المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > عرْضٌ نقديٌّ لمقال: رسْم خريطة التنمية الإستراتيجية للموانئ الصينية في أفريقيا
عرْضٌ نقديٌّ لمقال: رسْم خريطة التنمية الإستراتيجية للموانئ الصينية في أفريقيا
- مايو 23, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد/ دينا لملوم
منسق وحدة الشؤون الأفريقية
تتمركز الشركاتُ الصينيةُ في أكثر من ثلث مشاريع تطوير الموانئ الأفريقية، ويمكن توظيف بعضها لتوسيع رُقْعة الوجود البحري الصيني في أفريقيا، وتتواجد الشركات الصينية المملوكة للدولة في 78 ميناء بـ32 دولةً أفريقيةً، سواء كانت شركات بناء أو تمويل أو تشغيل، كما تتربَّعُ على عرْش ثلث مراكز التجارة البحرية في القارة، وذلك يُعَدُّ أكبر حضورٍ صينيٍّ على مستوى العالم، وفي هذا المقال[1] الذي صدر تحت عنوان “Mapping China’s Strategic Port Development in Africa”، للكاتب”Paul Nantulya”، على موقع المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية، بتاريخ 10 مارس 2025، يتمُّ تسليط الضوء على فكرة الاستثمارات في موانئ أفريقيا، ولكن بالشَّكْلِ الذي يضمن عدم المساس بالسيادة الوطنية للدول الأفريقية.
التعريف بالكاتب
حصل بول نانتوليا على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية من جامعة الولايات المتحدة الدولية في كينيا، وشهادة الدراسات العليا في اللغة اليابانية من معهد التبادُل “الياباني – الأفريقي” في نيروبي، فضْلًا عن درجة الماجستير في الدراسات الدفاعية والإستراتيجية من جامعة ولاية ميسوري في سبرينجفيلد، ميزوري، وهو باحثٌ مشاركٌ في مركز أفريقيا، وقبْل انضمامه إليه عمل كمستشار فني إقليمي لشؤون جنوب السودان، من عام ٢٠٠٩ إلى عام ٢٠١١؛ حيث دعم جهود جوبا في التخفيف من حِدَّة الأزمات.
أبرز المحاور:
-
الشركات الصينية في أفريقيا
يتواجدُ بغرب أفريقيا 35 ميناء مقابل 17 ميناء بشرق القارة، إضافةً إلى 15 ميناء في الجنوب الأفريقي و11 ميناء في الشمال، وبالنظر إلى طبيعة الموانئ التجارية التي تستضيفها القارة السمراء فإنها تحوي 231 ميناءً تجاريًّا على مستوى العالم، وتنتشر الشركات الصينية في أكثر من ثلث مراكز التجارة البحرية في القارة، وهو أكبر حضورٍ صينيٍّ من أيِّ مكانٍ آخرَ في العالم، وتستضيف أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي 10 موانئ صينية الصُّنْع، في حين يوجد بالدول الآسيوية 24 ميناءً، وتُعَدُّ شركة تشينا هاربور إنجينيرينج أكثر موانئ غرب أفريقيا ازدحامًا، وتولَّت شركةُ تشيك الإشرافَ على الإنشاءات والهندسة، وحصلت على قرْضٍ من بنك التنمية الصيني وحصة مالية قيمتها 54% في الميناء الذي تديره بموجب عقْد إيجار لمدة 16 عامًا.
-
الامتيازات الصينية
في الوقت الذي تقوم فيه الصين بضخِّ استثمارات أجنبية في مشروعات الموانئ الأفريقية، فإنها تحقق عائدات تجارية تصل إلى 13 دولارًا أمريكيًّا مقابل كل دولار تقوم باستثماره في الموانئ، كما أن الثِّمار التي تجْنِيها أيَّةُ شركة حاصلة على عقْد إيجار تشغيلي أو اتفاقية امتياز غير قاصرة على الفوائد المالية للتجارة التي تمُرُّ عبْر هذا الميناء فقط، بل تستطيع أيضًا التحكُّم في الوصول إليه، ويحدد المُشغل تخصيص الأرصفة، ويقبل أو يرفض زيارات الميناء، كذلك يمكنه تقديم أسعار وخدمات تفضيلية لسفن وشحنات بلاده، وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى مدى الخطورة التي تشكلها استحواذ الجهات الخارجية على الموانئ؛ بما تثيره من مخاوف مرتبطة بالسيادة والأمن؛ لذا فبعض الدول مشغلي الموانئ تمنع الأجانب من الاستثمار فيها؛ حفاظًا على الأمن القومي للدول.
