نهر النيل سواء داخل حدودها أو داخل دول حوض النيل، ويُمثلُ مشروع قناةِ جونجلي أحد تلك الجهود، ففكرةُ المشروع تقوم على حفر قناةٍ تستوعب المياه المُهدرةَ في مستنقعات منطقة السُد في جنوب السودان التي استقلت في 2011، وهي الدولة الغارقة منذ استقلالها في دوامةٍ من عدم الاستقرار السياسي والنزاعات الداخلية واتفاقيات السلام غير المطبقة بالكامل.
مشروع القناة، اقترحهُ لأول مرة مهندس بريطاني في القاهرة عام 1904، بهدف استغلال الفاقد من مياه النيل الأبيض، إذ تشير التقديرات إلى أن نصفَ تصريف مياه نهر بحر الجبل السنوي البالغ 28 مليار متر مكعب يضيع سنويًا من خلال التبخر والنتح في منطقة السد، بسبب الطبقة السميكة من النباتات العائمة التي تغطي المنطقة وتعوق حتى الملاحة، وبالتالي فإن أي زيادةٍ كبيرة في التدفق عند رأس المستنقعات لا تؤدي إلى زيادةٍ متناسبة مباشرة في التفريغ عند ذيل المستنقعات.
وتمَّ اتخاذ قرار حفر القناة في عام 1974 من قِبَلِ اللجنة الفنية المشتركة الدائمة لمياه النيل، وبدأ البناء في عام 1978، لكن عدم الاستقرار السياسي ونشوب الحرب الأهلية السودانية في السودان أوقف العمل بعد عام 1983 بعد أن تم حفر 260 كيلومترًا من إجمالي 360 كيلومترًا، ويُعتقدُ على نطاق واسع في الدوائر الأكاديمية المرتبطة بالملف، أن مشروع القناة لم يعدْ يحظى بأولويةٍ ضمن المشروعات المائية للبلدان الثلاث، كذلك هناك عددٌ من المعوّقات أمام إتمام مشروع قناة جونجلي مثل التصور السائد بأن القناة ستؤثر على الظروف الاجتماعية والبيئية في المنطقة، بجانب خلافات محلية بين القبائل في جونقلي، لكن الحاجة الملحة لتوفير المياه قد تُعيدُ إحياء قناة جونجلي.[1]
فوائدُ المشروع:
يمكنُ تلخيص الفوائد الرئيسية للمشروع كما ذكرها العديد من الباحثين على النحو التالي:
-
توفيرُ كمياتٍ كبيرة من المياه المفقودة بسبب التبخر والنتح.
-
تقليلُ مخاطر الفيضانات التي يتعرض لها جنوب السودان.
-
زيادة مساحات أراضي الرعي، حيث تَحدّثَ وزير المياه في جنوب السودان آنذاك “ماناوا بيتر جاتكوث” أمام مجلس الوزراء في ديسمبر 2021، عن أن القناة يمكن أن توفر المياه لري ما يصل إلى 7.5 مليون فدان.
-
توفيرُ رابطٍ ملاحي بين البلدان الثلاثة، وتعزيز التجارة بين البلدان الثلاثة وتوفير فرص العمل للسكان المحليين.
-
الحدُّ من انتشار نواقل الأمراض، وتعزيز حياة السكان المحليين في منطقة المشروع اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا من خلال تعزيز التنمية وزيادة الزراعة وتربية الماشية والتوسع الصناعي.
دواعي استئناف المشروع:
منذ عام 2019، اجتاحتٌ دورةٌ من الفيضانات غير المسبوقة ولايات جونقلي والوحدة وأعالي النيل بجنوب السودان، وهي أكثر تدميراً بكثير من الفيضانات الموسمية المعتادة، ويؤدي إلى تآكلِ المزيد والمزيد من الأراضي الصالحة للسكن كل عام، وهو وضعٌ كارثيٌ أنعش مشاريع تجفيف المستنقع، ووفقا لتقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يمثّلُ السدً قيمة اقتصادية تزيد على 3 مليارات دولار سنويا بسبب “الخدمات” التي يقدمها، والتي تشملُ صيدَ الأسماك وتربيةَ الماشية وصناعةَ ورق البردي والسياحة البيئية، وتعتمد المجتمعات الزراعية الرعوية، مثل الدينكا والنوير والشلك، على الأهوار في كسْبٍ عيشها، وترتبط ثقافاتها وتقاليدها ارتباطًا وثيقًا بها.
