المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > عرض نقدي لتقرير بعنوان: Israel’s “Tribal” Approach in Gaza: A Short-Term Response to a Long-Term Challenge
عرض نقدي لتقرير بعنوان: Israel’s “Tribal” Approach in Gaza: A Short-Term Response to a Long-Term Challenge
- نوفمبر 28, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
لا توجد تعليقات

إعـــداد: فــــداء منصــــور
باحــث فـي برنامــج الأمــن والإرهــاب
تتخذُ إسرائيل بعض العائلات والعشائر الفلسطينية الكبيرة في غزة كإحدى الأدوات التي تسعى من خلالها تل أبيب إلى إعادة تشكيلِ وهندسةِ البيئة الإجتماعية والأمنية داخل القطاع بغرض فرض السيطرة الغير مباشرةٍ بكُلفةٍ أقل؛ حيثُ توظِّف البُنى التقليدية كمساحات نفوذٍ بديلةٍ للسلطة الرسمية في قطاع غزة المتمثّلة بـ”حماس”، وقد تجسَّد هذا التوجه في محاولات تعزيز شبكاتٍ محليةٍ موالية، بإختراق البنية المجتمعية الفلسطينية وإعادة صياغتها بما يخدم أهداف الإحتلال الأمنية والسياسية.
ضمن هذا السياق، يأتي تقرير “النهج “القبلي” الإسرائيلي في غزة: استجابةً قصيرة المدى لتحدٍّ طويل الأمد” (
Israel’s “Tribal” Approach in Gaza: A Short-Term Response to a Long-Term Challenge) الصادر في 15 يوليو 2025، من إعداد Neomi Neumann،[1] الرئيسة السابقة لوحدة الأبحاث في جهاز الأمن الإسرائيلي، تحاول فيه تقديم مخاطرِ النهجِ القبلي الذي تسلكه إسرائيل لصياغة الترتيبات السياسية لما بعد الحرب، محاولًةً الإجابة على تساؤلٍ جوهريٍ: منْ سيحكم القطاع في “اليوم التالي” لرحيل حماس؟
يهدف هذا العرض إلى تقديم قراءة نقدية معمقة للتقرير، من خلال تقييم خلفية الباحثة، وتقديم عرضٍ لأهم محاور التقرير وحججه كما صاغتها الباحثة، وبناء رؤيةٍ نقديةٍ تُبرز عناصر القوة في هذا العمل. وفي المقابل، تكشف حدود مقاربتها، وما تغفله أو تهمشه تجاه الوضع السياسي والأمني في غزة.
أولًا:- قــــراءة فـي خلفيــة الباحثــة
يأتي هذا التقرير من إعداد نيومي نيومان (Neomi Neumann)، وهي باحثة إسرائيلية وزميلة مساعدة في معهد واشنطن، حيثُ كانت زميلةً زائرة من عام 2023 إلى عام 2025، ركَّزت على الشؤون الفلسطينية، إذ شغلت سابقًا منصب رئيسةَ وحدة الأبحاث في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، وفي وزارة الخارجية، بدأت نيومان مؤخرًا دراساتها للدكتوراه في جامعة تل أبيب.
