المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > طريقُ الحريرِ الجديد وتأثيرهُ على العلاقاتِ بين ماليزيا وكازاخستان
طريقُ الحريرِ الجديد وتأثيرهُ على العلاقاتِ بين ماليزيا وكازاخستان
- مارس 25, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: هنا داود
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
مقدمة
لطالما كان طريقُ الحريرِ أكثرَ من مجردِ ممرٍ تجاريٍ، فقد شكّل نسيجًا معقدًا من التبادل الثقافي والديني بين آسيا الوسطى وأرخبيل الملايو، حيث كانت التجارةُ عاملاً محفزًا لنقل المعرفة، والفكر الإسلامي، والتفاعل بين الحضارات. ومع ذلك، فإن هذه الروابط التي ازدهرت لقرون قُطعت خلال الحقبة السوفيتية، مما أدى إلى عزلِ جمهورياتِ آسيا الوسطى عن امتدادها التاريخي نحو العالمِ الإسلاميِ الأوسعِ. ومع تفكّك الاتحادِ السوفيتي، وجدت هذه الدول نفسها أمام خيارٍ استراتيجيٍ: هل تعيدُ تعريفَ نفسها من خلال هوية جديدة أم تستعيد جذورها التاريخية؟
يطرحُ مقال بعنوان ” طريق الحرير الجديد؟ الفصل القادم في الحكم الديني بين ماليزيا وكازاخستان[1]“ الخطوات الممكنة لتعزيز التعاون بين ماليزيا وكازخستان في إطار دبلوماسية إسلامية جديدة؛ ماليزيا، بقيادة مهاتير محمد في أوائل التسعينيات، لم تترددْ في التحركِ بسرعةٍ نحو إعادةِ بناءِ العلاقاتِ مع كازاخستان والجمهوريات الإسلامية الأخرى في آسيا الوسطى. لم يكنْ هذا التحركُ مجردَ مناورةٍ دبلوماسية، بل كان جزءًا من رؤيةٍ أوسع لتعزيزِ التضامنِ الإسلاميِ والانخراطِِ في شراكاتٍ اقتصاديةٍ تعكسُ المصالحَ المتبادلةَ. افتتاح السفارة الماليزية في ألماتي عام 1996 لم يكن مجرد حدث بروتوكولي، بل كان رمزًا لاستعادة الروابط التي امتدت عبر قرون، عبر التجارة والتعليم والتبادل الفكري.
لكن أبعد من التجارة والمصالح الاقتصادية، هناك فرصةّ أكثرُ عمقًا تتمثلُ في التفاعل بين الدين، والتقاليد، والحداثة. فكل من ماليزيا وكازاخستان تسعيان إلى إيجادِ توازنٍ دقيقٍ بين الإيمان والتنمية الاقتصادية في عالمٍ سريعِ التغير. ماليزيا تقدمُ نموذجًا لحوكمةٍ دينيةٍ متكاملةٍ ضمن نظام سياسي حديث، بينما تمثّلُ كازاخستان تجربةً فريدةً في إعادة دمجِ الهويةِ الإسلاميةِ بعد عقودٍ من العلمنة القسرية. السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لهذين النموذجين أن يستفيدا من بعضهما البعض لصياغة رؤية جديدة للدول الإسلامية، تتجاوز الخطابات التقليدية إلى سياسات فعالة تمكّن العالم الإسلامي من التكيف مع متطلبات العصر دون فقدان جذوره؟
الفوارقُ الدينيةُ وإمكانيةُ التعاون
يشيرُ المقال إلى أن ماليزيا وكازاخستان تقفان على “طرفي نقيض من العالم الإسلامي” ولكن القاسمَ المشتركَ بين الدولتين هو تبنيهما للمذهبِ السني، مما يُفترض أنه يوفرُ أرضيةً مشتركةً للتعاون، هذا الطرحُ يوضحُ الفوارقَ الجوهريةَ في تطبيق الإسلام داخل كل دولة؛ فبينما تتبنى ماليزيا نهجًا مؤسسيًا واضحًا في إدارة الشؤون الدينية من خلال مؤسسات رسمية مثل JAKIM، فإن كازاخستان لا تزال في طور إعادة تشكيل هويتها الدينية بعد عقودٍ من الحكمِ السوفيتي العلماني الصارم. لذا، فإن التعاون بين البلدين قد يكون قائمًا نظريًا، لكنه عمليًا يواجه تحديات كبيرة تتعلق بتباين درجة تدخل الدولة في الشؤون الدينية.