وفي عام 2022، ظهرت سلسلةٌ من الدعوات داخل حكومة جنوب السودان لإعادة إستئناف المشروع من أجل منع الفيضانات وتحسين البنية التحتية للمنطقة، وأعلن نائب رئيس البلاد بالفعل عن خططٍ لإجراء دراسة جدوى، بعد أن أدت الفيضانات منذ 2019 إلى انهيارٍ واسع النطاق لسُبلِ العيش، مما أعاق بشدة قدرة الأسر على الحفاظ على مواشيها، ولم تَعدْ استراتيجيات التكيف التقليدية ومصادرُ الدخل قابلةً للتطبيق بالنسبة للعديد من المجتمعات.
وبسبب فيضانات هذا العام، أطلقَ محافظ مقاطعة فانجاك بولاية جونقلي بجنوب السودان “بطرس بيل”، نداءً للمساعدة في إصلاح السدود وسط نقص الموارد لإعادة التأهيل[2]، ويزيد الأمر صعوبة بسبب ارتفاع منسوب المياه في سد جينجا في أوغندا بعد ارتفاع منسوب المياه في بحيرة فكتوريا، حيث تُطلقُ أوغندا كميات من المياه للحفاظ على سلامة سدود توليد الكهرباء، وهو ما يعني تضرر ولايات “جونقلي والبحيرات والوحدة وأعالى النيل، وواراب” بجنوب السودان.
ويقول نائب حاكم ولاية الوحدة، تور تونجوار كويجونج، إن الولايةَ هي الأكثر تضرراً من الحرب الأهلية (2013 – 2018) والتي خلفت حوالي 160,000 نازح داخل الولاية، ومع الفيضانات الحالية، تضاعف هذا العدد، ويري ضرورةً لتجريف النهر ما يسمح بتصريف المياه وكذلك فتح طرق الملاحة، لأن ذلك سينتج “جزرا” تسمح بالزراعة وسط انخفاض المساعدات الغذائية بسبب الحرب في أوكرانيا.[3]
من ناحيةٍ أخرى، تعاني دولٌ أخرى في حوض النيل من ندرة المياه بسبب النمو السريع في عدد السكان وتغير المناخ، وقد لفتت تلك التطورات الخطيرة الانتباه إلى الكم الهائل من المياه المفقودة في مناطق المستنقعات في حوض النيل وضرورة استثمارها.
مخاوفُ إتمام المشروع:
يصرفُ النيل الأبيض مياهَه إلى مستنقعات السد، وهي شبكةٌ من البحيرات والقنوات تتسم بمعدلات تَبخّرٍ عالية لها تأثيراتٌ كبيرة على توافر المياه في مناطق المصب، ويمكن تقسيمها الى مستنقعاتٍ دائمة التي عادة ما تكون قريبةً من مجاري الأنهار الرئيسية، وتكون رطبةً بشكلٍ دائم، بجانب المستنقعات الموسمية التي تكونت نتيجة فيضان نهر النيل أو عندما تمتلئ البرك موسميًا بمياه الأمطار، وتُنتجُ أنواعًا من الأعشاب التي تدعم الماشية والحياة البرية خلال الأشهر الأكثر جفافًا في العام، لذا تعتبر حاسمة بالنسبة للاقتصاد الرعوي[4].
ومن الملاحظ أن بعضَ القبائل المحلية في منطقة السُد ترفض استئناف المشروع بسبب مخاوفَ بيئيةٍ قد تؤثر على سبل العيش، حيث قد يقلل المشروع من حجم المستنقعات والسهول الفيضية المرتبطة بها مما يسبب انخفاضاً في التصريف ما من شأنه أن يتسببَ في اختفاء العديد من البحيرات بالتالي خسارة لصيد الأسماك في المنطقة، ويؤثر سلبًا على أنشطة الرعي، فالنمط السنوي للفيضانات سمةٌ أساسية للنظام البيئي للمنطقة ويُعتبرُ حاسمًا للنباتات والحيوانات المحلية وطريقة حياة السكان المحليين، وهو ما أشارت إليه بعض الدراسات والتي أضافت مخاوف اجتماعية متعلقة بزيادة الصراع على المراعي بين القبائل، وقد تصبحُ القناة حاجزًا بين قرى موسم الأمطار ومناطق الرعي في موسم الجفاف، وبالتالي خلل الدورة الرعوية، بجانب تغيير مسارات هجرة الحيوانات، وانخفاض مستويات المياه الجوفية، وقد تؤثر على النظام الهيدرولوجي وتقلل من هطول الأمطار في المنطقة.
