في قلْب التوتُّرات السياسية والعسكرية التي تشهدها ليبيا منذ سنوات، يبرز اسم صدام حفتر كأحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في السَّاحة العسكرية والسياسية في الشرق الليبي؛ حيث تأتي هذه اللحظة مع تراجُعٍ نِسْبِيٍّ للحضور الفِعْلِيِّ للمشير خليفة حفتر؛ بسبب تداول معلومات حول تدهور حالته الصحية، وهو ما فتح المجال أمام أبنائه للسعي نحو تعزيز نفوذهم الداخلي والخارجي، ورغم وجود أكثر من ابن يسعى لبناء قاعدة نفوذ، يبقى صدام حفتر هو الأكثر بروزًا، ليس فقط كوريثٍ محتملٍ للسلطة العسكرية بعد والده، ولكن كشخصيةٍ تحاول أن تصُوغ مكانتها من خلال علاقات إقليمية ودولية مُعقَّدة.
وتُمثِّلُ عائلة المشير خليفة حفتر منذ سنوات طويلة واحدةً من أكثر العائلات تأثيرًا في ليبيا، خصوصًا في مجال السلطة العسكرية؛ حيث استطاع حفتر، صاحب التاريخ العسكري الممتدّ، بناء هيكلٍ قويٍّ من النفوذ في الجيش الليبي، وبالرغم من أن العائلة تضُمُّ أكثر من ابنٍ له دور بارز في مجالات مختلفة، مثل خالد حفتر الذي يحظى بدعم عسكري قوي داخل الجيش، وبلقاسم حفتر الذي يُعَدُّ الذراع الاقتصادي للعائلة، يبقى صدام حفتر الأبرز، ومع أنه يعتبر الابن الأصغر، إلَّا أنه تمكَّنَ من توظيف موقعه العسكري وبناء تحالفات استراتيجية على الأصعدة الإقليمية والدولية؛ مما يجعله في موقع متقدم في معادلة السلطة في ليبيا.
أولًا: صعود صدام حفتر وتحوُّلات المشهد الداخلي
يُعَدُّ صعود صدام حفتر إلى قلْب القيادة العسكرية في ليبيا تطوُّرًا تدريجيًّا يستند إلى مُعْطَيَات ميدانية وسياسية متعددة، ورغم أنه لم يتلَّقَ التكوين العسكري الرسمي الكامل الذي يميز العديد من القادة العسكريين، فإن ذلك لم يمنعه من استثمار الإرْث العسكري والسياسي لوالده، المشير خليفة حفتر؛ لتأسيس نفوذ مستقل داخل المؤسسة العسكرية، ولعل ما يميز صعوده هو قدرته على تجاوز الأُطُر التقليدية في القيادة، من خلال تبنِّي استراتيجيات أكثر مرونة وتكتيكات تتلاءم مع التحوُّلات الداخلية والإقليمية؛ مما سمح له بفرْض حضوره كلاعبٍ محوريٍّ في مشهد ما بعد حفتر الأب.
1- الهيكل العسكري وتأثيره المباشر
بدأ انخراط صدام حفتر في المشهد العسكري الليبي منذ عام 2016؛ حيث شارك في عدة معارك حاسمة في شرق ليبيا، خصوصًا في بنغازي ودرنة، والتي كانت محطَّات مهمة في مواجهة الجماعات المسلحة، وخلال تلك الفترة، اكتسب خبرة ميدانية وعزّز مكانته تدريجيًّا داخل الجيش الوطني الليبي.
مع مرور الوقت، تدرَّج صدام في السلم العسكري وتقلَّد مناصب متزايدة المسؤولية، إلى أن وصل في مايو 2024 إلى منصب رئيس أركان القوات البرية، وفي أغسطس من العام نفسه، أصدر والده، المشير خليفة حفتر، قرارًا بترقيته إلى رتبة فريق؛ ما عزَّز نفوذه العسكري والسياسي بشكلٍ واضحٍ في شرق ليبيا، [1]ومع تولِّيه هذا المنصب، مُنِحَ صلاحيات واسعة، شملت التخطيط والتنفيذ العسكري على نطاق واسع داخل المؤسسة العسكرية.
