المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > سِباقُ التسلّحِ العالمي.. دعوةٌ لوضع ضوابط حاكمة
سِباقُ التسلّحِ العالمي.. دعوةٌ لوضع ضوابط حاكمة
- نوفمبر 11, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات
مصطفى مقلد
باحث فى العلوم السياسية
مقدمة:
في السنوات الأخيرة، أولى العلماءُ والمحللون اهتماماً متزايداً بالتمييز بين المجالين التقليدي والنووي، حيث تتعلق إحدى القضايا الرئيسية في هذا الصدد بـ”الأسلحة الاستراتيجية غير النووية”، فهي لا تزالُ غير مدروسةٍ من الناحية المفاهيمية والتجريبية بشكلٍ كبير، وهي تُشيرُ إلى أنظمة أسلحة أقل من العتبة النووية والتي يمكن أن تُحققَ تأثيرًا استراتيجيًا حاسمًا.
ويمكن تعريفها بأنها: “أنظمةُ أسلحةٍ تقليديةٍ متقدمة مُصمَمةٍ لإنجاز وظائف استراتيجية، حيث تهدد بشكل كبير بقاء القوات النووية للخصم أو تعريض الأهداف السياسية والاجتماعية والاقتصادية ذات القيمة العالية للخطر داخل أراضي العدو، مما يهدد اتصالَ الدولة وقدرتها على العمل بشكلٍ طبيعي”.
أهميتها:
إن الأسلحةَ التقليدية “بمستواها الاستراتيجي” تمثّلُ خياراً أكثر جاذبية مقارنة بالأسلحة النووية، وذلك لأن استخدامها في ساحة الحرب أكثر قبولاً من الناحية السياسية، فقوتها التدميرية الأقل من الأسلحة النووية مفيدةٌ في مراعاة الجوانب الإنسانية وقت الحرب وتجنّبِ إيذاء المدنيين عمداً، وأيضاً نتيجةً لفعاليتها في استهداف العدو بشكلٍ أكثر دقة، ويظهر ذلك في حالة الصراع بين روسيا وأوكرانيا، حيث تمَّ استخدام التطبيقات المختلفة للأسلحة التقليدية الاستراتيجية، بما في ذلك استخدام “روسيا” نظام الصواريخ (Kinzhal) الذي تفوق سرعتُه سرعةَ الصوت،
في مقابل إعلان “واشنطن” أنّها سلّمت أوكرانيا منظومةَ الصواريخ “أتاكمس” البالستية التي يصلُ مداها إلى 165 كيلومتراً[1].
كذلك تمنحُ الأسلحةُ التقليديةُ الاستراتيجية فرصةً لصالح “الدول الصاعدة” لتغيير علاقات القوة القائمة، حيث تسعى الدول غير الحائزة للأسلحة النووية لأن تستخدمَ أنظمة الأسلحة تلك، لتقليص هُوةِ الفجوة بين أسلحتها والأسلحة النووية فيما يخص قوتها التدميرية، وبالتالي تقليل حِدّةِ عدم تناسق القوى مع الدول الحائزة للأسلحة النووية، ويمكن اعتبارُ سعيِ كوريا الجنوبية للحصول على مثل هذه الأنظمة – في مواجهة كوريا الشمالية المسلحة نووياً- المثال الأبرز على تلك الحالة.
