ذكر مقالٌ منسوبٌ إلى معهد دراسات الأمن القومي (INSS) تحت عنوان ( العالم العربي وإدارة ترامب الثانية)[1]، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الثانية لن يسلك النَّهْج نفسه الذي اتبعه في سياساته تجاه الشرق الأوسط خلال فترته الأولى، هذا التوجُّه الجديد يعكس تغييرات جوهرية شهدتها المنطقة، أبرزها تراجُع نفوذ إيران ومحورها المعروف بـ”محور المقاومة”، بالإضافة إلى استعادة القضية الفلسطينية مركزيتها على السَّاحة الدولية، وازدياد الأهمية الإستراتيجية لدول الخليج في إطار التنافس بين القوى العظمى.
يُعدُّ معهد (INSS) هو أحد أبرز مراكز الأبحاث الإسرائيلية المتخصصة في القضايا الأمنية والإستراتيجية، ويُعرف المعهد بتحليلاته التي تركز على الأمن القومي الإسرائيلي والتطورات الإقليمية في الشرق الأوسط؛ حيث يضُمُّ نخبةً من الباحثين العسكريين والإستراتيجيِّين الذين يقدمون رؤى تستند إلى المصالح الإسرائيلية بالدرجة الأولى؛ لهذا، فإن أيَّ تحليل صادر عن هذا المعهد يجب أن يُقرأ في سياق الأهداف البحثية التي تخدم إسرائيل ورؤيتها للأمن الإقليمي.
أولًا: العرض العام للمقال
يقدم المقال تحليلًا شاملًا للسياسات المحتملة للإدارة الأمريكية الثانية لدونالد ترامب تجاه المنطقة العربية، مع التركيز على مواقف (السعودية، مصر، الأردن)، ومركزية القضية الفلسطينية في تحديد مسار السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، ويعتمد التحليل على افتراض أن سياسات ترامب في ولايته الثانية لن تكون نسخةً مكررةً من سياساته السابقة؛ نظرًا للتحوُّلات الإقليمية، بما في ذلك تراجع النفوذ الإيراني، عودة مركزية القضية الفلسطينية، وتزايد الأهمية الإستراتيجية لدول الخليج في المنافسة بين القُوى الكبرى.
يشير المقال، بأن أولوية ترامب في المنطقة هو فتْح الباب أمام تسريع وتيرة التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، غير أن الحرب الإسرائيلية مع حركة حماس فرضت معادلة جديدة في حسابات القوى الإقليمية، مما أعاد تسليط الضوء على أهمية التوصُّل إلى تسوية شاملة للقضية الفلسطينية، هذه المسألة ستتطلب اهتمامًا خاصًّا من إدارة ترامب والحكومة الإسرائيلية في المرحلة المقبلة، وسط تعقيدات المشهد السياسي الراهن.
كما يوضح المقال، أن العالم العربي ليس كيانًا موحدًا، بل يتألف من مراكز قوى متباينة، أبرزها مصر والأردن ودول الخليج؛ ما يجعل من الضروري دراسة هذه القوى لمعرفة كيف ستتطور علاقاتها مع الولايات المتحدة، ولا يمكن إغفال الأهمية الإستراتيجية التي تحظى بها هذه الدول في حسابات إسرائيل؛ الأمر الذي يُلقي بظلاله على طبيعة التحالفات الإقليمية والتفاعلات السياسية المقبلة.
هذه العوامل تشكل ركائز أساسية لفهْم خريطة العلاقات المستقبلية في الشرق الأوسط؛ حيث تتشابك المصالح العربية والأمريكية والإسرائيلية ضمن معادلة سياسية مُعقَّدة تفرض إعادة صياغة الأولويات والتحالفات.
ثانيًا: العرض التفصيلي لمحاور المقال
مصر
تنظر القاهرة إلى بداية ولاية الرئيس ترامب بقلق، كما تعكسه التصريحات الرسمية والتعليقات في وسائل الإعلام المصرية، وطبقًا للمقال، يمكن تحليل موقف مصر من إدارة ترامب، من خلال محوريْن رئيسييْن: القضية الفلسطينية والعلاقات الثنائية بين مصر والولايات المتحدة.
