المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > صراعاتٌ مُركّبة .. التدخلات الأجنبية وانعكاساتها في تصاعُد العمليات الإرهابية في القارة الأفريقية
صراعاتٌ مُركّبة .. التدخلات الأجنبية وانعكاساتها في تصاعُد العمليات الإرهابية في القارة الأفريقية
- أكتوبر 27, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
لا توجد تعليقات
إعداد: إلهام النجار
باحث مساعد في وحدة الإرهاب والتطرف
المُقدمة:
إن التدخلاتِ الأجنبيةَ في أفريقيا وإن كانت تُقدَّم كحلولٍ لمشكلات الإرهاب، إلا أنها غالبًا ما تُفاقِم الأوضاع وتُزيد من تعقيدها، ومعالجة مُشكلة الإرهاب في أفريقيا تتطلب مُقاربةً شاملةً ترتكز على تعزيز الاستقلال الوطني والسيادة، وخَلْق فرص اقتصادية واجتماعية لشعوب القارة، وبناء هياكل أمنية مستقلة تعتمد على التعاون الإقليمي، وبالتالي، يمكن للدول الأفريقية أن تتصدى للإرهاب وتبني مُستقبلًا مُستقرًا بعيدًا عن النفوذ الخارجي وأجنداته الخفية، كما أصبحت الأزمة في القارة الأفريقية متفاوتة الشدة والتعقيد، ومتنوعة من حيث طبيعة مصادرها والجهات الفاعلة فيها، إذ تتفاقم الأزمة الداخلية بالإضافة إلى الحروب الأهلية والتدخلات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، وتزداد المنافسة الاستراتيجية بين القوى الكبرى على الموارد الطبيعية والمعدنية من أجل تموضعها في القارة بما يتوافق مع أجنداتها، كما أصبحتْ أفريقيا الجبهةَ العالميةَ الأولى للإرهاب، حيث تضم أكثر من نصف ضحايا الإرهاب في العالم وأن تدهور الأوضاع في منطقة الساحل ما هو إلا نتيجة مباشرة للانعكاسات السلبية لأزمة ليبيا والتدخلات الأجنبية في المنطقة ولابد من حّل النزاعات بطرق سِلمية بعيدًا عن التدخل في شؤون الدول الداخلية.[1]
ومما زاد من تعقيد الوضع في أفريقيا وتفاقمهِ هو التدخلُ الأجنبي، حيث كانت القارة الأفريقية ولا تزال إحدى ساحات التنافس بين القوى الكبرى في العالم، وأبرزها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تحديدًا مجموعة “فاغنر” وبريطانيا وفرنسا والصين واليابان، وقد أثَّر هذا التنافس الدولي في أفريقيا على استقرار الوضع السياسي والأمني في القارة، وتُمثل منطقة الساحل في أفريقيا نموذجًا مثاليًا لفشل الدولة في تحقيق استقرارها ونجاح القوى الأجنبية في اختراق المِنطقة، نظرًا لقلة الموارد الطبيعية التي تمتلكها، مما يُشكّل تهديدًا لأمن المنطقة.
أولًا: أبعادُ التدخلاتِ الأجنبية في أفريقيا
للتدخلاتِ الأجنبية في القارةِ الأفريقية عدة أبعاد كالتالي:
1- البُعدُ التاريخي
بدأت التدخلات الأجنبية في أفريقيا مُنذ عصر الاستعمار في القرن التاسعَ عشرَ، حيث قامت القوى الأوربية الكبرى بتقسيم القارة واستغلال مواردها، مما أدى إلى تدمير البِنية الاجتماعية والثقافية والسياسية للمجتمعات الإفريقية، وبعد استقلال الدول الأفريقية في منتصف القرن العشرين، استمرت بعض القوى الأجنبية في ممارسة نفوذِها من خلال دعم الحكومات المحلية أو تمويل الحركات المُسلحة المُعارضة.[2]
2- البُعدُ الاقتصادي
تُعتبرُ أفريقيا غنيةً بالموارد الطبيعية، مثل النِفط، الغاز، الذهب، والمعادن النادرة، هذه الثروات جعلت القارةَ مَحط أنظار القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، روسيا، والاتحاد الأوروبي، الذين يسعون للاستفادة من هذه الموارد عبر عقودٍ استثمارية وتبادلٍ تِجاريٍ، وفي بعض الأحيان، تتدخل هذه الدول في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية بهدف حماية مصالحها الاقتصادية أو السيطرة على منافذ التجارة والنقل.[3]
3- البُعدُ العسكريُ
شهدتْ أفريقيا عدة تدخلات عسكرية من قِبَل القوى الأجنبية بذريعة مكافحة الإرهاب أو حفظ السلام، كما حدث في مالي، جمهورية أفريقيا الوسطى، والصومال، هذه التدخلاتُ تأتي غالبًا بدعوات من الحكومات الإفريقية، لكن بعض المحللين يرون أن لها أهدافًا إستراتيجية مثل السيطرة على مناطق معينة أو كبْحِ النفوذ الإقليمي لبعض الدول.[4]
ثانيًا: دورُ التدخلاتِ الأجنبية في تفاقُم الإرهاب
تلعبُ التدخلات الخارجية والأجنبية دوراً في زيادة معدلات الإرهاب في القارة الأفريقية وهذا التدخل يؤدي إلى:
1- زعزعةِ الاستقرارِ السياسي و تعزيز ِالانقسامات الداخلية
أدّى التدخل الخارجي في بعض الحالات إلى زعزعة الاستقرار السياسي للدول الأفريقية، خاصةً عندما يرتبط بفرض نماذج سياسية لا تتناسب مع البيئة المحلية، مثل هذه التدخلات يمكن أن تؤديَ إلى تَفاقم الصراعات العِرقية والطائفية، مما يوفرُ بيئةً ملائمةً لنشوء جماعات إرهابية تتبنى العنف والتطرف كوسيلةٍ للتعبير عن رفضها لهذه الأوضاع، كما يُساهم دعم القوى الأجنبية لبعض الفصائل أو الجماعات في تعزيز الانقسامات الداخلية، مما يوفر بيئةً خِصبةً لنمو الحركات الإرهابية، في دولٍ مثل مالي، أدى الدعم الخارجي لأطراف على حساب أخرى إلى إذكاء النزاعات وفَتْح المجال لنشاط الجماعات المُسلحة مثل “القاعدة” و”داعش”.[5]
2- استغلالِ الجماعاتِ الإرهابية للتوترات الإقليمية
تعتمدُ الجماعاتُ الإرهابية مثل “بوكو حرام” و”القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” على التوترات الناجمة عن التدخلات الأجنبية لتبرير وجودها، تدَّعي هذه الجماعات أنها تدافع عن هَويةِ القارة وحقوق المسلمين والمجتمعات المهمشة، مما يكسبها بعض الدعم الشعبي.