ومن ناحيةٍ أخرى، يمكن للدول الكبرى التي تمتلك أسلحةً نوويةً، والتي تشعر بالرغبة في تغيير التوازنات المحلية أو الإقليمية أو العالمية، أن تستخدمَ الأسلحةَ الاستراتيجية لتحقيق تأثير كبير ضد قوى أو أنظمة الوضع الراهن، حيث إن نَشْرَ أسلحةٍ تقليدية استراتيجية من قِبَلِ دولة تمتلك أسلحة نووية يمكن أن يعزز قدراتها النووية، كذلك تلعب الأسلحة الاستراتيجية غير النووية دوراً في سياسات التحالف العسكري من خلال تزويد الحلفاء الأصغر بأدوات الردْع الخاصة بهم.[2]
طرقُ تقييمِ المنفعة الاستراتيجية:
هناك عدةُ عوامل يمكن أن تؤثرَ على ما إذا كان الهجوم له آثار استراتيجية، فعادة لا تكون الإشارة إلى نظام الأسلحة وحده كافيةً لتمييز الهجوم الاستراتيجي، فالأسلحة الاستراتيجية غير النووية تؤدي أيضاً وظائف أقل من المستوى الاستراتيجي للحرب، على سبيل المثال، يمكن استخدام قدرات الضرباتِ الدقيقة التقليدية لاستهداف سلاسل الإمداد لقوات العدو، وفي هذه الحالة يكونُ تأثيرُ الأسلحة الاستراتيجية تكتيكيًا أو تشغيليًا، وليس استراتيجيًا بطبيعته، في حين – مثلاً- المدفعية الكورية الشمالية المنتشرة على الحدود مع كوريا الجنوبية تحملُ تأثيراً استراتيجياً، على الرغم من نطاقها المحدود للغاية، بالتالي بات يتم اعتبار نظام الأسلحة “استراتيجيًا”، وفق تحديد وظائفه أو مهامه، من خلال تحديد العلاقة بين الوسائل العسكرية والغايات السياسية، مع مراعاة:
“المدى”، فيكون للأسلحة “غير الإستراتيجية”، مدىً أقصر من أنظمة “الأسلحة الإستراتيجية”، ويسمحُ المدى الطويل للأسلحة الاستراتيجية بالوصول إلى أهدافٍ في عُمقِ أراضي العدو، مما يجعلها قادرةً على تدمير أهدافٍ مهمةٍ حتى خارج ساحة المعركة، مثل هياكل القيادة والسيطرة، أو البنية التحتية المدنية والعسكرية.
“القدرة” على ضرب الأهداف الصعبة، فالوظيفة الرئيسية للأسلحة الإستراتيجية هي تدميرُ الأسلحة الإستراتيجية للعدو، وقد يستمرُ استخدام أنظمة الأسلحة هذه للاشتباك مع أهداف تكتيكية، مثل نقاط البنية التحتية أو قاذفات الصواريخ أو غيرها.
الأنواع:
يمكنُ تَصنيفُ وتقسيم الأسلحة الاستراتيجية غير النووية إلى فئتين:
الأسلحةُ الاستراتيجية غير النووية الحركية: تحقق أهدافَها عن طريق إحداث تأثيراتٍ مدمرةٍ بدقة، وتشمل (صواريخ كروز، والصواريخ الباليستية، والمركبات الجوية بدون طيار والأسلحة الحركية المضادة للأقمار الصناعية والدفاع الصاروخي)، كذلك قدرات الدفاع الصاروخي يمكن أن تحققَ تأثيرات استراتيجية من خلال حرمان العدو من الخيارات الاستراتيجية، وهناك 4 أنواع من “الأسلحة الاستراتيجية غير النووية الحركية”:
الفئةُ الأولى: تشملُ أسلحةً تتمتع بقوةٍ تفجيريةٍ كبيرةٍ ومدى بعيد. ونتيجة لذلك، يمكن استخدامها للاشتباك مع أهداف استراتيجية محصنة، في عمق أراضي العدو.
الفئةُ الثانية: تشملُ أنظمة الأسلحة ذات المدى القصير نسبيًا ولكن ذات قوة تفجيرية كبيرة.
الفئةُ الثالثةُ: تشملُ الأسلحة التقليدية المتقدمة ذات قوة تفجيرية أقل، وتهدف في المقام الأول إلى الاشتباك مع أهدافٍ بحرية، ولكن لديها أيضًا القدرة على الهجوم البري، لكن فعاليتها ضد الأهداف المحصنة تكون منخفضة إلى معدومة.
الفئة الرابعة: تتسمُ بقوةٍ تفجيريةٍ أقل ومدى بعيد، وعلى الرغم من أن حمولة السلاح أكبر من حمولة صواريخ كروز المضادة للسفن الموجودة في الفئة الثالثة، إلا أن فعاليتَه ضد الأهداف الاستراتيجية المحصنة لا تزال محدودة. [3]
الأسلحةُ الاستراتيجية غير النووية وغير الحركية: تشملُ الهجمات السيبرانية ذات التأثير الاستراتيجي، وقدرات الحرب الإلكترونية، بالإضافة إلى ذلك، اعتبرَ بعض الإستراتيجيين حملات التضليل المستخدمة لتقويض الثقة في المؤسسات العامة ونزاهة المؤسسات نفسها، قدرة استراتيجية غير نووية وغير حركية محتملة.
