المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > عصرٌ جديدٌ للزراعةِ فى مصر
عصرٌ جديدٌ للزراعةِ فى مصر
- يوليو 11, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
مصطفى احمد مقلد
تأتي مصرُ في مرتبةِ متقدمةٍ على قائمةِ الدولِ القاحلةِ، فهي الأقلُ من حيثُ معدلُ هطولِ الأمطارِ بين دولِ العالمِ، وتواجهُ ندرةً مائيةً، وتعتمدُ بصورةٍ أساسيةٍ على مياهِ النيلِ، فوفقَ بياناتٍ رسميةٍ فإن مواردَ مصرَ المائيةِ تقدرُ بحوالي 60 مليارَ متر مكعبٍ سنويا من المياهِ معظمهُا يأتيِ من مياهِ نهرِ النيلِ إذ تبلغُ حصتُها من مياهِ النيلِ 55.5 مليارَ متر مكعبٍ سنوياً، بالإضافةِ إلى كمياتٍ محدودةٍ للغايةٍ من مياهِ الأمطارِ التي تقدرُ بحوالي 1 مليارَ متر ِمكعبٍ، والمياهِ الجوفيةِ العميقةِ غيرِ المتجددةِ بالصحاريِ، وفي المقابلِ يصلُ إجمالي الاحتياجاتٍ المائيةِ في مصرَ لحوالي 114 مليارَ متر مكعبٍ سنويا من المياهِ، ويتمُ تعويضُ هذه الفجوةِ من خلالِ إعادةِ استخدامِ مياهِ الصرفِ الزراعيِ والمياهِ الجوفيةِ السطحيةِ بالوادىِ والدلتا بإجماليِ حوالي20 مليارَ متر مكعبٍ، فضلا عن استيرادِ منتجاتٍ غذائيةٍ من الخارجِ تقابلُ 34 مليار متر مكعب سنوياً من المياه[1]، وتبلغُ حصةُ الزراعةِ كأكبرِ مستهلكٍ ومستخدمٍ للمياهِ بحوالي 80% من إجماليِ المياهِ المستخدمةِ من حصةِ مياهِ النيلِ[2].
وتواجهُ مصر ُتحدياتٍ يشتملُها تحدي إدارةِ المياه. مثل:
تجزئةُ الأراضيِ الزراعيةِ وتداعياتهِا:
تعدُ تجزئةُ الأراضيِ قضيةً ملحةً وتؤثرُ على المناطقِ الريفيةِ بشدةٍ، وهي تشيرُ إلى تقسيمِ الأراضيِ إلى قطعٍ أصغرَ حجماً وغير منتظمةِ الشكلِ مما يؤدي إلى نمطٍ مجزءٍ من الملكيةِ، وفي حينِ أن تجزئةَ الأراضِي قد تبدوُ مشكلةً فى إطارِ القريةِ، إلا أن عواقَبها يكونُ لها تأثيراتً كبيرةّ على الزراعةِ والمجتمعِ، فالتجزئةُ يمكنُ أن تؤديَ إلى انخفاضِ الكفاءةِ في إدارةِ الأراضيِ والعملياتِ الزراعيةِ والافتقارِ إلى التنسيقِ بين ملاكِ الأراضيِ، مما يؤدي إلى انخفاضِ الإنتاجيةِ ودخلِ المزارعين وزيادةِ التكاليفَ، ويساهمُ ذلك في الفقرِ الريفيِ والهجرةِ إلى المناطقِ الحضريةِ، مما يؤدي إلى تفاقمِ عدمِ المساواةِ الاجتماعيةِ وفرضِ ضغوطٍ إضافيةٍ على المدنِ المزدحمةِ بالفعلِ.
إن تقسيمَ الملكياتِ إلى قطعٍ أصغرَ يعيقُ استخدامَ الآلاتِ الزراعيةِ الحديثِة، المصممةِ لحقولٍ أكبر ومتصلةٍ، وتجعلُ المزارعين غيرَ مؤهلينَ للحصولِ على القروضِ والتسهيلاتِ الائتمانية، مما يجعلُ من الصعبِ على المزارعينَ الوصولُ إلى رأسِ المالِ اللازمِ للاستثمار في تقنياتِ الزراعةِ الحديثةِ، وكذلك تحدُ من قدرةِ المزارعينَ على تنويعِ وتوسيعِ أنشطتهِم الزراعيةِ، مما يؤديِ إلى الاعتمادِ الكبيرِ على محصولٓ واحدٍ أو نوعٍ واحدٍ من الماشيةِ، ما يعني أن المجتمعاتِ تصبحُ عرضةً لتقلباتِ السوقِ والمخاطرِ البيئيةِ.
ومعَ تقسيمِ الأرضِ إلى قطعٍ أصغرَ، تتضاءلُ إمكانيةُ تحقيقِ وفورات الحجمِ، حيث يصبحُ المزارعون أقلَ قدرةً على التفاوضِ على أسعارٍ مواتيةٍ للمدخلاتِ، ويواجهونَ تكاليفَ أعلى للنقلِ والتخزينِ، ويكافحونَ من أجلِ التنافسِ مع المزارعِ الأكبرِ حجماً في السوقِ، ونتيجةً لذلك تنخفضُ ربحيتُها، وقد أشارَ وزيرُ الزراعةِ فى 2023 إلى أن الحيازاتِ الزراعيةَ المجزأةَ تقفُ عائقاً كبيراً أمامَ تطويرِ الريِ الحقلي[3]ِ.
