المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > تقدير موقف > شراكة ناشئة: أبعاد التقارُب بين بيلاروسيا وليبيا
شراكة ناشئة: أبعاد التقارُب بين بيلاروسيا وليبيا
- يونيو 4, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد: رضوى الشريف
منسق وحدة شؤون الشرق الأوسط
في خِضَمِّ التحوُّلات المتسارعة التي تشهدُها خارطةُ التحالُفات الإقليمية والدولية، يبرز تقارُبٌ غير تقليدي بين بيلاروسيا، الحليف الوثيق لروسيا، وسلطات الشرق الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، ورغْم أن هذا التقارُب ظلَّ لفتراتٍ من الوقت في إطارٍ محدودٍ وغير معلنٍ، إلا أنَّ الأشهر الأولى من عام 2025 شهدت تطوُّرًا نوعيًّا وسريعًا في طبيعة العلاقات، وصل إلى مستوى التنسيق العسكري والدبلوماسي المؤسسي؛ ما يعكس تحوّلًا استراتيجيًّا لا يمكن عزْلُه عن السياقات الأوسع لإعادة تشكيل النفوذ في شمال إفريقيا وشرق المتوسط.
يأتي هذا الانفتاح المتبادل في وقتٍ تشهد فيه ليبيا حالةً من الانقسام السياسي المزمن، مع تراجُع الحضور الغربي الفاعل، وازدياد اندفاع قوى أخرى، مثل “روسيا والصين” نحْو ملْء الفراغ.
ومن هذا المنطلق، تسعى بيلاروسيا إلى تثبيت موطئ قدمٍ جنوب المتوسط، فيما يرى حفتر في الشراكة مع مينسك فُرصةً لتنويع تحالفاته الخارجية، وكسْر الاعتماد الأحُادي على موسكو، وتعزيز أدواته العسكرية والتنموية، في ظلِّ الحظر الغربي المفروض على السلاح والدعم التقني.
مؤشرات التقارُب بين الطرفين
شهدت العلاقةُ بين سلطات الشرق الليبي وبيلاروسيا تطوُّرًا غير مسبوق في زمن قياسي؛ ما يَشِي بوجود تخطيط منهجيٍّ لتوسيع رقعة النفوذ “البيلاروسي – الروسي” في الداخل الليبي، وقد تجسَّدت هذه العلاقة في عددٍ من المؤشرات الصلبة والعملية، التي انتقلت من المستوى البروتوكولي إلى ما يمكن وصْفُهُ بتأسيس شراكةٍ متعددة الأبعاد، ومن هذه المؤشرات ما يأتي:
زيارات رفيعة المستوى: بدأ التقارُب بين سلطات الشرق الليبي وبيلاروسيا يأخذ طابعًا رسميًّا واستراتيجيًّا واضحًا مع الزيارة التي أجراها المشير خليفة حفتر إلى العاصمة البيلاروسية مينسك، في 17 فبراير 2025؛ حيث جاءت الزيارة على رأس وفد عسكري رفيع، ضمَّ رئيس أركان القوات البرية الفريق صدام حفتر، ومدير مكتبه الفريق أيوب بوسيف، واللواء باسم البوعيشي، وعُدَّتْ بمثابة تدشينٍ فِعْلِيٍّ لمسار تعاونٍ متكاملٍ بين الطرفين.
شملت المحادثات، التي جرت مع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو وكبار مسؤولي الأمن والدفاع، ملفات متنوَّعة على رأسها التعاون الاقتصادي والمجالات الإنسانية والاجتماعية، وتوسيع الشراكة في القطاعيْن الأمني والعسكري، وتمَّ التوافق على إطلاق برامج عمل مشتركة في مجالات الطاقة والصناعة الثقيلة، إلى جانب تأكيدات من الطرفين على دعْم التبادُل الفني والتقني.[1]
توقيع اتفاقيات متعددة القطاعات: ضمن مؤشرات التحوُّل الهيكلي في مسار العلاقات “الليبية – البيلاروسية”، شكَّلَتْ زيارة الوفد البيلاروسي الرفيع إلى بنغازي، في 10 مارس 2025، نقطة انطلاق لعهْدٍ جديدٍ من التعاون المؤسسي المُنَظَّم؛ حيث ترأَّسَ الوفد نائب رئيس الوزراء فيكتور كارانكفيتش، وضمَّ وزراء ومسؤولين من قطاعات استراتيجية عدة، في زيارة حملت طابعًا تنفيذيًّا لا بروتوكوليًّا، واتَّسمت بإرادة واضحة لدى الجانبيْن لتحويل التقارُب السياسي إلى مشاريع ملموسة على الأرض.[2]
تمخَّضت هذه الزيارة عن توقيع اتفاقيات تفاهم متعددة القطاعات مع الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، ركَّزت على خلْق أُطُرٍ تنمويةٍ طويلة الأَمَد، وتعزيز التبادُل التقني والإنتاجي، وشملت أبرز المجالات التي تناولتها الاتفاقيات ما يأتي:
الزراعة والأمن الغذائي: تمَّ الاتفاق على تزويد ليبيا بمعدَّات وآلات زراعية حديثة، وتوريد بذور مُحسَّنة، إلى جانب تطوير وحدات محلية لمعالجة المحاصيل، كما تمَّ التركيز على تقنيات رفْع الإنتاج المحلي؛ بما يعكس رُؤْية تستهدف تعزيز السيادة الغذائية.