2- الاستفادة من شبكة الولاءات
إلى جانب دوره العسكري، يُعَدُّ صدام حفتر حريصًا على توسيع شبكة من الولاءات داخل المؤسسة العسكرية، وهو ما مكَّنَهُ من تحييد بعض الشخصيات العسكرية البارزة، سواء عبْر تهميش دورهم أو استبدالهم بشخصيات مخلصة له شخصيًّا، ومن خلال هذه الاستراتيجية، استطاع صدام تأكيد سيطرته داخل المؤسسة العسكرية على حساب القيادات التقليدية التي قد تكون منافسةً له، وساعده هذا التكتيك في بناء قاعدة دعم داخل الجيش؛ مما يعزِّزُ من وضْعِهِ كأحد القادة العسكريِّين المؤثرين في ليبيا.
3- السيطرة على الاقتصاد شِبْه الرسمي
تُشير العديد من التقارير إلى أن صدام حفتر وسَّعَ شبكة علاقاته الاقتصادية، خاصَّةً في القطاعات العاملة ضمن الاقتصاد غير الرسمي أو شِبْه الرسمي في ليبيا[2]؛ ففي ظِلِّ الظروف السياسية والأمنية المُعقَّدة في ليبيا، ولجوء المؤسسات الرسمية إلى التقشُّف أو ضعْفها في إدارة الموارد، وجد صدام حفتر ضرورة الاستفادة من الاقتصاد غير الرسمي أو شِبْه الرسمي لتعزيز نفوذه وتمويل الأدوار العسكرية والأمنية التي يقودها؛ حيث يرتبط اسمه بعددٍ من الجهات والشركات التي تنشط في مجالات الخدمات المرتبطة بالعقود الحكومية، إلى جانب نشاطات في قطاعات مثل الوقود والنقل.
هذا التوسُّع في النفوذ الاقتصادي مكَّنَهُ من تأمين موارد مالية تدعم قدراته العسكرية والأمنية بشكلٍ مستقلٍّ عن القنوات الرسمية التقليدية؛ مما ساهم في تعزيز مكانته داخل المؤسسة العسكرية، كما أن توزيع الموارد بشكلٍ مدروسٍ ساعده على كسْب ولاءات بعض الفصائل والأطراف الاقتصادية في شرق ليبيا؛ الأمر الذي يُفسِّرُ استمرارية نفوذه واستقراره النِّسْبِيّ في تلك المناطق.
ثانيًا: البراغماتية كأداة لتوسيع النفوذ الخارجي
في سعيه لضمان استمرارية مشروعه السياسي والعسكري في ليبيا، اتبع صدام حفتر نهْجًا براغماتيًّا لتوسيع شبكة علاقاته الإقليمية والدولية، ويعكس هذا النَّهْج استراتيجيته في بناء شرعية سياسية وعسكرية مستقرة، متوازية مع تعزيز دوره كخليفة محتمل للمشير خليفة حفتر؛ حيث اعتمد صدام على تنويع تحالفاته بين روسيا وبيلاروسيا، ومصر، وتركيا، والولايات المتحدة، إضافةً إلى توسيع نفوذه مع دول الجوار الأفريقي عبْر علاقات عسكرية وأمنية متعددة الأوْجُه.
1- تعزيز التحالُفات مع روسيا وبيلاروسيا
منذُ بداية صعوده العسكري، شرع صدام حفتر في تعزيز علاقاته مع روسيا، التي تواصل تقديم دعم كبير للجيش الوطني الليبي، ويحرص صدام – مثل والده – على تعميق التعاون العسكري مع موسكو، عبْر التنسيق في صفقات الأسلحة وبرامج التدريب؛ حيث شارك في عدة زيارات إلى العاصمة الروسية ضمن الوفد المرافق لوالده، كان آخرها في 9 مايو الماضي، خلال احتفالات عيد النصر في الذكرى الثمانين، بدعوةٍ رسميةٍ من الجانب الروسي، ومثَّلَتْ هذه الزيارة خطوةً مهمةً لتوطيد العلاقة الاستراتيجية؛ حيث ناقش مع المسؤولين الرُّوس سُبُل تعزيز التعاون العسكري؛ بما يعكس التزامه بتطوير قدرات الجيش الوطني لمواجهة التحديات الداخلية.[3]
إلى جانب العلاقات مع روسيا، بدأ صدام حفتر في بناء علاقات استراتيجية مع بيلاروسيا، الحليف المُقرَّب لروسيا؛ حيث شارك صدام حفتر أيضًا في زيارة رسمية إلى بيلاروسيا في فبراير الماضي، برفقة والده والوفد العسكري المرافق؛ حيث ناقش الطرفان ملفات التعاون الثنائي، خاصَّةً في المجاليْن الاقتصادي والعسكري.
