يعتبر انتشار المعلومات المضللة من أبرز التحديات التي تواجه القارة الأفريقية، ولقد ارتفعت الحملات التضليلية التي تتلاعب بأنظمة المعلومات الأفريقية، بنحْو أربعة أضعاف، منذ عام 2022م، ويتزامن انتشار المعلومات المضللة مع تدهور الأوضاع الأمنية في القارة، ولا سيما في المناطق المتضررة من الصراعات، مثل منطقة الساحل ووسط أفريقيا والقرن الأفريقي، وفي ضوء ذلك، يمكن عرْض قراءةٍ نقديةٍ لمقال بعنوان “Mapping a Surge of Disinformation in Africa” والذي تمَّ إعداده بواسطة مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية، وهو مؤسسة أكاديمية تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، أنشأها الكونجرس، في عام 1999م؛ لدراسة القضايا الأمنية المتعلقة بأفريقيا، ويعمل كمنتدى للبحث الثنائي والمتعدد الأطراف والاتصالات والتدريب وتبادل الأفكار التي تنطوي على مشاركين عسكريين ومدنيين.
أبرز محاور المقال
العلاقة بين نطاق التضليل وعدم الاستقرار
تتعرض الدول الأفريقية التي تعاني من الصراعات لمستويات أعلى من التضليل؛ ما يؤكد العلاقة بين التضليل وعدم الاستقرار؛ حيث تقوم الجهات الفاعلة بهجماتٍ تضليليةٍ على النُّظُم الإعلامية الأفريقية، من خلال الاتصالات الرقمية؛ بهدف إعادة تشكيل أنظمة المعلومات في القارة الأفريقية، ولقد أدَّت حملات التضليل إلى العنف، وعملت الانقلابات العسكرية على الترويج لتلك الحملات والتصديق عليها؛ ما كان له تداعيات وخيمة، من أبرزها؛ تقليص حقوق الشعوب الأفريقية وأمنهم وحرياتهم.
وجاءت الحملات التضليلية في الوقت الذي دخل فيه حوالي 300 مليون أفريقي إلى وسائل التواصُل الاجتماعي، خلال السبع السنوات الماضية، أمَّا في الوقت الحالي، يُوجد أكثر من 400 مليون مستخدم لوسائل التواصُل الاجتماعي و600 مليون مستخدم للإنترنت على صعيد القارة الأفريقية، وتعتبر نيجيريا وكينيا من أكثر الدول المستخدمة لمنصّات التواصل الاجتماعي، وفي الوقت ذاته، هم من أكثر الدول التي تواجه معلومات مضللة، ونجد أن حوالي 60% من تلك الحملات في القارة ترعاها دول أجنبية.
الانتخابات الأفريقية ونشْر المعلومات المضللة
تعمل الانتخابات الأفريقية على توفير فُرصٍ لنشْر المعلومات المضللة؛ إذ يتمُّ استخدام فرقٍ مرتزقةٍ لعمليات التضليل، فعلى سبيل المثال، قامت مجموعة إسرائيلية خاصَّة، تُعرف بـ”فريق خورخي” بحملات تضليلية؛ لتعطيل أكثر من 20 انتخابات أفريقية، منذ عام 2015م، وخلال انتخابات كينيا عام 2022م، ونيجيريا عام 2023م، قامت الجهات الفاعلة المحلية بدمْج المعلومات المضللة في كتيباتها السياسية، وتزداد المعلومات المضللة في الإعلام الأفريقي في الوقت الذي تتراجع فيه حرية الصحافة، ومن الجدير بالذكر، أن الدول الأفريقية التي تلتزم بالحدِّ الأقصى لفترات الرئاسة أقلّ تعرُّضًا للتضليل برعاية أجنبية، بمتوسط 1.5 حملة، وذلك مقارنةً بمتوسط أكثر من 3 حملات للدول التي لا تطبق الحدّ الأقصى لفترات الرئاسة؛ ما يؤكد أن هدف التضليل الأجنبي هو دعْم الجهات الاستبدادية.
روسيا المصدر الرئيسي للمعلومات المضللة في أفريقيا
تعتبر روسيا المصدر الرئيس للمعلومات المضللة في أفريقيا؛ إذ نشرت معلومات مضللة؛ للقضاء على الديمقراطية في 19 دولةً أفريقيةً، كما قامت بمراعاة حوالي 80 حملةً تستهدف أكثر من 22 دولة، ويُمثِّلُ ذلك 40% من كل حملات المعلومات المضللة في أفريقيا، وقد وصلت هذه الحملات إلى ملايين المستخدمين، من خلال عشرات الآلاف من الصفحات والمنشورات المُزيَّفة، ويعتبر نشْر المعلومات المضللة بمثابة دعامة أساسية لاستخدام روسيا للقنوات غير النظامية؛ لتعزيز نفوذها في أفريقيا.