الفيدراليةُ الدينيةُ مقابل المركزية الكازاخستانية
تسلطُ الفقرة الضوء على الطبيعة الفيدرالية للنظام الماليزي فيما يخصُ الشؤونَ الدينيةَ، وهو عاملٌ يسمحُ بمرونةٍ في إدارةِ القوانين الإسلامية لكنه يؤدي أيضًا إلى تفاوت في تطبيقها بين الولايات، مما يخلقُ توتراتٍ داخليةً حول قضايا مثل الردةِ، والتحولِ الدينيِ، وحقوقِ الأقليات. في المقابل، كازاخستان تتميز بنظام مركزي أقرب إلى العلمانية التي فُرضت خلال الحقبة السوفيتية، ما جعلَ الإسلامَ هناك أكثرَ اعتدالًا وأقل خضوعًا للسلطة السياسية مقارنة بماليزيا. لكن في السنوات الأخيرة، شهدت كازاخستان تحولات تدريجية نحو إعادة إدماج الهوية الإسلامية ضمن سياستها الوطنية، وهو أمر يجعلها أمام خيارين: (تبني نموذج ماليزيا في إضفاء الطابع المؤسسي على الإسلام – الحفاظ على إرثها العلماني مع تقديم بعض التعديلات التدريجية لاستيعاب البُعد الديني) وفي الحالتين، سيبقى التحدي الرئيسي هو إيجاد توازن بين استعادة الهوية الإسلامية والحفاظ على التعددية الثقافية والدينية.
ماليزيا يمكن أن تقدمَ لكازاخستان نموذجًا في الإدارة المؤسسية للدين، بينما تقدمُ كازاخستان لماليزيا دروسًا في إدارةِ التنوعِ الديني دون تهديدِ الوحدةِ الوطنيةِ، نجاح هذه الشراكة يتوقف على مدى استعداد كازاخستان لتبنّي آلياتٍ تنظيميةٍ مستوحاةٍ من النموذجِ الماليزي، خاصة أن كازاخستان لا تزال متأثرةً بإرثِ الدولة السوفيتية التي حدّت من تأثير الدين في المجال العام. كما أن ماليزيا، رغم تطورها المؤسسي، تعاني من توترات داخلية حول تفسير الشريعة الإسلامية، ما قد يجعلُ نموذجَها أقل قابلية للتصدير إلى سياقات مثل كازاخستان التي تعتمد نهجًا أكثر براغماتية في التعامل مع الدين.
الحزامِ والطريقُ: استراتيجيةٌ اقتصاديةٌ أم أداة جيوسياسية؟
يصف المقال مبادرة الحزام والطريق (BRI) بأنها أكثرُ من مجردِ مشروعٍ تجاريٍ أو بنية تحتية، بل كأداةٍ جيوسياسيةٓ لتعزيزِ التكامل العالمي، وخاصة بين الدول الإسلامية. هذا التوصيف يعكسُ التحولَ في دور الصين من مجرد قوة اقتصادية إلى لاعب رئيسي يعيد تشكيل النظام الدولي. لكن السؤال الأهم: هل تنظر الدول الإسلامية إلى المبادرة على أنها فرصة تنموية أم مشروع يخدم المصالح الصينية بالدرجة الأولى؟
-
من منظورِ الاقتصادات الناشئة مثل ماليزيا وكازاخستان، توفرُ المبادرةُ فرصةً للاستثمار في البنيةِ التحتية وتعزيز التجارة، لكن في المقابل، تتزايد المخاوف من الديون السيادية التي قد تؤدي إلى تبعية اقتصادية لبكين.
-
من منظورِ التنافسِ الجيوسياسيِ، يُنظرِ إلى المبادرةِ باعتبارها أداةً صينية لمواجهةِ النفوذ الغربي، حيث تستخدم الصين القروض الضخمة والاستثمارات في الموانئ والطرق لتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في مناطق حيوية، مثل جنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى، حيث تقع ماليزيا وكازاخستان