المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > عَرْضٌ نَقْدِيٌّ: (بعد عامٍ من هجوم 7 أكتوبر: التأثير على أربع جبهاتٍ)
عَرْضٌ نَقْدِيٌّ: (بعد عامٍ من هجوم 7 أكتوبر: التأثير على أربع جبهاتٍ)
- أكتوبر 7, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: رضوى الشريف
مُنَسِّقُ وحْدة شؤون الشرق الأوسط
يعرض تقريرٌ نشره مجموعةٌ من الخبراء على مُدوَّنة معهد مجلس العلاقات الخارجية تحت عنوان (بعد عامٍ من هجوم 7 أكتوبر: التأثير على أربع جبهات) تحليلًا عميقًا ومُتعدِّد الجوانب بعد هجوم حماس المفاجئ على إسرائيل؛ حيث يقيم كُلٌّ من إليوت أبرامز، وليندا روبنسون، وراي تاكيه، وستيفن كوك التغيُّرات التي حدثت منذ هذا الهجوم، مقدمين وجهات نظرٍ مختلفةٍ حول الأحداث وتأثيراتها.[1]
يعرض “إليوت أبرامز ” في بداية التقرير الاستجابة غير العادية من جانب حكومة نتنياهو لهجوم 7 أكتوبر، وموقف المجتمع الإسرائيلي منه، أمَّا “ليندا روبنسون” تستعرض في جزئها الخسائر الفادحة التي تكبَّدَهَا الفلسطينيون في غزة، في حين ناقش”راي تاكيه” شبكة إيران الجديدة من الحلفاء الإقليميِّين، وفي نهاية التقرير عرض “ستيفن كوك” إلى أيِّ مدى اختبر الصراع المتوسع العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
تحليل الاستجابة الإسرائيلية: عام من التحديات والمحاسبة
يبدأ التقرير بتحليل “إليوت أبرامز” للاستجابة الإسرائيلية لهجوم حركة حماس المفاجئ؛ فيشير أبرامز إلى أن 2023 كان عامًا حافلًا بالانقسامات الداخلية في إسرائيل؛ بسبب الجدل حول “الإصلاح القضائي”، ولكن هجوم حماس في 7 أكتوبر؛ أدَّى إلى توحيد المجتمع الإسرائيلي “مؤقتًا، طبقًا لوجهة نظره.
يقدم أبرامز خلال التقرير رؤية شاملة حول كيفية تأثير هجوم حماس على المجتمع الإسرائيلي؛ ما أثار نقاشًا حول الجيل الجديد في إسرائيل وقدرته على الدفاع عن الدولة.؛ فيقول أبرامز: إنه في الأشهر التالية من عام 2023، كان هناك اتفاق واسع النطاق على الحاجة إلى هزيمة حماس، فضلًا عن الدعم المُوحَّد لجنود قوات الدفاع الإسرائيلية.
كما سلّط الضوء على استقالة بعض كبار الضباط وتحمُّلهم المسؤولية عن الكارثة الأمنية، ومع ذلك، فإن النقد الرئيسي هنا يكْمُنُ في تحليل دور رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي تعرَّض لانتقاداتٍ شديدةٍ؛ بسبب فشله في تحمُّل المسؤولية عن الكارثة الأمنية، وعدم نجاحه في إعادة الرهائن المحتجزين، يُسلِّطُ أبرامز الضوء على هذه النقاط، لكنه يفتقر إلى التعمُّق في كيفية تأثير هذا الفشل السياسي على الوضع الأمني الداخلي، وعلى إمكانية استمرار الانقسامات الداخلية، التي تهدد استقرار إسرائيل على المدى الطويل.
نقطةٌ أُخرى تستحق تسليط الضوء عليها، هي تحرُّك إسرائيل لتغيير قواعد الاشتباك مع حزب الله في سبتمبر 2023، يصف أبرامز نتائج هذا التحرُّك، بأنها “مذهلة”، مشيرًا إلى أن اغتيال حسن نصر الله وقيادات حزب الله يُعتبرُ نجاحًا كبيرًا، ومع ذلك، يفتقر هذا الجزء إلى مناقشة عواقب هذا التصعيد على السَّاحة الإقليمية، وكيفية تأثير هذه العمليات على استقرار لبنان والمنطقة ككل.