تُظهر المسيرة المهنية لنيومان ملامح شخصية تجمع بين الخبرة الأمنية العميقة والقدرة التحليلية العالية، مع توجّهٍ أكاديميٍ متقدمٍ يجعلها فاعلًا متداخلَ الأبعاد في قضايا الأمن الإقليمي والشؤون الفلسطينية؛ حيثُ إن عملَها رئيسًة لوحدة الأبحاث في جهاز (الشاباك) يشير إلى شخصية صانعة قرار تمتلكُ مهاراتٍ عاليةً في إدارة المعلومات الحساسة، وتقويم التهديدات، والربط بين المعطيات الاستخبارية والخيارات السياسية، هذا النوع من المناصب عادًة ما يتطلب حزمًا، ودقة، ونزعة قوية نحو التفكير الاستراتيجي طويل المدى. بينما انتقالها إلى وزارة الخارجية يبرز قدرةً على العمل ضمن بيئاتٍ سياسيةٍ ودبلوماسيةٍ، ما يعكس مرونةً ذهنيةً وفهمًا للسياق الدولي، إضافًة إلى مهارة في صياغة الرسائل السياسية والتعامل مع الأطراف المختلفة. أما وجودها لاحقًا كزميلة في معهد واشنطن، مع تركيزها على الشؤون الفلسطينية، فيؤكد توجهًا بحثيًا يمزج بين الخبرة الميدانية والاهتمام الفكري بصياغة رؤى وسياسات وقراءات معمقةٍ للسلوك الفلسطيني والإسرائيلي على حدٍّ سواء. بدء دراستها للدكتوراه في جامعة تل أبيب يُكمل صورةً شخصيةً تسعى إلى تحويل الخبرة العملية إلى إنتاجٍ معرفيٍ، وإلى بناء مسارٍ أكاديميٍ يمنحها شرعيةً إضافيةً في أي نقاش متعلق بالأمن والصراع.
في المُجمل، تعكس شخصية نيومان نموذج الخبيرة الأمنية والأكاديمية التي تجمع بين الانضباط المهني والقدرةِ البحثية، وتمتلكُ شبكةً مؤسساتيةً واسعةً تجعلها صوتًا مؤثرًا في دوائر صنع القرار الإسرائيلي.
ثانيًـــا:- عــرض محــاور التقريــر وحججــه
ينقسمُ التقرير إلى مجموعة محاور رئيسية، تعكسُ دور الميليشيات القبلية في غزة ضمن استراتيجيةٍ إسرائيليةٍ مؤقتة، ويمكن عرضها كالآتي:-
1- ظهــــور الميليشيـــات القبليـــة
والذي يُعد الجزء الأكبر في التقرير، حيثُ يأتي تحت عنوان ” The Emergence of Tribal Militias“؛ تعرض فيه الباحثة الظهور القبلي المتعاون مع إسرائيل والمتمثل بصورة أكبر في ميليشيا (القوات الشعبية)، التي يقودها أحدُ أفراد قبيلة الترابين البدوية “ياسر أبو شباب”؛ وذلك بغرض إيصالٍ المساعدات عبر مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) التابعة للولايات المتحدة، حيثُ أعلنت عن بداية نشاطها العلني في أواخر شهر مايو الماضي، كما أشارت إلى بروز ميليشيتين إضافيتين في نهاية شهر يونيو من العام الجاري تعملان أيضًا مع إسرائيل في غزة: إحداهما بقيادة “رامي خليص” – رب عائلةٍ كبيرةٍ في غزة تابعةٍ لحركة فتح – والأخرى بقيادة “ياسر خانيدق” – تابع لحركة فتح أيضًا في خان يونس –
في هذا السياق، ألقت نيومي الضوء على ميليشيا “أبو شباب”؛ نظرًا لتلقيها الدعم المادي الأكبر من إسرائيل مقارنًة بهاتين الجماعتين، مما يُظهر القوات الشعبية (ميليشيا “أبو شباب”) قدرتها على العمل بشكلٍ شِبه عسكريٍ؛ فقد بدأت بتشكيل قوة قوامها ما بين 100 – 300 مسلَّح، وزادت عن ذلك بعد حملة التجنيد التي أطلقتها في شهر يوليو الماضي إلى 6000 غزي منضمٍ إلى القوات المسلحة للميليشيا، و3000 آخرين للعمل في المجال المدني، إلا أن نيومي شككت في تلك الأرقام واصفًة بأنها “مِبالغٌ فيها”. مشيرًة على الجانب الآخر، أنه بغض النظر عن حجمها فقد أظهرت الميليشيا صورةً شبه مدنية تؤكد على الخطاب الفلسطيني الشامل والإيماءات الغامضة نحو التنسيق مع مصر والسلطة الفلسطينية. أما بالنسبة لآثار نشاطها على الأرض، فوفقًا للمتحدث باسم مفوضيةِ الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن هناك 615 فلسطينيًا قُتلوا منذ تولي “أبو شباب” توزيع المساعدات وحتى شهر يوليو، بالقرب من مراكز توزيع المساعدات الإنسانية التابعة لمؤسسة الهلال الأحمر الفلسطيني، حيثُ رجّحت أنه يبدو أن بعضهم قُتل بنيران القوات الشعبية وميليشيات أخرى مدعومةٍ من إسرائيل، وأن موثوقيةَ تلك الأرقام غير واضحة.
