المقالات
ظاهرة تجنيد الأطفال في أفريقيا: بين استغلال الحروب وجهود الإصلاح
- يناير 23, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
دينا لملوم شيماء ماهر
منسق وحدة الشؤون الأفريقية باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
المقدمة
تمثل جريمة تجنيد الأطفال في الحروب والنزاعات من أخطر أنواع الجرائم التى تؤثر على حياة الأطفال وتُسبب أضرار جسيمة تؤثر على صحتهم النفسية والاجتماعية، وتؤدي إلى تدمير مستقبلهم وحرمانهم من حقوقهم الأساسية، فضلًا عن خلق أجيال مشوهة جراء الانخراط في أعمال القتال في النزاعات المسلحة التى لا تعرف سوى الاقتتال والتدمير، مما يولد جيل في غاية الخطورة كون نشأته غير طبيعه، إذ تتم تربية الأطفال في صفوف الجماعات المسلحة لاسيما المتطرفة التى تفتقر إلى المعايير الانسانية والأخلاقية، وتُعتبر هذه الظاهرة جريمة حرب وانتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وفي الواقع أن الأطفال في أفريقيا هم أكثر عرضة لعمليات التجنيد بحكم هشاشة الواقع الأمني والاقتصادي والتعليمي والسياسي، وجميعها عوامل استغلتها الجماعات المسلحة غير الحكومية والإرهابية في تجنيد الأطفال، من خلال أساليب الترهيب والترغيب مستغلين في نفس الوقت الفجوة الأمنية وضعف قدرة الحكومات عل تطبيق القانون.
المحور الأول: لمحة عامة عن ظاهرة تجنيد الأطفال
تعد ظاهرة تجنيد الأطفال من أخطر الانتهاكات الإنسانية التي يشهدها العالم في النزاعات المسلحة والحروب، حيث يتم استغلال الأطفال من قبل الجماعات المسلحة والجيوش النظامية لأداء أدوار متعددة تتراوح بين القتال المباشر وأعمال الدعم اللوجستي والاستغلال الجنسي، وتُعتبر هذه الظاهرة جريمة حرب وانتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وينتشر تجنيد الأطفال في العديد من الدول التي تعاني من صراعات طويلة الأمد أو أزمات إنسانية، حيث يجد الأطفال أنفسهم عرضة لهذه الظاهرة بسبب الفقر، النزوح، غياب التعليم، وضعف الحماية المجتمعية، ويتم استغلال هشاشتهم الجسدية والنفسية لتنفيذ مهام خطيرة، مما يترك آثارًا مدمرة على حياتهم ومستقبلهم.
أولًا: تعريف مصطلح تجنيد الأطفال
تعددت مصطلحات وصف ظاهرة الأطفال الذين يتم استعمالهم في الحروب والنزاعات المسلحة فهناك من يسميهم ” أطفال الحروب” أو ” الأطفال المجندون” أو ” عسكرة الطفولة” أو ” الطفل المحارب” وغيرهم من المصطلحات التى تشير إلى إشراك الأطفال قسرًا في الأعمال القتالية، وبالتالي يمكن تعريف تجنيد الأطفال بأنه ” كل من جند طفلًا دون سن الثامنة عشرة من عمره بهدف إشراكه في عمليات قتالية أو غيرها من الأعمال المتصلة بها كحمل الأسلحة أو المعدات أو الذخيرة أو نقلها أو زراعة المتفجرات أو الاستخدام في نقاط التفتيش أو المراقبة أو الاستطلاع أو تشتيت الانتباه أو استخدامه كدرع بشري أو في مساعدة الجناة وخدمتهم بأي شكل من الأشكال أو غير ذلك من الأعمال القتالية.
وقد عرفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة مصطلح الجنود الأطفال بأنهم ” كل شخص لم يتجاوز عمره 18 سنة وعضو في القوات المسلحة الحكومية أو في الجماعات المسلحة النظامية أو غير النظامية أو مرتبط بتلك القوات سواء كانت هناك أم لم تكن هناك حالة من الصراع المسلح، وعرفتهم الأمم المفوضية الأوربية بأنهم ” الأشخاص الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 سنة وقد شاركوا بشكل مباشر وغير مباشر في الصراع العسكري المسلح”.
وفي السياق ذاته انعقد مؤتمر الكاب الدولي في عام 1997م بخصوص الجنود الأطفال وعرف الجنود الأطفال بأنهم ” كل شخص عمره أقل من 18 سنة يتم تجنيده أو استخدامه من قوة أو مجموعة مسلحة أيًا كان العمل الذي سيمارسه معها سواء كان فتاة أم صبيًا يتم استخدامهم كمقاتلين، طباخين، حمالين، جواسيس أو سعاة بريد”[1].
ثانيًا: نبذة تاريخية عن تجنيد الأطفال في أفريقيا
تُعد ظاهرة التجنيد القسري للأطفال في أفريقيا من أبشع أنواع الانتهاكات التى يتم ارتكابها بحق الطفل ولقد حظيت هذه الظاهرة باهتمام دولي خلال ثمانينيات القرن الماضي، وبدأت المساعي الرامية إلى خفض معدلات هؤلاء الأطفال وتقليص عملية إدماجهم في النزاعات والحروب التي تخوضها الجماعات المسلحة سواء الرسمية منها أو المتمردة، ولكن بعد مرور أكثر من عقد من الزمان، لا تزال أعداد الأطفال الجنود في تزايد رغم الجهود الرامية للقضاء عليها والحد منها فهناك أكثر من 30 ألف طفل يشكلون جزءًا من الجيوش النظامية وغير النظامية على مستوى العالم، إما كمقاتلين أو كأفراد دعم.
وقد شهدت أفريقيا جنوب الصحراء خلال تسعينيات القرن العشرين عددًا كبيرًا من النزاعات والحروب الأهلية في العديد من البلدان، مثل ليبريا، سيراليون، الصومال، بروندي، رواندا، الكونغو برازافيل، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ساحل العاج، وغيرها، وتم تجنيد الأطفال خلال هذه الحروب، وفي عام 1994م شارك ما يقرب من 14 ألف طفل في الإبادة الجماعية التي شنها الهوتو تجاه التوتسي في بوروندي، وكان غالبيتهم تحت سن الرابعة عشرة؛ حيث قام الهوتو بإرسال ما يتراوح بين 3000: 5000 طفل لا تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة إلى معسكرات التدريب في جمهورية أفريقيا الوسطى وتنزانيا ورواندا، وتم تجنيد أيضًا العديد من الأطفال من دولة كينيا للمشاركة في القتال الدائر بين الهوتو والتوتسي[2].
