المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > سرايا أنصار السنة: فاعل جديد في المشهد الأمني السوري
سرايا أنصار السنة: فاعل جديد في المشهد الأمني السوري
- يوليو 29, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد/ آية أشرف
باحث في برنامج الأمن والإرهاب
شَهِدَ الوضعُ الأمنيُ في سوريا أعقاب انهيار نظام “بشار الأسد” في ديسمبر 2024 تحولاتٍ جيوسياسيةً عميقةً وفراغاً أمنياً ، أتاح بروز فاعلين جدد ذوي أجنداتٍ متباينةٍ ومتطرفةٍ فرضت تواجدها بشكلٍ عنيفٍ في الداخل السوري، وتُعدُ جماعةُ “سرايا أنصار السنة” (SAS) من بين أخطر وأهم هؤلاء الفاعلين فقد ظهرت هذه الجماعة كمنظمةٍ جهاديةٍ إسلاميةٍ متطرفةٍ أعلنت عن وجودها صراحةً في أواخر يناير/أوائل فبراير 2025م، يمثّل ظهورها تحدياً جديداً للاستقرار الهشِّ في البلاد، خاصةً في ظل سعي الحكومة الانتقالية الجديدة لترسيخ سلطتها وسيطرتها في الداخل السوري.
وعليه يهدفُ هذا التقدير إلى تقديم تحليلٍ عميقٍ لفهْم سياقِ نشأة تنظيم “سرايا أنصار السنة” وخطورةِ تواجدها في سوريا في هذا التوقيت الحرج متناولاً نشأتها، أيديولوجيتها المتطرفة، هيكلها التنظيمي، قدراتها العملياتية، ديناميكيات علاقاتها مع الجماعات الأخرى، ووضعها على الصعيد الدولي، مع تقييم تداعياتها الاستراتيجية المحتملة على مستقبل سوريا والمنطقة.
النشأة والتطور الأيديولوجي: من الانشقاق إلى التكفير
جاءتْ نشأةُ “سرايا أنصار السنة” كانعكاسٍ للانقساماتِ الأيديولوجية والبراغماتية داخل الفصائل الجهادية السورية؛ فتعودُ جذورُ الجماعة إلى مكتبِ تجنيدٍ سابقٍ تابع “لهيئة تحرير الشام” كان مكلفاً بتجنيد خلايا للعمل خلف خطوط نظام “الأسد”، نشأ خلافٌ جوهريٌ بين رئيس هذا المكتب الذي أصبح لاحقاً أمير “سرايا أنصار السنة” وقيادة ” هيئة تحرير الشام” على هامش سياسة الأخيرة في إطلاق سراح سجناء النظام السابق، هذا الخلاف لم يكنْ مجرد تباينٍ تكتيكيٍ بل عكس موقفاً أيديولوجياً أكثرَ تشدداً من جانب “سرايا أنصار السنة” التي رأت في هذه السياسات “انحرافاً” عن تطبيق الشريعة الإسلامية الصارمة المتطرفة التي تجمع كلا الفصيلين، هذا الانشقاقُ يسلط الضوء على التوتر المستمر بين الجماعات الجهادية التي تسعى إلى التكيف مع الواقع السياسي الجديد (مثل هيئة تحرير الشام التي تحاول بناء هيكل حكم أكثر استقراراً) وتلك التي تُصرُ على رؤيةٍ جهاديةٍ نقيةٍ وغير مساومة ([1]).
يقود الجماعة “أبو عائشة الشامي” الذي كان يعمل كرئيسٍ لمكتب التجنيد السابق “لهيئة تحرير الشام” ويتولى “أبو الفتح الشامي” رئاسة قسم الشريعة فيها، كما تضمُ القيادةُ أيضاً عدداً من المنشقّين عن “هيئة تحرير الشام” وأعضاء سابقين في جماعة “حراس الدين” التابعة لتنظيم القاعدة العالمي، هذا التكوينُ القياديُ يشير إلى مزيجٍ من الخبرة الجهادية والالتزام العميق بالأيديولوجية السلفية الجهادية المتطرفة الذي تحرص عليه “سرايا أنصار السنه” والذي يقوم بالأساس على تبنّي أيديولوجية “تكفيرية” متطرفة، مما يشير إلى أنها لا تتردد في إعلان مسلمين آخرين مثل العلويين والشيعة كـ”مرتدين” وبالتالي تبرر العنف الشديد ضدهم.
