المقالات
صحوة ممنهجة: مساعٍ فرنسية لفتح ملف الإخوان من جديد
- مايو 24, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية وحدة الشرق الأوسط
إعداد: جميلة حسين
باحثة فى شؤون الإرهاب والتطرف
“الانفصالية الإسلامية هى مشروع سياسى دينى نظرى يتميز بالانحرافات المتكررة عن مبادئ الجمهورية بهدف بناء مجتمع مضاد، وحركة الإخوان المسلمين تلعب دورًا رئيسًا فى نشر هذا النظام الفكرى”، هكذا أشار البيان الفرنسى الذى عقب مؤتمر للجنة الدفاع برئاسة الرئيس الفرنسى (إيمانويل ماكرون) طالبت من خلاله السلطات الفرنسية بتشكيل لجنة للتحقيق فيما يتعلق بأنشطة الإسلام السياسى لاسيما دور الإخوان المسلمين المتوغل فى المجتمع الفرنسى، وسط اتهامات ملحقة بهم لتقويض مبادئ الجمهورية الفرنسية والعمل على نشر الفكر المتطرف وعلاقاته بجماعات العنف والتطرف.
وعليه تم تكليف وزير الداخلية (جيرالد دارمانان) الذى دومًا ما يروج لفكرة الانفصالية الدينية الإسلامية، لإطلاق حملة مشددة ضد حركات الإسلام السياسى وإعداد تقرير مفصل، فى خطوة رأى البعض أنها متأخرة عن بعض الدول الأوروبية التى أدركت خطر التنظيم، ولكن تحمل عددًا من الدلالات ويترتب عليه بعض العواقب الناتجة عن مراجعة الحسابات الفرنسية مرة أخرى بشأن ملف تنظيم الإخوان المسلمين.
فرع تنظيم الإخوان فى فرنسا:
تسللت الجماعة إلى فرنسا فى أواخر السبعينات من القرن الماضى وتم تأسيس العديد من الجمعيات على إثرها مثل “مسلمى فرنسا ومؤسسة الشيخ ياسين، وشباب فرنسا المسلم، والتجمع لمناهضة الإسلاموفوبيا، وطلاب مسلمون من فرنسا”، بعد أن هاجر بعض القيادات والعناصر الإخوانية بعد ملاحقتهم فى بلدانهم العربية الأصلية، كما استفاد التنظيم من عدد من المهاجرين المسلمين العرب فى فرنسا وحاول إدراجهم داخله وتوجيههم وتنظيمهم وفق الرؤية الإخوانية، ومن أشهر القيادات الإخوانية البارزة فى فرنسا حفيد (حسن البنا) مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين (هانى رمضان)، بجانب (طارق رمضان)، وكان أبرز تلك الجمعيات هى “مسلمو فرنسا” المعروفة سابقًا باسم اتحاد المنظمات الإسلامية الذى تم إنشاؤه فى السر عام 1983 ولم يخرج إلى العلن إلا عام 1989 بعد إثارة قضية الحجاب فى فرنسا، وزاد توسعه فى التسعينات، ويضم بداخله عددًا من القيادات الإخوانية أمثال (عمار لصفر)، و(بوبكر الحاج عمر) ، و(مخلوف ماميش)، و(أوكاشا بن أحمد داهو)، و(براهام سيمار)، ناهيك عن عشرات الجمعيات والروابط المحلية الإخوانية مثل “الصندوق الأوروبى للمرأة المسلمة، والصندوق الكندى، والصندوق الإسلامى للتضامن الاجتماعي”، كما يشرف على عدد من المساجد ومراكز التعليم واعتمد فى تمويله على التبرعات كمصدر أساسى إلى جانب بعض مصادر التمويل السرية، وفى عام 2017 غير اسمه إلى مسلمى فرنسا.[1]
إجراءات مسبقة:
تسعى الحكومات الفرنسية المتعاقبة إلى البحث عن آليات لمواجهة التممد الإخوانى فى المجتمع الفرنسى الذى تفاقم بعد الأزمات التى واجهها التنظيم فى بعض الدول العربية، والحفاظ على مبادئ الجمهورية الفرنسية وتوجهها العلمانى، لاسيما بعد التحركات والحصار الواسع التى اتخذتها عدد من الدول الأوروبية مثل ألمانيا والنمسا وبريطانيا وبلجيكا تجاه المؤسسات الإخوانية، وسبق أن اتخذت فرنسا عددًا من الإجراءات للحد من توسع الأنشطة المحسوبة على تيارات الإسلام السياسى على أراضيها، ناهيك عن رقابة أجهزة الاستخبارات الفرنسية لبعض الأروقة والمدن الفرنسية للحيلولة دون ممارسة أى نشاطات محتملة للتطرف، خاصة وأن عدد المسلمين فى فرنسا يتجاوز 6 ملايين مسلم، وتحاول الجماعة استدراج الكثير منهم داخل أروقتهم، ومن أبرز تلك القرارات:
-
إقرار الجمعية العامة فى فرنسا قانون (مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية) فى يوليو عام 2021: وينص هذا القانون على فرض رقابة على المساجد والجمعيات ومراقبة تمويل المنظمات والحركات التابعة للإسلاميين، فضلًا عن فرض قيود على حرية تقديم الأسر التعليم بأبنائهم فى المنازل، كما حظر ارتداء الحجاب فى مؤسسات التعليم ما قبل الجامعى، وقد أثار هذا القانون جدلًا واسعًا وانتقادات للسلطة الفرنسية باستهداف المسلمين فى الداخل[1].