وفي السياق ذاته شارك ما يقرب من 10 آلاف طفل كجنود في الحرب التى شهدتها الكونغو الديمقراطية في عام 1996، وقد تراوحت أعمارهم ما بين السابعة والسادسة عشرة، ومع مطلع القرن الحادي والعشرين، انغمس الكثير من الأطفال في النزاعات المسلحة في العديد من قارات العالم وأصبحوا جزءًا لا يتجزأ من الوحدات العسكرية الخاصة بالجماعات المسلحة وخاصة الجماعات المتمردة الإرهابية، وخلال عام 1997، قام الاتحاد الوطني للاستقلال التام لأنغولا بخطف ما يقرب من 200 طفل من اللاجئين الروانديين وقام بتجنيدهم قسرًا في صفوف الاتحاد.
وفي عام 2003م شارك 20 ألف طفل في حروب ليبيريا، كما قام جيش الرب الأوغندي بخطف ما يقرب من 14 ألف طفل لتجنيدهم قسريًا في النزاعات والغارات التي قام بها الجيش، ولا يقتصر التجنيد على الأطفال الذكور فقط بل يتم تجنيد الإناث حيث يُعد وجود الفتيات أمرًا اساسيًا لبقاء قوة الجماعات المسلحة بسبب عملهن الإنتاجي والإنجابي، فبجانب عملهن كجواسيس وزارعات للألغام وحاملات للمسروقات وسارقات للماشية؛ يقمن أيضًا بزراعة المحاصيل وإعداد الطعام وخدمة الرجال والشباب، وتم تجنيد 7747 طفلا خلال عام 2019م أغلبهم لا تتجاوز أعمارهم 7 سنوات وتم استخدامهم في 14 صراع حول العالم[3].
المحور الثاني: أشكال تجنيد الأطفال في النزاعات والحروب المسلحة
تتنوع أشكال تجنيد الأطفال في النزاعات الأفريقية وفقًا للحاجة إلى كل نوع وتجمع معظم الجماعات المسلحة في مناطق الصراع في أفريقيا، وعليه تتنوع أشكال تجنيد في مناطق الصراعات في أفريقيا في الآتي:
مقاتلين في المعارك
يتمثل السبب الرئيسي في تجنيد الأطفال في مناطق الصراع والنزاعات المسلحة في حاجة الجماعات المسلحة والجيوش إلى أعداد كبيرة من الجنود حيث يتعرض الطفل في البداية لمجموعه من التدريبات مثل تدريبه على كيفية حمل الأسلحة بأنواعها وكيفية استخدامها، حيث يتم التعامل معهم على أنهم بالغين بما في ذلك من تعاملات قاسية وغير مناسبة للطفل ويتم إشراكهم في مناطق النزاع المسلح على الرغم من صغر سنهم.
استخدام الفتيات في التجنيد
تبلغ نسبة تجنيد الفتيات في الحروب والنزاعات المسلحة نحو 40% حيث يتم إجبار بعض الفتيات على تنفيذ هجمات انتحارية، فتستغل الجماعات المسلحة صغر سنهن وقدرتهن على التحرك دون لفت الانتباه، وتقوم الفتيات بمهام مثل الطبخ، تنظيف المعسكرات، وحمل الإمدادات، بالإضافة إلى العمل كممرضات ميدانيات أو مساعدين في علاج الجرحى، كما يتم اختطاف الفتيات وإجبارهن على الزواج القسري من قادة أو أفراد الجماعات المسلحة، ويتم استغلال الفتيات كعبيد جنس ويُمارس العنف الجنسي ضدهن كوسيلة للسيطرة النفسية، وتستخدم الفتيات لجمع المعلومات أو التسلل إلى المجتمعات الأخرى بسبب قدرتهن على التخفي.
استخدام الأطفال كطهاه وجواسيس
يُجبر الأطفال على تحضير الطعام للمقاتلين في ظروف قاسية وغير إنسانية نظرًا لأنهم أقل تكلفة من البالغين، ولا يُطالبون برواتب أو ظروف عمل بالإضافة إلى سهولة اجبارهم على الطاعة وصعوبة تمردهم، ويستخدم الأطفال كجواسيس في الحروب من خلال قيامهم بجمع المعلومات عن تحركات القوات المعادية، والتنقل بين خطوط العدو للحصول على معلومات استراتيجية، والتسلل إلى المجتمعات المحلية أو الجماعات المعادية لجمع المعلومات عن الخطط والموارد[4].
استخدام الأطفال في الكشف عن الألغام الأرضية
يتواجد عدد كبير من الألغام الأرضية في مختلف أنحاء القارة الأفريقية فهناك العديد من الألغام الأرضية المضادة للأفراد وغيرها من المتفجرات من مخلفات الحرب في جميع أنحاء العالم تمثل تهديدًا للأطفال، الذين يتعرضون للإصابة والقتل والتيتم على أيديهم بعد فترة من انتهاء الحروب، فيتم استخدام الأطفال في الكشف عن موقع الألغام مما ينهي بحياة العديد من الأطفال، حيث يتم تجنيدهم للكشف عن مكان العديد من الألغام الأرضية بدلًا من تحمل عبء الكشف عنها في الدول الأفريقية[5].
المحور الثالث: وسائل تجنيد الأطفال في النزاعات الأفريقية
تتنوع أساليب تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة ولاسيما الإرهابية منها وتتمثل أساليب تجنيد الجماعات المسلحة فيما يلي:
التجنيد الإجباري
يمثل التجنيد الإجباري من أكثر الوسائل شيوعًا في مختلف أنحاء القارة الأفريقية حيث تلجأ الجماعات المسلحة للاختطاف كوسيلة رئيسية للتجنيد، ويتوقف ذلك على مدى احتياج الجماعات المسلحة للأطفال لتجنيدهم، ومدى توفر بعض السمات البدنية للأطفال من حيث الصحة والقوة على حمل السلحة وغيرها، وتقوم الجماعات المسلحة باختطاف الأطفال من المنازل والمدارس ومن ثم تجنيدهم، ويتعرض الأطفال للتعذيب والأعمال الشاقة والاستغلال الجنسي من أجل إجبارهم على القتال، ويتم إجبار الأطفال على ارتكاب جرائم مروعه وفي حالة رفضهم يتعرضون للتعذيب أو القتل.
