المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > ضرورة أمنية: قراءة في دوافع انفتاح حكومة الدبيبة على القيادة السورية الجديدة
ضرورة أمنية: قراءة في دوافع انفتاح حكومة الدبيبة على القيادة السورية الجديدة
- مايو 14, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: رضوى الشريف
منسق وحدة شؤون الشرق الأوسط
مثّل سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 لحظة فارقة أعادت رسم خريطة الاصطفافات والتحالفات في الشرق الأوسط، إذ دفعت هذه التطورات المتسارعة العديد من العواصم العربية إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الإقليمية، والبحث عن سبل لتعزيز مواقعها في بيئة استراتيجية تتسم بدرجات عالية من اللايقين. وفي هذا الإطار، برزت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، كإحدى الحكومات السباقة إلى الانفتاح على القيادة السورية الجديدة، متجاوزة بذلك مواقف سابقة اتسمت بالحذر أو القطيعة، ومعبرة عن رغبة واضحة في إعادة التموضع ضمن شبكة العلاقات الإقليمية.
ويأتي هذا الانفتاح في لحظة حرجة تمر بها حكومة طرابلس، حيث يفرض الملف الأمني نفسه كأولوية قصوى على أجندتها. فقد كشفت الأحداث الأخيرة في العاصمة طرابلس، والتي بلغت ذروتها بإطلاق عملية عسكرية مفاجئة مساء الإثنين 12 مايو الجاري للسيطرة على منطقة أبو سليم – إحدى أبرز معاقل الجماعات المسلحة في المدينة – عن حجم التحدي الذي تُمثله التشكيلات غير النظامية في مواجهة سلطة الدولة، ومدى هشاشة التوازنات الأمنية الراهنة. وقد صرّح الدبيبة، عقب انتهاء العملية، بأن ما تحقق “يشكّل خطوة حاسمة نحو إنهاء المجموعات غير النظامية وترسيخ مبدأ ألا مكان إلا لمؤسسات الدولة ولا سلطة إلا للقانون”، في إشارة إلى أن السيطرة الأمنية على العاصمة لا تزال عملية غير مكتملة، وتتطلب معالجات متعددة الأبعاد تتجاوز الطابع العسكري إلى أطر سياسية وإقليمية أوسع.
في ضوء ذلك، تبدو حكومة الدبيبة في أمسّ الحاجة إلى مقاربات جديدة لمعالجة جذور التفلّت الأمني، خاصة في ظل استمرار وجود تشكيلات مسلحة ذات ارتباطات خارجية تقوّض سيادة الدولة. وتُعد قضية المرتزقة السوريين المنتشرين في مناطق متفرقة من ليبيا من بين أكثر الملفات حساسية، بما تطرحه من تحديات أمنية مركّبة وأبعاد إقليمية ودولية تضع الحكومة تحت ضغوط متزايدة.
ومن هذا المنظور، لا يمكن فهم الانفتاح الليبي على القيادة السورية الجديدة بمعزل عن محاولات طرابلس تفكيك منظومة الجماعات المسلحة الخارجة عن السيطرة، سواء عبر قنوات اتصال مباشرة أو من خلال ترتيبات إقليمية أوسع. فالمسألة لا تتعلق بإعادة تطبيع العلاقات فحسب، بل بإمكانية توظيفها كأداة لمعالجة أحد أخطر التهديدات التي تواجه الدولة الليبية. ومن هنا، يُطرح تساؤل جوهري: إلى أي مدى يُمكن لحكومة الدبيبة أن توظّف هذا الانفتاح على القيادة السورية الجديدة كورقة ضغط أو وسيلة لتخفيف التحديات الأمنية المرتبطة بتواجد المقاتلين الأجانب، خاصة المرتزقة السوريين، على الأراضي الليبية؟ وهل تمتلك طرابلس هامش مناورة فعلي في بيئة إقليمية مشبعة بالتداخلات والتجاذبات؟.
ملامح العلاقات “الليبية–السورية” قبل سقوط الأسد
شهدت العلاقات الليبية-السورية تحولات كبيرة على مدار العقود الماضية، تأرجحت بين التقارب والتوتر، واختلفت وفقًا للمتغيرات الإقليمية. في البداية، وبالأخص في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كانت العلاقة بين طرابلس ودمشق في ذروتها، حيث جمع البلدين توجهات قومية مشتركة، أبرزها دعم القضية الفلسطينية ومعارضة النفوذ الغربي في المنطقة.
لكن مع مرور الوقت، بدأت العلاقات تتراجع تدريجيًا، لا سيما بعد تقلص الأيديولوجيا المشتركة وازدياد المصالح الوطنية الضيقة، وكانت بداية التراجع ملحوظة مع بداية ثورة 17 فبراير 2011 في ليبيا، حيث اتخذ المجلس الوطني الانتقالي، الذي تولى السلطة بعد القذافي، موقفًا مؤيدًا للمعارضة السورية، مما أدى إلى إغلاق السفارة السورية في طرابلس، وبدء مرحلة جديدة من القطيعة بين البلدين.
