من المُقرَّر أن تعقد الكومنولث قِمَّتها الثنائية في الأسبوع المُقْبِل، وسط بحْثٍ دائمٍ حوْل أهميتها في عام 2024م، وتُشكِّلُ هذه القِمَّة حَدَثًا مهمًا؛ حيث ستنتخب الدول الأعضاء البالغ عددها 56 دولةً أمينًا عامًّا، والآن جاء دور أفريقيا لتولِّي منصب الأمين العام للمرة الأولى منذ عشرين عامًا، وفي هذا المقال الذي صدر تحت عنوان ” Africa gets its chance to lead the Commonwealth” للكاتب “peter Fabricius ” على موقع معهد الدراسات الأمنية الأفريقي في 18 أكتوبر 2024م، وهو مؤسسة أكاديمية تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية أنشأها الكونجرس الأمريكي في عام 1999م؛ لدراسة القضايا الأمنية المتعلقة بأفريقيا، ويعمل كمنتدى للبحْث الثنائي والمتعدد الأطراف والاتصالات والتدريب وتبادل الأفكار التي تنطوي على مشاركين عسكريين ومدنيين، يطرح الكاتب تساؤُلًا حول إمكانية حصول أفريقيا على قيادة الكومنولث.
التعريف بالكاتب
بيتر فابريسيوس يُقيم في كوبنهاجن، وحصل على ماجستير إدارة الأعمال في الاقتصاد من عام 1996م إلى 1998م، في كلية كوبنهاجن للأعمال، ويشغل حاليًا منصب مستشار معهد الدراسات الأمنية التابع للاتحاد الأفريقي في بريتوريا، وهو صحفيٌّ مستقلٌّ ومُحلِّلٌ لقضايا السياسة الخارجية، كما أنه يعمل لدى صحيفة ديلي مافريك الجنوب أفريقية، وله العديد من الكتابات، من بينها مقال بعنوان ” أفريقيا تحصل على فُرصةٍ لقيادة الكومنولث ” [1]، وهو ما سيتم التطرُّق إليه في السطور القادمة.
أبرز محاور المقال
لمْحَةٌ في أداء الكومنولث
كان أداء الكومنولث متناقضًا؛ فقد أدَّى تعليق عضوية الديكتاتور النيجيري ساني أباتشا – بسبب إعدامه كين سارو ويوا وغيره من المعارضين في عام 1995م – والعقوبات المفروضة على زيمبابوي بقيادة روبرت موغابي، إلى انقسامات حادَّة وكثيرًا ما كانت مثل هذه التحرُّكات تضع أعضاء من الشمال العالمي في مواجهة أعضاء من الجنوب.
وفي المناظرة التي حدثت في تشاتام هاوس، لم يبعث المرشحون الأفارقة الثلاثة قدْرًا كبيرًا من الثقة في قدرة الكومنولث على تعزيز قوته، فقد أشاروا إلى أنهم إذا انتخبوا فسوف ينتهجون دبلوماسية هادئة، فيما يتصل بانتهاكات الدول الأعضاء لقِيَمِ الكومنولث.
وقدَّمت مجموعة العمل المالي تقريرًا عن التقدُّم المُحْرَز في إعادة الجابون إلى الديمقراطية بعد الانقلاب الذي شهدته في عام 2023م، كما دعمت المجموعة سيادة الدولة العضو غيانا وسلامة أراضيها، والتي هدَّدتها مطالبة فنزويلا المجاورة الصارخة ببعض أراضي غيانا.
ملحمة الجابون توضح عواقب التناقض الذي يسود الكومنولث
توضح ملحمة الجابون العواقب المترتبة على التناقُض الذي يسود الكومنولث فيما يتصل بقِيَمِهِ؛ فقد قَبِلَ الكومنولث الجابون وتوجو – المستعمرتان الفرنسيتان السابقتان في عام 2022م – كجزءٍ من جهْد واضحٍ؛ لكسْر تصوُّرٍ، مفاده؛ أن الكومنولث ليس أكثر من نادٍ للمستعمرات البريطانية السابقة، ورغم هذا، فإن الجابون وتوجو لم تكونا ديمقراطيتيْن نموذجيتيْن، وتاريخيًّا كانت الدول المتقدمة في شمال الكومنولث أكثر اهتمامًا بالديمقراطية وحقوق الإنسان من الدول النامية في الجنوب، وقد ركَّزت الدول النامية في الجنوب على قِيَمِ المساواة الاقتصادية والتنمية أكثر من نظيراتها.
مهام الأمين العام الأفريقي الجديد
قالت فونمي أولونيساكين، الأستاذة في مركز القيادة الأفريقية في كينجز كوليدج بلندن: إن الأمين العام الأفريقي يمكن أن يُحْيِيَ أهمية الكومنولث، ويُمْكِنُه حشْد الوكالة الجماعية لأفريقيا، ويؤكد على أجندتها للسلام والتنمية والتجارة، وحتى الآن فشل الكومنولث في إعطاء صوْت للجنوب العالمي والبلدان التي يُمثِّلُها أكثر من غيرها، ونَصَحَ الأمين العام الجديد، بالتركيز على ثلاث أولويات أفريقية، متمثلة في جهود السلام، وخاصَّةً في السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية؛ وتعزيز التجارة، وخاصَّةً من خلال اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارِّية الأفريقية؛ ومعالجة تغيُّر المناخ، من خلال تصحيح الاستثمار المنخفض في الطاقة الخضراء.
