تشيرُ بعضُ المؤشراتِ إلى احتماليةِ اندلاعِ حرب ٍبالوكالةٍ بين روسيا وأوكرانيا على الأراضي الأفريقية، ذلك الأمر إذا تحقَّق؛ سيكون له تداعياتٌ خطيرةٌ على جُلِّ الدول الأفريقية، فمؤخرًا شرعت أوكرانيا في تعزيزِ بصْمَتِها الدبلوماسية في أفريقيا؛ لمناوئة النُّفوذ الرُّوسي؛ ما يفرض تحدِّيًا جديدًا أمام أمْن واستقرار القارة، وفي هذا المقال[1] الذي صدر تحت عنوان « Is Russia’s war against Ukraine spilling over into Africa» ، للكاتب «،«peter Fabricius على موقع معهد الدراسات الأمنية الأفريقي، ٩ أغسطس ٢٠٢٤، يطرح الكاتب تساؤُلًا، حول إمكانية تحوُّل أفريقيا لساحةٍ جديدةٍ للحرب بين روسيا وأوكرانيا.
التعريف بالكاتب:
بيتر فابريسيوس، مستشار معهد الدراسات الأمنية، التابع للاتحاد الأفريقي في بريتوريا، وهو صحفيٌّ مستقلٌّ ومحلِّلٌ لقضايا السياسة الخارجية، كما أنه يعمل لدى صحيفة “ديلي مافريك” الجنوب أفريقية، وله العديدُ من الكتابات، من بينها مقال بعنوان “هل من الممكن أن تنتقل حرب روسيا ضد أوكرانيا إلى أفريقيا؟”
وهو ما سيتم التطرُّق إليه في السطور القادمة.
أبرز المحاور:
أولًا- معركة فاجنر مع الانفصاليين الطوارق:
في مطلع أغسطس ٢٠٢٤، وقعت اشتباكاتٌ عسكريةٌ بين قوات فاجنر «الفيلق الرُّوسي الأفريقي» والانفصاليين الطوارق في تينزاوتين بمالي؛ ما خلَّف خسائرَ فادحةً؛ حيث ادَّعى الطوارق قتلهم ٨٤ من مقاتلي فاجنر، و٤٧ جندِيًّا ماليًّا، ذلك الأمر كان بمثابة انتكاسةٍ للكرملين، الذي يتوسع بقوةٍ في مختلف أنحاء القارة، ناهيك عن محاولة سدِّ الفراغ الذي خلَّفه الانسحابُ الأمريكيُّ من النيجر.
ثانيًا- روسيا والاستعمار الجديد:
تلعب روسيا دوْرًا كبيرًا في أفريقيا؛ لتأكيد نفوذها ضدَّ أيِّ تحرُّكاتٍ مضادةٍ، وتسعى لاستغلال حالة الفراغ الأمني والتوتُّرات السياسية في أفريقيا لتحقيق هذا الهدف، في مقابل ذلك، تلقى قَبُولًا شعبويًّا لدى بعض الدول الأفريقية؛ استنادًا إلى خلْفِيَّتِها غير الاستعمارية، علاوةً على أنها قُطْبٌ متكاملٌ داخل النظام الدولي، وقوة لا يُسْتهانُ بها، وقد تدفع هزيمة فاجنر في مالي موسكو إلى إعادة النظر في وضْع هذه الجماعة، ووضعها تحت سيطرة الدولة بصورة أوْسع؛ نظرًا لأن بعض الدول، مثل “بوركينا فاسو، والنيجر”، اللتان تسمحان لوحدات من المستشارين الرُّوس للعمل على مكافحة الإرهاب، قد تُعيد ترتيب أوراقها بشأن هذه المهمة، بعد الانتكاسة التي تعرَّضت لها فاجنر.
ثالثًا- مُحدِّدَات التحرُّك الأوكراني في أفريقيا:
تسعى أوكرانيا إلى ترسيخ موطئ قدمٍ لها في القارة الأفريقية، فوفقًا للمبعوث الخاص لأوكرانيا في أفريقيا والشرق الأوسط، فإن البلاد قامت بفتْح سفاراتٍ جديدةٍ في القارة، وذلك لم يكنْ لتوطيد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وغيرها فحسب، بل لمواجهة الدعاية الرُّوسية المضادة لأوكرانيا، إضافةً إلى أن توسيع البصمة الدبلوماسية للأخيرة، يساعد على تحقيق التقارُب مع بعض الدول الأفريقية؛ لمواجهة نفوذ فاجنر، على اعتبار أن “كييڤ” تعلم دروب هذه الجماعة، عندما كانت تحاربها في أوكرانيا.