التجنيد الطوعي
قد يتم تجنيد الأطفال طواعية في الحروب والنزاعات حيث يتمثل الدافع وراء انضمام الأطفال طواعية في الفقر وغياب التعليم، والبحث عن الشعور بالأمان الذي توفره هذه الجماعات ورد المظالم والقمع وسوء المعاملة التى يتعرضون لها من الجماعات المسلحة أو الإثنيات المعادية لهم، وفقدانهم لأسرهم ومن يحميهم، وجميع هذه العوامل ولدت لدى الأطفال الرغبة في الانتقام ممن ألحق بهم هذه الاضرار، وفي المقابل فإن هذه الجماعات تقدم نفسها على أنها الملاذ الأمن لهؤلاء الاطفال، ولأجل ذلك تقدم لهم مزايا مادية كالحصول على الطعام والمكافآت المالية لاسيما التي ترتبط بعمليات النهب، ومزايا غير مادية مثل منحهم رتب داخل هذه الجماعات، مما يمنحهم هوية تميزهم وتربطهم بأقرانهم وقادتهم.
كما أن تغرب الاطفال عن بيئتهم ومحيطهم الطبيعي بتركهم لقراهم ومدارسهم سيولد لديهم شعور بالعزلة وضعف الانتماء وتفكك العلاقات الأسرية، وفقدانهم لهويتهم الشخصية، مما سيشكل دافعًا طوعيًا لانضمامهم إلى الجماعات المسلحة سعيًا منهم للاحساس بهوية الانتماء الى مجتمع ما، بالرغم من خطورته والعنف الذي سيتعرضون له، وبالرغم من أن التجنيد الطوعي اختياري لكنه في الحقيقة ينطوي على الاكراه، حيث أن انتماء الأطفال إلى هذه الجماعات جاء من باب أنه لا خيار لديهم، وعدم وجود بدائل أمنة، ولا مهرب من الاضطهاد الذي يتعرضون له سوى الانتماء إلى هذه الجماعات التي استقطبتهم بدوافع إثنيه أو دينية أو اقتصادية أو خوفاً من الصراع الدائر نفسه وغيرها.
المحور الرابع: أسباب انتشار ظاهرة تجنيد الأطفال في أفريقيا
تمثل القارة الإفريقية أكثر قارات العالم التى يكثر فيها نشاط تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة بالمقارنة مع مناطق كثيرة في العالم، وتتنوع أسباب تجنيد الأطفال في أفريقيا نظرًأ لوجود العديد من العوامل، وعليه يمكن توضيح أبرز أسباب انتشار ظاهرة تجنيد الأطفال على النحو الآتي:
تزايد حالات انعدام الأمن والاستقرار في أنحاء أفريقيا
تحتضن القارة الأفريقية ما يقرب من 75% من إجمالي عدد الأطفال الذين يعيشون في مناطق الصراعات حول العالم، ولذلك فهي تمثل بؤرة الصراع الذي يعمل على تهديد أمن الأطفال، فقامت جماعة بوكوحرام بتجنيد ما يزيد عن 100 طفل لتنفيذ عمليات إرهابية في نيجيريا، وساهمت الحروب والصراعات الداخلية في العديد من دول الصراع في زيادة نسب التجنيد القسري الأطفال، وقامت حركة تمرد جيش الرب للمقاومة في شمال أوغندا باختطاف ما بين 25.000 إلى 30.000 من الأطفال خلال الفترة من نهاية القرن العشرين وحتى البدايات الأولى للقرن الواحد والعشرين، وقاموا بتجنيدهم في صفوف الجيش للعمل كعبيد جنس وطهاة ومقاتلين وغيرها من أشكال العبودية والقهر[6].
انتشار الأسلحة الحديثة
أدت التطورات التكنولوجية إلى سهولة استخدام الأسلحة نظرًا لخفة وزنها فأصبح بإمكان طفل في العاشرة من عمره أن يحمل السلاح بكل سهولة ويسر بعدما كان استخدامه مقتصرًا فقط على الكبار وذلك مقارنة بالأسلحة القديمة التي كانت تتطلب قوة بدنية، كما أن قدرة الأطفال على التحمل والبقاء والتسلل وشجاعتهم وإرادتهم في القتال تعزز من فرص تجنيدًا الأطفال قسرًا في الحروب والنزاعات والتي تعزو إلى قدرتهم المحدودة على تقييم المخاطر، لذلك؛ يتم استخدامهم في عمليات زرع الألغام والمتفجرات أو كمتفجرين انتحاريين لكونهم لا يثيرون الشك.
ويتم استخدام الجنود الأطفال أيضًأ كونهم أرخص تكلفة مقارنة بالبالغين؛ حيث يتلقون موارد أقل بما في ذلك من أسلحة ومعدات، كما أن الأطفال أكثر مرونة وقابلية للتكيف والتلقين، ويقومون بتنفيذ المهام دون استجواب من جانبهم لكون الجانب الأخلاقي لم يتطور بشكل متكامل لديهم، فضلًأ عن أنهم أكثر قابلية للبقاء وعدم الفرار مقارنة بالبالغين.
وفي السياق ذاته تقوم الجماعات المسلحة باستخدام أسلوب التجنيد القسري للأطفال من خلال عمليات الخطف والإجبار والتهديد وإلحاقهم بصفوف تلك الجماعات، أو اللجوء إلى استخدام أسلوب الإقناع للانضمام، والذي اعتمد في الآونة الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي لاستقطاب الأطفال وإغرائهم للانضمام لصفوف تلك الجماعات ولكن في بعض الحالات ينضم الأطفال إلى الجماعات المسلحة طواعية دون إجبارهم على ذلك، وفي حالات كثيرة يبحثون بأنفسهم عن الجماعات العسكرية لتقديم أنفسهم للالتحاق بها.