وبعد فترة من الوقت أصبحت تتسم العلاقات الليبية–السورية بقدر من التباين، عاكسًا الانقسام السياسي القائم داخل ليبيا، فقد حافظت الحكومة في شرق البلاد والقيادة العامة للجيش الوطني الليبي، على مستوى من التواصل مع النظام السوري السابق، تمثل في زيارات أمنية وتجارية متفرقة، دون أن تصل إلى مستوى تطبيع كامل.
هذا التقارب النسبي جاء مدفوعًا باعتبارات براغماتية، أهمها التلاقي في المواقف من قضايا مثل مكافحة الإرهاب، إلى جانب أن الطرفين يحظيان بدعم مباشر وقوي من روسيا، التي سعت لتعزيز نفوذها في كل من سوريا وليبيا.
في المقابل، لم تُظهر حكومة غرب ليبيا انخراطًا علنيًا في العلاقة مع دمشق، لأسباب تتعلق بتحالفها الوثيق مع تركيا، التي كانت على خلاف مباشر مع نظام الأسد. ومع ذلك، لم تُقدم على خطوات عدائية تجاه النظام السوري، ما عكس سياسة “التحفّظ الاستراتيجي” أكثر من كونه رفضًا مبدئيًا.
التباين الليبي شرقًا وغربًا بعد سقوط الأسد
عقب سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، برز التباين بشكل واضح بين موقفي حكومتي الشرق والغرب في ليبيا، حيث اتخذ كل طرف مسارًا مختلفًا في التعامل مع المتغيرات الجديدة في سوريا، بناءً على حسابات سياسية وتحالفات إقليمية متمايزة.
1- موقف حكومة الشرق الليبي
اختارت الحكومة في شرق ليبيا برئاسة أسامة حماد، التزام الحياد الحذر تجاه ما حدث في سوريا عقب انهيار نظام الأسد، وفضّلت عدم الانخراط المباشر أو اتخاذ موقف علني من القيادة الجديدة في دمشق، ويعكس هذا النهج استراتيجية متأنية تهدف إلى الحفاظ على توازنات العلاقات الإقليمية القائمة، وتفادي الدخول في تحالفات جديدة قد تربك المشهد الليبي المعقد أصلًا، كما ساهمت أولويات الداخل، وأبرزها ضمان الاستقرار المحلي وإدارة الوضع الأمني، في دفع حكومة الشرق إلى تجنّب أي اصطفاف قد يُستغل سياسيًا أو عسكريًا ضدها.
2- موقف حكومة الغرب الليبي
على النقيض، أظهرت حكومة غرب ليبيا برئاسة عبد الحميد الدبيبة حيوية دبلوماسية سريعة في التعامل مع المشهد السوري الجديد؛ فقد اعتبرت طرابلس أن لحظة سقوط الأسد تشكّل فرصة لتعزيز موقعها الإقليمي والدولي من خلال الانفتاح على القيادة الجديدة في دمشق.
وقد تجلّت مظاهر هذا الانفتاح في مجموعة من التحركات السياسية والدبلوماسية المعلنة، أبرزها:
-
بيانات الدعم الرسمية: سارعت حكومة الدبيبة إلى إصدار بيانات ترحيب بالنظام الجديد، مشيدة بقدرة السوريين على “التحرر من الاستبداد”، ومعلنة دعمها لمسار الانتقال السلمي في سوريا.[1]
-
الاتصالات الرسمية: أجرى وزير الدولة لشؤون الاتصال السياسي، وليد اللافي، مع وزير الخارجية السوري الجديد، أسعد الشيباني، اتصالا هاتفيا 24 ديسمبر 2024، نقل له فيه رسالة من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، أكد فيها موقف ليبيا الثابت في دعم الشعب السوري والحكومة السورية الجديدة. [2]
-
زيارات حكومية مبكرة: أجرى وفد من حكومة الدبيبة أول زيارة رسمية لدمشق، 28 ديسمبر 2024، التقى خلالها بالرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع. وترأس الوفد الليبي وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية، وليد اللافي، وضم كلًا من وزير العمل على العابد، ومدير الاستخبارات العسكرية اللواء محمود حمزة.[3]
-
تحركات مشتركة في المحافل الدولية: اتفق رئيس حكومة طرابلس، عبد الحميد الدبيبة، مع الرئيس السوري، أحمد الشرع، في لقاء هو الأول من نوعه على هامش منتدى أنطاليا الدبلوماسي في تركيا، 11 إبريل 2025، على تفعيل اللجنة العليا الليبية–السورية المشتركة لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات متعددة، وتنظيم أوضاع المقيمين السوريين في ليبيا. كما ناقشا عددًا من المحاور السياسية والأمنية.[4]