على الجانب الآخر، هناك قوات الدعم السريع التي تخوض حربًا ضاريةً ضد الجيش السوداني، وفي الوقت الذي تدعم فيه روسيا هذه الأولى عبْر ذراع فاجنر، فإن أوكرانيا تعمل في الخرطوم لدعْم القوات المسلحة السودانية ضد مجموعة فاجنر
رابعًا- محاصرة النفوذ الأوكراني في أفريقيا:
على الرغم من أن محاولات التوسُّع الرُّوسي في أفريقيا يستهدف حصار الغرب بشكلٍ عامٍ، إلا أنه يُوظِّفُ أذْرُعَهُ المتعددة؛ لتطويق أوكرانيا بشكلٍ خاصٍّ، فبعْد هجوم مالي، وجَّهت موسكو أصابع الاتهام لـ”كييڤ” بفتْح جبهةٍ جديدةٍ للقتال في القارة السمراء، لا سيما بعد تصريحات المتحدث باسم وكالة الاستخبارات الأوكرانية “أندريه يوسوف”، بأن المتمردين الماليِّين تلقوا التعليمات لتنفيذ هذا الهجوم؛ ما يوحي بأن “كييڤ” هي من دبَّرت هذه العملية، وكأنها تسعى لإثبات حضورِها في المشهدِ، ومنازعة روسيا خارج البلاد؛ ربما لتخفيف وطْأة الحرب الدائرة على أراضيها، إلا أن هذه المحاولات ما هي إلا استفزازٌ للدُّبِّ الرُّوسي، سيدفع نحو تداعياتٍ وخيمةٍ؛ سيكون المُتضرِّرُ الأكبرُ منها الدُّولَ الأفريقيةَ، التي تُعاني بالفعل من ويْلات الحروب والانقلابات العسكرية والهجمات الإرهابية، ولكن السلطات الأوكرانية نَفَتْ تورُّطها في ذلك.
خامسًا- قطْع العلاقات الدبلوماسية بين أوكرانيا ومالي والنيجر:
تحظى بعضُ دول الساحل، مثل “مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو”، بدعمٍ رُوسيٍّ، وبعد الهزيمة التي تعرَّضت لها قوات فاجنر في تينزاوتين الماليّة، بتحريضٍ أوكرانيٍّ، وفْق ما سَبَقَ ذكرُه؛ لذا فقد أَقَدَمَ المجلسُ العسكريُّ في “باماكو” على قطْع العلاقات الدبلوماسية مع “كييڤ”؛ متهمًا إياها بدعم الإرهاب الدولي؛ ذلك الأمر الذي نفته الأخيرة.
أيضًا قام النظام العسكري في النيجر، بقطْع علاقاته الدبلوماسية معها؛ ما أدَّى إلى اتهام أوكرانيا لروسيا بفتْح جبهةٍ جديدةٍ للصراع بينهما على أراضٍ أفريقية.
عواقب اندلاع حرب جديدة بأفريقيا:
إن ما يحدث بين روسيا وأوكرانيا من مناوشاتٍ وتفاقُمِ حِدَّةِ التوتُّرات بينهما، خاصَّةً في أفريقيا، يُنْذِرُ بخطرٍ داهمٍ ومستقبلٍ أمنيٍّ مضطربٍ، لا سيما أن المنطقة تُعاني من تحدياتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ وأمنيةٍ خطيرةٍ، وقد أدانت المجموعةُ الاقتصاديةُ لغرب أفريقيا التدخُّلَ الأجنبيَّ في القارة، فضلًا عن أيِّ محاولةٍ لجرِّها لمواجهاتٍ جيوسياسيةٍ، في ظِلِّ محاولاتٍ روسيةٍ لتكثيف وجودها على جبهاتٍ مختلفةٍ، وفي المقابل، تسعى أوكرانيا للرَّدِّ عليها في عُقْرِ أفريقيا، بعد الحرب الشَّرِسَة التي شنَّتْها موسكو عليها؛ ما يُهدِّدُ بتحويل القارة إلى ساحةٍ لحربٍ بالوكالة بينهما.
تحليلٌ نقديٌّ:
إن الحديث عن سياق حربٍ جديدةٍ بين روسيا وأوكرانيا في أفريقيا، هو أمرٌ مستبعدٌ بشكلٍ كبيرٍ؛ فالمنطقة لن تتحمل صراعًا جديدًا، كما أن الدولتيْن في الوقت الحالي ليسا في حاجةٍ للانغماس في حربٍ أُخرى؛ فروسيا تسعى لتحقيق نفوذٍ واعدٍ في القارة، وكسْب ولاءِ العديدِ من الدُّولِ الأفريقيةِ، وحَالَ الدخولِ في معتركٍ كهذا؛ فإنها ستتعرض لفَقْدٍ شعبويٍّ وخسارة مصالحها، بل وتعريض ذاتها لعقوباتٍ جديدةٍ، كالتي فُرِضَتْ عليها إبَّان الحرب مع أوكرانيا، أمَّا عن الأخيرة، فلن يكون من المنطقيِّ خوْض حربٍ أُخرى، تُعرِّضُها لخسائرَ كبيرةٍ، كالتي تعرَّضت لها في حربها مع موسكو، إلَّا أن الأوضاع قد تجعل خطر حرب الوكالة بين هاتيْن الدولتيْن واقعًا ملموسًا؛ إذا ما واصل الطرفان استفزازهما لبعضهما البعض؛ فالحرب ليست مستحيلةً، بل هي مستبعدةٌ إلى حدٍّ كبيرٍ.
