المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > عرضٌ نقديٌ لدراسةٍ بعنوان: “الاستقلالُ الدفاعيُ في تركيا: دراسةٌ في التوطين وتوازن القوى الجيوسياسي”
عرضٌ نقديٌ لدراسةٍ بعنوان: “الاستقلالُ الدفاعيُ في تركيا: دراسةٌ في التوطين وتوازن القوى الجيوسياسي”
- أبريل 20, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: محمود حسن
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
مقدمة
تقدم دراسة “From Client to Competitor: The Rise of Turkey’s Defence Industry”، التي نشرها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في مايو 2024، تحليلاً متعمقًا للتحولِ الدفاعيِ الصناعي في تركيا. وتدرسُ الدراسةُ تحولَ تركيا من كونها متلقيًا سلبيًا للأسلحة يعتمدُ على الموردين الغربيين إلى منافس دفاعي ناشئ بقدرات محلية متزايدة. وتستكشفُ الدراسةُ العواملَ السياسيةَ والاستراتيجية التي شكلت سياسة الدفاع في تركيا، مع التركيزِ بشكلٍ خاصٍ على دور الحظر الخارجي والقيادة المحلية والشراكات الدولية. ويقيم هذا التقرير بشكل نقدي نطاق الدراسة ونقاط قوتها وقيودها لتقييم مساهمتها في الفهم الأوسع لاستراتيجية الدفاع الصناعية في تركيا.
مراجعة المؤلفين
تم تأليف التقرير من قبل Sıtkı Egeli وSerhat Güvenç وÇağlar Kurç وArda Mevlütoğlu، وهم جميعًا علماء وخبراء معترفٌ بهم في السياسة الدفاعية والأمن الدولي والدراسات الاستراتيجية. وتضيف خبرتُهم الجماعيةُ في الأوساطِ الأكاديمية وأبحاثِ السياساتِ مصداقيةً كبيرةً للدراسةِ. يعدSıtkı Egeli متخصصاً في المشتريات الدفاعية والدراسات الاستراتيجية، مع التركيز على تكنولوجيا الصواريخ والتحديث العسكري. أماSerhat Güvenç فهو أستاذ في العلاقات الدولية يتمتع بخبرة في التاريخ العسكري وسياسة الدفاع في تركيا. كما يُعرف CÇağlar Kurç بأبحاثه حول الصناعات الدفاعية والمشتريات العسكرية. أخيراً، يعتبرArda Mevlütoğlu محلل دفاعي يتمتع بخبرة عملية في المجمع الصناعي العسكري التركي. إن انتماءَهم إلى مركزِ السياسةِ الخارجيةِ وأبحاثِ السلام بجامعة بيلكنت يعزز من صرامة الورقة الأكاديمية. ومع ذلك، وعلى الرغم من خبرتهم، فإن التقرير لا يوفر تنوعًا كبيرًا في وجهات النظر خارج المجتمع الاستراتيجي لتركيا، والذي كان من الممكن أن يثري التحليل بوجهات نظر خارجية.
النقاطُ الرئيسيةُ للمقالة: يتكونُ التقريرُ من عدة أقسام، يتتبع كل منها مرحلة محددة في التطور الصناعي الدفاعي لتركيا
1- الاعتمادُ المبكرُ والتأثيرُ الأجنبيُ (1923-1974)
يستكشف القسم الأول كيف كانت المشتريات العسكرية لتركيا تعتمد تاريخيًا على الموردين الأجانب، وخاصة من الدول الغربية. خلال الحرب الباردة، أصبحتْ البلادُ تعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على المساعداتِ العسكريةِ الأمريكية، والتي شكّلتْ تكوينَ قواتِها المسلحة. على سبيل المثال، حصلت تركيا على 3085 دبابة باتون من طراز M48 وM48A2C بين عامي 1963 و1970 بالإضافة إلى اقتنائها ل 260 طائرة مقاتلة من طراز F-100C/D/F Super Sabre للهجوم الأرضي بين عامي 1958 و1973. أشارت الدراسة إلى دور تحول تركيا إلى نظام ديمقراطي في مايو 1950 وانشغال رئيس الوزراء الجديد عدنان مندريس بتلبية الاحتياجات الداخلية للناخبين الأتراك، في زيادةِ اعتمادِ أنقرة على الدعم العسكري الأمريكي.
ومع ذلك، جاءتْ نقطةُ التحولِ في عام 1974 مع حظرِ الأسلحةِ الأمريكيةِ في أعقابِ التدخل العسكري لتركيا في قبرص. لقد كشفَ هذا الحدثُ عن نقاطِ الضعفِ الناجمةِ عن الإفراط في الاعتماد على الموردين الأجانب، وكان بمثابةِ حافزٍ لتحقيقِ هدف تركيا الطويل الأجل المتمثل في الاكتفاء الذاتي في مجال الدفاع.