2- العلاقات الاستراتيجية مع مصر
وعلى خُطَى والده، يحرص صدام على متانة العلاقة مع مصر باعتبارها شريكًا استراتيجيًّا محوريًّا في المشهد الليبي، ومثلما يرى المشير خليفة حفتر في القاهرة ركيزةً أساسيةً للاستقرار الإقليمي، يواصل صدام في تثبيت هذا التحالُف التقليدي، مُدْرِكًا أن أمن ليبيا لا ينفصل عن الأمن القومي المصري، وأن التنسيق مع مصر في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب يُعَدُّ خيارًا لا غنى عنه.
هذا الامتداد في العلاقة لم يقتصر على التنسيق العسكري والأمني، بل شَمِلَ كذلك المسارات الأكاديمية؛ حيث حصل صدام في مارس 2024 على درجة الدكتوراه في الفلسفة العسكرية من الأكاديمية العسكرية المصرية، وهو ما يعكس ليس فقط الثقة المصرية في مسيرته، بل أيضًا رغبتها في دعْم كوادر عسكرية ليبية يُمَكِّنُها تأمين استقرار طويل الأمد.[4]
3- الانفتاح على تركيا
يُعَدُّ التحوُّل الأكثر بروزًا في سياسة صدام حفتر الخارجية، والذي يُميِّزُه عن النَّهْج التقليدي لوالده، هو انفتاحه غير المسبوق على تركيا، الدولة التي لطالما ارتبطت بعلاقات وثيقة مع حكومة الوفاق الوطني سابقًا، وحكومة الدبيبة حاليًا في الغرب الليبي؛ ففي أبريل 2025، قام صدام بزيارةٍ رسميةٍ إلى أنقرة، التقى خلالها بكبار المسؤولين العسكريِّين الأتراك، في خطوةٍ مثَّلَتْ نقطة تحوُّلٍ في العلاقة بين معسكر الشرق وتركيا، وقد أسفرت هذه الزيارة عن اتفاقات للتعاون العسكري، شملت برامج تدريب مشتركة، وتنسيقًا في تشغيل الطائرات المُسيَّرة من طراز Bayraktar وAkıncı، إلى جانب التحضير لمناورات عسكرية على السواحل الشرقية لليبيا. [5]
يعكس هذا التوجُّه الجديد استراتيجية صدام في إعادة صياغة السياسة الخارجية الليبية من موقعه داخل القيادة العسكرية، من خلال الانفتاح على أطراف كانت تُعَدُّ في السابق خصومًا سياسيِّين؛ ما يُشير إلى رغبته في تجاوُز التحالفات التقليدية التي صاغها والده، وبناء شبكة علاقات أكثر تنوُّعًا، تُعزِّزُ من مكانته كفاعلٍ مستقلٍّ إقليميًّا ودوليًّا.
4- الحفاظ على قنوات التواصُل مع الولايات المتحدة
رغم العلاقة الاستراتيجية التي تربط الجيش الوطني الليبي بروسيا، إلا أن صدام يحرص أيضًا على إبقاء قنوات التواصُل مفتوحة مع الولايات المتحدة، في إطار مقاربة براغماتية تهدف إلى تنويع الشركاء الدوليِّين وعدم الارتهان لمحورٍ واحدٍ، وقد تجلَّى هذا الانفتاح في زيارته إلى واشنطن في أبريل 2025، بصفته “مبعوث القائد العام للجيش الوطني الليبي”؛ حيث التقى بمستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مسعد بولس، ونائب مساعد وزير الخارجية تيم ليندركينغ، إلى جانب المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلان[6]، وركزت الاجتماعات على بحْث مستقبل التعاون بين الولايات المتحدة وليبيا، لا سيما في مجالات الأمن وتوحيد المؤسسة العسكرية، مع التأكيد على أهمية وجود مؤسسات تكنوقراطية قوية مثل المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي لضمان شراكة فاعلة مع الجانب الأمريكي.