انتقلت نيومي في نهاية المحور الأول من التقرير إلى ردِ فعل حماس من ظهور جماعة “أبو شباب” بالأخص، على أنه تهديدٌ لسيطرتها في غزة، كما اتهمته بالخيانة والتجسس، وتوعدت بمحاكمته.
2- عجــــز الشرعيــــة
يقدم المحور الثاني الذي يأتي تحت عنوان: “Legitimacy Deficit“، الإشكالية التي تواجه جماعة “أبو شباب”، وتتمحور في أنها:-
تعاني من مشكلةٍ شرعيةٍ حادة بين سكان غزة بالرغم من جهودها في بناء صورتها العامة القوية؛ إذ يعتبرونه متعاونًا، موضحًة نيومي أن الإعلانات السياسية الإسرائيلية الأخيرة زادت من صعوبة اكتساب جماعاتٍ مثل “أبو الشباب” شرعيًة محليةً، إذ يُنظر إليها حتمًا على أنها أدواتٌ لهذه السياسات؛ أهمها مقترحُ وزير الدفاع “إسرائيل كاتس” ومسؤولون آخرون عن خطةٍ لإنشاء “مدينة إنسانية” في جنوب غزة لن يُسمح للسكان بالخروج منها، مما أثارَ مخاوفَ واسعةَ النطاق من أن تصبحَ منطقةَ اعتقالٍ بحكم الأمر الواقع، كما لا يزال هناك قلقٌ من أن تسعى إسرائيل إلى إجبار الفلسطينيين على مغادرة غزة، على الرغم من تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن بأن أي هجرة ستكون طوعية.
أضف إلى ذلك عشيرته المنقسمة؛ حيثُ ينأى بعض أعضائها بأنفسهم علنًا عن أنشطته، وقد أدت مزاعم عنف الميليشيا ضد المدنيين بالقرب من مراكز توزيع المساعدات إلى تعميق العداء الشعبي.
3- لمــاذا تتعــاون إسرائيــل مع مثــل هـذه المجموعــات؟
يحاولُ التقرير في المحور الثالث الذي يندرج تحت عنوان “ Why Is Israel Working with Such Groups?“، أن يسلط الضوء على الأسباب والدوافع الإسرائيلية تجاه دعم ميليشيا “أبو شباب” بالأخص، إذ ذكرت نيومي أن:-
دعم ميليشيا “القوات الشعبية” يعدُ إجراءًا عملياتيًا محدودًا يهدف إلى تقويض صورة حماس العامة.
تحسين الاستجابة للإحتياجات الإنسانية العاجلة في جنوب غزة، واستقرار الوضع الأمني هناك. ومن هذا المنظور، فإن دعم هذه الجماعات ليس مبادرةً غير منطقيةٍ أو عقيمة تمامًا.
استخدام الميليشيات القبلية يتوافق مع أهداف أخرى للحكومة الإسرائيلية، فهو جزئيٌ إجراٌء تكتيكيٌ لتقليل خسائر جيش الدفاع الإسرائيلي.
كما أنه يتوافق مع منطق سياسيٍ إسرائيلي أوسع، ألا وهو السماح للحكومة بالحفاظ على سيطرتها الفعلية على غزة دون تمكين حماس أو السلطة الفلسطينية رسميًا، ودون مواجهة المخاطر السياسية المترتبة على التعامل مع السلطة الفلسطينية. وهذا يتماشى مع مبدأ “نتنياهو” الذي كرره مرارًا وتكرارًا: “لا حماستان ولا فتحستان“.