القضية الفلسطينية:
من وجهة النظر المصرية، فإن الدعم الأمريكي غير المسبوق لإسرائيل خلال إدارة بايدن السابقة، وتضامنها الكامل منذ اندلاع الحرب، ساهم في إطالة أمد القتال في غزة ولاحقًا في لبنان، وقد أدَّى ذلك إلى عددٍ غير مسبوق من الضحايا المدنيين وتدمير واسع للبنية التحتية في غزة.
وفقًا لعدد من المعلقين المصريين، تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية لا تقل عن إسرائيل فيما وصفوه بالمجزرة و”الإبادة الجماعية”، كما رأوا أن الولايات المتحدة كان بإمكانها منْع التصعيد الإقليمي، لكنها امتنعت عن ذلك مع استمرار الحرب، رغم محاولات الإدارة الأمريكية التوسُّط لوقف إطلاق النار، التي تجاهلتها إسرائيل ربما على أمل فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية.
وبالإضافة إلى الاستياء الشعبي والرسمي الواسع من قرارات ترامب الأخيرة، يشير المقال إلى أن سياساته السابقة المؤيدة لإسرائيل في ولايته الأولى، مثل نقْل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف الكامل بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، و”صفقة القرن” التي مهَّدت لاتفاقيات إبراهيم، إلى جانب تعيينه في ولايته الثانية شخصيات رئيسية مثل وزير الخارجية والمبعوث الخاص للشرق الأوسط، تُعزِّزُ المخاوف من استمرار أو حتى تصعيد السياسة الأمريكية الداعمة لإسرائيل، خاصَّةً فيما يتعلق بدعم الحكومة الإسرائيلية وسياساتها الاستيطانية في الضفة الغربية.
العلاقات الثنائية بين مصر والولايات المتحدة:
لطالما ظلت العلاقات “الأمريكية –المصرية” مستقرة، مع حدٍّ أدْنى من التصعيد الخطابي، وخلال فترة ترامب الأولى، كانت علاقته بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي جيدة للغاية؛ ما أدَّى إلى دعمٍ أمريكيٍّ أقوى مقارنةً بفترة أوباما، كما قدَّمت دعمًا ماليًّا غير مشروط عبر صندوق النقد الدولي؛ ما ساعد على استقرار الاقتصاد المصري.
ويشير التقرير إلى أنه مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تتوقع مصر استمرار الدعم الأمريكي لها، خاصَّةً فيما يتعلق بالمساعدات الاقتصادية وموقف الولايات المتحدة من سد النهضة الإثيوبي، الذي دعمته إدارة ترامب سابقًا.
الأردن
حافظ الأردن لعقود على تحالف إستراتيجي مع الولايات المتحدة، ورغم أن الملك عبد الله الثاني هنَّأ ترامب بفوزه في الانتخابات الأخيرة، فإن المقال يشير إلى أن العديد من المعلقين المقربين من العائلة المالكة الأردنية غير راضين عن احتمالية عودته إلى البيت الأبيض.
يتذكر الأردن إدارة ترامب الأولى على أنها فترة استقرار في العلاقات الثنائية؛ حيث استمر تدفق المساعدات الأمريكية دون انقطاع، لكن على عكس بايدن، لم يكن هناك تواصل شخصي عميق بين القيادة الأردنية وترامب، وكان الأردن على هامش السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
يرى الأردن، أن إدارة ترامب في ولايته الأولى لم تُولِ أهميةً كافيةً لدور المملكة الإقليمي، وفضَّلت بدلًا من ذلك الدول الخليجية الغنية مثل الإمارات والسعودية، اللتين تُعتبران شركاء رئيسيِّين للولايات المتحدة، لا سيما في مجال مبيعات الأسلحة.