كما تزامنت هذه الزيارة مع رسو السفينة الحربية الأمريكية “يو إس إس ماونت ويتني” في طرابلس وبنغازي، في مؤشرٍ واضحٍ على رغبة واشنطن في التواصُل مع مختلف الأطراف الليبية، وقد استثمر صدام هذا الزَّخَم لتعزيز صورته كلاعبٍ محوريٍّ يُمكِّنُهُ التواصُل مع الأطراف الدولية المتنافسة، في سياق مسعاه لترسيخ شرعيته داخل المؤسسة العسكرية الليبية وخارجها.
5- تعزيز العلاقات مع دول الساحل وغرب أفريقيا
إلى جانب تحرُّكاته مع القوى الكبرى، نجح صدام حفتر في توسيع نفوذه نحو دول الساحل وغرب أفريقيا، حيث ركَّز على بناء تحالفات أمنية وعسكرية تُعزِّزُ من دور ليبيا الإقليمي؛ ففي 9 يوليو 2024، قام صدام بزيارة رسمية إلى بوركينا فاسو؛ حيث التقى بالرئيس الانتقالي إبراهيم تراوري في واغادوغو، وتناول اللقاء تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين ليبيا وبوركينا فاسو.
وفي 2 يونيو 2024، زار صدام حفتر العاصمة التشادية إنجامينا؛ حيث بحث مع رئيس تشاد محمد إدريس ديبي التعاون العسكري والأمني والاقتصادي، مؤكِّدًا أهمية التنسيق بين البلديْن في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة، مثل مكافحة الإرهاب والتهريب عبر الحدود.[7]
أمَّا في النيجر، فقد أجريت زيارة رسمية في 22 مايو 2025 إلى نيامي؛ حيث التقى صدام حفتر برئيس الوزراء ماهامان علي لامين زين، وركَّزَ الاجتماع على القضايا الاستراتيجية والأمنية التي تجمع البلديْن، ضِمْن مساعي إعادة رسْم التحالُفات الإقليمية وتعزيز الاستقرار في منطقة الساحل.[8]
من الجدير بالذكر، أن هذه الدول تقع ضمن مناطق نفوذ روسيا في أفريقيا، وهو ما قد يشير إلى أن تحرُّكات صدام تأتي ضمن إطار تنسيق أو توافق مع النفوذ الروسي المتزايد في المنطقة، خصوصًا في ظِلِّ العلاقات القوية بين القيادة العامة الليبية وموسكو.
ثالثًا: رهانات السلطة والقيادة في شرق ليبيا
بالرغم من سعيه لتثبيت مكانته القيادية في المؤسسة العسكرية الليبية، إلَّا أنه يواجه تحديات جوهرية على أكثر من صعيد؛ ما يجعل مشروعه السياسي والعسكري مُعقَّدًا ويتطلَّبُ استراتيجيات متوازنة وطويلة الأمد.
أولًا، يظلُّ التنافس الداخلي داخل المؤسسة العسكرية أبرز العوائق التي تعترض طريق صدام؛ فجُزْءٌ من القيادات التي شاركت في معركة الكرامة منذ بداياتها لا تعتبر صدام امتدادًا طبيعيًّا لمسارها العسكري، بل تنظر إليه كعنصرٍ جديدٍ دخل المؤسسة بعد مرحلة والده، هذا الواقع يفتح الباب لصراعات محتملة على النفوذ والسيطرة، خصوصًا إذا حاول فرْض هيمنته بشكلٍ مباشرٍ؛ لذلك، قد يحتاج صدام إلى توازُن دقيق بين المحافظة على الأُطُر العسكرية التقليدية التي تحظى بدعم بعض القيادات، والانفتاح على أجيال جديدة من الضباط والقادة العسكريِّين؛ بما يضمن تماسُك المؤسسة العسكرية ويعزز وحدتها.