-
تعليق 8 صناديق أوقاف مرتبطة بجماعة الإخوان فى مايو عام 2023: وكان هذا القرار بمثابة ضربة مالية للتنظيم، حيث قامت المديرية العامة للأمن الداخلى الفرنسية بتحديد حوالى 20 صندوق أوقاف مرتبطة بتيارات تابعة للإسلام السياسى يتم استثماراها بشكل غير قانونى على أنشطتها المتنوعة، وعليه تم تجميد 8 صناديق أى تجميد حوالى 25 مليون يورو تم جمعهم فى صندوق هبات تم إنشاؤه فى عام 2008، بينهم 4 يستوجب حلهم وفقًا لدلائل قضائية ومن أبرزهم “الصندوق الأوروبى للمرأة المسلمة” و”الصندوق الكندي”.[2]
تشكيل لجنة لدراسة “الإسلام السياسى“:
وفقًا لتكليف الرئيس الفرنسى لوزير الداخلية بتشكيل لجنة فرنسية للبحث المتعمق فى تحركات الإسلام السياسى فى البلاد والتيارات المحسوبة عليه والتى تهدد المجتمع الفرنسى طبقًا للرؤية المطروحة، وتتمحور مهمة تلك اللجنة حول تقييم تنظيم الإخوان فى فرنسا والبحث فى علاقته بالفروع الأوروبية الأخرى، وتحليل أهداف حركة الإخوان المسلمين والبحث فى عملية التمويل الخاصة بهم، وتكييف الوسائل المتاحة من أجل مكافحة سياسة الانفصال التى اعتبرته السلطات الفرنسية بأنه مشروع سياسى دينى يهدد مبادئ الجمهورية الفرنسية ويهدف إلى بناء مجتمع مضاد، وعليه استعانت وزارة الداخلية الفرنسية فى هذه المهمة بكل من الدبلوماسى المتقاعد (فرانسوا غوييت) ومحافظ إقليم إيفلين الفرنسى (باسكال كورتاد)، مع تأكيد ضرورة التعاون بين أجهزة الاستخبارات الأوروبية على أن يتم إصدار هذا تقرير من اللجنة المكلفة فى الخريف القادم.[3]
وقد ترتب ذلك التحرك بعد تبين تزايد تحركات جماعة الإخوان المسلمين وتسللها إلى قطاعات المجتمع الفرنسى مثل التعليم والطب والمنظمات الطلابية والنقابية وكذلك المنظمات غير الحكومية والأروقة السياسية والأحزاب والمساجد والجمعيات الخيرية، مستخدمين خطابات مناهضة للحكومة الفرنسية مما يهدد فى نهاية الأمر الاستقرار، ويلزم تحديد من يمثلون ذلك التنظيم ولا يمثلون الإسلام برمته.[4]
دوافع القرار:
-
الحد من تصاعد التهديدات الإرهابية والمتطرفة: تحاول فرنسا رفع مستويات التأهب الأمنى لمواجهة تيارات الإسلام السياسى وخاصة الإخوان المسلمين فى إطار التهديدات المحتملة التى تواجه بعض الدول الأوروبية لاسيما بعد العلمية الدموية التى شهدتها روسيا فى شهر مارس المنصرم ودفعت بعض الدول إلى اتخاذ إجراءات مشددة وإصدار قوانين تفرض رقابة صارمة على تحركات تلك الجماعات، وتصاعد عمليات التطرف داخل بعض المدن الفرنسية والتسلل لتجنيد عناصر جديدة للجماعة فى فرنسا وفقًا لتقرير الجهات الأمنية الفرنسية، وواقع الأمر أن فرنسا سبق وأن عانت من الإرهاب والعمليات النوعية على أراضيها منذ عام 2015، مما استدعى الوقوف فى وجه هذا التيار واليقظة ضد تهديد تنظيم الإخوان والجمعيات الإسلامية التى تبنت أفكارهم وسياساتهم ووسعوا من أنشطتهم[5].