وعلى الرغم من ذلك ينضم الأطفال طوعًا للجماعات المسلحة بسبب نقص فرص التعليم وبحثًا عن الحماية، حيث يشعر هؤلاء الأطفال بأنهم سيصبحون أكثر أمنًا عند انضمامهم لتلك الجماعات وامتلاكهم للسلاح، ما يدفع الكثير من الفتيات إلى الانضمام طواعية لصفوف تلك الجماعات المسلحة خوفًا من العنف المنزلي أو أشكال الاستغلال التي يتعرضن لها[7].
ضعف إحكام السيطرة على المناطق الريفية
تعاني المناطق الريفية من تهميش حكومي وتراجع سيطرة الدول عليها خاصة الدول الهشة نسبيًا التى تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية كما هو الحال في مالي وبوركينافاسو ونيجيريا، وتعض أيضًا الحكومات من ضعف السيطرة على الصراعات بين العرقيات المختلفة حول المواردبالإضافة إلى قيام بعض القوات الأمنية بارتكاب انتهاكات بحق المواطنين تعمل على زيادة مشاعر السخط الشعبي على الحكومات وقوم الجماعات الإرهابية بتوظيفها.
معاناة الدول الأفريقية من المشكلات الاقتصادية
تعاني العديد من البلدان الأفريقية من مشكلات اقتصادية طاحنة متمثلة في الفقر والجوع والنزوح وضعف البنية التحتية وانتشار الأمراض والأوبئة والأمراض وارتفاع الجريمة وتضاؤل تحقيق التنمية المستدامة، ومن ثم أدى تدهور الأوضاع الاقتصادية إلى تفاقم حدة مشكلات الصراع المسلح وتزايد تداعياته السلبية، وتعاني العديد من العائلات الأفريقية من ظروف اقتصادية طاحنة مما يدفعهم إلى إرسال أبنائهم للانضمام إلى الجماعات المسلحة من أجل الحصول على الطعام أو بعض الأموال[8].
المحور الخامس: الآثار المترتبة عن تجنيد الأطفال في الحروب والنزاعات
يشكل انخراط الأطفال في النزاعات المسلحة أمراً بالغ الخطورة، لما له من تأثيرات ليس على صعيد الحاضر، أو الفرد بعينه فقط، بل تمتد آثاره إلى الأجيال اللاحقة وعلى الدولة ككل، وتهديد استقرارها سياسياً وأمنياً، وعليه يمكن تناول أبرز الآثار أو التحديات التي تنجم عن ظاهرة تجنيد الصغار على النحو التالي:
الآثار الإنسانية
تدفع ظاهرة المحاربون الصغار نحو حرمانهم من طفولتهم وأسرهم والرعاية الصحية اللازمة، فخلال الحروب والنزاعات يتعرض الكثير من الأطفال إلى الإصابة بأمراض منها الملاريا والحصبة والكوليرا والإيدز وغيرها، ناهيك عن حالات سوء التغذية التي قد تصل في النهاية إلى الموت، فضلاً عن التعرض لانتهاكات جنسية واعتقال وقتل من قبل الجماعات المسلحة، وهو ما يعرضهم لصدمات نفسية كالاكتئاب والقلق واضطرابات النوم والكوابيس، علاوة على السلوكيات العدوانية بسبب العنف الذي شاهدوه أو شاركوا فيه؛ مما يتطلب اتباع نهج شامل لتوفير الدعم النفسي والتأهيل الاجتماعي وتوفير البيئة الملائمة لممارسة حياتهم بشكل طبيعي مرة أخرى.
أما عن التعليم فتعد المؤسسات التعليمية والمدارس من أكثر المؤسسات استهدافاً، سواء بالتدمير والإتلاف، حيث قامت جماعة بوكو حرام في الفترة بين ٢٠٠٩ و٢٠١٥ بقتل العديد من الأطفال وتدمير أكثر من ٩١٠ مدرسة، وإغلاق ما يزيد عن ١٥٠٠ مدرسة أخرى، بجانب ذلك قام الإرهابيون في مالي بقتل العديد من المدرسين والمدنيين وحرق المدارس، أو استخدامها كمخازن للأسلحة والذخيرة؛ فتزداد معدلات الأمية، ليس بسبب ذلك فحسب؛ بل كنتيجة لامتناع الأسر عن إرسال أطفالهم لتلقي العلم؛ خوفاً من اختطافهم من قبل الجماعات المتطرفة؛ وبالتالي حرمان الكثير من الأطفال والشباب من حقهم في التعليم، ومن ثم خلق جيل غير قادر على البناء والتنمية في الدولة.
الآثار الاقتصادية
يعد الأطفال الفئة الأكثر تضرراً من تبعات الحروب والنزاعات المسلحة، حيث تؤدي إلى تراجع مستوى معيشتهم، أما على مستوى الدولة ككل، فتدفع هذه المعاناة إلى خسارة في الأرواح والبنى التحتية وتراجع الأداء الاقتصادي للدولة، مع انخفاض معدلات النمو، وتدهور القدرة الانتاجية، بجانب اضطراب حركة التجارة وتوجيه معظم إيرادات الدولة للإنفاق العسكري؛ استباقاً للأعمال العدائية التي يمكن أن تشهدها البلاد على خلفية هذه الصراعات، وتشير التقارير العالمية إلى أن الدول الأفريقية التي تشهد حالة من الحروب والنزاعات يحدث بها تراجع في معدلات النمو بمتوسط ٢,٥٪، يزداد مع زيادة حدة الصراع وطول مدته.