هذه الأيديولوجيةُ تجاوزت كونها مجردَ خطابٍ بل هي الأساس المحرك لجميع أنشطته الجماعة وعملياتها في الداخل السوري، الـأمر الذي جعلها توصف بأنها معاديةٌ بشدةٍ للشيعة والعلويين والدروز والمسيحيين، مما يكشفُ عن كراهيةٍ طائفيةٍ عميقةٌ تشكّل ركيزةً أساسيةً لعقيدتها ، هدفُها المعلنُ والشاملُ هو إقامةُ دولةٍ إسلاميةٍ في سوريا تستبعد صراحةً هذه الأقليات، هذا الهدفُ يتجاوز مجرد السيطرة السياسية أو الجغرافية بل يشملُ رؤيةً للتطهير الديموغرافي والديني مما يُثيرُ مخاوفَ جدّيةً بشأن نية ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أو تطهيرٍ عرقيٍ ضد هذه الأقليات.
وقد أعلنتْ الجماعة صراحةً بأن دافعها الوحيد للهجمات هو الاستمرارُ حتى يتم “القضاء” الكامل على المسلمين الشيعة والعلويين من سوريا أو تهجيرهم إلى بلدان أخرى، هذا التصريحُ يكشفُ عن مستوى غير مسبوقٍ من التطرف؛ حيث تتجاوزُ أهداف الجماعة الصراع التقليدي على السلطة لتصلَ إلى تغييرٍ جذْريٍ في التركيبة السكانية والدينية للمناطق التي تستهدفها، كما تعارض “سرايا أنصار السنة” جهود الحكومة الانتقالية للعفو عن الأعضاء السابقين في الحكومة البعثية وقد أعلنت أن الحكومةَ الجديدةَ التي تقودها “هيئة تحرير الشام” تحت قيادة “أحمد الشرع” (حكومة مرتدة) وقتالها واجباً دينياً، وعلى الرغم من ذلك فإنها لا تعطي الأولوية حالياً للمواجهة العسكرية المباشرة مع هذه الحكومة مما يشيرُ إلى أولويةٍ تكتيكيةٍ للتطهير الطائفي على الصراع المباشر مع السلطات التي يقودها السنة حتى لو اعتبرتها مرتدة.
الهيكل التنظيمي والقدرات العملياتية: اللامركزية والتكتيكات الإرهابية
توصف “سرايا أنصار السنة” بأنها منظمةٌ لا مركزية لا تملكُ مقراً رسمياً هذا الهيكل اللامركزي يمنحها مرونةً عملياتييةً كبيرةً ويجعلها أكثر مقاومةً لجهود مكافحة الإرهاب؛ حيث يصعب استهداف قيادتها أو هياكلها التنظيمية التقليدية كما يسمح لها بالعمل كشبكة من الخلايا الصغيرة أو حتى “فاعلين منفردين” بدلاً من جيشٍ منظّمٍ يصعبُ تتبّع عناصره، ويُقدر حجم الهيكل البشري التابع “لسرايا أنصار السنة” بنحو (1,600) عنصر مقاتل، هذا العدد على الرغم من أنه ليس كبيراً مثل بعض الجماعات الأخرى التي تضم عشرات الآلاف من المقاتلين إلا أنه مهمٌ لجماعة حديثةِ الظهور وشديدةِ التطرف، بل ويضعها في نطاق مماثل لتقديرات “داعش” الحالية في سوريا والعراق والتي تقدر بحوالي (1,500-3,000) عنصر مقاتل اعتباراً من منتصف 2025م، وكما سبق الإشارة إليه فإن هذا الهيكلَ البشريَ يتكون من أعضاء سابقين في “هيئة تحرير الشام” و”عدد من الفصائل” بالإضافة إلى “مدنيين بايعوا بعد الإعلان عن الجماعة” ([2]).