2- تجديدُ صناعةِ الدفاع (1980-1990)
في ظل سياساتِ التحرير الاقتصادي التي تبناها رئيس الوزراء تورغوت أوزال في ثمانينيات القرن العشرين، سعت تركيا إلى إقامةِ مشاريعَ مشتركةٍ مع شركاتِ دفاعٍ أجنبيةٍ مع توسيع قدراتها المحلية تدريجيًا. ومن بين المعالم الرئيسية: إنشاءُ وكالةِ وزارةِ الصناعات الدفاعية، التي لعبتْ دورًا حاسمًا في تنسيق المشتريات والتنمية المحلية. كما انخرطت أنقرة في عملية إنتاج طائرات مقاتلة من طراز إف-16 من خلال مشروع مشترك مع جنرال ديناميكس فضلاً عن إنشاء شركات دفاعية مدعومة من الدولة مثل أسيلسان، وهافيلسان، والصناعات الجوية التركية.
وعلى الرغم من هذه التطورات، لا تزالُ صناعةُ الدفاعِ في تركيا تواجهُ حواجزَ تكنولوجيةً كبيرةً وتعتمد على الدعم الغربي للمكونات الأساسية. ويسلط التقرير الضوء على كيف عززت الأحداث الجيوسياسية، مثل تردد الغرب في توريد الأسلحة إلى تركيا في التسعينيات بسببِ مخاوفَ تتعلقُ بحقوقِ الإنسان، تصاعد نشاط حزب العمال الكردستاني في جنوبي شرق تركيا خلال التسعينات والتوترات مع اليونان في بحر ايجه، الحاجة إلى قدر أكبر من الاستقلال الاستراتيجي.
3- التوطينُ والاستقلالُ الاستراتيجيُ (2004-الآن)
مع صعودِ حكومةِ رجب طيب أردوغان في العقْدِ الأولِ من القرن الحادي والعشرين، بذلت تركيا جهودًا حازمة نحو الإنتاج العسكري المحلي. تسلط الدراسة الضوء على المبادرات الرئيسية التي شكّلتْ صناعةَ الدفاعِ الحديثة في تركيا. أولاً، عملت أنقرة على تطوير الأنظمة المحلية مثل طائرة بيرقدار TB2 بدون طيار، ودبابة القتال الرئيسية ألتاي، وطائرة أنكا بدون طيار، والكورفيت ميلجيم، بما يعكسُ تناميَ قدرةِ تركيا على الاعتماد على قدراتها الدفاعية الذاتية. ثانياً، قامت الحكومة التركية بتعزيز صادراتها الدفاعية، حيث اكتسبت المنتجات الدفاعية التركية، وخاصةً الطائراتِ بدون طيار، اعترافًا دوليًا وتمَّ تصديرُها بنجاحٍ إلى دول مثل أوكرانيا وقطر وأذربيجان. ورغم النجاح الباهر الذي حققته الصناعات الدفاعية التركية، ظلت أنقرة تواجهُ مشكلةً رئيسةً وهي الحاجةُ للموردين الأجانب فيما يخص الأنظمة الفرعية الحيوية، وخاصة المحركات والمكونات الإلكترونية.
4- معضلةُ الاكتفاءِ الذاتي في مواجهة الديناميكيات الجيوسياسية:
تناقش الدراسة المعضلات التي تواجهها تركيا في تحقيق التوازن بين الاكتفاء الذاتي والتعاون الدولي. بينما يظلُ الاستقلالُ الدفاعيُ التامُ هدفاً استراتيجياً لأنقرة، إلا أن هذا الهدفَ يصطدمُ بالتوازنات الجيوسياسية والتزامات تركيا تجاه حلف الناتو وشركائها الغربيين. في حين سعت تركيا إلى تقليل الاعتماد على الغرب، أبدى أردوغان اهتمامه بتنويع مصادر السلاح التركي. تعاقدت أنقرة على صفقة لشراء نظام الدفاع الجوي والصاروخي الصيني FD-2000 في عام 2013.
ناهيك عن أن قرارَها بشراءِ نظامِ الدفاعِ الصاروخي الروسي إس-400 أدّى إلى عواقبَ وخيمةٍ، بما في ذلك إزالتها من برنامج إف-35 والعقوبات الأمريكية بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات. ويقر التقرير بأن تطلعات تركيا إلى الاستقلال التام مقيدة بعوامل استراتيجية وتكنولوجية.
ولكن في اعتقادي أن إدارةَ أردوغان كانت على درايةٍ بغيابِ الإرادةِ الحقيقيةِ لدى واشنطن لإتمامِ صفقة مقاتلات إف-35 أخذاً في الاعتبار عدةَ عواملَ في مقدمتهِا ضمانُ التفوقِ الجويِ الإسرائيلي. بالتالي، فإن شراء المنظومة الروسية كان القرارُ الأصوب من وجهة نظر استراتيجية. في الوقت ذاته، تعاني أنقرة من إشكالية عدم قدرتها على إدخال صواريخ الدفاع الجوي الروسية للخدمة بسبب تعارضها مع آليات الدفاع لدى حلف الناتو، مما يؤكد وجهة نظر المؤلفين حول إضرار اللعبة الجيوسياسية بالاستقلال الاستراتيجي لأنقرة.