الآثار السياسية والأمنية
تشكل ظاهرة تجنيد الأطفال عاملاً من عوامل عدم الاستقرار السياسي والأمني في الدولة؛ نظراً لأن هؤلاء الصغار ينشأون على أفكار الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية التي ينتمون إليها، مما قد يجعلهم يقعون في مواجهة مباشرة مع حكوماتهم في المستقبل، وكذا سيتم توظيفهم من قبل هذه الكيانات كأداة ضد الجماعات المسلحة الأخرى أو ضد كيان الدولة ذاتها، على الصعيد الآخر هناك المخلفات الناتجة عن الحروب، والتي قد تُلحق الضرر بالأطفال؛ نظراً لافتقارهم القدرة على معرفة مدى الخطورة التي تسببها هذه المخلفات، إضافة إلى ذلك تندرج الألغام الأرضية كأحد أكبر التحديات الأمنية التي تتمخض عن الصراعات والحروب، بحيث تتسبب في وفاة ما يزيد عن ١٢ ألف شخص بشكل سنوي في القارة الأفريقية.[9]
المحور السادس: نماذج تطبيقية عن تجنيد الأطفال في الحروب والنزاعات
تنتشر ظاهرة تجنيد الأطفال داخل عدة دول أفريقية، حيث تقوم الجماعات المتطرفة باستغلال الأطفال في صراعاتهم المسلحة؛ لتعويض خسائرهم في صفوف العناصر الإرهابية التي فقدتها هذه التنظيمات في عملياتها الانتحارية، فعلى سبيل المثال بدأ تنظيم داعش يتحول نحو استراتيجية جديدة ممثلة في تجنيد الأطفال الصغار؛ عوضاً عن الخسائر البشرية التي تعرض لها في سوريا والعراق؛ مستغلاً حالة الفقر والهشاشة الأمنية والسياسية في بعض دول القارة الأفريقية، وفيما يلي إجمال لأبرز الدول التي يتم فيها استقطاب الأطفال وتجنيدهم:
نيجيريا
لقد فاقمت أنشطة جماعة بوكو حرام الإرهابية في نيجيريا من ظاهرة تجنيد الأطفال؛ كنتيجة للصراع بينها وبين الجيش النيجيري، ووفقاً لتقارير فقد وصل عدد الأطفال المجندين في نيجيريا عام ٢٠١٥ إلى أكثر من ٤ آلاف طفل، وفي عام ٢٠١٧ أجبرت هذه الجماعة ما لا يقل عن ١٣٥ طفل على القيام بعمليات انتحارية، كما قامت باختطاف أكثر من ألف طفل في نيجيريا منذ عام ٢٠١٣ وحتى عام ٢٠١٨، وتتبع بوكو حرام معايير مزدوجة في استقطاب هؤلاء الأطفال كُلٌ حسب نوعه، فالفتيات يتم إجبارهم على الزواج من عناصر الجماعة، ومن ثم تكليفهن بالقيام بعمليات إرهابية، والبعض كان يختار هذا المسار؛ هرباً من هذا التنظيم الإرهابي.
الصومال
لا يزال محور تجنيد الأطفال من قبل حركة الشباب الصومالية أمراً قائماً بالرغم من التقدم الذي أحرزته بعثة أميصوم الأممية في مجال مكافحة الإرهاب، ففي عام ٢٠١٥ تم تجنيد أكثر من ٦ آلاف طفل في النزاعات المسلحة بمقديشو، تؤول نسبة ٤٠٪ منهم إلى حركة الشباب، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن الأمين العام للأمم المتحدة عام ٢٠١٦، وخلال الشهور الأولى من عام ٢٠١٧ تم تجنيد حوالي ١٨٠٠ طفل في الصومال من قبل الجماعات المسلحة، وتترواح أعمارهم بين العاشرة والخامسة عشرة.
ويتلقى هؤلاء الأطفال تدريبات عسكرية على استخدام الأسلحة النارية وكيفية التعامل مع القنابل اليدوية والعبوات الناسفة، وعلى ما يبدو أن التنافس بين تنظيمي داعش والقاعدة مازال حياً في الصومال، حيث تسيطر داعش على أكثر من ٥٠٠ طفل متورطون في أعمال عنف وإرهاب، فتستغل هذه الجماعات الأوضاع الاقتصادية المذرية في البلاد لتقديم حوافز وإغراء الأطفال يرضخون للهروب من وطأة مثل هذه الظروف السيئة، ثم بعد ذلك يلقون مصير الإجرام أوالقتل والتعذيب.
أوغندا
تندرج أوغندا ضمن أبرز دول القارة تجنيداً للأطفال، حيث يعتبر جيش الرب من أكثر الجيوش وحشية في قضية تجنيد الأطفال قسرياً في حربها التي دامت لمدة ١٧ عام ضد القوات الحكومية شمال البلاد، وطبقاً لتقرير صادر عام ٢٠١٥، قام جيش الرب باختطاف حوالي ٨٤٠٠ طفل عام ٢٠٠٢، كما أنه كان يستهدف الموالين للحكومة ومانحي المساعدات وغيرهم، حتى وصل عدد الأطفال الذين تم توظيفهم كأدوات للقتل والاغتصاب والتعذيب والتجنيد الإجباري إلى قرابة ٣٠ ألف طفل دون السادسة عشرة من عمرهم.
مالي
مع انتشار الإرهاب والتنظيمات المسلحة المتحالفة مع تنظيم القاعدة في مالي مثل حركة التوحيد والجهاد وحركة أنصار الدين، باتت ظاهرة تجنيد الأطفال تطفو على السطح، حيث تم تجنيد ما لا يقل عن ١٧٥ طفل تتراوح أعمارهم بين الثانية عشر والثامنة عشر، ففي يناير ٢٠١٣ صدرت تقارير عن منظمة هيومن رايتس ووتش تفيد بأن أطفالاً لم يتجاوزوا الثانية عشرة كانوا يشاركون في القتال وحمل السلاح، كما تم استخدامهم لأهداف عسكرية كالتجسس في المناطق الحدودية بين مالي والنيجر والجزائر وموريتانيا، ويصل الأمر في نهاية المطاف إلى العمليات الانتحارية[10].
الكونغو الديمقراطية
تعد الكونغو الديمقراطية من أكثر الدول التي تتبع استراتيجة تجنيد الأطفال، ففي عام ٢٠٠٧ بلغ عدد المجندين شرق الكونغو من هذه الفئة العمرية حوالي ٧ آلاف، ومازالت هذه الظاهرة في الارتفاع، بالرغم من كافة القوانين واللوائح التي تجرم تجنيد الأطفال تحت سن الثامنة عشر، وينتشر هذا النموذج بين الميليشيات والجماعات المتطرفة مثل جماعة ماي ماي، والمجموعات الأجنبية المسلحة، كالقوات الديمقراطية لتحرير رواندا، علاوة على القوات المسلحة للكونغو.