طبقًا للمقال، تتعلق أكبر مخاوف الأردن من ولاية ترامب الثانية بالسياسة الإقليمية، خاصَّةً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؛ ففي ولايته الأولى، اتخذ ترامب قرارات، اعتبرتها عمان مُضرَّة بالفلسطينيِّين، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإنهاء تمويل الأونروا، وطرْح “صفقة القرن” التي رآها البعض في إسرائيل ضوءًا أخضر لضمِّ أجزاء من الضفة الغربية. وبالنسبة للأردن؛ حيث يشكل الفلسطينيون نسبةً كبيرةً من السكان، فإن هذه السياسات تُشكِّلُ تهديدًا للأمن القومي الأردني.
يخشى الأردن أيضًا، أن مساعي ترامب بإعادة طرْح خطة مشابهة لـ”صفقة القرن” بالتنسيق مع إسرائيل، قد يؤدي إلى تعزيز فكرة “الوطن البديل”؛ أيْ حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن.
دول الخليج
بشكلٍ عامٍ، ووفقًا للمقال، تنظر دول الخليج بإيجابية إلى إعادة انتخاب ترامب، رغم وجود اختلافات في وجهات النظر بين الدول الخليجية، فعلى سبيل المثال، لم تكن هناك علاقات شخصية قوية بين إدارة ترامب وقطر، مقارنةً بالعلاقات الوثيقة التي ربطته بالسعودية والإمارات، وخاصَّةً من خلال صِهْرِه ومستشارِه جاريد كوشنر.
ترى دول الخليج في ترامب شريكًا أكثر موثوقية مقارنةً بإدارة بايدن، خاصَّةً فيما يتعلق بالتعامل مع إيران، وتتوقع هذه الدول أن يقود ترامب حملة ضغوط اقتصادية ودبلوماسية أقوى ضد طهران؛ ما يُعزِّزُ موقف الخليج في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، تُعدُّ القضية الفلسطينية ذات أولوية متزايدة في الخليج بعد حرب غزة، وترى السعودية، أنه في حالة قيام ترامب بقيادة عملية تطبيع مع إسرائيل، يجب أن يتضمن هذا المسار تقدُّمًا في القضية الفلسطينية وتطبيق حلِّ الدولتين، وهو أمر تضعه المملكة شرطًا أساسيًّا لتوقيع أيِّ اتفاقٍ مع تل أبيب.
ثالثًا: النقد التحليلي للمقال
نقاط القوة
استشراف التغيرات المحتملة في السياسة الأمريكية: يتعامل المقال مع رئاسة ترامب الثانية، على أنها فرصة لإعادة رسم سياسات واشنطن في الشرق الأوسط، وليس مجرد امتداد لولايته الأولى، وتعكس هذه المقاربة وعيًا بالتطورات الإقليمية، مثل تغيُّر ميزان القوى الإقليمي بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، ووجود توجُّهات ومواقف قوية لدى الدول العربية تجاه القضية الفلسطينية مع التأكيد على عدم المساس بثوابتها.
تحليل مواقف الدول العربية بشكلٍ مستقلٍ: يخصص المقال تحليلًا منفصلًا لمواقف مصر، الأردن، ودول الخليج؛ ما يعكس إدراكًا بأن الدول العربية ليست كتلةً موحدةً، بل تتباين مواقفها وفقًا لمصالحها الوطنية، فعلى سبيل المثال، يرى المقال أن مصر والأردن تنظران بقلقٍ إلى سياسات ترامب المحتملة؛ بسبب دعمه المطلق لإسرائيل، بينما ترى دول الخليج في عودته فرصةً لتعزيز تحالفها مع واشنطن ضد إيران.
الاعتراف بأهمية القضية الفلسطينية في صياغة العلاقات الإقليمية: على الرغم من سياسة التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، يشير المقال إلى أن القضية الفلسطينية لا تزال عاملًا رئيسيًّا في العلاقات “العربية – الإسرائيلية”، ويتماشى هذا التحليل مع التصريحات المتزايدة في العالم العربي التي تشترط إحراز تقدُّمٍ في القضية الفلسطينية، بقيام دولة فلسطين على حدود 1967 قبْل تحقيق تطبيعٍ كاملٍ مع إسرائيل.