-
الحفاظ على قيم الجمهورية الفرنسية: ارتبط التهديد الرئيسى للحكومة الفرنسية من جانب تنظيم الإخوان المسلمين بشأن تزعزع القيم الأساسية للجمهورية الفرنسية وفى مقدمتها التماسك الاجتماعى والعلمانية، وفى هذا الإطار سبق أن اتخذت السلطات الفرنسية بعض الإجراءات الصارمة لمواجهة الأيدلوجيات التى تتعارض مع مبادئ الجمهورية، مثل قرار وزير الداخلية (جيرالد دارمانان) بطرد دعاة الكراهية وزيادة الوعى لفكرة الإسلاموفوبيا[6]، فضلًا عن قرار وزير التعليم الفرنسى (غابرييل أتال) بمنع ارتداء العباءة فى المدارس الذى سانده قرار مجلس الدولة الفرنسى، الهيئة القضائية الأعلى فى البلاد، فى شهر سبتمبر الماضى حظر العباءة فى المدارس الفرنسية.
-
مراقبة عملية التمويل: تسعى الحكومة الفرنسية إلى الكشف عن الروابط السرية لشبكة التمويل الإخوانية والمرتبطة ببعض المؤسسات والجمعيات الخيرية والتبرعات وصناديق الهبات التى تفتقد إلى عنصر الشفافية المالية كمصدر رئيسى لتمويل التنظيم نظرًا لما يمثله العامل الاقتصادى من أهمية كبرى فى سبيل نجاح مشروعها، وتحقيق أهدافها الإستراتيجية، كذلك يهدف تحقيق اللجنة المعنية بجانب تحديد الشبكات المالية وتفكيكها إلى تحديد الروابط مع بعض الدول الخارجية ورصد أنشطة نقل وجمع الأموال.[7]
-
تأييد وشرعنة وزير الداخلية الفرنسى: يحاول (جيرالد دارمانان) وزير الداخلية بطريقة غير مباشرة كسب تأييد شعبى استعدادًا لحملة الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر انعقادها فى عام 2027، كبديل للرئيس الحالى (إيمانويل ماكرون) فى ظل المنافسة الرئاسية الصعبة التى تستدعى بعض السياسات من المرشحين المحتملين من أجل تعزيز دورهم وإحداث إنجازات فى بعض القضايا المهمة فى البلاد، ومع إدراك “دارمانان” أن ملف الإسلام السياسى والإخوان المسلمين له تأثير لا يمكن غض الطرف عنه على الناخبين الفرنسيين، يحاول استغلال منصبه الحالى فى مواجهة تيارات الإسلام السياسى بطريقة مشددة مستخدمًا الأدوات الأكثر صرامة كافة فى محاربة الإسلامويين المحسوبين على تيار الإخوان المسلمين[8].
العواقب المحتملة:
-
التضييق على أنشطة المسلمين فى فرنسا: جاءت تلك الخطوة الفرنسية لتحذو حذو النمسا فى مواجهتها لتنظيم الإخوان المسلمين حيث كانت النمسا أولى الدول الأوروبية التى أدرجت الجماعة على القائمة السوداء باعتبارها مجموعة متطرفة مرتبطة بالجريمة ذات الدوافع الدينية، فضلًا عن سياسات حظر ارتداء الرموز الإسلامية والتى ربطها البعض بالإخوان[9]، ولكن ربما ذلك التوجه الفرنسى يحمل فى طياته إجراءات لتضييق الخناق على المسلمين برمتهم فى فرنسا والذين ليس بالضرورة يعبروا عن أن الإخوان فى مجملهم، بحجة مكافحة “النزعة الانفصالية” ومحاربة العنف والكراهية والتعصب والحفاظ على النظام الأساسى لحقوق وحريات المجتمع الفرنسى.