وفي الوقت الذي يتم فيه اختطاف الأطفال بالقوة من قبل الجماعات المسلحة، هناك فصيل آخر ينضم إليها بشكل طوعي، وبمجرد انضمامهم لهذه الكيانات الإرهابية يتم ممارسة أفظع جرائم العنف من قبل هؤلاء الصغار، فيتحولون من ضحايا إلى مذنبين في حق الآخرين، وتوحي حالة الجنود الأطفال في جمهورية الكونغو إلى أن البقاء في بيئة يغلب عليها طابع العنف والصراع يعتبر أمراً خطيراً وتحدياً للمجتمعات، حيث تعرقل مساعي إعادة الإدماج والعودة إلى الحياة الطبيعية[11].
المحور السابع: الجهود المبذولة للتصدي لظاهرة تجنيد الأطفال
أولت المواثيق والقوانين الدولية اهتماماً بالغاً بقضية تجنيد الأطفال في القارة الأفريقية، والحفاظ عليهم بمنأى عن النزاعات المسلحة، لما لهم من حق في الحياة والتمتع بحقوق الطفل كاملةً؛ وذلك عبر الأطر القانونية ومساعي المنظمات الدولية والإقليمية لمكافحة هذه الظاهرة، ويمكن إجمال ذلك فيما يلي:
أولاً: الإطار القانوني
في نوفمبر ١٩٨٩ تم اعتماد اتفاقية حقوق الطفل من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي صدقت عليها كافة دول العالم تقريباً، حيث تناولت الحقوق المشتركة لجميع الأطفال، مع توفير كافة سبل الحماية لهم، لا سيما نص المادة ٣٨ المتعلق بحماية الأطفال المتأثرين بالنزاع المسلح.
وقد نص بروتوكولي جنيف لسنة 1977 على منع تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة وإشراكهم في الأعمال العدائية، وتم اعتماد مبادئ كيب تاون في عام 1997 التي تناولت حظر تجنيد الأطفال وتسريح المجندين منهم، والمساعدة في إعادة إدماجهم في المجتمع، كما أعطت المحكمة الجنائية الدولية اهتماماً خاصاً للأطفال باعتبار تجنيدهم إجبارياً أو طواعية يندرج ضمن جرائم الحرب في حالة النزاع المسلح الدولي وغير الدولي.
وهناك العديد من الاتفاقيات الدولية التي نصت على حظر استغلال الأطفال منها اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 138 لسنة 1973 التي ترفض تشغيل الأطفال قبل نهاية مرحلة التعليم الأساسي، وأيضاً اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 لسنة 1999 التي تُجرم تشغيل الأطفال في ظروف قاسية، ونص المادة 22 من الاتفاقية الإفريقية لحقوق الإنسان والتى تشير إلى حظر تجنيد الأطفال في كل من النزاعات والأزمات، وفي مايو 2002م، صدر بروتوكول اختياري لاتفاقية حقوق الطفل، بعد اعتماده من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ وذلك لكي تضمن التزام الدول المُصدقة على الاتفاقية، وسلط هذا البروتوكول على قضية “عدم إشراك الأطفال دون سن الثامنة عشر في القتال”[12].
ثانياً: دور المنظمات الدولية والإقليمية
مجلس الأمن
رفض مجلس الأمن كافة انتهاكات القانون الدولي المرتبطة بتجنيد الأطفال في أفريقيا وتوظيفهم كدروع بشرية من قبل أطراف النزاع المسلح، ناهيك عن الممارسات غير الإنسانية الأخرى كقتلهم واغتصابهم وممارسة كافة أوجه العنف ضدهم منذ بزوغ فجر هذه الظاهرة؛ لذا قام بإصدار حزمة من القرارات لحماية الأطفال في حالات النزاعات المسلحة، ففي عام ١٩٩٩ أصدر مجلس الأمن قرار رقم ١٢٦١ طالب فيه الأمين العام ضمان مشاركة الأفراد في أنشطة الأمم المتحدة لحفظ السلام، وتضمين حماية الأطفال في حالات النزاع ضمن ولايات عمليات حفظ السلام هذه؛ مما ساعد على إطلاق سراح آلاف المجندين الأطفال.
وفي عام ٢٠٠١ أُصدر قرار آخر برقم ١٣٧٩ دعا فيه مجلس الأمن إدراج بعض الأحكام لتوفير الحماية للأطفال من التجنيد والقتل والاختطاف وخلافه في ولايات حفظ السلام الأممية في حالات النزاعات المسلحة، ونشر مستشارين لحماية الطفل، مثل بعثة للأمم المتحدة بجنوب السودان، وأخرى لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فضلاً عن بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى.
أما في عام ٢٠٠٤م ، فقد أصدر مجلس الأمن قرار رقم ١٥٣٩ يدعو فيه المنظمات الإقليمية والمحلية دمج مسألة حماية الأطفال المتأثرين بالصراعات المسلحة ضمن القضايا التي تناصرها، إضافة إلى إنشاء آليات معنية بحماية الأطفال داخل أمانتها، وتعيين موظفين مهمتهم توفير الرعاية للأطفال، وقد تم إصدار قرار رقم ١٦١٢ في عام ٢٠٠٥م فحواه تكوين فريق عمل تابع لمجلس، تكون مهمته تقديم توصيات للمجلس بشأن التدابير التي يمكن أن تُتخذ لحماية الأطفال المتضررين من النزاعات، ومطالبة كافة الأطراف المعنية بما فيها هيئات الأمم المتحدة على تعزيز قدرات المؤسسات الوطنية والمجتمع المدني بالدفاع عن الأطفال.
صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)
من المتعارف عليه أن منظمة اليونيسف تهتم بحقوق الطفل في مختلف أنحاء العالم، لا سيما الأكثر تضرراً وضعفاً، وفي إطار الجهود التي تبذلها لحماية الأطفال المتضررين من النزاعات، قامت الجماعات المسلحة في جنوب السودان ٢٠١٨ بإطلاق سراح أكثر من ٣٠٠ طفل من بينهم ٨٧ فتاة، إضافة إلى ذلك فقد عملت حركة التحرير الوطني لجنوب السودان- التي وقعت اتفاق سلام مع الحكومة عام ٢٠١٦، وقامت بدمج صفوفها في الجيش الوطني على إطلاق سراح نحو ٢١٥ طفل، كما تم الإفراج عن ٩٦ طفل.[13]
اللجنة الدولية للصليب الأحمر
تلعب اللجنة الدولية للصليب الأحمر دوراً بارزاً في حماية الأطفال من ظاهرة التجنيد والمشاركة في الأعمال القتالية، وتوظف أذرعها المختلفة لضمان فاعلية هذا الدور، حيث تقوم بمراجعة الاتفاقيات وطيدة الصلة بالقانون الدولي الإنساني بصفة دورية، وتشرف على عقد المؤتمرات الدولية؛ بهدف دعم حقوق الطفل في المحافل المختلفة، وحث الدول على التصديق على اتفاقية حقوق الطفل لعام ١٩٨٩م وبروتوكولاتها الاختيارية.
وفي عام ١٩٥٥ قامت بالعمل مع الحركة الدولية للصليب والهلال الأحمر؛ من أجل إعداد خطة للحفاظ على الأطفال ضحايا الصراعات المسلحة، وتعزيز مبدأ عدم تجنيد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن الثامنة عشر، وبعد صدور اتفاقية حقوق الطفل لعام ١٩٨٩، حيث سعت اللجنة لإقرار بروتوكول إضافي ملحق بها لحظر إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة.
وقد تمكنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من إطلاق سراح العديد من الأطفال المجندين في مناطق النزاع في آسيا وأفريقيا على سبيل المثال، ففي عام ٢٠١٤ تم الإفراج عن ٢٨٣ طفل كانوا مجندين في القوات والجماعات المسلحة بجمهورية الكونغو الديمقراطية، كما عملت على رفع مستوى الوعي لدى هذه الكيانات لمنعهم من تجنيد الأطفال وإعادة تأهيل هؤلاء الأطفال للعودة للحياة المدنية مرة أخرى وتدريبهم في عدة مجالات؛ من أجل دمجهم في المجتمع بعيداً عن أعمال العنف المسلح، ومن بين المنظمات الدولية الأخرى المعنية بحقوق الإنسان من بينها التوقف عن تجنيد الأطفال لما لهم من حق في الحياة بعيداً عن الصراعات وأعمال القتال، منظمة هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، ولكلاً منهما أدواره التي يضطلع بها، ويقوم بتوثيق الانتهاكات الموجهة ضد حقوق الإنسان في كتب وتقارير سنوية، وبيانات إخبارية، بالإضافة إلى قيام أعضائها باتخاذ تدابير عملية وفعالة الحيلولة دون وقوع مثل هذه الانتهاكات.[14]
الاتحاد الأفريقي
لقد عُني الاتحاد الأفريقي بمختلف مؤسساته بقضية تجنيد الأطفال في الصراعات، حتى أصدرت الدول الأفريقية “ميثاق حقوق ورفاهية الطفل” عام ١٩٩٠، والذي بدأ العمل به عام ١٩٩٩، ويشير نص المادة ٢٢ منه على ضرورة احترام قواعد القانون الدولي الإنساني التي تشمل حالة النزاعات المسلحة التي تؤثر على الأطفال، مع اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمنع مشاركة أي طفل في الأعمال العدائية.
وفي عام ٢٠١٣ قام الاتحاد الأفريقي بتوقيع اتفاق مع الأمم المتحدة يتضمن تعزيز حماية الأطفال المتضررين جراء الصراعات الأفريقية، كما عقدت إدارة السلم والأمن التابعة لمفوضية الاتحاد الأفريقي اتفاقية شراكة مع اليونيسف؛ لتكثيف الجهود الموجهة لحماية الأطفال من أعمال العنف المسلح، ولقد واقف الاتحاد الأفريقي بدعم من قبل الأمم المتحدة على إدراج حماية الطفل ضمن جميع الأنشطة الأمنية التي يضطلع بها في مناطق الصراع بالقارة السمراء.
الخاتمة
تعد ظاهرة تجنيد الأطفال من القضايا شديدة الخطورة التي تستوجب البحث والدراسة؛ نظراً لحق هؤلاء النشء في العيش بسلام واستقرار بعيداً عن هذه التوترات، سواء التي تنبع من البيئة الداخلية التي تدفعهم إلى ذلك طواعيةً أو إجباراً، أو بسبب الظروف الخارجية المختلفة على خلفية التراجع الاقتصادي في الدولة وانعدام الوعي والتمييز لدى الأطفال، وتحمل هذه القضية في طياتها عوامل تهديد لأمن واستقرار الدولة، وتدمير اقتصادها، فضلاً عن تمزيق الروابط الاجتماعية بين فئات المجتمع، وبالرغم من كافة المواثيق والأعراف الدولية التي جرمت هذه الظاهرة، بجانب الجهود الدولية من قبل العديد من المنظمات والجهات المختلفة، إلا أن هذا الأمر مازالت تعاني منه العديد من دول القارة السمراء، تُسلب فيها حياة الأطفال، دون وضع حد نهائي لذلك، وعليه لابد من تفعيل وتجريم صارم يحمل معه التنفيذ الفعلي لحقوق الإنسان من بينها حقوق الطفل، وعدم إخضاعه لعملية التجنيد تحت أي ظرف من الظروف.
التوصيات
-
التطبيق الفعلي للقوانين الدولية التي تُجرم ظاهرة تجنيد الأطفال، بدلاً من كونها قوانين جامدة تفشل في توفير الحماية اللازمة لهؤلاء النشء، وذلك يمكن أن يتم عبر تشكيل لجنة دولية، وإقليمية على رأسها الاتحاد الأفريقي تتولى مهام تطبيق هذه القوانين ومنع التجنيد الطوعي والاجباري لمن هو دون الثامنة عشر من عمره.