3- استخدامِ الإرهابِ كورقةِ ضغط وضعف السيادة المحلية
تستخدمُ بعض القوى الأجنبية التدخلات العسكرية لمحاربة الإرهاب كذريعةٍ لتحقيق مصالحَ سياسيةٍ واقتصاديةٍ، هذه السياسات قد تُثير استياء المجتمعات المحلية التي تشعر أن التدخلات الأجنبية تهدف أكثر إلى تعزيز السيطرة على الموارد الاستراتيجية أكثر من حلّ مشكلة الإرهاب بحد ذاتها، غالبًا ما تؤدي التدخلات الأجنبية إلى تآكل السيادة الوطنية، حيث تعتمد الحكومات الأفريقية على القوى الأجنبية لتحقيق الأمن، مما يفقدها ثقةَ شعوبها ويُتيحُ فُرصًا للجماعات الإرهابية لتجنيد الأفراد المتضررين من السياسات الأمنية الأجنبية.[6]
ثالثًا: دوافع تأجيج الصراع
هناك الكثير من التدخلات الأجنبية في شؤون أفريقيا، وقد كان هذا التدخلُ الأجنبي سببًا في تأجيج الصراعات وعدمِ الاستقرار في عددٍ من البلدان الأفريقية، ويلعب التنافس بين القوى الدولية ممثلة في روسيا والولايات المتحدة وفرنسا، دورًا في تأجيج الصراع في القارة الأفريقية وأن هذا التنافس خاصةً بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، له تأثيرٌ على تزايد وتيرة الصراع في الغرب الأفريقي؛ حيث يدفع هذا الصراع والدعمُ الخارجي القوى السياسية داخل الدول الأفريقية للمطالبة بحقوق تاريخية، معتمدين على هذه التدخلات الخارجية التي تدعم قوى المعارضة، في الوقت الذي تستغله الجماعات الإرهابية في محاولة لفرض سيطرتها، وأن الأوضاع في القارة دائمًا متوترة لكنها تتصاعد بين الحين والآخر..
وكذلك وجودُ عوامل أخرى تُسهمُ في تأجيج الصراع، من بينها الجماعات المتطرفة، والحركات الوطنية العِرقية وأن ما يحدث حاليًا من تصاعد لوتيرة الأحداث في عددٍ من دول القارة الأفريقية مُرتبط بشكلٍ ما بحالة الفوضى السياسية التي يشهدها النظام العالمي في أعقاب الأزمة الروسية – الأوكراني.
صعوبة التداول السِلمي للسُلطة في دول المنطقة، ومن بينها مالي، وكذلك الإنقلاباتُ العسكرية، حيث شهدت 45 دولة أفريقية من 54 دولة بالقارة محاولةَ انقلابٍ عسكري مرة واحدة على الأقل، ويتصدر السودان القارة بـ17 محاولة انقلاب نجح منهم 6، ومن (أغسطس 2020- حتى أغسطس 2023)، شهدت أفريقيا 18 محاولة انقلابٍ عسكري نجح منها 9 بينهم 4 انقلابات في دولتين فقط: 2 مالي (أغسطس 2020 ومايو 2021)، وبوركينا فاسو (يناير 2022 وسبتمبر 2022).[7]
كما غضب كثير من الجماعات من عدم قدرتها على الوصول للحُكم، إضافةً إلى انسحاب فرنسا من مالي الذي لم تعوضْه قوات (فاغنر) الروسية ويصف مراقبون، الصراع الدائر بين القوى الدولية على أفريقيا، بأنه “حربٌ باردة جديدة” يحاول كل طرف فيها تقديمَ نفسه بشكلٍ أو باستراتيجيةٍ جديدة، أملاً في كسْب مزيدٍ من النفوذ في القارة.[8]