استنتاج: تُعدُ الدراسةُ مصدراً قيماً لفهم الدور المتطور الذي تلعبهُ تركيا في صناعة الدفاع العالمية ويمكن استعراض نقاط القوة والضعف بها على النحو التالي:
نقاط القوة في الدراسة:
يقدم التقرير تاريخًا موثقًا جيدًا لقطاع الدفاع في تركيا، ويربطُ بشكلٍ فعالٍ بين الأحداثِ الماضيةِ والاتجاهاتِ الحالية مما عززَ قدرتَه على تقديم تحليل تاريخي شامل. علاوةً على ذلك، تعترف الدراسة بالتقدم الذي أحرزته تركيا في مجال الصناعات الدفاعية مع تضمنها تقييم واقعي لتحديات الاكتفاء الذاتي الكامل. هذا التقييم الواقعي أكسب الدراسة موضوعية وحيادية كبيرة.
في السياق ذاته، قدمتْ الدراسةُ تحليلاً ثاقباً حول دورِ التوتراتِ والتوازناتِ الجيوسياسيةِ في الضغط على أنقرة للدخول في مقايضات سياسية أو تعطيل طموحاتها الاستقلالية الدفاعية بما يحسن قدرة التقرير على الربط بين العوامل الجيوسياسية والتخطيط الاستراتيجي. هذا يعني أيضا أن المؤلفين لم يكونوا منفصلين عن الواقع أو يسعون إلى استعراض قدرات تركيا الدفاعية بشكل منحاز وغير علمي.
قيود الدراسة:
على النقيض، افتقرتْ الدراسةُ إلى مناقشةِ الاستدامةِ الماليةِ للمشروعات الدفاعية التركية خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية في تركيا، في حين تشير الدراسة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي، إلا أنها لا تحللُ بشكلٍ كاملٍ الجدوىَ الاقتصاديةَ طويلةَ الأجل لاستدامة الإنتاج المحلي وسط التقلبات الاقتصادية في تركيا، إن التحليلَ الذي قدمته الدراسة لخطة أوزال لتقليل التكلفة الاقتصادية لتطوير الإنتاج الدفاعي كان يمكن تطبيقه على سياسات تركيا المعاصرة.
كما غاب عن تحليل قدرات تركيا كقوة دفاعية ناشئة، الإشارة إلى تجارب ناشئة أخرى في القطاعات الدفاعية على غرار الهند وكوريا الجنوبية، وهذا التحليلُ المقارنُ كان من شأنه تقديمُ سياقٍ أوسعٍ لنقاط القوة والضعف في المشروع الاستراتيجي لتركيا في مجال الدفاع. بالإضافة إلى ذلك، كان إدراج استكشاف أعمق لتأثير العوامل الداخلية في سياسات الشراء ليقدمَ نظرةً شاملةً حول ديناميكيات صناعة القرار الدفاعي في تركيا. على سبيل المثال، كان من الممكن دراسة دور صناعة الدفاع في خطاب أردوغان الشعبوي واستراتيجياته الانتخابية بشكل أكبر.
الخلاصة:
تقدم دراسة “من العميل إلى المنافس: صعودَ صناعةِ الدفاعِ في تركيا” فحصًا شاملاً ومنظمًا جيدًا للتحول الدفاعي الصناعي في تركيا، وتميزت الدراسة بتسلسلٍ تاريخيٍ وترتيبٍ منطقيٍ للأفكار والذي تجسّدَ في تناولِها لتطورِ صناعةِ الدفاع التركية وسياقاتها الإقليمية وأهم الأحداث الدولية التي ساهمت في تشكيلها، وقد نجح التقرير في تسليط الضوء على إنجازات تركيا في توطين إنتاجها العسكري مع الاعتراف بالتحديات المستمرة المتمثلة في الاعتماد التكنولوجي والقيود الجيوسياسية. ومع ذلك، كان من الممكنِ تعزيزُ التقريرِ من خلال استكشافٍ أعمقٍ للاستدامةِ الماليةِ والمقارناتِ العالميةِ مع التطورات الصناعية الدفاعية المماثلة بجانب دمْجِ دورِ العواملِ الداخليةِ في فهْمِ سياساتِ الدفاع التركية.
المصدر:
-
Sıtkı Egeli, Serhat Güvenç, Çağlar Kurç and Arda Mevlütoğlu. 1/5/2024. the International Institute for Strategic Studies (IISS). Available at: https://rb.gy/6g3mww