-
مكافحة الفقر حيث يُعد أحد الأسباب الرئيسية لتجنيد الأطفال، من خلال تعزيز التعليم وخلق فرص عمل للأسر الفقيرة، ودعم المناطق المتضررة من النزاعات اقتصاديًا لتقليل الحاجة إلى إشراك الأطفال في النزاعات كوسيلة للبقاء.
-
توفير التدريبات اللازمة لنشر التوعية لدى الأطفال وأسرهم بخطورة الانغماس في الأنشطة المسلحة، مع التأكيد على أهمية التعليم ودعم الأسر مادياً؛ لضمان إبقاء الأطفال في المدارس من جهة، زمن جهة أخرى إبعادهم عن الاستقطاب من قبل الجماعات المتطرفة التي تستغل حالة الفقر التي يعانون منها، ومن ثم استغلال عقولهم.
-
اهتمام الدولة بالتعليم ورفع مستوى كفائته وتوفيره بالمجان لغير القادرين؛ لضمان جودة الخدمات التعليمية المقدمة للشباب والأطفال، بما يجعل هناك جيلاً واعياً لديه إرادة وقادر على التمييز، وبالتالي سيكون بمنأى عن الاستقطاب الفكري من قبل الجماعات المختلفة.
-
توفير الحماية الأمنية الكاملة في الدولة؛ لضمان عدم وصول الحركات المسلحة إلى الأطفال وتأمين المناطق التي يمكن أن تتعرض لهجمات من قبلهم بشكل جيد، وبصفة خاصة المدارس التي تتعرض للتدمير والحرق.
-
إعداد برامج لإعادة التأهيل الأطفال الذين وقع عليهم الضرر وتعرضوا لخطر التجنيد في سن مبكرة، عبر تدشين برامج تدريبية تساعد على إعادة إدماجهم في المجتمع مرة أخرى، ومعالجة الآثار النفسية والاجتماعية التي تسببت فيها بيئة الحروب والصراعات التي عاشوها، وذلك يمكن أن يتم عم طريق منظمة كاليونيسف وغيرها من منظمات حقوق الإنسان.
-
نشر قيم التسامح والوسطية والمحبة وتقبل الآخر في المجتمعات ذات التركيبة العرقية المتنوعة، كسبيل للحد من نشوب الصراعات التقليدية بين العرقيات المتعددة داخل الدولة الواحدة، بالتوازي مع العمل على فرض آليات التعاون والمشاركة والحوار كسبيل لمواجهة التحديات المشتركة ولحل النزاعات القبلية.
-
تنفيذ القوانين الدولية مثل اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكول الاختياري بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة ومعاقبة الأفراد والجماعات المتورطين في تجنيد الأطفال ومحاكمتهم أمام المحاكم الدولية.
-
جعل قضية منع تجنيد الأطفال محورًا رئيسيًا في اتفاقيات السلام وإعادة الإعمار، فضلًا عن إشراك الأطفال والنساء في عمليات بناء السلام لضمان مراعاة احتياجات الفئات المتضررة.
-
إنشاء آليات قوية لرصد وتوثيق انتهاكات حقوق الأطفال في النزاعات، ومحاسبة مرتكبي الجرائم المتعلقة بتجنيد الأطفال أمام المحاكم الوطنية والدولية فضلًا عن فرض عقوبات على الجماعات المسلحة التي تستغل الأطفال.
المصادر:
[1] عبدالقادر حوبة، حظر تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة: دراسة تحليلية في ضوء الاتفاقيات الدولية، مجلة البحوث والدراسات، العدد 15، مصر، 2013م، ص23.
[2] صفوان مقصود خليل، التجريم الدولي لتجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة، مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية، المجلد 16، العدد 2، الإمارات العربية المتحدة، 2019م، ص45.
[3] عبير حسن، جريمة تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة فى ضوء الاتفاقيات والمواثيق الدولية ” دراسة مقارنة بأحكام الشريعة الإسلامية”، مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية، المجلد العاشر، العدد 2، مصر، 2024م، ص32.
[4] محمد النادي، الأطفال الجنود في ظل القانون الدولي الإنساني، المستقبل العربي، العدد 473، لبنان، 2015م.
[5] منال مروان، الطفل في جريمة تجنيد الأطفال بقصد إشراكهم في أعمال قتالية مجرم أو ضحية، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 31، العدد 1، سوريا، 2015م، ص7.
[6] محمد جلال حسين، ظاهرة الجنود الأطفال في أفريقيا بين الدوافع والآثار (دراسة)، مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستشارية، مصر، 2024م، متاح على: https://2u.pw/QWuaCw20
[7] مريم صلاح، تجنيد الأطفال في أفريقيا: المحاربون الصغار في خطر، مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، مصر، 2021م، ص10.
[8] صراح نحال، الحماية الدولية للاطفال من التجنيد والاشتراك في العمليات العسكرية، مجلة جامعة الأمير عبدالقادر للعلوم الإسلامية، المجلد 30، العدد 4، الجزائر، 2016م، ص23.
[9] مصطفى إبراهيم الشمري، تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة الأفريقية وأبعادها الدولية، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، ٢٠٢٢، ص ١٨٠-١٨٥
[10] الإرهاب… وتنامي ظاهرة تجنيد الأطفال في إفريقيا، الأزهر، يناير ٢٠١٩، متاح على الرابط الآتي:
[11] إيمان عبد العظيم، الجنود الأطفال في أفريقيا: ضحايا أم جناة؟ (دراسة)، مركز فاروس، فبراير ٢٠٢١، متاح على الرابط الآتي: https://n9.cl/hdndps
[12] معدلات تجنيد الأطفال فى العالم “مفزعة”..والوضع يزداد سوءا، دراية، مايو 2022، متاح على الرابط الآتي: https://n9.cl/jos3gk
[13] مريم صلاح، عبد اللطيف جودة، تجنيد الأطفال في أفريقيا.. المحاربون الصغار في خطر، ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، أغسطس ٢٠٢١، ص ٢٢-٢٨
[14] مجاهد توفيق، الجهود الدولية لمكافحة جريمة تجنيد الأطفال أثناء النزاعات المسلحة، المجلة الأكاديمية للبحوث القانونية والسياسية، مج ٦، ع٢، ٢٠٢٢، ص١٣٣٥-١٣٣٧