تداعيات انتشارها:
إن انتشارَ “الأسلحة الاستراتيجية غير النووية” بما تشملهُ من قدراتِ الضربات الدقيقة التقليدية والأسلحة السيبرانية والحرب الإلكترونية والأسلحة المضادة للأقمارِ الصناعية على نطاقٍ واسع، يزداد يوماً بعد يوم لما تؤديه تلك الأسلحة من وظائفَ تكتيكيةٍ واستراتيجيةٍ مهمة، مع اعتبار أن “الهواجس الأمنية للدولة” تشكّل العاملَ الأساسي الذي يحفّزُ اكتسابها، لذا ترى الدول أن الفوائد المترتبة على اقتنائها ونشرها تفوقُ المخاطر، مما يجعل “الحد” من اقتنائها ونشرها واستخدامها أمر غير مرغوب فيه.
ومع تزايدِ ترسانات الأسلحة الاستراتيجية غير النووية في جميع أنحاء العالم، يزيد عددُ مراكز صُنعِ القرار المستقلة القادرة على استخدام الأسلحة الاستراتيجية، فمن المرجّح أن يتزايدَ خطرها بمرور الوقت خاصة أن لديها القدرة على زعزعة علاقات الردع النووي، وهو ما يجعلها تشكّل عاملاً مهماً في السياسة الدولية والاستراتيجية العسكرية حول العالم، مما قد يؤدي إلى أزمة عدم استقرار عالمية.
إطارٌ قانوني حاكم؟
هناك تدابيرُ قانونيةٌ قائمةٌ لتنظيم نَشْرِ واستخدام الصواريخ، مثل مدونة لاهاي لقواعد السلوك ضد انتشار الصواريخ الباليستية ونظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ، اللذين يسعيان إلى الحدِّ من انتشار الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، لكنهما يحتاجان تطويراً لمضامينهم، وفي ضوء الحرب الأوكرانية، والتوترات في شرق آسيا والشرق الأوسط، فمن غير الواضح أن يظلَ مثل هذا الحوار والتعاون المطلوبان – لتطوير إطار قانوني أكثر إحكاما- ممكناً.
في سياقٍ آخر، لم تتوصلْ الدول بعد إلى أي اتفاقات جوهرية أو تدابيرَ لبناء الثقة التى تتعلقُ بالفضاء السيبراني والذكاء الاصطناعي، فالهجمات السيبرانية قد تؤدي إلى تأثيرٍ استراتيجيٍ، وعلى الرغم من أن الصين وروسيا والولايات المتحدة ودولاً أخرى أجرت حوارات حول هذه القضية، إلا أنه لم يتمْ التوصل إلى اتفاق، لذا فإن التصدي للتهديد الاستراتيجي غير النووي للأمن الدولي لا يزالُ يشكّلُ تحديا.
تحدياتُ منع إنتشارها:
تظهرُ تحديات أمام محاولات تنظيم إقتناء الأسلحة التقليدية الاستراتيجية، فليس من الواضح كيف يمكن لقواعدِ الحد من إقتناء الأسلحة أن تفرقَ بين أنظمة الأسلحة الاستراتيجية وغير الاستراتيجية، في ضوء أن الأسلحة الاستراتيجية غير النووية غالباً ما تفي بالمتطلبات التكتيكية والاستراتيجية، كما أن تحديدَ سلاحٍ على أنه استراتيجي غالبًا ما يرجع إلى ظروف نشْر نظام الأسلحة واستخدامه، والتأثير الذي يعتمد على سياق الهجوم والحرب، ولذلك، من المحتمل أن تكونَ قواعد الحد من الأسلحة غير كافية في تنظيم هذا النوع من الأسلحة، وهو ما سيدفع الدول لاقتناء وتطوير المزيد منها.
وفي وقتٍ تسودُ فيه قناعةٌ مَفادها أن الأسلحة الاستراتيجية غير النووية قد تعزز الردعَ، إلا أن ذلك يواجه شكوكاً، فتوافرها لم يردعْ الصراع بين أرمينيا وأذربيجان حول “ناغورنو كاراباخ” في 2020، ولا يبدو أن القدرات العسكرية لهذه الأسلحة لدى روسيا تجبرُ أوكرانيا على تقديم المزيد من التنازلات فيما يخصُ إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، لذا لا ينبغي المبالغةفي تقديرِ قدرتها على الردْعِ.
المصادر:
[1] هل تغير صواريخ ATACMS بعيدة المدى المعادلة في أوكرانيا؟.. https://linksshortcut.com/nHIzs
[2] Fabian Hoffman and William Alberque.. Non-Nuclear Weapons with Strategic Effect.. The International Institute for Strategic Studies.. March 2022
[3] Fabian Hoffmann. STRATEGIC NON-NUCLEAR WEAPONS AND STRATEGIC STABILITY – PROMOTING TRUST THROUGH TECHNICAL UNDERSTANDING. International Institute for Strategic Studies, Berlin Office. November 2021.