-
المخاطر
تُثَار التخوُّفات بشأن تطوير الصين لقدراتها في مجال الموانئ البحرية؛ بما قد يدفع إلى توظيف الموانئ التجارية للأغراض العسكرية، والدليل على ذلك، أنه في عام 2017، قامت بكين بتطوير ميناء دوراليه في جيبوتي، والذي كان قد أُنْشِئَ بغرضٍ تجاريٍّ بحتٍ، ثمَّ تحوَّلَ إلى مُنْشَأَةٍ بحريةٍ؛ ليصبح أول قاعدة عسكرية صينية في الخارج بعد مرور شهريْن على افتتاح الميناء الرئيسي، وتشير بعض التكهُّنات إلى أن الصين قد تلجأ إلى تكرار هذا السيناريو، عبْر تدشين قواعد عسكرية مستقبلية في أماكنَ أخرى من القارة الأفريقية؛ وهو ما يُؤَجِّجُ من درجة النُّفُور لدى الأفارقة من محاولة جرِّ المنطقة نحو التنافُسات الجيوستراتيحية، وفتْح الباب لاستضافة المزيد من القواعد الأجنبية؛ وهذا يؤكد الاهتمام الأفريقي والدولي المتزايد بدراسة سيناريوهات تطوير الموانئ الصينية والقواعد العسكرية مزدوجة الاستخدام.
-
الخطة الخمسية الصينية
تُعرف الخطة الخمسية الصينية 2021-2025، بأنها عبارة عن إطارٍ للرَّبْط يشمل ستة ممرَّات وستة مسارات، بجانب عدة دول وموانئ؛ لدعم مبادرة “الحزام والطريق”، وهذه الممرَّات تمُرُّ عبْر أفريقيا وتنتهي في الشرق؛ حيث كينيا وتنزانيا ومصر والسويس وتونس؛ ما يُعزِّزُ من أهمية الدور المحوري الذي تلعبه القارة في طموحات الصين العالمية، وأنها تسعى لبناء دولة بحرية قوية كجزءٍ من تجديدها كقوةٍ عُظْمَى، والجدير بالذكر في هذا الصدد، أنه وفْقًا للمعايير التقنية الصينية للاندماج العسكري المدني، فإن العديد من قدرات الشحن التجاري والجوي المدني المملوكة للصين تتوافق مع المواصفات العسكرية للأغراض الدفاعية اللوجستية.
-
إستراتيجية الخروج
تُعرف إستراتيجية الخروج أو الذهاب إلى الخارج، بأنها عبارة عن مبادرة حكومية صينية تهدف لتوفير الدَّعْم للشركات المملوكة للدولة للانتقال إلى الخارج وتأمين أسواق وموارد جديدة، لا سيما في الدول النامية، وتعتبر مبادرة حزام واحد طريق واحد “الحزام والطريق”- التي هي جهد صيني عالمي لربْط ممرَّات تجارية جديدة باقتصادها- إحدى ثمار إستراتيجية الخروج، وكانت أفريقيا جزء من هذه الإستراتيجية، وبالرَّغْم من أن البِنْيَة التحتِيَّة للموانئ شكَّلَتْ تحدِّيًا أمام مُخطَّط توسيع التجارة بين أفريقيا والصين، إلَّا أن الإعانات الحكومية والدعم السياسي من قِبَلِ الأخيرة، شجَّعَ شركات الشحن والعاملين على الموانئ على البحث عن موطئ قدمٍ في القارة، واستفادت هذه الشركات من العلاقات الحكومية والحزبية التي تمكَّنَتْ من تدشينها مع المسؤولين الصينيين مع مرور الوقت، حتى أصبحت أفريقيا في نهاية المطاف وجهة جاذبة للشركات الصينية المملوكة للدولة، حتى في ظِلِّ التحديات المتعلقة بممارسة الأعمال التجارية في القارة.
-
الحضور العسكري الصيني
يُشكِّلُ الحضور الصيني في الموانئ دفعةً لتعزيز أهدافها العسكرية، فبعض الموانئ التي تعمل فيها الشركات الصينية يمكنها استضافة سفن البحرية الصينية، ومثال على ذلك، زارت البحرية الموانئ الأفريقية في السنوات الأخيرة، ميناء أبيدجان بكوت ديفوار، وجنتيل بالجابون، الدار البيضاء بالمغرب، تاماتاف بمدغشقر، مابوتو بموزمبيق، وتينكان بنيجيريا، فضلًا عن بوانت نوار بجمهورية الكونغو، فيكتوريا بسيشل، وديربان ومدينة سيمون بجنوب أفريقيا، وتمَّ استخدام هذه الموانئ أيضًا كنقطة انطلاقٍ لتدريبات عسكرية لجيش التحرير الشعبي الصيني، كما استخدمت القوات الصينية منشآت بحرية وبرية في بعض تدريباتها؛ بما في ذلك قاعدة كيغامبوني البحرية في تنزانيا، ومركز مابينغا للتدريب العسكري الشامل، وقاعدة نغيرينجيري الجوية، وهي من بناء شركات صينية، والجدير بالذكر، أن جيش التحرير الشعبي الصيني قام بزيارة 55 ميناءً و19 مناورةً عسكريةً ثنائيةً ومتعددة الأطراف، منذ عام 2000.
خريطة الموانئ الصينية في أفريقيا
-
التداعيات
تشير بعض النقاشات إلى أن البِنْيَة التحتِيَّة للموانئ التي تُؤَسِّسُها أو تديرها الصين إلى التأثير على تعزيز الناتج الاقتصادي الأفريقي عبْر تحسين الكفاءة، وخفْض تكاليف التجارة، وتوسيع نطاق الوصول إلى الأسواق، وتُثَارُ المخاوف من أن تؤدي هذه المشروعات إلى زيادة عِبْءِ الديون المتراكم على أفريقيا تِجَاه الصين، ومن بين الآثار التي نَجَمَتْ عن ارتفاع وتيرة التدريبات العسكرية الصينية وزيارات الموانئ البحرية في أفريقيا، تزايُد الوعْي لدى وسائل الإعلام الأفريقية ومراكز البحوث والنقاشات السياسية بأهمية هذه القضية، كما أن الوجود العسكري الصيني يُثير مخاوف زيادة القواعد الأجنبية في القارة.
تحليلٌ نقديٌّ
بعد الانتهاء من تناول هذا الموضوع يمكن الحديث عن أن ضمان دعْم الاستثمارات الصينية في الموانئ للمصالح الأفريقية، يتطلَّبُ وجودًا من الجهات الحكومية الفاعلة ومنظمات المجتمع المدني، فضلًا عن خبراء في مجال الأمن القومي؛ لاتخاذ خطواتٍ استباقيةٍ للتعامُل مع التداعيات السياسية والأمنية التي يمكن أن تنْجُمَ عن هذه المشروعات؛ بما يضمن عدم المساس بالسيادة الوطنية للدول الأفريقية، وتجنُّب الاصطفافات الجيوسياسية، مع الحفاظ على المصالح الإستراتيجية للبلاد، خاصَّةً أن الصين دائمًا ما تتبع مبدأ الحياد وعدم التدخُّل في شؤون الدول؛ فالشاغل الرئيسي لها هو ضمان استثماراتها وتعزيز اقتصادها، بعيدًا عن المناورات الإقليمية والدولية، وبالتالي يمكن توظيف ذلك في تحقيق العديد من المكاسب، وفي الوقت ذاته، اتخاذ كافَّة تدابير الأمان؛ منْعًا للانزلاق في دوَّامة التغلْغُل الخارجي والسيطرة على القارة بثرواتها عبْر أشكال مختلفة من التدخُّل.
المصادر
[1] Paul Nantulya, “Mapping China’s Strategic Port Development in Africa”, 10 march 2025, URL: https://africacenter.org/spotlight/china-port-development-africa/