حملات التضليل في جميع أنحاء أفريقيا
تتعرض القارة الأفريقية لـ23 حملةً تضليل عابرة للحدود الوطنية، وأغلبها برعاية جهات حكومية خارجية، تحاول تعزيز نفوذها في القارة، وتُعدُّ روسيا والصين الراعيتيْن الرئيسيتيْن لتلك الحملات؛ بهدف تحقيق مصالحهما الجيواستراتيجية، وتقويض الديمقراطية وتشجيع الانقلابات في أفريقيا، هذا فضلًا عن تأجيج المشاعر المعادية للغرب والأمم المتحدة، ونجد أن اثنين من المؤثرين المرتبطين بروسيا والبارزين في مجال التضليل، يمتلكان مجتمعين على وسائل التواصل الاجتماعي، يتابعون أكثر من 28 مليون مستخدم، وبالإضافة إلى ذلك، قاموا بتطوير محتواهم، من خلال نظامٍ بيئيٍّ مترامي الأطراف، يضُمُّ مئات الصفحات المرتبطة بروسيا.
وتعتبر روسيا الراعي الأكبر لحملات التضليل في أنحاء مختلفة من القارة الأفريقية، وذلك من خلال 16 حملةً من تلك الحملات واسعة النطاق، وتستخدم حملات التضليل مؤثرين أفارقة مدفوعي الأجر، وصور رمزية رقمية ومقاطع فيديو وصور فوتوغرافية مُزيَّفة، وتنشرها في عدة قنوات تابعة لوسائل الإعلام التي تسيطر روسيا عليها، إضافةً إلى الإذاعة والاتصالات الرسمية، ولقد ساهمت السفارات الروسية في إنشاء شبكة من المنظمات الشعبية الأفريقية، مثل “(PARADE” و”GPCI” ؛ بهدف تعزيز المعلومات المضللة، وفي السياق ذاته، تجدر الإشارة إلى أن مجموعة فاجنر هي الوسيلة الأساسية للكرملين لنشْر المعلومات المضللة في أفريقيا، ولكن بعد وفاة مؤسس فاغنر في 2023م، تمَّ استيعاب حملات التضليل الروسية في فيلق أفريقيا الروسي ووكالة أنباء مبادرة أفريقيا المرتبطة بأجهزة الاستخبارات الروسية.
1- غرب أفريقيا: 72 حملةً تستهدف 13 دولةً
تعتبر غرب أفريقيا المنطقة الأكثر استهدافًا بالتضليل؛ إذ تُمثِّلُ 40% من حملات التضليل في أفريقيا، والتي يرتبط نصفها بروسيا، فقامت روسيا بالتضليل في منطقة الساحل، منذ عام 2018م، بـ19 حملةً، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو؛ حيث ساعدت الشبكات الروسية في التمهيد والترويج للانقلابات العسكرية التي شهدتها تلك الدول، وتعتبر المجالس العسكرية في مالي وبوركينا فاسو ثاني أكبر راعٍ للتضليل في المنطقة، وتُشكِّلُ الجماعات المسلحة الراعي الرئيس الثالث للتضليل في غرب أفريقيا، وتعتبر نيجيريا مثالًا واضحًا على كيفية استخدام تلك الجماعات لمجموعةٍ متنوعةٍ من تكتيكات التضليل، عبْر اللغات المحلية والشبكات المغلقة لنشْر رسائلها.
2- شرق أفريقيا: 33 حملةً تستهدف 8 دول
تأتي منطقة شرق أفريقيا في المرحلة الثانية؛ من حيث عدد حملات التضليل في أفريقيا، كما تشهد أعلى نسبة من الحملات المحلية، والتي تصل إلى أكثر من 60%، وتقع معظم هذه الحملات في السودان وكينيا؛ إذ تعرَّضَ السودان لمعلومات مضللة صادرة عن طرفيْ الصراع في البلاد “قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية”؛ إذ نشرت الشبكات التابعة لكل منهما، إدعاءات متضاربة، بشأن الأراضي المحتلة؛ ما خلق بيئةً أكثر خطورةً للمدنيين، كما كانت القوى الإقليمية والأجنبية التي لها مصالح خاصَّة في الحرب، مثل روسيا، رعاة نشطين لنشر المعلومات المضللة، وتجدر الإشارة إلى أن حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال من أوائل الذين تبنَّوْا التضليل في شرق أفريقيا.