كما أن دور الأمين العام هو العمل خلف الكواليس لحلِّ انتهاكات الديمقراطية والقِيَمِ الأُخرى، وإذا فشل ذلك؛ فيجب إحالة القضية إلى مجموعة العمل الوزارية للكومنولث (CMAG) ؛ لاتخاذ إجراءاتٍ محتملةٍ، بما في ذلك العقوبات، وقالت: إن مجموعة العمل الوزارية للكومنولث ستتولَّى التحدُّث علانيةً.
والجدير بالذكر أن هذا المنصب يتنافس عليه ثلاثة مرشحين أفارقة، وهم وزيرة خارجية غانا شيرلي أيوركور بوتشوي، ووزير التجارة والصناعة السابق في ليسوتو جوشوا فوهو سيتيبا، ووزير خارجية غامبيا مامادو تانجارا.
إعادة زيمبابوي إلى عضوية الكومنولث
إن إعادة زيمبابوي إلى عضوية الكومنولث سوف يُمثِّلُ خيانةً كبيرةً لقِيَمِ الكومنولث؛ حتى برغم أن الأعضاء الآخرين لا يتمتعون بالقدْر نفسه من الديمقراطية، ولعل رواندا والكاميرون واسواتيني، من بين الدول التي صنَّفتها منظمة فريدوم هاوس على أنها دول غير حُرَّة.
وبناءً على المناقشة التي جرت في تشاتام هاوس، بَدَتْ بوتشوي المرشحة الأفضل؛ حيث تتمتع بخبرةٍ تمتدُّ لثماني سنوات، كوزيرة للخارجية، وفترة من رئاسة مجلس وزراء المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، عندما تفاوضت على التحوُّل من عمليات الاستيلاء غير الدستورية على السُّلطة إلى الديمقراطية.
كما أن الكومنولث حقَّق بعض النجاحات، مثل الضغط من أجل الحصول على تعويضات عن الخسائر والأضرار الناجمة عن تغيُّر المناخ، ولكن ما إذا كان بإمكانه إحياء قِيَمِهِ أم لا؛ يعتمد على المُرشَّح الذي سيتمُّ اختياره، كما أن بوتشوي يتمتع بأقوى التي تؤهله لقيادة الكومنولث في الفترة المقبلة.
تحليل نقدي للمقال
بالنظر إلى الشكل الذي سيبدو عليه الكومنولث مستقبلًا، من المتوقع أن يصل لمنصب الأمين العام أحد القادمين من الدول الأفريقية، مثل السيد سوناك، أو السيدة باتيل، أو تشوكا هاريسون أومونا، وفي حالة اختيار أيٍّ من المرشحين الثلاثة؛ سيكون أمامهم تحدٍّ كبير في معالجات الأزمات التي تمُرُّ بها دول القارة الأفريقية، وستكون هذه هي المرة الأولى – منذ أكثر من عشرين عامًا – التي يشغل فيها أفريقي هذا المنصب، كما أن تولِّي أفريقيا زعامة الكومنولث – سوف يكون إلى جانب رمزيته – فُرصة لتفعيل الوكالة الجماعية للقارة وأجندتها للسلام والتنمية على المسرح العالمي، وخاصَّةً الأمم المتحدة ومجموعة العشرين، وسيكون لدى الأمين العام الأفريقي فُرصة حقيقية لعقْد اجتماعات مع الأطراف الرئيسية، وتشكيل استجابتها لبعض القضايا الأكثر إلحاحًا التي تؤثر على أفريقيا.
ومن خلال القيام بذلك، يمكن إعادة تموْضع الكومنولث في نظامٍ عالميٍّ متغيِّرٍ، لم تستغل المنظمةُ دائمًا إمكاناتها في عقْد الاجتماعات، ولا بُدَّ أن يعمل على تحقيق أهداف الأجندة الأفريقية، من خلال دعْم صندوق الخسائر والأضرار وتعزيز فُرَصِ الحصول على التمويل للدول الأكثر ضعْفًا، وكثير منها دول أعضاء في الكومنولث، وهذه منطقةٌ مجهولةٌ بالنِّسْبَة للكومنولث، ولكنها فُرصةٌ لتعزيز حضورها وتقديم الزعامة في مختلف أنحاء العالم النامي، ومن خلال اغتنام الفُرصة للمبادرة في التعامُل مع هذه القضايا، سيوفر الأمين العام فرصةً حقيقيةً لتحويل الكومنولث إلى صوتٍ بديلٍ ومِحْوَرٍ موثوقٍ به، نيابةً عن بلدان الجنوب العالمي، ولن يتطلب تحقيق هذه الغاية أقل من تحويل مشاركة الكومنولث في العمل لصالح أفريقيا والجنوب العالمي.
