المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > عرضٌ نقديٌ لمقال “كيف ساهمت حكومة حزب العمال برئاسة ستارمر في تمكينِ إسرائيل من الإبادة الجماعية”
عرضٌ نقديٌ لمقال “كيف ساهمت حكومة حزب العمال برئاسة ستارمر في تمكينِ إسرائيل من الإبادة الجماعية”
- أكتوبر 27, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات
إعداد/ دينا إيهاب
باحث مساعد في وحدة شؤون الشرق الأوسط
المقدمة
في مقالهِ المنشور في “ميدل إيست آي”، يستعرضُ الكاتبُ “جوزيف ويلتس”، انتقاداته العميقة لحكومة حزب العمال البريطاني بقيادة “كير ستارمر” فيما يتعلق بسياساتها تِجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي،[1] يُعبّر ويلتس عن خيبة أمله من عدم قدرة الحكومة الجديدة على اتخاذ مواقف حاسمة، مشيرًا إلى الفيديو المؤلم للطالب الفلسطيني “شعبان الدلو” الذي أُحرق حيًا نتيجة القصف الإسرائيلي، والذي يعكسُ حجم الدمار الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني. يُبرز المقال كيف أن القواتِ الإسرائيلية تكرر ما فعله الاحتلال في غزة سابقًا في لبنان، دون أن تصدرَ الحكومة البريطانية بيانًا قويًا يعبّر عن القلق حيال هذه الانتهاكات، مما يسلّط الضوءَ على فشلِ الحكومة في التصدي لهذه الانتهاكات، ويَلفتُ الانتباهَ إلى أن القيادة الحالية لحزب العمال لم تُظهرْ تغييراتٍ حقيقيةً في سياستها، بل يبدو أنها تكرر نفس الأخطاء التاريخية التي عانت منها السياسة البريطانية التقليدية، يتناول ويلتس في مقاله التحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة في محاولةٍ تحقيق توازن بين الاعتبارات الأخلاقية والدعم التقليدي لإسرائيل.
التعريفُ بالكاتب
جوزيف ويلتس هو رئيس الشؤون البرلمانية في “مجلس التفاهم العربي البريطاني” (Caabu)، الذي يعمل على تعزيز التفاهم بين المملكة المتحدة والدول العربية، ولدى ويلتس خبرة واسعة في الشؤون البرلمانية وعلاقات الشرق الأوسط، إذ قاد العديد من الوفود البرلمانية متعددة الأحزاب إلى دول مثل الأردن ولبنان وفلسطين، مما جعله مُطّلعًا على الوضع السياسي والإنساني في المنطقة.[2]
أبرزُ المحاورِ التي تناولها المقال
-
تَراجعُ الأملِ في سياسات أكثر إنسانية: يبدأ الكاتب مقاله بالتأكيد على أن آمال المجتمع الدولي كانت مرتفعةً عندما تولت حكومة حزب العمال برئاسة كير ستارمر السلطة، كانت هناك توقعاتٌ بحدوث تحوّلٍ ملحوظ في السياسة البريطانية تجاه القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الأوضاع المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون، ومع ذلك، يعبّر الكاتب عن خيبة أمله من موقف الحكومة الذي يراه متواطئًا أو غير مبالٍ بممارساتِ إسرائيل، من خلال الإشارة إلى الخطابات الرسمية والإجراءات المتبعة، يُظهر ويلتس كيف أن الحكومةَ الحالية لم تتجاوزْ حدود السياسة التقليدية التي كانت تتبعها الحكومات السابقة، مما يجعلُ الوضعَ الفلسطيني أكثر حرجًا.
