المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > عرض نقدي > عرض نقدي لدراسة “دور منظمة الدول التركية في مبادرة الحزام والطريق: الفرص والتحديات والآفاق المستقبلية”
عرض نقدي لدراسة “دور منظمة الدول التركية في مبادرة الحزام والطريق: الفرص والتحديات والآفاق المستقبلية”
- نوفمبر 23, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات عرض نقدي وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: هنا داود
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
مقدمة
تلعب منظمة الدول التركية دورًا محوريًا في تشكيل المشهد الجيوسياسي والاقتصادي في آسيا الوسطى، خاصة في سياق مبادرة الحزام والطريق الصينية، تجمع المنظمة دولًا ذات تاريخ وثقافة مشتركة، وتشكل جسرًا بين آسيا وأوروبا ومن خلال موقعها الجغرافي الاستراتيجي، تلعب المنظمة دورًا حاسمًا في تسهيل التجارة والاستثمار، وتعزيز التعاون الإقليمي.
في هذا الإطار جاءت الدراسة بعنوان” The Role of the Organization of Turkic States (OTS) within the Belt and Road Initiative (BRI): Opportunities, Challenges, and Future Perspectives” تحلل الآثار الممكنة لانخراط دول منظمة الدول التركية ومشاركتها في مشاريع مبادرة الحزام والطريق على الجوانب المختلفة الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية وكذلك تتطرق لمساهمتها في نجاح المبادرة.
الأهمية الاستراتيجية لمبادرة الحزام والطريق
مبادرة الحزام والطريق كما تشير الدراسة يمكن تلخيصها باعتبارها إحياء لطريق الحرير القديم من خلال النقل بالسكك الحديدية من الصين إلى أوروبا وهذا المشروع تم اقتراحه من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013 لتجمع بين ممرين تجاريين “الحزام الاقتصادي” والذي يمر بآسيا الوسطى وإيران وتركيا وصولًا لأوروبا والممر الآخر “طريق الحرير البحري” ويمر من بحر جنوب الصين ثم المحيط الهندي ثم البحر الأحمر وصولا للبحر المتوسط.
ولهذا المشروع أهمية إستراتيجية كبيرة حيث توفر وقت السفر والنقل بشكل أفضل مقارنة بالنقل البحري وبالتالي يوفر تنافسية عالية ويؤثر بشكل كبير على التنمية الاقتصادية والموقع الجيوسياسي والوضع السياسي للدول التركية في منطقة آسيا الوسطى، وتشير الدراسىة أن هذا النقل خلال هذا الطريق يوفر حوالي 80% من تكلفة النقل مقارنة بالنقل الجوي، ومن المهم التركيز على واقع أهميتها للجانب الصيني فلا تعتبر المباردة بالنسبة له مجرد مشروع للبنية التحتية وإنما هي خطة طموحة لتوسيع النفوذ الصيني وتنمية القوة السياسية والاقتصادية لها بشكل شبه مستدام.
انخراط مجموعة الدول التركية في مبادرة الحزام والطريق
تؤكد الدراسة على الانخراط المؤثر لمجموعة الدور التركية والتي تمتد من منطقة شينجيانغ الأويغورية الذاتية الحكم في الصين وتشمل خمس دول في آسيا الوسطى (كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، أوزبكستان، تركمانستان) والدول الخمس هم مشاركون في قلب مبادرة الحزام والطريق وتشير الدراسة للأهمية الاستراتيجية للدول التركية في منطقة آسيا الوسطى باعتبارها تحتل موقعًا استراتيجيًا في المنطقة ونتيجة لهذا الموقع أصبحت تنخرط بشكل كبير في مبادرة الحزام والطريق حيث تمر من خلالها ممرات النقل والطاقة الخاصة بالمبادر وتؤكد الدراسة أن التعاون والشراكات التي ستطورها منظمة التعاون التركية في إطار المبادرة على الصعيد الدولي ستؤدي إلى تغييرات كبيرة على وضع التجارة العالمية وبالطبع سيكون لها انعكاس على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية لدول المنطقة.
وكما تؤكد الدراسة ووفقًا لأراء المحللين وصناع القرار السياسيين فإن انخراط دول منظمة الدول التركية سيخلق المزيد من الفرص لتصبح الدول التركية أكبر ممر عبور بين أوروبا وآسيا وسلطت الدراسة الضوء على عدة ممرات من شأنها المساعدة في تحقيق هذا الهدف وهم: ممر كامشيك باعتباره أطول ممر سكة حديد في آسيا الوسطى وتحديدًا في أوزبكستان والذي سيساهم في تطوير البنية التحتية للنقل في آسيا الوسطى وتوثيق التجارة والاتصال بين دول الإقليم، وممر السكة الحديد الصين-قيرغيزستان-أوزبكستان ممر زنغزور، أضف إلى ذلك الممر الأوسط باعتباره يتزامن مع مبادرة الحزام والطريق بين تركيا والصين ةيربطها بأوروبا والذي اقترب ليتجاوز روسيا مؤثًرا على التوزن التجاري بين روسيا وأوروبا في حالة نجاحه، وكما تشير الدراسة أن الممر الأوسط يستضيف حجم تجارة سنوية كبيرة بشكل موفر في عمليات التوصيل نتيجة الفارق في المسافة عن طريق روسيا وهو ما يوفر ميزة تنافسية عالية في ظل التوترات الجيوسياسية المتعلقة بالحرب الروسية.
مزايا انخراط دول منظمة الدول التركية في مبادرة الحزام والطريق
نتيجة للتعاون بين دول المنظمة في إطار عمل المباردة تم تفعيل عملية الرقمنة في الاقتصاد والتجارة والنقل والخدمات اللوجستية وتبادل البيانات وشبكات الأمن والاتصالات تصب في مصلحة تعزيز جاذبية الممر الأوسط وتعمل لصالح تعزيز العمل المشترك في المناطق الصناعية المشتركة والمدن التكنولوجية والمراكز اللوجستية ومراكز الأبحاث الجديدة كهدف أسمى لجعل الممر الأوسط شبكة تجارية موثوقة لأوروبا وأفريقيا وآسيا، وبالتالي سيساهم في زيادة القدرة التصديرية لمنطقة منظمة الدول التركية ويخلق فرصًا لاندماج أكثر متانة في النظام الاقتصادي العالمي واكتساب قدرة للتأثير السياسي وليس الاقتصادي فقط، إلى جانب المكاسب السياسية والجيوسياسية ستحقق دول منظمة الدول التركية نتيجة انخراطها الفعال في مبادرة الحزام والطريق مكاسب مالية واقتصادية نتيجة التعاون والشراكة بين الشركات الصينية وشركات الدول التركية والذي سيحقق عائدًا تجاريًا كبيرًا.
وعلى سبيل المثال أصبح ميناء تركمانباشي الدولي في تركمانستان والذي يعتبر أكبر ميناء على بحر قزوين نقطة عبور مهمة لمبادرة الحزام والطريق حيث بدأ العمل منذ 2018 واستطاع تقليل وقت النقل بين الشرق الأقصى والقارة الأوروبية من 45 يومًا إلى 15 يومًا، مما يساعد في تعزيز الإمكانات التجارية لتركمانستان من خلال تطوير أنشطة التجارة والخدمات اللوجستية.
تداعيات انخراط دول منظمة الدول التركية في مبادرة الحزام والطريق
تشير الدراسة لمجموعة من الانتقادات والأثار السلبية الناتجة من انحراط مجموعة الدول التركية في مبادرة الحزام والطريق فسلطت الدراسة الضوء على إمكانية التأثير على سياسات الدول التركية الداخلية لإن المشروع يخدم في المقام الأول أهداف جيوسياسيىة ستستغلها الصين لصالحها وتتمكن من التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتمكنها من التأثير على الشؤون الإقليمية في المنطقة.
إلى جانب مشكلة الدين العام لبعض دول المنظمة سبيل المثال، يبلغ الدين المعروف لكيرغيزستان إلى الصين حوالي 1.711 مليار دولار، وتتوقع الدراسة أن يصل حجم الدين إلى 71٪ من الناتج المحلي الإجمالي في المستقبل القريب، كذلك يبلغ دين كازاخستان إلى الصين 13.6 مليار دولار أو 8.8٪ من إجمالي دينها الخارجي و يبلغ دين طاجيكستان إلى الصين حوالي 1.8 مليار دولار وبالتالي من المحتمل أن تتأثر الاستقلالية السياسية والاقتصادية لهذه الدول، وفي اعتقادي تعتبر هذه من أبرز الأثار السلبية للمباردة علة دول المنطقة وبالفعل قد إثُيرت هذه الأزمة في الساحة الدولية و اطُلق عليها “دبلوماسية فخ الديون” حيث تشير تحليلات عدة أن الصين تستخدم هذه المباردة ليس لأهداف اقتصادية حصرًا وانما هي جزء من استراتيجية عالمية للتلاعب بسياسات التمويل بالأخص للدول النامية في مشروعات البنية التحتية ومن ثم توريطها بقروض غير مستدامة لكسب النفوذ فيما بعد باستخدام ورقة الديون.
دول منظمة الدول التركية وإمكانية نجاح مبادرة الحزام والطريق
تشير الدراسة إلى أهمية التوازن الدقيق الذي يجب على منظمة الدول التركية تحقيقه في علاقاتها مع القوى الكبرى مثل روسيا والصين والاتحاد الأوروبي، هذا التوازن ضروري لضمان نجاح مبادرة الحزام والطريق، وتجنب الانزلاق في صراعات جيوسياسية، كما تؤكد أهمية التعاون الإقليمي بين الدول الأعضاء في المنظمة، حيث إن التضامن والتنسيق بينهم يزيد من قدرتهم على التفاوض مع القوى الخارجية وحماية مصالحهم المشتركة.
كما تؤكد الدراسة على أن نجاح الممر الأوسط، هو عنصر مهم في مبادرة الحزام والطريق ولن يُقدر لها مواجهة التنافس الدولي إلا عن طريق التعاون الاقتصادي بين دول المنظمة أولًا و الحفاظ على توازن كبير مع الجهات الفاعلة الرئيسية مثل روسيا وإيران وبالطبع الصين على اعتبار التضامن بين هذه الجهات الفاعلة ضروري لمنع أي تهديدات محتملة للممر الأوسط من قبل أطراف إقليمية.
وتقدم الدراسة دلائل على الاهتمام الواضح لدول منظمة الدول التركية لنجاح الممر الأوسط وبالتالي نجاح المبادرة ككل على سبيل المثال عقدت منظمة الدول التركية في 2023 حدث بعنوان “إطلاق إمكانات الممر الأوسط : النتائج والتوصيات الأولية” في إسطنبول بهدف تحقيق تنمية مستمرة للممر الأوسط.
باختصار تؤكد الدراسة، منظمة الدول التركية تلعب دورًا حيويًا في مبادرة الحزام والطريق، من خلال توفير التوازن بين مختلف الجهات الفاعلة الإقليمية وضمان نجاح الممر الأوسط، كما تساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الأعضاء وتعزيز نفوذها على الساحة الدولية.
استنتاج
تعتبر منظمة الدول التركية لاعبًا رئيسيًا في تشكيل المشهد الجيوسياسي والاقتصادي في آسيا الوسطى، خاصة في سياق مبادرة الحزام والطريق الصينية، وقد أظهرت الدراسة أن انخراط دول المنظمة في هذه المبادرة يحمل في طياته فرصًا وتحديات متعددة.
من جهة، يوفر الممر الأوسط، الذي يمر عبر العديد من دول المنظمة، فرصًا هائلة لتعزيز التكامل الاقتصادي، وتطوير البنية التحتية، وزيادة التجارة والاستثمار، كما يساهم في تعزيز التعاون الإقليمي بين دول المنظمة، ويزيد من نفوذها على الساحة الدولية. وقد شهدنا بالفعل جهودًا كبيرة من قبل الدول الأعضاء في المنظمة لتعزيز التعاون في مجال النقل والطاقة والبنية التحتية.
من جهة أخرى، تواجه دول المنظمة تحديات كبيرة في سياق المشاركة في مبادرة الحزام والطريق، أبرز هذه التحديات هي مخاطر الديون، حيث تتزايد ديون بعض الدول الأعضاء لدى الصين، مما قد يهدد استقلاليتهم الاقتصادية، بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف بشأن التدخل الصيني في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، واستغلال المبادرة لتحقيق أهداف جيوسياسية ولذلك يجب مراعاة التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في المنطقة، واعتماد نهج حلول موجه نحو المستقبل.
المصادر
” التنافس التكاملي: ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا ومبادرة الحزام والطريق”، مركز الإمارات للسياسات، أكتوبر 2024، https://epc.ae/ar/details/scenario/altanafus-altakamuli-mamar-alhind-alsharq-alawsat-uwruba-wamubadarat-alhizam-waltariq، الدخول 9 نوفمبر 2024
عز الدين رمضان، ” الممر الأوسط.. طريق الصين وأوروبا لتجاوز العملاق الروسي”، الجزيرة، 2023، الممر الأوسط.. طريق الصين وأوروبا لتجاوز العملاق الروسي | الجزيرة نت، الدخول 10 نوفمبر 2024
Dr Yu Jie, Jon Wallace, What is China’s Belt and Road Initiative (BRI), The Royal Institute of International Affairs,2022, What is China’s Belt and Road Initiative (BRI)? | Chatham House – International Affairs Think Tank. Access 9/11/2024.
“The Role of the Organization of Turkic States (OTS) within the Belt and Road Initiative (BRI): Opportunities, Challenges, and Future Perspectives”, Center for Diplomatic Affairs and Political Studies, july2024, The Role of The Organization of Turkic States within The Belt and Road Initiative – DİPAM