3- أفريقيا الوسطى: 21 حملة تستهدف 4 دول
تعرَّضت بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لحملات تضليل في وسط أفريقيا، ففي جمهورية أفريقيا الوسطى، نشر أنصار الرئيس “فوستين أرشانج تواديرا”، معلومات مضللة حول بعثة الأمم المتحدة “مينوسكا”، وذلك من خلال خلْق نظريات المؤامرة والترويج لها، وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، عمل السَّاسة على تجنيد “جماعات الضغط” لنشْر معلوماتٍ مضللةٍ، حول بعثة الأمم المتحدة “مونوسكو”، ولقد أدَّت تلك الحملات إلى إشعال احتجاجات عنيفة، في عام 2022م؛ ما أسفر عن مقتل 5 من قوات حفظ السلام وأكثر من 30 متظاهر خارج قاعدة مونوسكو، كما انتشرت معلومات مضللة على الانتخابات، التي عُقدت في ديسمبر 2023م؛ ما أدَّى إلى تقويض شرعيتها، والجدير بالذكر، أن روسيا ارتبطت بثماني حملات تضليل في جمهورية أفريقيا الوسطى، منذ عام 2018م.
4- جنوب أفريقيا: 25 حملةً تستهدف 8 دول
تعتبر الصين هي الدولة الأكثر نشاطًا في جنوب أفريقيا؛ إذ استهدفت 6 دول، وكانت الحملات مُوجَّهةً بشكلٍ أكبر إلى جنوب أفريقيا وزيمبابوي، وفي كلا البلديْن استخدمت الجهات الفاعلة الداخلية والخارجية المعلومات المضللة؛ لزرْع عدم الثقة بين السكان خلال الحملات الرئاسية، كما كانت الصين المُزوِّدَ الخارجي الرئيسي للمعلومات المضللة في زيمبابو؛ حيث عملت على شنِّ حملات لدعم حزب الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي، من خلال قمْع أصوات المعارضة والمجتمع المدني، وتعزيز الدعاية السياسية والتجارية الصينية، ومن الجدير بالذكر، أن روسيا هي الفاعل الرئيس في مجال التضليل في جنوب أفريقيا، فبالإضافة إلى الترويج للخطابات الهادفة إلى استقطاب المجتمعات وإثارة عدم الثقة، استخدمت روسيا ذوي النفوذ من جنوب أفريقيا؛ للترويج للخطابات المؤيدة لها داخل وخارج جنوب أفريقيا.
5- شمال أفريقيا: 15 حملةً تستهدف 5 دول
تؤدي روسيا دورًا كبيرًا في بيئة المعلومات في منطقة شمال أفريقيا؛ حيث أدَّت عمليات التضليل الروسية في ليبيا إلى تعزيز قوة الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، وإذكاء الحنين إلى نظام القذافي، وتعطيل منتدى الحوار السياسي الليبي، وبالإضافة إلى ذلك، انتشرت معلومات مضللة للعمل على تقويض بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لصالح الجيش الوطني الليبي.
تحليل نقدي للمقال
تمُرُّ القارة الأفريقية بتحوُّلٍ رقميٍّ سريعٍ، وعلى الرغم من أنها الأقل رقمنةً على الصعيد العالمي، إلَّا أن المعلومات أصبحت متاحةً بشكلٍ متزايدٍ، وتُعدُّ المعلومات المضللة إحدى أكثر التحديات إلحاحًا فيما يتعلق بالتحوُّل الرقمي في أفريقيا؛ حيث استغلت الجهات الفاعلة الأجنبية الفرص الرقمية الجديدة؛ للوصول إلى شعوب الدول الأفريقية، ولقد برزت روسيا كأحد أهم الجهات الأجنبية الفاعلة المُشاركة في الحملات التضليلية في أفريقيا.
وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت المعلومات المضللة أيضًا أداةً تستخدمها الجهات الفاعلة المحلية لتعزيز أجنداتها، وعادةً ما يتمُّ إطلاق الحملات التضليلية خلال فترات الانتخابات؛ لذا يجب على المؤسسات الأفريقية وشركائها، أن تعالج قضية التضليل التي تعمل على زعزعة الاستقرار وتقويض العمليات الديمقراطية في الدول الأفريقية، كما يجب على الاتحاد الأفريقي، تحسين آليات تقصِّي الحقائق ومراقبة حملات التضليل الأجنبية والمحلية باستمرار.