-
إثارة قلق مسلمى فرنسا: حمل التحركات الفرنسية للبحث حول تهديدات الإسلام السياسى ونشاطات جماعة الإخوان المسلمين تخوف لجمعية “مسلمى فرنسا” التى عبر أحد أعضاء فيدرالية الجمعية (مخلوف مامش) عن مفاجآته لهذه الخطوة والغموض المثار حولها من جهته، وأكد أن الفيدرالية تعمل وفق القوانين الفرنسية من أجل الإسلام والمسلمين كما تحترم قوانين الجمهورية الفرنسية بشكل كامل[10]، وربما تحمل هذه الاتهامات والتضييقات والرقابة المشددة على قيادات وعناصر الجمعية وغيرها من التيارات الإسلامية على التخويف من تعريض المسلمين للانتقام المؤسسى، والتأثير على أنشطة الجماعة وإستراتيجيتهم التى تصاعدت منذ أزمة السترات الصفراء وفيروس كورونا وصولًا إلى محاولات قمع الحريات وتدهور جودة الحريات العامة، ولكن قد يؤدى هذا القلق والتخوفات المرتبطة بالممارسات الفرنسية إلى قدر من الجمود المؤقت فى أنشطة التنظيم بالتوازى مع التحركات السرية للدفاع عن الفكرة الرئيسية والإستراتيجية المتبعة من قبل التنظيم الدولى.
تأسيسًا على ما سبق؛ تحاول الصحوة الفرنسية حول تيارات الإسلام السياسى التى تغلغلت إلى المجتمع الأوروبى والفرنسى إلى ما وصفه الرئيس الفرنسى (إيمانويل ماكرون) بـ “الانعزالية الإسلامية” ومعالجة التهديد التى تمثله تلك التيارات التى يأتى فى مقدمتها تيار الإخوان وما يحمله من تحركات إيدولوجية فى المجتمع وخاصة فى أوساط الجاليات المسلمة، وتفادى التمكين من الحياة السياسية عبر نبذ أنشطة الإخوان وشرعنة استهدافهم ناهيك عن الإجراءات المنتظرة بعد التقرير المفصل للجنة المكلفة من قبل السلطة القيادة الفرنسية، فهل يمكن أن تكون الخطوة التالية إدراج فرنسا لتنظيم الإخوان المسلمين فى قائمة الإرهاب؟
المصادر:
[1] Gavin Mortimer, “France is waking up to the threat of the Muslim Brotherhood. Is Britain?”, The Spectator, 10 May 2024, Available on:
[2] “فرنسا تتحرك نحو مواجهة تهديد جماعة الإخوان”، صحيفة المرصد، 6 مايو 2024، متاح على الرابط أدناه:
https://www.libyaakhbar.com/libya-news/2371121.html
[3] “فرنسا تعلن الحرب على الإخوان: خطة لمكافحة الإسلاموية ورصد أفرعها”، العين الإخبارية، 7 مايو 2024، متاح على الرابط أدناه:
https://al-ain.com/article/france-muslim-brotherhood-new-war
[4] Margarita Arredondas, France grapples with Muslim Brotherhood expansion, Atalayar, 14 May 2024, Available on:
[5] هناء أبو العز، “نشاط الإخوان على رادار الأجهزة الأمنية فى فرنسا: تحقيق موسع بقيادة وزيرا الداخلية والخارجية لرصد تحركات الجماعة الإرهابية بالبلاد”، اليوم السابع، 7 مايو 2024، متاح على الرابط أدناه:
https://www.youm7.com/story/2024/5/7/6568210
[6] “فرنسا تعلن الحرب على الإخوان: خطة لمكافحة الإسلاموية ورصد أفرعها”، مرجع سابق.
[7] فريد لخنش، “الإخوان المسلمون في فرنسا: تشكيل اللوبيات و وسائل العمل”، المركز الأوروبى لداراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 25 سبتمبر 2021، متاح على الرابط أدناه:
https://www.europarabct.com/?p=77385
[8] “ما أبعاد تشكيل فرنسا لجنة لدراسة “الإسلام السياسي” برئاسة سفيرها الأسبق في الإمارات؟”،موقع عربي21 ، 14 مايو 2024، متاح على الرابط أدناه:
https://arabi21.com/story/1597609/
[9] Margarita Arredondas, IBID.
[10] ندى خاطر، “آخرها فرنسا.. كيف حاربت أوروبا الإخوان؟”، موقع الفجر، 8 مايو2024، متاح على الرابط أدناه:
https://www.elfagr.org/4945840
[11] “الإخوان مجرد بداية: هكذا توسع فرنسا حربها على الإسلام سياسيا وإعلاميا”، صحيفة الاستقلال، 18 مايو 2024، متاح على الرابط أدناه: