المقالات
عرض نقدي لمقالة بعنوان “A New Era for Turkish-Syrian Ties” المصالحةُ التركيةُ – السوريةُ إلى أين؟
- سبتمبر 30, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد/ هنا داود
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
مقدمة
في إطار الجهود التركية لتصفير مشكلاتها وتحسين العَلاقات مع دولِ المنطقة و بالتزامن مع الجهود المبذولة في التعاون مع مصر والعراق، وجّهَ أردوغان في يوليو الدعوة لعَقْدِ لقاء مشترك موضحًا عزمه لإصلاح العلاقات وإيجاد حلٍ للخلافات بينهم، وكان الأسد اشترط الانسحاب التركي من سوريا قبل أية محاولات للتقارب، ولما جاء الرد خلال لقاءات وزير الخارجية هاكان فيدان أن هذا الشرطَ غير ممكن تحقيقه قبل توفير بعضِ الضمانات لحماية الحدود التركية وأن تركيا بالفعل قد بادرت بمحاولة التقارب وهذا لا يُوحي بضعف نفوذها وإنما برغبتها الحقيقية وقد أشارت تحليلاتٌ عِدةٌ أن أردوغان بالفعل لديه الرغبة الحقيقية للتطبيع، وجاء فيما بعد عن تصريحات الأسد أن الانسحاب التركي لا يُعدُ شرطًا مسبقًا ولكنه هدفٌ أساسيٌ يريده النظام السوري وبالتالي يجب التفاوض باعتباره أحد المرجعيات، وبالتالي يُعتبرُ ملف المصالحة التركية-السورية من أهم الملفات في الساحة الإقليمية ويجذب اهتمام العديد من الأطراف على الساحة الدولية[1].
في هذا الإطارِ جاءت مقالة تحليل السياسات للباحث الأردني عمر الرداد والعميد السابق في دائرةِ المخابرات العامة الأردنية، وهو محاضرٌ في الأمن الاستراتيجي و تركز كتاباته على مسائل الأمن الإقليمي، جاءت المقالة بعنوان “A New Era for Turkish-Syrian Ties”[2] –والمنشورة في السادس عشر من أغسطس من هذا العام في منتدى فكر لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط – تتناول ملف المصالحة التركية السورية باعتباره عهداً جديداً في العلاقات التركية- السورية، فهل تشهد العلاقات بينهم بالفعل عهدًا جديدًا؟
تحلل المقالة الوضعَ الحالي للعلاقات التركية السورية وإمكانيات المصالحة الممكنة والمشكلات الموجودة من خلال التطرق للملفات العالقة بينهم حيث يرى عمر الرداد أن أبرز هذه الملفات هو ملف اللاجئين السوريين في تركيا، ومن ثَمَّ تأتي ملفاتٌ أخرى مثل التعامل مع الإرهاب ومن ثم وضع المصالحة في ضوء التحولات الدولية والإقليمية مع التأكيد على الاختلاف الواسع في وجهات النظر إزاء هذه الملفات واعتبارها جوهريةً في عملية المصالحة، كما يتضح من تحليله للوضع الراهن أن عمليةَ المصالحة لا تتأثر فقط برغبة الفاعلين الأساسيين تركيا وسوريا، بل تتأثر بشدة بعدد من اللاعبين على الساحة الدولية منهم إيران وروسيا والمتداخلين بشكلٍ فعلي في الأزمة السورية إلى جانب حزب الله والولايات المتحدة الأمريكية.
تَرحيلُ اللاجئيين السوريين من تركيا
يرى عمر الرداد اختلاف النظرة الداخلية لهذا الملف بين الحكومتين بحيث تتعامل سوريا مع هذا الملف باعتباره ملفاً داخلياً متعلقا بالشأن التركي بينما تتعامل تركيا على اعتباره ملفاً يتعلق بالشأن السوري ومن نتاج الأزمة السورية الداخلية وله تأثيراته اللامحدودة على الوضع الداخلي في تركيا، ولذا يسعى الجانب التركي للتوصل إلى تسويةٍ مناسبةٍ لترحيل اللاجئين السوريين الذين وصل تعدادهم تقريبًا حوالي أربعة ملايين لاجئ وهو ما يؤتي بثماره السلبية على أوضاع المعيشة التركية، بل كما يشير عمر الرداد ولا شك في ذلك إلى أنه كان من أهم الملفات المؤثرة في نتائج الانتخابات المحلية حيث أصبح الوضعُ يؤرق الشعب التركي لذا يسعى أردوغان لحلِّها.
وهذا الملف يُعدُ عاملاً دافعاً لأردوغان للمصالحة مع سوريا حيث يحتاج لتنسيق كبير من الحكومة السورية لعودة اللاجئين ولكن من المؤسف أن الحكومة السورية لا تتخذُ أية خطوات فعلية لحل أزمة اللاجئين بالإضافة إلى ذلك يمثل السوريين في تركيا في حد ذاتهم عائقاً حيث يرفض أغلبيتهم العودة الطوعية إلى شمال سوريا خوفَا من الأوضاع المتواجدة، وعند النظر للخطوات التي تتخذها الحكومة السورية نجد ما صدر مؤخرًا “مرسوم العفو” الذي تم ربطه بشكلٍ أو بآخر بعملية المصالحة مع تركيا على اعتبار أن هذا المرسوم من شأنه أن يُمثّل دافعًا للسوريين في تركيا لتقَبّلِ فكرة العودة إلى وطنهم، ولكن الحقيقة أن هذا المرسوم ليس الأول من نوعه بحيث تم إصدار عفوين سابقين ولم يوفروا أية ضمانات حقيقية وبالتالي أصبح السوريون المقيمون في تركيا غير مهتمين بمثل هذه الخطوات، وبالتالي هذا الملف بقدر ما يمثل حافزًا للمصالحة فهو أحد الملفات العالقة فيها أيضًا[3].
مكافحةُ الإرهاب
يشير الرداد إلى تضارب وجهات النظر بين الحكومتين كما هو معلوم تركيا تصنف نشاط حزب العمال الكردستاني وعناصره تحت وصف الإرهاب وبالتالي أحد أهم أهدافها في سوريا هو استئصالُ عناصر”حزب العمال الكردستاني”باعتبار منع قيام كيان كردي في تركيا أو المناطق المجاورة هو محرك أساسي في سياستها الخارجية، وتعتبر تركيا قوات سوريا الديمقراطية أحد الداعمين لمقاتلي حزب العمال الكردستاني، ويؤكد الرداد أن العمليات العسكرية التي تنفذها تركيا على طول حدودها مع سوريا رغم أهدافها المتنوعة سواء دعم قوات المعارضة السورية التابعة لتركيا أو التسبب في إضعاف قوات سوريا الديمقراطية أو استهداف مقاتلي حزب العمال الكردستاني كل هذا يَصبُّ في هدفٍ أساسي واحد وهو إضعاف العناصر الكردية المستقلة في سوريا وهو ما اتفقا فيه، إلى جانب أن هذه العمليات من خلالها ترسل تركيا إشارات بوجودها على الساحة الإقليمية بقوة نفوذها الكبير في المناطق المجاورة بالأخص سوريا والعراق.
على جانبٍ آخر تعتبر الحكومة السورية أية قوى للمعارضة للنظام السوري تحت مسمى الإرهاب ولا تقصر هذا الوصف على الجماعات الكردية وهو ما يخلق اختلافاً في توحيد الجهود على سبيل المثال في الجهود التركية – العراقية الأخيرة اتفقت الحكومة التركية على اعتبار حزب العمال الكردستاني يشكل تهديدًا على الأمن القومي وهو ما يَسّرَ تَوحيدَ الجهود بينهم، أما في الحالة السورية نجد أنه من الصعب أخذ خطوات مشتركة بالأخص أن النظام السوري غيرُ قادرٍ على اتخاذ أية تدابير عسكرية فعالة ضد حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية وهو ما يجعل مسألة المصالحة تتأزم.
تأثيرُ الأطرافِ الخارجية على عملية المصالحة التركية-السورية
يشير أن المصالحة بين أنقرة ودمشق ليست بمعزلٍ عن التحولات الإقليمية والدولية التي تحدث في المنطقة وفي العالم وأنها تتأثر بهذه التغيرات بل تتأثر بشكل أكبر بالقوى الإقليمية والدولية التي تُقحمُ نفسَها في جهود الوساطة، وأن هذه القوى منها من يسعى لإنجاح الوساطة ومنها من يرفضها والمحرك الأساسي هو المصالح السياسية، ويرى الرداد أن روسيا هي الطرفُ الأكبرُ المستفيدُ من عملية المصالحة وبالفعل تعتبر روسيا أبرز الداعمين للأسد وفي الوقت ذاته تربطها علاقات جيدة مع أنقرة.
وبالنظر إلى التاريخ الطويل لمحاولات روسيا في الوساطة لتحسين العلاقات بين تركيا والنظام السوري في اعتقادي ستكون أحدَ العوامل الدافعة لتحقيق هذه المصالحة، وتدعم روسيا العودة إلى صيغة أستانة واعتبار إيران إلى جانب روسيا وتركيا الضمان الأساسي لإصلاح الوضع في سوريا وبالتالي السماح بتحقيق شروط الطرفين “ضمان أمن وسلامة الحدود التركية وتسهيل عودة اللاجئين ومكافحة التنظيمات الإرهابية” و “الانسحاب التام للقوات التركية واحترام السيادة السورية”، بشكل عام التعاون بين أنقرة وموسكو سيُسهمُ لاشك في تقدم مسألة الوساطة وفي مساعدة تركيا لإنشاء ممرٍ آمن على الحدود مع سوريا والعراق[4].
كما يشير الكاتب إلى أن هناك اتهاماتٍ متبادلةً بشأن عرقلة هذه المصالحة، فبينما يتهم البعض قوى غربية بالسعي لتقويضها، يرى آخرون أن إيران، رغم دعمها الإعلامي، قد تلجأ إلى أدواتٍ أخرى مثل ملف الديون لعرقلة أي تقارب بين دمشق وجيرانها، وقد تعمل إيران على عرقلة المصالحة إذا رأت تهديدَ مصالحها ونفوذها في سوريا.
الاستنتاج
لا شكَّ في الاتفاق أن عملية المصالحة بين تركيا وسوريا هي عمليةٌ شاقةٌ ومليئة بالاحتمالا والدوافع المختلفة ورغم كل هذه الجهود المبذولة من الجانب التركي والأطراف الخارجية منهم روسيا والسعودية والإمارت قد تبوء هذه المحاولات بالفشل نتيجةً لاختلاف الأهداف بين النظام التركي والنظام السوري إزاء الملفات الذي تم ئكرها، و اختلف مع عمر الرداد في اعتبار مسألة اللاجئيين السوريين ادهي الأكثر تأثيرًأ على المصالحة التركية السورية بل في اعتقادي أن مسألة انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية هي المسألةُ الأكثر محورية وهذا لا ينفي أهمية ملف اللاجئيين وتأثيره على مستقبل العلاقات التركية السورية.
ويُعتبرُ تدخل الأطراف الخارجي في هذه الوساطة في اعتقادي عاملاُ إيجابياً حيث لا تتوقف روسيا عن محاولات إنجاح هذه الوساطة ولا شك أن تأثير النفوذ الروسي على هذه العملية سيكون أكثر من تأثير النفوذ الإيراني في حال محاولتها عرقلة المصالحة، كما تعتبر محاولات تركيا بشكل عام لتصفير مشكلاتها مع دول الجوار عاملاً آخرَ يُصبُّ في صالح إصلاح العلاقات مع سوريا وعلى الرغم من هذه العقبات المتواجدة إلا أن المصالح السياسية قد تدفع كلَ الأطراف في النهاية للاتفاق.
المصادر
- ضياء عودة،رهان على التحديات”.. لماذا تدور أنقرة ودمشق في “متاهة الانسحاب، الحرة، 29 أغسطس 2024، “رهان على التحديات“.. لماذا تدور أنقرة ودمشق في “متاهة الانسحاب“؟ | الحرة (alhurra.com)، الدخول 26/9/2024.
- Omar al-Radad,A New Era For Turkish – Syrian Ties, The Washington institute for New East Policy, 16 Aug 2024, A New Era for Turkish-Syrian Ties? | The Washington Institute, Access 25/9/2024.
- زيد اسليم، “كيف تلقى السوريون في تركيا مرسوم “العفو العام” الجديد؟”، الجزيرة، 25/9/2024، كيف تلقى السوريون في تركيا مرسوم “العفو العام” الجديد؟ | سياسة | الجزيرة نت (ajnet.me)، الدخول 25/9/2024.
- فراس فحام، روسيا ومساعي تجاوز العُقد الكبيرة بين تركيا والنظام السوري”، الجزيرة، 8/8/2024، روسيا ومساعي تجاوز العُقد الكبيرة بين تركيا والنظام السوري | سياسة | الجزيرة نت (ajnet.me)، الدخول 27/9/2024.
[1] ضياء عودة،رهان على التحديات”.. لماذا تدور أنقرة ودمشق في “متاهة الانسحاب، الحرة، 29 أغسطس 2024، “رهان على التحديات“.. لماذا تدور أنقرة ودمشق في “متاهة الانسحاب“؟ | الحرة (alhurra.com)، الدخول 26/9/2024.
[2] Omar al-Radad,A New Era For Turkish – Syrian Ties, The Washington institute for New East Policy, 16 Aug 2024, A New Era for Turkish-Syrian Ties? | The Washington Institute, Access 25/9/2024.
[3] زيد اسليم، “كيف تلقى السوريون في تركيا مرسوم “العفو العام” الجديد؟”، الجزيرة، 25/9/2024، كيف تلقى السوريون في تركيا مرسوم “العفو العام” الجديد؟ | سياسة | الجزيرة نت (ajnet.me)، الدخول 25/9/2024.
[4] فراس فحام، روسيا ومساعي تجاوز العُقد الكبيرة بين تركيا والنظام السوري”، الجزيرة، 8/8/2024، روسيا ومساعي تجاوز العُقد الكبيرة بين تركيا والنظام السوري | سياسة | الجزيرة نت (ajnet.me)، الدخول 27/9/2024.