المقالات
شرقُ آسيا وشرقُ أوروبا “متباعدان جغرافياً.. متقاربان جيوسياسياً”
- نوفمبر 9, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
مصطفى أحمد مقلد
باحث فى العلوم السياسية
مقدمة:
وسْطَ اتهاماتٍ بإرسال بيونج يانج آلاف الجنود إلى أوكرانيا، زارت وزيرة الخارجية الكورية الشمالية موسكو مطلعَ نوفمبر، وأكدت أن بلادها ستقف بجانب روسيا حتى تحقيق “النصر”، مشيرةً إلى أن الزعيم الكوري الشمالي، وجّهَ بتقديم كل أنواع الدعم “اللامحدود” للجيش الروسي، ولفت لافروف خلال اللقاء إلى “وجود اتصالات وثيقة بين الأجهزة الأمنية وقوات البلدين”، لكن لم يوضحْ أيٌ من الجانبين طبيعة التعاون بالضبط، وكيف تساعد بيونج يانج الجيش الروسي.
طبيعةُ التطورات:
يأتي ذلك التعاون تطبيقاً لاتفاقيةِ الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي وقّعتها موسكو وبيونج يانج خلال زيارة بوتين إلى كوريا الشمالية في يونيو الماضي والتي وُصفت بـ”التاريخية”، وتُشيرُ المادة الرابعة من الاتفاقية إلى أنه في حال وقوع العدوان على أحدهما، سيقدم الآخرُ أيَّ مساعدةٍ ضرورية بما في ذلك المساعدة العسكرية، وفي 24 أكتوبر الماضي، صدّقَ مجلس الدوما الروسي عليها، وبعدها أعلن بوتين أن موسكو وبيونج يانج ستقرران توقيت وآلية تطبيق بند المساعدة العسكرية الذي تضمنته الاتفاقية الاستراتيجية الشاملة.
وخلال الأسابيع الماضية، لم تؤكدْ السلطات الروسية والكورية الشمالية رسمياً إرسال بيونج يانج آلاف الجنود إلى أوكرانيا، لكن في الوقت نفسه، أكد الطرفان أنهما إذا توصلا إلى مثل هذا القرار، فإنه سيكون ضمنَ إطار القانون الدولي.
في المقابل، نشرتْ وسائل الإعلام الأوكرانية تقاريرَ تزعم استعدادَ جنودٍ كوريين شماليين للمشاركة في العمليات القتالية بأوكرانيا، ووفقاً لسيول، وصلت مجموعةٌ مكونةٌ من 1500 من “قوات النخبة من القوات الخاصة الكورية الشمالية” إلى روسيا خلال الفترة من 8 إلى 13 أكتوبر الماضي، ويخضعون للتدريب في أقصى شرق روسيا في 5 قواعد عسكرية، كذلك قالت وزارة الدفاع الأمريكية، أن “هناك أدلةً على إرسال قوات كورية شمالية إلى روسيا”.[1]
مخاوفُ الصين:
أمام تلك التطورات، تتابعُ الصين بعدم إرتياح تحركات جارتها “كوريا الشمالية” التي ترتبط معها بعلاقةٍ وثيقةٍ لأكثر من سبعة عقود، حيث تعتبرها منطقةً عازلةً استراتيجية في المنطقة، فدخول كوريا الشمالية الحرب الأوكرانية يجعل المنطقة أقرب إلى الصراع الأوروبي، ويزيد من احتمال قيام “حلف شمال الأطلسي” الآسيوي ، ويُصعب على الصين استمرار حالة التوازن التي تقيمها بين حلفائها الاستراتيجيين من جهة، واعتمادها الاقتصادي على الولايات المتحدة وأوروبا وكوريا الجنوبية من جهةٍ أخرى، وهم الذين يطالبون الصين بالضغط على كوريا الشمالية، كما تتخوفُ الصين من حدوث تغيرٍ نوعيٍ في طبيعة العلاقات بين مثلث “الصين- روسيا- كوريا الشمالية” الذي تقوده[2]، وإذا انضمت كوريا الجنوبية إلى الحرب على الجانب الأوكراني، فإن أداء كلا الجيشين من المحتمل أن يكشفَ عن ضعف المؤسسة العسكرية الكورية الشمالية، وهو ما ستكون له تداعياتٌ على شبه الجزيرة الكورية، وحتى لو لم ترسلْ كوريا الجنوبية قواتٍ لمساعدة أوكرانيا، فمن الممكن أن تُرسلَ عملاءَ استخبارات لتقييم أداء القوات الكورية الشمالية[3].
ردودُ الفعل:
ومع ذلك اكتفت الصين بالتصريح حول التقارير عن وجود جنود كوريين شماليين في روسيا بأنها “شأنهم الخاص”، فمن ناحيةٍ أخرى، لا تريد الصين أن ترى أن روسيا تتراجع أو تفشلُ في حربها، باعتبار روسيا حليفها الأبرز في مواجهة الغرب. على الجانب الآخر، تفاعلتْ إدارة بايدن مع أخبار دخول كوريا الشمالية في الحرب بالإشارة مرةً أخرى إلى خوفها من التصعيد، لكن رفضتْ رفْعَ القيود المفروضة على استخدام الأوكرانيين للأسلحة الغربية، واعتبرت أنه ينبغي لأوكرانيا أن ترد على القوات الكورية الشمالية فقط إذا عبروا إلى أوكرانيا، كما دعت الولايات المتحدة ومعها كوريا الجنوبية، “الصين” إلى استخدام نفوذها على روسيا وكوريا الشمالية لمنع التصعيد.[4]
واعتبرَ الأمينُ العام لحلفِ الناتو “مارك روته” أن التعاون العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية يشكل “تهديداً لأمن منطقة المحيطين الهندي والهادي وأوروبا ودول التكتل العسكري الغربي”، كذلك بدأت حكومة كوريا الجنوبية بدراسة مسألة توريد الأسلحة إلى أوكرانيا، إذ كانت تقدم في السابق لكييف فقط مساعداتٍ غير عسكرية إضافة إلى الدعم المالي، ووفقاً لوكالة “رويترز”، سمح الرئيس الأميركي جو بايدن لكييف بمهاجمة جيش بيونج يانج لكن بشرط عبورهم الحدود الأوكرانية.
اتفاقٌ أمني بين أوروبا واليابان:
في إطار جولةٍ في شرق آسيا، التقى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” بوزير الخارجية الياباني “تاكيشي إيوايا” بطوكيو، في الأول من نوفمبر، وقد أعربا عن “القلق البالغ” بشأنِ التعاونِ العسكريِ المتزايد بين روسيا وكوريا الشمالية، بما في ذلك نَشْرُ قوات كوريا الشمالية في روسيا ونَقْلُ الأسلحة بين البلدين، وأكد المسؤولان التزامهما بدعم أوكرانيا، واتفقا على أن الأمن في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ مترابطٌ حيث اتفقا على تعميق التعاون الدفاعي[5].
لذا أعلنت اليابان والاتحاد الأوروبي، عن شراكة أمنية تشمل تدريبات مشتركة والتعاون
في مجال الصناعات الدفاعية، وإجراء حوار أمني ودفاعي منتظم، والتعاون في مجال الأمن السيبراني والدفاع الفضائي، وبحث إمكانية إبرام اتفاقية لتبادل المعلومات الاستخباراتية، والعمل معًا في جهود نزع السلاح النووي وسط تصاعد التوترات بشأن الصين وكوريا الشمالية والأنشطة العسكرية الروسية الأخيرة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. [6]
الاتفاقُ هو “الأول من نوعه” الذي يُبرمهُ الاتحاد الأوروبي مع أحد بلدان آسيا ومنطقة الهادئ[7]، وتأتي تلك الشراكة بالنسبة لليابان كجزءٍ من استراتيجيةٍ أمنيةٍ جديدةٍ تمَّ تبنّيها في عام 2022، حيث تعمد اليابان إلى تسريع وتيرة تطوير جيشها، وتعزيز تحالفها مع الولايات المتحدة، واستراليا والمملكة المتحدة وعدد من الدول الأوروبية ودول المحيطين الهندي والهادئ، كما خففت طوكيو بشكلٍ كبيرٍ من الحظْرِ الطوْعي على تصدير الأسلحة، وتسعى إلى توسيع صناعتها الدفاعية ولَعِبِ دورٍ أكبر على الصعيد العالمي.
بوريل في سيول:
في 4 نوفمبر، أدان وزير خارجية كوريا الجنوبية “تشو” ومسؤول السياسة الخارجية
في الاتحاد الأوروبي “بوريل” ما تردد عن إرسال كوريا الشمالية قوات لمساعدة روسيا في حربها ضد أوكرانيا، فذلك يهددُ بتوسيعِ نطاق الحرب ويسبّبُ مخاوفَ أمنيةً في كوريا الجنوبية بشأن ما يمكن أن تقدمَه روسيا لكوريا الشمالية في المقابل، مثل نقل تكنولوجيا حساسة لتعزيز برامجها النووية والصاروخية، الأمرُ الذي من شأنه أن يُقوّضَ الجهود الدولية لمنع الانتشار النووي ويهدد السلامَ والاستقرارَ في شبه الجزيرة الكورية، ويشعر المسؤولون الكوريون الجنوبيون بالقلق أيضًا من أن موسكو قد تُقدمُ التزامًا دفاعيًا لكوريا الشمالية في حالة نشوب حرب في شبه الجزيرة الكورية، كذلك يمكن للقوات الكورية الشمالية في روسيا أيضًا أن تتعلمَ خبرةً قتاليةً وتحصلَ على مساعدةٍ روسيةٍ لتحديث أنظمة الأسلحة التقليدية. [8]
ووصفا نشر كوريا الشمالية للقوات بأنه انتهاك “صارخ” للعديد من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وقدما دعوة لكوريا الشمالية وروسيا لسحب القوات على الفور من روسيا.
التوترات في شرق آسيا لا تهدأ، وتمثل كوريا الشمالية أحدَ أبرز البؤر التى تخلقُ تلك التوترات، فخلال العامين الماضيين، كثفت “بيونج يانج” اختبارات أنظمة الصواريخ ذات القدرة النووية، ومؤخراً، أطلقت كوريا الشمالية صاروخا باليستيا عابراً للقارات مصمَّما لمهاجمة البرِ الرئيسي للولايات المتحدة للمرة الأولى منذ عام تقريبا، كما تخلت كوريا الشمالية عن هدفهِا طويلِ الأمد المتمثل في المصالحة مع كوريا الجنوبية.
المصادر:
[1] موسكو وبيونج يانج.. شراكة استراتيجية وسط اتهامات بدعم روسيا في أوكرانيا.. https://linksshortcut.com/enrOR
[2] North Korea’s involvement in Ukraine draws China into a delicate balancing act.. https://linksshortcut.com/XcLXa
[3] North Korea Joining Russia’s War Is a Sign of Weakness.. https://linksshortcut.com/GXhvb
[4] US calls on a silent China to use its sway over Russia and North Korea.. https://linksshortcut.com/LHoKl
[5] Japan and EU announce a security and defense partnership as regional tensions rise.. https://linksshortcut.com/bnDZQ
[6] اليابان والاتحاد الأوروبي يوقعان اتفاقًا دفاعيًا هو الأول من نوعه وسط تصاعد التوترات الإقليمية.. https://linksshortcut.com/XThJF
[7] اليابان والاتحاد الأوروبي يعلنان اتفاقا دفاعيا جديدا.. https://linksshortcut.com/fsaMv
[8] South Korea and EU worry about Russia’s technology transfer in return for North Korea troops.. https://linksshortcut.com/RctiI