-
إهمالُ حقوقِ الفلسطينيين وخرق القانون الدولي: يستند الكاتب في تحليله إلى تقريرٍ أعدتهُ مجموعةٌ من ١٥ منظمةً غير حكومية، والذي يسلّط الضوء على الخروقات المستمرة لحقوق الإنسان في فلسطين، يُشير الكاتب إلى أن هذه المنظمات قد دعت الحكومة البريطانية إلى اتخاذ إجراءات ملموسة مثل إنهاء مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل وفرْضِ عقوبات على القادة الإسرائيليين المتطرفين، ويعتبر ويلتس أن فشل الحكومة في الاستجابة لهذه المطالب يُظهرُ عدمَ احترامها للقانون الدولي وحقوق الفلسطينيين، بهذا، يؤكد على ضرورة أن تتبنى الحكومة البريطانية سياسات أكثر إنسانية وصارمة، لا سيَّما في ظل تفاقم الانتهاكات.
-
انعدامُ المحاسبةِ على الجرائم الإسرائيلية: يوضح الكاتب أنه في ظل التصعيد المستمر من قِبَلِ إسرائيل ضد الفلسطينيين، لم تُحَاسبْ إسرائيل على أفعالها، مما يساهم في تفشي الإحساس بالإفلات من العقاب، فحتى في ظل تصنيف إسرائيل للأونروا كمنظمة “إرهابية”، لم تحركْ الحكومة البريطانية ساكنًا، وهو ما يُظهرُ تواطؤًا ضمنيًا في عدم الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، مما يساهم في تعزيز السياسات الإسرائيلية العدوانية.
-
إساءةُ استخدامِ حق “الدفاع عن النفس”: ينتقد الكاتب كيف أن الخطاب السياسي البريطاني يولِي الأولويةَ لحق إسرائيل في “الدفاع عن النفس”، مشيرًا إلى أن هذا المصطلح يُستخدمُ لتبرير الهجمات العنيفة على الفلسطينيين، كما يعتبر ويلتس أن هذه الذرائع تُسهمُ في تأجيج العنف وتسهيل ما يصفه بالإبادة الجماعية. من خلال هذا النقاش، يدعو إلى ضرورة إعادة تقييم مفهوم “الدفاع عن النفس” في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويدعو لتبنّي مقاربات أكثر إنسانية تراعي حقوق الفلسطينيين وكرامتهم.
-
عدمُ الاستجابةِ لغضب الشعبي البريطاني: يستند ويلتس أيضًا إلى استطلاعات الرأي التي أظهرت دعمًا متزايدًا من قِبلِ الجمهور البريطاني لحظر الأسلحة على إسرائيل، وكذلك احترام مذكرات الاعتقال الدولية ضد القادة الإسرائيليين، ومع ذلك، يعبر الكاتب عن قلقه من أن القيادة السياسية في بريطانيا تبدو غير متجاوبةٍ مع هذه المشاعر العامة. يشير إلى الفجوة بين تطلعات الجمهور والمواقف الحكومية، مما يعكس على حد تعبير الكاتب “” disconnect أو انفصامًا بين ما يريده الناس وما تفعله الحكومة.
التحليلُ النقديُ للمقال:
جاءَ مقال جوزيف ويلتس ليعبر عن انتقاد شديد للسياسة البريطانية في الشرق الأوسط، وقدّم وجهة نظر متماسكة حول إخفاقات حكومة حزب العمال، يمكن القول إن مقالَه يستند إلى خلفية سياسية قوية ويعكسُ خبرته الميدانية، لكن بعض النقاط تتطلب تدقيقًا:
-
التقليلُ من أهمية السياسة الواقعية: يُلاحظُ أن الكاتب لا يعير اهتمامًا كبيرًا للتعقيدات السياسية والدبلوماسية، خاصةً في ظل التحالف البريطاني الأمريكي والعلاقات المتينة مع إسرائيل، هذه العلاقات، التي تُعتبر جزءًا من تحالفٍ أوسع مع الولايات المتحدة،التى تلعب دورًا رئيسيًا في توجيه السياسات الخارجية البريطانية، في ظل هذه الديناميات، تجدُ حكومةُ كير ستارمر نفسها في وضعٍ حساس، حيث يتوجب عليها الموازنة بين الوفاء بالتزاماتها التاريخية كداعمٍ لحقوق الإنسان وحقِّ تقرير المصير، وبين العلاقات الاستراتيجية التي تقتضي أحيانًا التكيف مع السياسات الأمريكية الإسرائيلية، لذا، فإن تجاهل ويلتس لهذه العوامل المعقدة قد يُعطي انطباعًا مبسطًا عن الأوضاع، حيث يستلزم الواقع السياسي اتخاذ مواقف تأخذ بعين الاعتبار الانعكاسات المحتملة على المصالح الوطنية البريطانية.
-
إغفالُ تقديم بدائل سياسية: لم يعرضْ ويلتس في مقاله مقترحاتٍ فعليةً للسياسات التي يمكن أن تتبناها حكومة ستارمر لتحسين الأوضاع دون إثارة أزمةٍ دبلوماسية، بينما يعبر الكاتب عن خيبة أمله إزاء موقف الحكومة، إلا أنه لم يطرحْ رؤيةً شاملة لحلول أو استراتيجيات بديلة، كان من المفيد تقديمُ حلول سياسية مبتكرة، مثل تعزيز الحوار مع القوى الفاعلة في المنطقة أو دعم مبادرات السلام التي تركز على المصالح المشتركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مثل هذه البدائل يمكن أن تُسهمَ في خلْقِ بيئة دبلوماسية أكثر استقرارًا، وتجنّب التصعيد الذي قد ينجم عن مواقف متشددة.
-
تجاهلُ بعضِ التطورات الدولية: في ظل تسارع الأحداث في الشرق الأوسط، كان يُمكن للكاتب تعزيز موقفه بمزيد من التفاصيل عن التحركات الدولية الأخرى أو إدراج مواقف الاتحاد الأوروبي ككتلةٍ للتصدي لمثل هذه الانتهاكات، إذ يمكنُ لمثْل هذه التحركات أن تُظهر كيف أن الدول الكبرى تتبنى نهجًا متوازنًا في التعاطي مع القضايا الإنسانية والسياسية، مما قد يفرضُ على الحكومة البريطانية إعادة تقييم مواقفها. تسليط الضوء على هذه الديناميات يمكن أن يثري النقاش حول كيفية تحقيق التغيير الفعلي في السياسة البريطانية ويعزّز من فعالية الرسالة التي يسعى ويلتس لتوصيلها بشأن حقوق الفلسطينيين.
ختامًا، يُظهر مقال جوزيف ويلتس تحليلًا دقيقًا لسياسة حكومة حزب العمال تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مستندًا إلى مبادئ حقوق الإنسان والدعوات لاحترام القانون الدولي، بينما يعكسُ الكاتب فهمًا عميقًا للأزمة الإنسانية المستمرة في المنطقة، فإن بعضَ التعابير العاطفية قد تؤثرُ على قوةِ الرسالة، مما يستدعي إدماجَ مقاربات أكثر موضوعية، كما يتطلبُ فهم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تحليلًا عميقًا للأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة التي تحكمه، يُظهر المقال بعض القصور في التعامل مع الديناميات الداخلية في كلٍ من إسرائيل وفلسطين، فضلاً عن الأبعاد الإقليمية والدولية التي تؤثر على الوضع الراهن، لذا، يُعتبر المقال دعوةً للتفكيرِ والتفاعلِ مع السياسات الحالية، لكنه بحاجة إلى تحسين توازن الآراء لتكونَ رسالته أكثر تأثيرًا وواقعية.
المصادر:
[1]Joseph Willits, A personal view: How Starmer’s Labour Government has helped enable Israel’s genocide, Middle East Eye, published at: Oct 16. 2024, available at: https://www.middleeasteye.net/opinion/uk-gaza-war-starmer-government-enable-israel-genocide
[2] Joseph Willits, Council for Arab-British Understanding, available at: https://www.caabu.org/about/joseph-willitsض