الحصيلة الإنسانية للصراع: ثمنٌ باهظٌ على الفلسطينيِّين
في الجُزْء الثاني من التقرير، تقدم “ليندا روبنسون” تحليلًا إنسانيًّا مُكثَّفًا، حول تأثير الحرب على الفلسطينيين، خاصَّةً في قطاع غزة؛ حيث تعرض روبنسون الأرقام المُفْزِعَة للقتلى والجرحى والنازحين، وتصف الأضرار الواسعة التي لحقت بالبِنْية التحتيَّة في غزة، مُشبِّهةً إياها، بدمار المدن الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، وترى روبنسون، أن حماس زادت من معاناة الفلسطينيِّين، بإخفاء قواتها وأسلحتها بين السكان المدنيين؛ ما زاد من حِدَّة الدمار الذي لَحِقَ بالمدنيِّين.
تقدم روبنسون خلال هذا الجزء من التقرير وصفًا دقيقًا للوضع الإنساني المتدهور في غزة، لكنه يفتقر إلى التحليل المتوازن، فيما يتعلق بمسؤولية إسرائيل عن استهداف البِنْية التحتيَّة المدنيَّة؛ فبينما تُنتقد حماس بشكلٍ واضحٍ؛ لإخفاء قواتها بين المدنيِّين، فإنها لا تعالج بشكلٍ كافٍ القصْف الإسرائيلي؛ الذي أدَّى إلى تدميرٍ واسع النطاق للمنازل والمستشفيات، هناك تركيزٌ كبيرٌ على حماس؛ بكونها المسؤولة الوحيدة عن معاناة المدنيِّين، دون الإشارة إلى كيفية تعامُل إسرائيل مع هذا الوضع؛ بما يتماشى مع القانون الدولي الإنساني.
بالإضافة إلى ذلك، تتناول روبنسون تأثير الصراع على الفلسطينيِّين في الضفة الغربية؛ حيث قامت إسرائيل بإغلاق المنطقة وتكثيف عمليات البحث عن أيِّ فلسطيني تابع لحركة حماس، ومع ذلك، فإنها لا تقدم تفاصيل كافية عن الديناميكيات السياسية والاقتصادية، التي تؤدي إلى هذا التصعيد في الضفة الغربية، ولا تعرض الأثر طويل الأمد لهذا النَّوْع من العمليات العسكرية على استقرار المنطقة.
محور المقاومة الإيراني: الصمود أمام التحديات
في هذا الجزء من التقرير، يركز “راي تاكيه” على الشبكة الإقليمية لحلفاء إيران، والتي تعرف بمحور المقاومة، ويستعرض كيف واجهت هذه الشبكة تحديات كبيرة بعد هجوم 7 أكتوبر؛ فيصف تاكيه، بأن حماس وحزب الله من بين الوكلاء الأكثر قيمة لدى إيران، وكلاهما ضَعُفَ بشكلٍ كبيرٍ على يد إسرائيل منذ هجمات السابع من أكتوبر. وباعتبارها منظمةً سُنِّيَّةً، تسمح حماس لإيران – طبقًا لرُؤْية الكاتب- بتقديم نفسها، باعتبارها الوصيَّ على كُلِّ المسلمين.
كما يُصوِّرُ تاكيه، بأن حزب الله هو الوكيل الإيراني الأكثر أهمية؛ حيث أنشأت إيران هذه الميليشيا الشيعية في الأساس في عام 1980، وكانت بمثابة رُمْحٍ لها على مدى العقود الأربعة الماضية، وفي فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لَعِبَ حزب الله دوْرًا فعَّالًا في تدريب مختلف الوكلاء الإيرانيين وتنسيق عملياتهم، وبعد السابع من أكتوبر 2023، شنَّ حزب الله هجمات على إسرائيل؛ تضامنًا مع حماس، وكانت إيران تأمل أن تؤدي هذه الهجمات والتهديدات بحربٍ إقليميةٍ إلى خلْق ضغوط دولية على إسرائيل؛ للموافقة على تسويةٍ تسمح لحماس بالبقاء في غزة.
هنا يظهر نقْدٌ واضحٌ لهذا الجزء من التقرير؛ فبينما يقدم تاكيه تحليلًا واقعيًّا لدور إيران في المنطقة، إلَّا أن التركيز على قدرة إيران على إعادة بناء حلفائها لا يعكس بشكلٍ كافٍ التحديات الداخلية التي تواجهها إيران، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، يتجاهل تاكيه في جزئه، كيف يمكن لهذه التحديات أن تؤثر على قدرة إيران على دعم حلفائها على المدى الطويل؟
وفيما يتعلق بحزب الله، يشير تاكيه إلى أن الحزب لا يزال يُشكِّلُ تهديدًا رغم تدهور قوته؛ حيث يمتلك الآلاف من الصواريخ في ترسانته، ومع ذلك، لا يعالج بشكلٍ كافٍ احتمال أن تؤدي هذه العمليات العسكرية إلى تصعيدٍ أكبر للصراع في المنطقة، وما إذا كانت إسرائيل ستتمكن فعلًا من كبْح تهديد حزب الله دون إشعال حرب شاملة مع إيران.