تشيرُ قاعدةُ التجنيدِ المتنوعة هذه إلى قدرتها على استقطاب عناصر محبطة من مختلف الأطراف في الصراع السوري مما يمنحها قاعدة أوسع من الدعم البشري، كما تحافظ الجماعة على وجودها على وسائل التواصل الاجتماعي خاصة عبر تطبيق “تيليجرام” حيث تُصدرُ البيانات وتُعلنُ مسؤوليتها عن الهجمات وتنشر “قوائم المطلوبين” لأهداف الاغتيال المحتملة، هذا النهْجُ عبر الإنترنت بما في ذلك “قائمة المطلوبين” يشيرُ إلى شبكةٍ لا مركزيةٍ من الفاعلين الفرديين بدلاً من منظمةٍ رسميةٍ صارمةٍ.
والجدير بالذكر أن أنشطة “سرايا أنصار السنة” تتركزُ حالياً في منطقة الغرب السوري بما في ذلك محافظات حماة وحمص واللاذقية وحلب كما تنشط في طرابلس بلبنان وقادتْ عدداً من العملياتِ ضد الطوائف والأقليات المختلفة في هذه المناطق:
العلويون: هدفٌ أساسيٌ للجماعة تشملُ ادعاءاتها أنها تسببت في قتْلِ اثني عشر علوياً في “أرزة” وإطلاق النار على مدني علوي في وادي الذهب “بحمص” وقتْلِ عشرين علوياً في أسبوعٍ واحدٍ (أبريل 2025م) واختطاف ثلاثة علويين في باللاذقية.
الشيعة: أعلنتْ مسؤوليتها عن قتْلِ عشر قرويين شيعة في حماة واغتيال مقاتلٍ شيعيٍ تابعٍ لنظام الأسد في حلب.
الدروز: أعلنت نيتهَا توسيع الهجمات الطائفية لتشملَ الطائفةَ الدرزية في السويداء.
المسيحيون: أعلنت مسؤوليتها عن تفجير كنيسة “مار إلياس” الانتحاري في دمشق في 22 يونيو 2025م والذي أسفر عن مقتل خمسةٍ وعشرين شخصاً على الأقل وإصابة ثلاثة وستين آخرين، وقد تمَّ تأطيرُ هذا الهجوم على أنه ردٌّ على “استفزاز” متصور من المسيحيين بخصوص الدعوة السلفية.
كما تستهدف الجماعة أعضاء الأمن السابقين في الحكومة البعثية وقادة قوات الدفاع الوطني السابقين من خلال الاغتيالات.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت مسؤوليتها عن إشعالِ حرائقَ غاباتٍ متعمدةٍ في اللاذقية في يوليو 2025، والتي امتدت أيضاً إلى إدلب.
من المهم الإشارة إلى أن بعض ادعاءات “سرايا أنصار السنة” متنازعٌ عليها حيث يشير “معهد دراسات الحرب” إلى أنه ليس من الواضح ما إذا كانت سرايا أنصار السنة تنفذ جميعَ الهجماتِ التي تدّعيها أو أنها تدّعي زوراً حوادث أمنية، كما تتنازعُ وزارةُ الداخلية السورية ادعاء “سرايا أنصار السنة” بمسؤوليتها عن هجوم كنيسة “مار إلياس” وتنسبه إلى تنظيم “داعش” بل وتزعم أن “سرايا أنصار السنة” وهمية أو واجهة “لداعش”، هذا التضاربُ في الروايات يعكسُ تعقيدَ المشهد الأمني في سوريا وصعوبة إسناد المسؤولية بشكل قاطع في بعض الأحيان.
إن نمطَ الهجمات، لا سيَّما التركيزُ على العنف الطائفي ضد الأقليات وعناصر النظام السابق، يشيرُ إلى هدفٍ استراتيجيٍ يتجاوزُ مجرد السيطرة على الأراضي أو النفوذ السياسي، حيث الاستهداف المباشر للعلويين والشيعة والدروز والمسيحيين، والتصريح بأن هدفَ الجماعة هو “القضاء” على هذه الجماعات أو تهجيرها يشير إلى استراتيجيةٍ متعمّدةٍ للتطهير الطائفي والانتقام ضد الجماعات التي تعتبرها أعداءً لرؤيتها السلفية الجهادية، فمن خلال استهداف الأقليات ومن لهم صلةٌ بالنظام السابق بشكلٍ منهجيٍ تحاول “سرايا أنصار السنة” زعزعة الاستقرار الاجتماعي، وطرْدَ السكان غير السنة، ومنْعَ عودةِ نفوذ النظام السابق، وبالتالي تمهيد الطريق لدولتها الإسلامية الحصرية القائمة على أساسٍ متطرفٍ، فخياراتُ الأهدافِ والدوافعِ المعلَنةِ “لسرايا أنصار السنة” تكشف أن الأنشطةَ العملياتيةَ للجماعة ليست أعمالاً عشوائيةً من الإرهاب بل خطواتٍ محسوبةً نحو تحولٍ عرْقيٍ دينيٍ أوسع وأكثر طائفية في سوريا.
ديناميكيات العلاقة بين الجماعات: الغموض الاستراتيجي والتحالفات المحتملة
تتسمُ علاقاتُ سرايا أنصار السنة مع الأطراف الأخرى في المشهد السوري بالتعقيد والغموض، خاصةً فيما يتعلق بتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، فبينما تنفي “سرايا أنصار السنة” التعاون المباشر مع “داعش” يشير “معهد دراسات الحرب” إلى أن التنظيمَ “يبدو أنه يدعمُ “داعش” ويشاركها أيديولوجيتها المتطرفة ، ويعزز من ذلك رؤية “سرايا أنصار السنة” التي تعتبر “داعش” (أهل الحق) وتعتقد أنه واجب دعمها والانضمام إلى صفوفها، كما وقد صرحت بأن التعاونَ مع “داعش” قد يحدثُ في المستقبل وسيتمُّ الإعلانُ عنه حينها هذا التصريحُ يفتحُ البابَ أمام تحالفاتٍ عملياتييةٍ مُحتمَلةٍ في المستقبل مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني السوري والإقليمي بشكل عام ([3]).
على النقيض، تزعمُ وزارة الداخلية السورية صراحةً أن “سرايا أنصار السنة ” تتبع “داعش” رسمياً بل أنها مجردُ جماعةٍ واجهة ” لداعش” هذا الادعاءُ قويٌ بشكلٍ خاصٍ فيما يتعلق بهجوم كنيسة “مار إلياس” حيث نسبت الوزارة الهجوم إلى خليةٍ تابعةٍ “لداعش” على الرغم من إعلان “سرايا أنصار السنة” مسؤوليتها، كما أن الوسيلةَ الإعلاميةَ “لسرايا أنصار السنة” المتمثلة في “مؤسسة دابق الإخبارية” تحملُ اسمَ بلدةٍ ذاتِ أهميةٍ دينيةٍ “داعش” بل وتحاكي عنوان مجلة “داعش” باللغة الإنجليزية “دابق” مما يشيرُ إلى توافقٍ أيديولوجيٍ وعلامةٍ تجاريةٍ متعمّدةٍ حتى لو لم يكنْ هناك تنسيقٌ عملياتيٌ مباشرٌ معلنٌ حتى الآن ([4]).
إن الروايات المتضاربة بشأن علاقة سرايا أنصار السنة “بداعش” تشير إلى استراتيجيةٍ متعمدةٍ للغموض؛ إذا أعلنت سرايا أنصار السنة ولاءها لداعش علناً فمن المرجح أن تجذبَ اهتماماً وعقوباتٍ دوليةً شديدةً ومباشرةً في مجال مكافحة الإرهاب، لكنه ومن خلال نفي الروابط الرسمية مع الحفاظ على التقارب الأيديولوجي وتركِ البابِ مفتوحاً للتعاون المستقبلي يمكن “لسرايا أنصار السنة” العمل في منطقةٍ رَماديةٍ مما قد يوفّرُ لها استفادةً من الأساليب العملياتية “لداعش” أو قواعد التجنيد التابعة لها دون تحمل العبء الكامل للضغوط الدولية.
وعليه فإن تأكيدَ الحكومة السورية القوي على وجود صلة “بداعش” قد يكونُ محاولةً لتأطير “سرايا أنصار السنة” ضمن إطارٍ إرهابيٍ قائمٍ ومُعترفٍ به دولياً مما يبسط السرد للجهات الفاعلة الخارجية، وبالتالي فإن هذا الغموض الاستراتيجي يسمح “لسرايا أنصار السنة” بزيادة مساحة عملياتها وإمكانيات التجنيد مما يجعلها تهديداً أكثر مراوغةً واستمراراً كما أنه يعقّدُ الجهودَ لتحديد المشهد الجهادي المتطور في سوريا بدقة حيث قد تتبنى الجماعاتُ انتماءاتٍ مرنةً أو متغيرةً للبقاء على قيد الحياة وتعزيز أجنداتها.
الوضع الدولي والتداعيات الاستراتيجية: تحديات التصنيف والتهديد المستمر
يشيرُ الاستعراضُ الشاملُ للمعلومات المتاحة حالياً إلى أن “سرايا أنصار السنة” (SAS) ليست مدرجةً صراحةً كمنظمةٍ إرهابيةٍ أجنبيةٍ حتى الآن من قِبلِ وزارة الخارجية الأمريكية أو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي ذلك على الرغم من أنشطتها المسلحة الواضحة وأيديولوجيتها المتطرفة وروابطها المزعومة “بداعش”، وعليه فإن استمرارَ عدم وجود تصنيفٍ رسميٍ من قِبلِ الهيئاتِ الدولية الرئيسية له تداعياتٌ كبيرةٌ، خاصةً أن التصنيف الرسمي يعدُّ خطوةً حاسمةً تفرض عقوباتٍ قانونيةً وماليةً محددةً وتقيّدُ السفر وتسهل التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب وبالتالي غياب مثل هذا التصنيف “لسرايا أنصار السنة” يشير إلى أنها قد تواجهُ عقباتٍ أقل في جمع التبرعات أو التجنيد أو الحركة مقارنة بالجماعات المصنفة رسمياً بالتالي العمل المحتمل بمرونةٍ أكبر وأقل تدقيقاً دولياً وعقوبات قانونية أقل، مما يشكل تهديداً غير معَالجٍ أو معَالجٍ بشكلٍ غير كافٍ للاستقرار الإقليمي والسكان الأقليات. وهذا يسلط الضوء على نقطةِ ضعفٍ محتملةٍ في الاستجابة الدولية للتهديدات المسلحة المتطورة، قد يكون هذا بسبب ظهورها المستجد أو حجمها الصغير نسبياً مقارنة بالمنظمات الإرهابية العالمية مثل “داعش” أو “القاعدة” أو تعقيدات إسناد المسؤولية في الصراع السوري كما في حالة الهجوم المتنازع عليه على كنيسة “مار إلياس” يسمح عدم وجود تصنيف رسمي.
وبشكل عام تهدف “سرايا أنصار السنة” إلى إضعافِ شرعيةِ الدولة من خلال إظهار عدم قدرة الحكومة على حماية سكانها الأقليات والسيطرة على الأمن الداخلي مما يقوضُ ثقةَ الجمهور ويزعزعُ استقرارَ الدولة الناشئة، كما من الممكن أن تؤدي الهجماتُ الطائفيةُ إلى أعمال عنفٍ انتقاميةٍ مما يزيد من تفتيت المجتمع ويخلقُ فوضى تفيد الجماعات المتطرفة، بالإضافة إلى ذلك فإن هدفها الصريح المتمثل في القضاء على الأقليات أو تهجيرها هو مشروع هندسة ديموغرافية طويل الأمد، يهدف إلى خلْقِ منطقةٍ سُنيةٍ أكثر تجانساً مواتية لرؤيتهم لدولة إسلامية تعتمد على الاغتيالات والهجمات الإرهابية التي تتطلبُ مواردَ أقل من السيطرة على الأراضي أو خوض معارك تقليدية مما يسمح لها بالحفاظ على مواردها.
فيما يتعلقُ باستجابةِ السلطات السورية نفت وزارة الداخلية السورية بشدة استقلالية “سرايا أنصار السنة” ونسبت هجمات مثل تفجيرِ كنيسة “مار إلياس” إلى “داعش” ونفذت عمليات ضد خلايا “داعش” المزعومة وتعهدتْ بحمايةِ الأقليات على الرغم من اندلاع أعمال عنف طائفية مؤخراً، ومع ذلك فإن التركيزَ العملياتيَ الحالي “لسرايا أنصار السنة” هو استراتيجية متطورة لتحقيق أهدافها الطائفية القصوى من خلال تقويض استقرار الدولة السورية الجديدة وتماسكها الاجتماعي من الداخل بدلاً من الفتح العسكري المباشر وهذا يجعلها تهديداً مستمراً وخفياً قادراً على تغذية صراعٍ داخليٍ طويلِ الأمدِ وإعاقة أي جهودٍ نحو المصالحة الوطنية أو إعادة الإعمار.
ختاماً، تتبعُ “سرايا أنصار السنة” نموذجاً عملياتياً لامركزياً يعتمدُ على الاغتيالات والهجمات الطائفية مستخدمةً وسائل التواصل الاجتماعي لنشْرِ قوائم المطلوبين وتأكيد المسؤولية، هذا النموذجُ يمكّنها من إحداثِ تأثيرٍ كبيرٍ من خلال خلْقِ الفوضى وزعزعة الاستقرار الاجتماعي دون الحاجة إلى مواجهةٍ عسكريةٍ مباشرةٍ مع الحكومة الانتقالية السورية التي تعتبرها “مرتدة” ولكنها تتجنب الصراع المباشر معها حالياً، بل يشكّلُ التركيزُ المستمرُ “لسرايا أنصار السنة” في الوقت الحالي على العنف الطائفي وتهديدها الصريح بـ “القضاء” على الأقليات أو تهجيرها الأمرُ الذي يجعلها تهديداً وجودياً لنسيج المجتمع السوري المتنوع ويهدد بإطالة أمد الصراع الداخلي وتفاقم الأزمات الإنسانية، وعلى صعيد أخر فإن عدم إدراج “سرايا أنصار السنة” في قوائم المنظمات الإرهابية الدولية الرئيسية حتى الآن على الرغم من طبيعتها وأنشطتها يمثّلُ فجوةً محتملةً في الاستجابة الدولية للتهديدات الجهادية المتطورة مما قد يسمح للجماعة بالعمل بمرونة أكبر وتجنّبِ العقوبات التي تُفرض على الجماعات المصنفة.
بناءً على مسارها الحالي، من المرجّح أن تستمرَ “سرايا أنصار السنة” في أنشطتها التخريبية مع التركيز على استهداف الأقليات وعناصر النظام السابق، مما يزيدُ من الانقسامات الطائفية ويُعيقُ أي جهودٍ للمصالحة أو إعادةِ الإعمار في سوريا، كما يمكن توقّعُ تحالفٍ قريبٍ وعلنيٍ مع تنظيم “داعش” الأمرُ الذي قد يمثّل تحدياً أمنياً مركّباً هو الأخطر بالنسبة للحكومة السورية، وعلى صعيدٍ ءخر فإن قدرة “سريا أنصار السنة” على التكيف وغموضها الاستراتيجي يجعلها تحدياً أمنياً معقداً يتطلبُ مراقبةً مستمرةً وتقييماً دقيقاً.
المصادر:
[1]) The Damascus Church Attack: Who Is Saraya Ansar al-Sunnah,” The Washington Institute for Near East Policy, 24 June 2025, available on: https://www.washingtoninstitute.org
[2]( Saraya Ansar al-Sunna: A New Jihadist Threat Emerges in Syria, The Syrian Observer, 26 May 2025, available on: https://syrianobserver.com
[3] (the non-state militant landscape in syria, syria special issue, volume 6, issue 8, combating terrorism center, available on: https://ctc.westpoint.edu
[4] (saraya ansar al-sunna and the damascus church bombing, middle east forum, 25 june 2025, available on: https://www.meforum.org