الصناعة والنقل العام: شملت الاتفاقيات توريد شاحنات نقْل، سيارات إطفاء، شاحنات قمامة، وحافلات للنقْل الجماعي، في إطار مشروع أشمل لتحديث البِنْيَة التحتِيَّة الخدمية، ودعم الاقتصاد الصناعي المحلي.
الطاقة والتعدين: تمَّ الاتفاق على استخدام تقنيات جيولوجية مطوّرة – مشتقة من المنظومة السوفيتية – لاستكشاف احتياطيات نفطية ومعدنية، مع التركيز على المناطق الجنوبية والشرقية مثل الهروج والكفرة، وهو ما يعكس البُعْدَ السيادي للطاقة كمجال شراكةٍ محوريٍّ.
القطاع الصحي: نصَّتْ الاتفاقيات على دعْم المستشفيات في شرق ليبيا عبْر توفير الأدوية والمعدات، بالإضافة إلى برامج تدريب للكوادر الطبية، وإتاحة فُرَصٍ للعلاج في المؤسسات الصحية البيلاروسية، في سعْيٍ مشتركٍ لإصلاح البِنْيَة الصِّحيَّة وتعويض نقْص الموارد البشرية المؤهلة.
التعليم والتأهيل التقني: تضمن التعاون إرسال طلاب وخبراء ليبيين إلى الجامعات البيلاروسية، في تخصُّصات مثل الطب، الهندسة، وتكنولوجيا المعلومات؛ ما يفتح الباب أمام نقل المعرفة وتبادل الكفاءات، وبناء جيل جديد من المهارات المتقدمة.
الأمن وإدارة الطوارئ: الاتفاقيات شملت أيضًا تعزيز التعاون في مواجهة الكوارث الطبيعية، وتقديم تجهيزات لمواجهة الطوارئ والتهديدات البيئية، في ظلِّ هشاشة البِنْيَة التحتِيَّة في عددٍ من المناطق الليبية.
هذا التوسُّع الأفقي في طبيعة الاتفاقيات يعكس رغبةً مشتركةً في ترسيخ شراكة استراتيجية طويلة الأجل، تتجاوز الدَّعْم الظرفي أو المنفعة الآنية، إلى بناء نموذج تعاون مؤسسي متعدِّد الأبعاد.
ومن اللافت أن هذه الاتفاقيات جاءت بعد سلسلةٍ من التحرُّكات الدبلوماسية والعسكرية؛ ما يشير إلى أن التنسيق بين الجانبين يتقدّم بوتيرة سياسية واقتصادية متزامنة، ضمن رؤية أوسع لإعادة هيكلة التحالُفات الإقليمية في شرق المتوسط وشمال إفريقيا.
افتتاح قنصلية بيلاروسية في بنغازي: جاء افتتاح القنصلية العامة لجمهورية بيلاروسيا في مدينة بنغازي، في 26 مايو 2025، كمؤشر واضح على انتقال العلاقة بين الطرفين من مستوى التنسيق السياسي غير الرسمي إلى حالةٍ من التمثيل الدبلوماسي المؤسسي والدائم.
هذه الخطوة لم تكن بروتوكولية فحسب، بل حملت دلالات استراتيجية على الصعيد الإقليمي؛ إذ تعكس نِيَّة بيلاروسيا تثبيت حضورها الدبلوماسي في شرق ليبيا، وتوسيع مساحات التواصُل مع سلطات بنغازي ضمن أُطُرٍ قانونيةٍ ورسميةٍ.[3]
يعكس هذا التطوُّر رغبةً متبادلةً في ترسيخ العلاقات الثنائية وتيسير مسارات التعاون في عددٍ من الملفات التي لا تزال في طوْر الإعداد، دون الدخول – حتى الآن – في تفاصيلها التقنية، وهو ما يترك المجال مفتوحًا أمام تعميق الشراكة مستقبلًا على مختلف المستويات، كما أن رفْع العلم البيلاروسي على مبْنَى القنصلية في بنغازي للمرة الأولى، لا يُعَدُّ خطوةً رمزيةً فحسب، بل يُمثِّلُ اعترافًا عمليًّا بشرعية التواصُل المباشر مع سلطات الشرق، في تحوُّلٍ دبلوماسيٍّ يتجاوز الطابع البروتوكولي التقليدي.
تدريبات عسكرية وتواجد ميداني: يمثل التعاون العسكري المباشر أحد أبرز المؤشرات على تحوُّل العلاقة بين بيلاروسيا وسلطات الشرق الليبي إلى مستوى تحالُفي فِعْلِيٍّ، وقد بدأ هذا المسار بوضوح في فبراير الماضي، خلال زيارة المشير خليفة حفتر إلى مينسك؛ حيث تمَّ الاتفاق على إرسال عناصر من القوات الليبية للنخبة للتدريب في بيلاروسيا.[4] وتشير تقارير استخباراتية إلى أن نحْو 30 ضابطًا ومدربًا بيلاروسيًّا نُقِلُوا إلى قاعدة تمنهنت الجوية بمدينة سبها في الجنوب الليبي؛ لتقديم برامج تدريب على تكتيكات الاقتحام، حماية المنشآت الحيوية، والتصدِّي للهجمات الجوية.[5]