مراعاةُ البعد العرقي:
بعد وصول 21 آلة تجريف إلى ولاية الوحدة من مصرَ في يونيو 2022، إحتدم النقاشُ بسبب مخاوف بعض الجهات والقبائل من تلك الخطوة، وبالفعل قرر رئيس جنوب السودان تعليقَ أعمال التجريف حتى يتم إجراء تقييم الأثر البيئي، وهي خطوةٌ أدت إلى احتجاجات المجتمعات المتضررة من الفيضانات في ولاية الوحدة التي رأت في التجريف وسيلةً للحدِّ من مخاطر الفيضانات، وقام بعض سكان “بانتيو” بإزالة الأعشاب الضارة باليد من نهر النعام[5]، ويسلط هذا الجدلُ السياسي الضوء على عدم الثقة في النُخَبِ لحماية الأراضي المرتبطة بالمجموعات العرقية غير المهيمنة.
لذا من المفيد دراسة المواقف التاريخية والاجتماعية والسياسية للمجموعات العرقية الرئيسية في جنوب السودان لفَهْمِ دورها بشكل أفضل خاصة إذا علمنا أن الدينكا والنوير والشلك هي المجموعات العرقية الرئيسية التي تعيش في الأراضي الرطبة في السد:
ويذهب علماء السلالات إلى أن القبائل الثلاث الكبرى في جنوب السودان هي المنضوية في ما يسمى “المجموعة النيلية” (الدينكا والنوير والشلك):
إثنية الدينكا وهي الأكبر في جنوب السودان من حيث عدد السكان، وثاني أكبر مجموعة عرقية في ولاية جونقلي، ويُنظر إليهم على أنهم يسيطرون على حكومة ولاية جونقلي بالإضافة إلى جزءٍ كبيرٍ من الحكومة الوطنية، والقائد التاريخي لجنوب السودان “جون. إرث قرنق” أحد أبناء الاثنية، وكذلك سلفا كير الرئيس الحالي وهو من قبيلة الدينكا من بحر الغزال[6]، ومن السهل فَهْمُ أن “الدينكا” يتمتع بنفوذٍ سياسي هائل بسبب أعدادهم الكبيرة وتاريخهم الطويل في التعليم والوصول إلى المناصب السياسية. ونتيجة لذلك، كان لهم تأثيرٌ أكبرُ في سياسات الدولة والسياسة الوطنية من العديد من المجموعات العرقية.
وكان سكان الدينكا في منطقةِ بحر الغزال من بين المعارضين لاستكمال حفر قناة جونقلي، فكانوا يخشون أن يؤديَ التدخلُ إلى تجفيف حوض النهر وحرمان الناس والماشية والحياة البرية من المياه، حيث يعتمد الاقتصاد لديهم إلى حدٍ كبير على تربية الماشية وهي أساس الوضع الاجتماعي، فكلما زاد حجم ملكية الماشية زادت مكانة الأسرة.
إثنية “النوير”، ثاني أكبر مجموعة عرقية في جنوب السودان، تسكنُ في أماكنَ متفرقةٍ على شكل تجمعات بشرية تتكون من قرى ومعسكرات، لكن فضاءها الجغرافي يقعُ أساساً في ولاية أعالي النيل، والثاني في ولاية الوحدة الغنية بالنفط وعاصمتها “بانتيو”، كما أن حضورَها قوي في ولاية جونقلي، وتعتبر حرفة الرعي حرفتها الأساسية.[7]
والشلك هم ثالثُ أكبر مجموعة إثنية في جنوب السودان، تعيش في شريطٍ على الضفة الغربية للنيل الأبيض في مقاطعة أعالي النيل الشمالية وعاصمتهم فشودة، ومقارنة بأبناء عمومتهم من الدينكا والنوير، فإن الشلك مجتمعٌ زراعيٌ ومستقرٌ، ولهم اهتمامات رعوية قوية، ويعتمدون على الزراعة وصيد الأسماك أكثر بكثير من الدينكا والنوير.[8]
وكانت جونقلي ساحةً للصراع العرقي خلال الحرب الأهلية، وكانت القبائل تتصارع علي الأراضي الرعوية والإغارة علي قطعان الماشية “المصدر الرئيسي للثروة”، وهنا لابد من الإشارة الى أن العنفَ الحاصل ترك آثاره على علاقات السلطة داخل القبيلة، فقد قَوّضَ حَمْلُ واستخدام السلاح خلال الحرب نفوذ القيادات التقليدية للقبيلة علي الشباب، وهو ما زاد من وتيرة الصراع، ومع ذلك وبعد انقضاء الحرب سَبّبَ تَغيرُ المناخ مزيد من الهجرات، بالتالي تضررت الأراضي الرعوية بسبب الرعي الجائر، لذا تحتاج لجنة الأراضي في حكومة جنوب السودان مزيد من الدعم لمعالجة الصراع علي الاراضي.
من ناحيةٍ أخرى، فإن البنيةَ التحتية في ولاية جونقلي متردية حتى وفق معايير جنوب السودان مثل الافتقار الي الطرق ما يجعل التجارة والنقل صعبا ومكلفا، ومع ذلك لا تشارك قبيلة النوير والمورلي
في شئون الولاية الرسمية والمحلية ولا يتفاعلون مع أعضاء البرلمان الذين يمثلون مناطقهم وعادة ما يَعبرُ شباب القبيلتين عن إحباطهم بسبب عدم اكتراث الحكومة بهم واحتياجاتهم الأساسية.
دعوة لمناقشة جادة:
يمثلُ إنتاج النفط واستكشافه في ضوء وجود خزانات نفطية ضخمة أسفل منطقة السُد وبالقرب منه، سبب جوهري للتدهور البيئي، وبعد توقف الإنتاج بسبب الحرب الأهلية، استأنفت العديدُ من حقول النفط ومصافي النفط الإنتاج في عام 2021، ويأتي هذا الاستئناف دون تحسينات في الصيانة والإدارة والرقابة القانونية على العمليات، وهناك أيضًا اهتمامٌ متزايد ببناء خطوط أنابيب جديدة عبر الأراضي الرطبة.
وهناك تهديدٌ وجوديٌ آخر للسلامة البيئية لمنطقة السُد وهو السياسة المائية (الإقليمية)، التي تقوم على التنافس، فمع التنمية المتوقعة في البلدان الواقعة أعلى النهر في الهضبة الاستوائية، سوف يَنخفضُ تدفقُ المياه إلى نهر بحر الجبل في جنوب السودان، فهناك سدودٌ جديدةٌ قَيدَ الإنشاء أو أنشأتها دول المنبع، على سبيل المثال، سدي إيسيمبا وكاروما للطاقة الكهرومائية في أوغندا، ويكمنُ الخطر هنا في أن التدخلات غير المنسقة لإدارة المياه تؤدي إلى زعزعة توازن السد.
كذلك يساهمُ تغيرُ المناخ في زيادة شدة الفيضانات، فقد غمرت الأمطار غير المسبوقة في عام 2019 الناجمة عن ارتفاع درجة حرارة وتغير المناخ الممرات المائية الإقليمية وتسببت في آثارٍ طويلة الأمد، وتقوم الحكومة الأوغندية، التي تسيطر على سدٍ ضخمٍ لتوليد الطاقة الكهرومائية على نهر النيل، بإطلاق المياه لمنع التدفق العكسي من تدمير القرى الواقعة على بحيرة فيكتوريا، وبالتالي إرسال المزيد من المياه إلى مجرى النهر، كما كانت الفيضانات في جنوب السودان في عام 2020 شديدة للغاية لدرجة أن المياه لم تنحسرْ بالكامل في مواسم الجفاف الفاصلة، وفي عام 2021 وحده، قتلت الفيضانات ما يَقربُ من مليون رأس من الماشية، ودمرت أكثر من 37 طناً من المحاصيل وألحقت أضراراً بـ 65 ألف هكتار من الأراضي المزروعة، كما تعرضت الطرق والجسور والأسواق والمدارس لأضرار بالغة في بعض المناطق.
التنميةُ ضرورةٌ ملحة:
كان أحد المبادئ الأساسية لاتفاقية السلام في جنوب السودان التي تم اعتمادها في عام 2018، هو أن يتمكنَ الأفرادُ النازحون من العودة إلى ديارهم بأمان، ومع تحسن الوضع الأمني عاد ما يقرب من مليوني لاجئ ونازح إلى ديارهم بحلول منتصف عام 2021، لكن الفيضانات أدت إلى إبطاء هذه العملية، بل عادت عمليات النزوح مجددا، وتسببت تلك الاضطرابات في نشوء صراعات في بعض المجتمعات بين المجتمع المضيف وأولئك الذين جاءوا كنازحين داخليًا[9].
تاريخيًا، مكّنتْ الهجرة من الصمود في وجه الفيضانات والمناخ في جنوب السودان من خلال القوانين العرفية لحيازة الأراضي، وسمحت هذه القوانين لمجتمعاتٍ مختلفة بالتفاوض بشأن الوصول الموسمي وحسب الحاجة إلى الأراضي لأغراض الزراعة والرعي وصيد الأسماك والصيد وجمع الحطب والإسكان والاحتياجات الأخرى، بما في ذلك أثناء الفيضانات، ومع ذلك، فإن الفيضانات الأكثر تواترا وشدة تضغط على هذه القواعد المعمول بها، ويمكن للضغوط المتراكمة والمترابطة الناجمة عن تغير المناخ، وانعدام الأمن الغذائي، واضطرابات سبل العيش والتضخم أن تُؤديَ إلى العنف الطائفي والنهب والإغارة على الماشية.
ودفع اندلاع الصراع المسلح في السودان منذ أبريل 2023 إلى استقبال جنوب السودان لمزيدٍ من النازحين، كما أدت أماكن إقامتهم إلى زيادة الضغط على المجتمعات المضيفة والنازحين الموجودين بالفعل والذين يعانون من الفيضانات والعنف والنزوح، ففي يونيو 2023، أعرب المسؤولون في ولاية الوحدة عن أسفهم للضغط المتزايد على الموارد المحدودة، وكان هذا الضغطُ محسوساً بشكلٍ خاص حول بانتيو، ومع نُدرة الأراضي المرتفعة في ولاية الوحدة، يظل تخصيص الأراضي قضيةً ملحةً ومثيرةً للخلاف، وفي المقاطعة الأكثر تضرراً من الفيضانات في الولاية، وهي مقاطعة قوقريال الشرقية، واجهت المجتمعات المحلية عقداً من تراجع إنتاج الماشية والمحاصيل، وهي الآن “تتدافع على الغذاء” في منافسة مع النازحين.
مواجهةُ المخاوف:
إن المناقشاتِ حول كيفية إدارة المياه في منطقة السد تقع في مشهدٍ مُعقّدٍ بسبب وجود مصالح مختلفة على مستويات مختلفة، بالإضافة إلى الموروثات التاريخية التي تؤثر على التصورات تجاه السياسات، فمن ناحية، هناك حاجة ملحة لتقديم حلول بسبب الفيضانات غير المسبوقة في جنوب السودان واحتمال استمرار ذلك في ضوء توقعات تغير المناخ. ومن ناحية أخرى، فإن الموروثات التاريخية مثل تلك المحيطة بمشروع قناة جونقلي، ونقص البيانات العلمية، واختلاف الجهات الفاعلة ومصالحها المتناقضة.
وبالتحقيق في العديد من الاعتراضات التي أثارها دعاةُ حماية البيئة فيما يتعلق بمشروع قناة جونجلي، وجدت دراسة أعدتها “مريم علام وآخرون” 2018 بعنوان:
“Jonglei Canal Project Under Potential Developments in the Upper Nile States” أن:
-
تشغيل قناة جونقلي سيترك تأثيراً بسيطاً على مساحة المستنقع، حيث سيكون الانخفاض في مساحة المستنقع أقل من 5.8% في المرحلة الأولى من مشروع قناة جونقلي، وقد يرتفع إلى 6.7% في حالة التدفق المنخفض للغاية للمستنقع. وهذا يعني أنه في معظم الأوقات سيكون للقناة تأثيرٌ ضئيلٌ جدًا على المستنقع. وقد يرتفع هذا الانخفاض إلى 6% – 9.6% إذا تم تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع قناة جونقلي.
-
الانخفاضُ في مساحة الأراضي الرطبة الذي قد يحدث بسبب تشغيل القناة يبلغ حوالي 7٪ والتي يمكن أن تزيد إلى 16٪ في حال تم تشغيل مشروعات مائية جديدة في دول المنبع.
-
واقترحت الدراسة أنه يمكن تقليل الانخفاض في مساحة المستنقع من خلال توزيع التدفقات المنخفضة الناجمة عن مشاريع تنمية المنبع بين قناة جونقلي والمستنقع، ويمكن أن يكون هذا البديل بمثابة وضْعٍ مربح للجانبين، حيث يتمُّ التخفيف من التناقص في مساحة المستنقع من خلال بعض التدفق المنخفض الذي يدخل قناة جونجلي، ولكن هذا من شأنه أن يُقللَ من كفاءة القناة. لكن من ناحية أخرى، من شأن هذا البديل أن يُساهمَ في الإدارة المتكاملة للموارد المائية لنهر النيل، والتي يتعين عليها تلبية متطلبات التنمية في الحوض بأكمله مع الحفاظ على المستنقع. ويمكن توزيع التدفق المنخفض بين المستنقع وقناة جونجلي باستخدام توزيع متناسب بين قناة جونجلي وبحر الجبل على أساس السعة النسبية للمقطع العرضي للمجريين، وسيؤدي تنفيذ هذا البديل إلى تقليل الحد الأقصى للانخفاض في مساحة المستنقع في الحالة القصوى (حالة الجفاف الشديد) من 16.1% إلى 11%.
-
ستؤدي المرحلة الأولى من مشروع قناة جونجلي إلى زيادة متوسط التدفق السنوي في أسوان بنحو 3٪، وستنخفض هذه الزيادة إلى (1٪ -2٪) إذا تم تنفيذ مشاريع التنمية في المنبع، وإذا تمَّ بناء قناة جونجلي في مرحلتيها المخططتين، فإن متوسط التدفق السنوي لنهر النيل عند أسوان سيزيد بنحو 4٪، لكنه لن يزيدَ إلا بنسبة 2.5٪ -3٪ إذا تم تنفيذ مشاريع التنمية في المنبع.
-
ويمكن اقتراح المُضي قدماً في عمليات التطوير في المنبع والمصب، مع الحفاظ على بيئة المستنقع من خلال تلبية الطلب جزئيًا خلال سنوات الجفاف للحفاظ على بيئة المستنقع وتلبية الطلب بالكامل خلال سنوات الأمطار.
-
بحثت الدراسةُ أثرَ وجود هيكل تحكم في أعلى قناة جونقلي لتوجيه التدفق المطلوب إلى قناة جونقلي قبل توجيه التدفق إلى بحر الجبل، وأظهرت النتائج أن القناة خلال المرحلة الأولى
قد لا تحتاج هيكلَ تحكم، حيث بلغ التوفير السنوي -حسب المحاكاة- الحجم المخطط له، لكن يجب إدخال هياكل التحكم في المرحلة الثانية وإلا فإن متوسط التدفق السنوي لقناة جونقلي في المرحلة الثانية سيكون أقل من التدفق المطلوب.
ختاما، تَبرزُ اعتباراتٌ عدة تساهم في فَهمِ كيفية إعادة مشروع قناة جونقلي إلى الواجهة مجدداً – خاصة مع تحول جنوب السودان لطرفٍ بالغ الأهمية تسعى إثيوبيا إلى استقطابه مؤخرا- فإذا كانت الحرب الأهلية أوقفت استكمالَ المشروع سابقا، فإن التوترات الاجتماعية الحالية الناتجة عن الصراع على الموارد قد تُمثّلُ فرصةً لإتمام المشروع، فالتنمية مِفتاحُ حلّ مشكلات جنوب السودان خاصة في وقت يُطلُ فيه تغير المناخ بظواهر قاسية على أبناء ذلك البلد، وحاجة الدولة لموارد جديدة في ظل تأثر إيرادات النفط مع تفجّرِ الصراع في السودان، وهي الصناعة التي تحمل تأثيراتٍ سلبية حقيقية علي بيئة منطقة السُد.
توصيات:
-
إتباع نهج شامل لإدارة موارد النيل الأبيض، ففي ضوء أن موارد المياه المشتركة في حوض النيل الأبيض تتسم بدرجة عالية من عدم التناسق الناتج عن عوامل تشمل القدرات المختلفة لدول حوض النيل للتحكم الفني في موارد المياه واستخدامها وتخصيصها، وكذلك تفاوت القدرات المالية الموجهة لاستثمار الموارد المائية.
-
وضع جنوب السودان على قائمة وجهات شركات الإعمار والإنشاء المصرية لبناء سدود أكثر أمانًا حول المدن الرئيسية، وخاصة في المناطق والمقاطعات التي غمرتها المياه بسبب الفيضانات، وتصميم وإنشاء قنوات صغيرة تمهد الممرات المائية لمياه الجريان السطحي والسيول والفيضانات لتصب في قنوات أطول تربطها في النهاية بالنيل الأبيض.
-
تجديد التأكيد على الاستعداد للمساهمة في إنشاء عدد من المشروعات التى اتفقت مصر والسودان على تنفيذها قبل انفصال الجنوب من خلال اللجنة العليا للتعاون بين وزارتى الرى فى مصر والسودان بما تشمله من سد فولا الذي كان ضمن مشروعات إنشاء 5 سدود لتوليد الكهرباء.[10]
-
دراسة إمكانية ضم جنوب السودان الى عضوية اللجنة الفنية المشتركة الدائمة التي أنشأتها مصر والسودان لضمان التعاون في إدارة مياه النيل وفق اتفاقية 1959.
-
السعي لخلق رأي عام مؤيد لمصر فيما يخص قضايا النيل عبر توضيح الحقائق، من خلال التواصل الفعال مع منظمات المجتمع المدني والقادة التقليديين للقبائل وغيرهم، مع الأخذ في الاعتبار أن استدامة التنمية وتعظيم موارد النيل تأتي من خلال استفادة جميع المجموعات الإثنية، كما لا تتطلب الإدارة الفعالة للمياه التركيز على تطوير البنية التحتية فحسب، بل أيضاً على الأسباب الجذرية للصراعات، بما في ذلك التوترات العرقية وتوزيع الموارد.
-
المساعدة في إنشاء معهد إدارة موارد المياه الوطنية في جنوب السودان.
المصادر:
[1]https://linksshortcut.com/uwwUw1 قضية سد النهضة الإثيوبي: اتفاقيات وحروب للسيطرة على “الذهب الأزرق”…
[2]https://www.radiotamazuj.org/ar/news/article/118273الفيضانات تضرب فانجاك القديم ونزوح آلاف السكان من القرى… 2
[3] South Sudan project to curb flooding could threaten crucial marshlands… https://2h.ae/Juzs
[4] Howell, P.P. Lock, J.M. Cobb, S.M. The Jonglei Canal: Impact and Opportunity. Cambridge University Press, Cambridge, UK, 1988
[5] Ranga Gworo & Fynn Kaltenpoth, Hydro-politics in the Sudd Wetland. Conflict Sensitivity Resource Facility. March 2023
[6] Ann Laudati, “Victims of Discourse: Mobilizing Narratives of Fear and Insecurity in Post-Conflict South Sudan—The Case of Jonglei State,” African Geographical Review 30, no. 1 (2011): 15-32.
[7]. https://2h.ae/Jdju 7 قبيلة النوير.. غريمة الدينكا الأبرز بحنوب السودان..
[8] 8 صراع الشلك والدينكا ينعش حمى الانفصال في جنوب السودان… https://2h.ae/BNQk
[9]9 مورو، إل إن (2023). تقييم الفيضانات في جنوب السودان: نوفمبر 2022. لجنة الإغاثة وإعادة التأهيل… https://www.socialscienceinaction.org/resources/flood-
[10] Jonglei canal project, a case of ecological imperialism… https://sudantribune.com/article256668/