ثانيًا، يمثل بناء خطابٍ سياسيٍّ قويٍّ ومقبولٍ تحدِّيًا كبيرًا له؛ فرغم أن نفوذ صدام الحالي يستند بشكلٍ رئيسيٍّ إلى القوة العسكرية والتحالُفات الإقليمية والدولية التي نَسَجَهَا، إلا أن نجاح مشروعه طويل الأمد يعتمد على توسيع قاعدة الدعم الشعبي؛ فالقوة العسكرية وحدها قد تكْفُلُ السيطرة على الأرض على المدى القصير، لكنها لا تكفي لبناء شرعية سياسية حقيقية وشاملة؛ لذا، يحتاج صدام إلى تطوير خطاب سياسي يعكس مصالح وطموحات مختلف شرائح المجتمع الليبي، ويأخذ في الاعتبار الواقع السياسي والاقتصادي المُعقَّد للبلاد.
في هذا السياق، يسعى صدام إلى تصوير نفسه كـ “قائد عملي” قادر على التفاهُم مع كافَّة الأطراف المحلية والدولية، لكن تحقيق هذا الطموح يتطلَّبُ منه إجراء إصلاحات جوهرية داخل المؤسسة العسكرية لتعزيز شرعيته، بالإضافة إلى بناء تحالفات سياسية متوازنة مع القوى الإقليمية المختلفة التي تملك مصالح متباينة في ليبيا.
يبقى التحدِّي الأكبر لصدام هو الانتقال من قائد عسكري يسيطر على مناطق نفوذ محددة إلى زعيم سياسي يملك القدرة على التأثير في كل ليبيا، هذا التحوُّل يتطلب إعادة ترتيب داخلي في المؤسسة العسكرية، وكذلك توافُقات سياسية تتيح له لعب دورٍ فعَّالٍ في مسارات الحلِّ السياسي؛ بما يتماشى مع التحوُّلات الراهنة في ليبيا والمنطقة.
في الختام:
يُمثِّلُ صدام حفتر حالةً متميزةً تجمع بين التمسُّك بالخطوط التقليدية التي أرساها والده، المشير خليفة حفتر، في بناء المؤسسة العسكرية وتوطيد العلاقات الاستراتيجية، وبين تبنِّي نهْجٍ براغماتيٍّ أكثر مرونةً في التعامُل مع المتغيرات الإقليمية والدولية، ويعكس هذا التوازُن بين الإرْث العسكري التقليدي والانفتاح المدروس على قوى إقليمية ودولية متباينة فهْمًا عميقًا للتحديات التي تواجه ليبيا اليوم، ورغبة في توسيع قاعدة نفوذه بطريقة تستجيب للواقع السياسي المُعقَّد.
تعتمد استراتيجية صدام حفتر على مد جسور التواصُل والتعاون مع مختلف الأطراف، مثل (روسيا وأمريكا، مصر وتركيا) إلى جانب دول الجوار الليبي في الساحل وغرب أفريقيا، وذلك في محاولة لتثبيت مكانته القيادية وتوسيع شرعيته السياسية والعسكرية.
غير أن النجاح في هذا المسار يظلُّ مرهونًا بقدرته على مواجهة التحديات الداخلية، وعلى رأسها إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وبناء قاعدة دعْم شعبية أوسع وأكثر تنوُّعًا.
وبينما يتبع صدام مسار والده في كثيرٍ من الخطوات التقليدية، يبرز اختلافه في تبنِّي أدوات دبلوماسية أكثر مرونةً وانفتاحًا، تتماشى مع التحوُّلات الجارية في البيئة الإقليمية والدولية، وإذا ما استطاع تحقيق هذا التوازن بين الاستمرارية والتجديد، فقد يتمكَّنُ من لعب دورٍ محوريٍّ في إعادة تشكيل المشهد السياسي والعسكري في ليبيا — رغم أن الطريق أمامه لا يزال مليئًا بالتحدِّيات والاختبارات المستمرة.