العلاقة «الأمريكية – الإسرائيلية»: علاقة خاصَّة تمُرُّ بأزمة
يتناول “ستيفن كوك” في نهاية التقرير تطور العلاقة – التي يصفها بالاستثنائية – بين الولايات المتحدة وإسرائيل في سياق الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، ويشير كوك إلى أن الدعم الأمريكي لإسرائيل بعد هجوم حماس كان قويًّا، لكنه أدَّى إلى خلْق حالةٍ من التوتُّر بين إدارة بايدن والحكومة الإسرائيلية؛ بسبب الخلافات حول كيفية التعامُل مع هذه الحرب، خاصَّةً مع تزايُد عدد الضحايا المدنييِّن الفلسطينيِّين.
هذا التحليل يُظهر بوضوحٍ التحديات التي تواجه إدارة بايدن في الحفاظ على توازنها بين دعم إسرائيل والتعامُل مع الضغوط الداخلية والخارجية، ويؤكد كوك على وجود انشقاقات داخل السياسة الأمريكية نفسها؛ حيث انقسم الرأْي العام والحزب الديمقراطي بشأن العلاقة الخاصَّة مع إسرائيل، هذا التحليل يعكس بدقة التغيُّرات الجارية في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، لكنه يفتقر إلى تقديم رُؤَى حول كيفية تأثير هذه التوتُّرات على سياسات الولايات المتحدة طويلة الأمد في الشرق الأوسط.
كذلك، يركز كوك على قضية وقْف إطلاق النار؛ حيث يبرز أن المطالبات الأمريكية بوقْفٍ فوريٍّ لإطلاق النار قد زادت من التوتُّر بين إسرائيل وواشنطن، ومع ذلك، لم يناقش بشكلٍ كافٍ، كيف يمكن أن تؤثر هذه التوتُّرات على الاستقرار الإقليمي، أو على العلاقة الأمنية طويلة الأَمَدِ بين البلديْن؟
الخاتمة: تحليلٌ شاملٌ بأبعادٍ ناقصةٍ
لا شكَّ بأن التقرير الذي نشره معهدُ مجلس العلاقات الخارجية، يُقدِّمُ تحليلًا شاملًا للأحداث التي وقعت على مدار العام الماضي، من الواضح أن الخبراء الأربعة يُقدِّمُون رُؤَى قَيِّمَةً حول تأثير هجوم السابع من أكتوبر 2023 على مختلف الأطراف المعنيَّة، سواء إسرائيل أو الفلسطينيِّين أو إيران أو العلاقات «الأمريكية – الإسرائيلية»، ومع ذلك، يفتقر التقرير إلى بعض التوازُن في تقديمه للأطراف المختلفة.
أبرز الانتقادات تكْمُنُ في التركيز الكبير على استجابة إسرائيل وحلفائها الإقليميِّين- من وجهة نظر الكتاب- مع إغفال الجوانب السياسية والاقتصادية الداخلية التي قد تؤثر على قدرة كُلٍّ من إسرائيل وإيران على الاستمرار في هذا التصعيد، كما يفتقر التقرير إلى تقديم رُؤْية أكثر تعمُّقًا، بشأن الحلول الدبلوماسية الممكنة لتهدئة أو لاحتواء الحرب المحتدمة على قطاع غزة ولبنان.
وفي النهاية، يبقى هذا التقرير تحليلًا مهمًا للأحداث، لكنه يحتاج إلى معالجة أعمق للأسباب الجِذْرية للصراع «الفلسطيني – الإسرائيلي»، والضغوط التي قد تؤدي إلى تفاقُم هذا الصراع في المستقبل؛ ما يجعل من الضروري، التفكير في حلولٍ شاملةٍ تتعامل مع التحديات الأمنية والسياسية والإنسانية بشكلٍ متوازنٍ.
المصادر:
[1] One Year After the October 7 Attacks: The Impact on Four Fronts, council on foreign affairs, October 2, available at: https://www.cfr.org/article/one-year-after-october-7-attacks-impact-four-fronts