وفي المقابلِ، تسمحُ الحيازاتُ الكبيرةُ والموحدةُ للأراضيِ بمزيدٍ من التنويعِ والتوسعِ، والحدِّ من المخاطرِ وضمانِ مصادرَ دخلٍ أكثرَ استقراراً للمجتمعاتِ المحليةِ، ويمكن أن تستفيد المزارع الكبيرة من وفورات الحجمِ والتكاليفِ بسببِ الشراءِ بالجملةِ والميكنةِ والتخصصِ.
الحوكمة:
وتعتبرُ الحوكمةُ الفعالةُ للمياهِ ضرورةً لتنفيذِ الإدارةِ المتكاملةِ للمواردِ المائيةِ، وفي هذا الإطارِ فإن الإصلاحَ المؤسسيَ يتطلبُ سياساتٍ صحيحةً، ومؤسساتٍ متطورةً، وترتيباتٍ تمويليةً عمليةً، ودعمًا للأنظمةِ المحليةِِ، خاصة بعد أن تكشفَ أن التحدياتِ أكبرُ بكثيرٍ من القدراتِ التنفيذيةِ وحدَها، فى ظلِ نقصِ التنسيقِ، وعدمِ توحيدِ نظامِ المراقبةِ والتقييمِ ونقلِ البياناتِ، وقلةِ مصادرِ التمويلِ، وضعفِ اللامركزيةِ.
تراجعُ دور ِالتعاونياتِ الزراعيةِ:
على الرغمِ من أهميةِ الجمعياتِ التعاونيةِ الزراعيةِ وتواجدِها في مصرَ منذ عشراتِ السنين، إلا أنها واجهتْ تحدياتٍ قلصتْ من دورها المرجو، وهو ما تناولته العديد من التقاريرِ الدوليةِ:
-
تقريرُ ” أهميةِ الأراضي ” الصادرُ عن البنكِ الدوليِ عام 2023 الذي أشارَ إلى أن سياساتِ الحكومةِ المصريةِ الراميةُ إلى تجميعِ الأراضيِ وحلِ مشكلةِ التفتتٍ الحيازيِ والمنفذةِ عن طريقِ التعاونياتِ الزراعيةِ لم تحققْ النتائجَ المرجوةَ، ويعزىَ ذلك إلى القيودِ المجتمعيةِ والقانونيةِ والفنيةِ، إلى جانبِ إحجامِ المزارعينَ عن تركِ الأراضيِ لأطرافٍ أخرى[4].
-
تقرير ” تسريعُ التحولُ في نظمِ الأغذيةِ الزراعيةِ في مصرَ” الصادرُ عن البنكِ الدوليِ عامَ 2021 الذي أوضحَ أن الأراضيَ الزراعيةَ المصريةَ يغلبُ عليها ظاهرةُ التفتتِ الحيازيِ، فنحو 80 % من الأراضيِ الزراعيةِ المصرية أراضٍ صغيرةٍ تقلُ مساحتُها عن ثلاثةِ أفدنةٍ ومركزةٍ في وادي النيلِ، فقد أثرَ التفتتُ الحيازيُ على نفاذِ صادراتِ الحاصلاتِ الزراعيةِ المصريةِ إلى الأسواقِ العالميةِ، وفي ضوءِ ذلك لم ينجحِ نظامُ التعاونياتِ الحاليِ في تعزيز ِأواصرِ التعاونِ بين المزارعينَ وبعضِهم البعض للقضاءِ على ظاهرةِ التفتتِ الحيازيِ للأراضيِ الزراعيةِ واقتصرَ دورُ التعاونياتِ على إمدادِ أصحابِ المشروعاتِ الزراعيةِ بمدخلاتِ الإنتاجِ المُدعمةِ، كما يعزىَ ضعفُ فعاليةِ نظامِ التعاونياتِ إلى عدمِ اتباعهِ نظمَ السوقِ وآلياتِ التعاونِ الفعالة[5]ِ.