نقاط الضعف في المقال
التركيز المُفرط على العوامل الإسرائيلية في رسْم السياسة الأمريكية: يمنح المقال دورًا مركزيًّا لإسرائيل في تحديد سياسات ترامب؛ حيث يبرز أن معظم قراراته في المنطقة ستتمحور حول المصالح الإسرائيلية، رغم أن لإسرائيل نفوذًا قويًّا في واشنطن، فإن السياسة الخارجية الأمريكية تتأثر أيضًا بعوامل أخرى، مثل التنافس مع الصين وروسيا، والأولويات الاقتصادية الأمريكية؛ لذا كان من المفيد، تقديم تحليلٍ أوسع لهذه العوامل وتأثيرها على توجُّهات ترامب تجاه الشرق الأوسط.
إغفال دور الداخل الأمريكي في التأثير على السياسة الخارجية: لم يتناول المقال التحديات السياسية والاقتصادية التي قد تواجه ترامب داخليًّا، مثل الانقسامات الحزبية في الكونغرس، أو أولوياته الداخلية مثل الاقتصاد والهجرة؛ وعليه من المرجح، أن تؤثر هذه القضايا على مدى التزامه بسياسات الشرق الأوسط، فضلًا على أن توازن القوى داخل الإدارة الأمريكية، خاصَّةً بين وزارة الخارجية والبنتاغون، قد يؤثر على قراراته بطُرُقٍ غير متوقعة.
عدم تقديم سيناريوهات بديلة: يركز المقال على سيناريو واحد، وهو أن ترامب سيواصل دعم إسرائيل بقوة ويضغط على الدول العربية لقبول تسويةٍ وفْق الرؤية الإسرائيلية، لكن ماذا لو قرَّر ترامب تبنِّي نهْجًا أكثر براغماتية؛ لموازنة المصالح الأمريكية في المنطقة؟ مثلًا، قد يستخدم ترامب سياسة الضغط على إسرائيل للحصول على تنازلات في ملف التطبيع، أو قد ينتهج نهجًا مختلفًا تجاه إيران؛ بناءً على حسابات اقتصادية وسياسية داخلية؛ لذا كان من الأفضل لو استعرض المقال سيناريوهات متعددة، بدلًا من افتراض مسارٍ واحدٍ.
في الختام:
يقدم المقال تحليلًا متماسكًا ومبنيًّا على مُعْطياتٍ واضحةٍ حول سياسات ترامب المحتملة تجاه المنطقة العربية، كما أنه يعكس وعيًا بالتحولات الجيوسياسية في المنطقة، خاصَّةً فيما يتعلق بالدور المتزايد لدول الخليج والقضية الفلسطينية، ومع ذلك، يفتقر المقال إلى تحليلٍ أعمق للعوامل الداخلية الأمريكية التي قد تؤثر على توجُّهات ترامب، كما أنه يفترض سيناريو واحدًا دون تقديم بدائل محتملة، وكان من الأفضل تضمين منظور أوسع يشمل المتغيرات الدولية، مثل المنافسة مع الصين وروسيا، وتأثيرها على قرارات ترامب في الشرق الأوسط.
بشكلٍ عامٍ، يُعدُّ المقال إسهامًا مهمًا في النقاش حول مستقبل السياسة الأمريكية في المنطقة، لكنه يحتاج إلى معالجة بعض الثغرات لتقديم صورةٍ أكثر توازُنًا وشمولًا.
لينك المقال:
[1] Yoel Guzansky, Amira Oron, and Ofir Winter, “The Arab World and the Trump Administration 2.0: Saudi Arabia, Egypt, Jordan, Iran, and the Palestinians: What will Trump’s Middle East policy look like?” INSS Insight No. 1939, February 5, 2025, https://www.inss.org.il/publication/trump-middle-east/.