-
تقرير “استعراضُ القطاعِ التعاونيِ للأغذيةِ الزراعيةِ” الصادرُ عن منظمةِ الأغذيةِ والزراعةِ العالميةِ FAO عام 2019 الذي أشارَ إلى أن القطاعَ الزراعيَ في مصرَ يواجهُ تحدياتٍ خطيرةً أهمُها التجزئةُ الشديدةُ لحيازةِ الأراضِي، حيث تبلغُ مساحةُ الغالبيةِ العظمى من الأراضِي أقلُ من 3 أفدنةٍ، ومحدوديةُ التصنيعِ الزراعِي، وعدمُ كفاءةِ تكنولوجياتِ وممارساتِ الإنتاجِ، وعدمُ وجودِ نظمِ معلوماتٍ، وعدمُ وجودِ آلياتٍ ملائمةٍ للتصديِ لتغيرِ المناخِ، وازديادِ نقصِ المياهِ وانخفاضِ قدرةِ مؤسساتِ المنتجين الزراعيينَ، وكذلكَ تراجعُ الدعمِ المقدمِ من قبلِ الدولةِ للقطاعِ الزراعيِ من حيثُ الاستثمارُ والإعاناتُ لمدخلاتِ الإنتاجِ الزراعِي، وانخفاضِ إنفاقِ الدولةِ على البحوثِ الزراعيةِ بشكلٍ كبيرٍ، وعلاوةً على ذلك، يكادُ يكونُ الإرشادُ الزراعيُ غائبًا، كذلك محدوديةُ القدرةِ الماليةِ للتعاونياتِ الزراعيةِ والافتقارُ إلى مصادرَ ائتمانيةٍ كافيةٍ، وحجمِ الأعمالِ التجاريةِ الصغيرةِ لمعظمِ التعاونياتِ المحليةِ، وضعفِ المواردِ البشريةِ، ولا سيَّما قدراتُها الإداريةُ المحدودةُ، والافتقارُ إلى المعرفةِ التقنيةِ أو الزراعيةِ أو التسويقيةِ.
ضرورة التوسع في اعتماد الابتكارات الزراعية واستخدام التكنولوجيا الحديثة:
في سبتمبر 2019، دعا البنك الدولي إلى ضرورة التوسع في اعتماد الابتكارات الزراعية واستخدام التكنولوجيا الحديثة من جانب المزارعين كي يتمكن العالم من القضاء على الفقر وتلبية الطلب المتزايد على الغذاء والتصدي للآثار الضارة لتغير المناخ، وجاء ذلك في تقرير للبنك الدولي صدر بعنوان “جني ثمار الرخاء: التكنولوجيا ونمو الإنتاجية في الزراعة”، وقد أشار إلى حالة الركود النسبي في مستويات الإنتاجية الزراعية في العقود الأخيرة في منطقتي جنوب آسيا وأفريقيا اللتين تضمان الغالبية العظمى من الفقراء في العالم[6]، ما يعني الحاجة إلى مضاعفة تركيز جهود الحد من الفقر من خلال رفع الإنتاجية الزراعية التي لها أكبر الأثر للحد من الفقر، من خلال إصلاح شامل لأنظمة الري، وزيادة فعالية الإنفاق العام، وإنشاء سلاسل قيمة زراعية شاملة يضطلع فيها القطاع الخاص بدور أوسع.
سوقُ آلات ِالري:
وتأكيداً لوجودِ توجهٍ دولىٍ لإيلاءِ مزيدٍ من الاهتمامِ بإنتاجِ واستخدامِ أدواتِ الري الحديثِ، فأخذنا ألمانيا مثالاً، فوفقًا لتقريرِ شعبةِ الإحصاءاتِ في الأممِ المتحدةِ (UNSD)، كانت ألمانيا واحدةً من أكبرِ خمسةِ مستوردينَ للآلاتِ الزراعيةِ من الولاياتِ المتحدةِ في عامِ 2019، لكن الآن تنتجُ ألمانيا أكثرَ من 27% من مكوناتِ الأنظمةِ والمعداتِ الزراعيةِ المصنعةِ في أوروبا بما في ذلكَ آلاتُ الريِ، مما يشيرُ إلى هيمنتِها في السوقِ، ويتلقىَ المزارعونَ الألمانُ أيضًا دعمًا سنويًا من الاتحاد ِالأوروبيِ للاستثمارِ الزراعيِ، وهذا يمكنهُم من شراءِ الآلاتِ الحديثةِ التي تكونُ باهظةَ الثمنِ.
ويتحولُ سوقُ آسيا والمحيطُ الهادئُ بمعدلٍ سريعٍ للاعتمادِ على أنظمةِ الري الصغيرةِ، والارتقاءِ التكنولوجيِ المتزايدِ في الصناعةِ الزراعيةِ، وزيادةِ الوعيِ بتكنولوجيا الزراعةِ الحديثةِ وأنظمةِ الريِ، حيث تمثلُ ندرةُ المياهِ تحدياً كبيرا ومحركاً رئيسياً لاستخدامِ أنظمةِ الريِ، وتزايدتْ الحاجةُ إلى الريِ الاصطناعِي لضمانِ إنتاجيةٍ عاليةٍ من المحاصيلِ لتلبيةِ الطلبِ المتزايدِ من المستهلكينَ.
وتستحوذُ الزراعةُ على الغالبيةِ العظمى من استخدامِ المياهِ العذبةِ في ولايةِ أريزونا بالولاياتِ المتحدةِ، وقد غامرتْ الولايةُ بتجربة نظام “إن-دريب” وهو نظامُ ريٍ بالتنقيطِ، ومع ظهورِ نتائجَ مشجعةٍ، انتقلتْ “إن-دريب” إلى تجاربَ أكبرَ في أستراليا والولاياتِ المتحدة، وتوسعتْ منذُ ذلك الحينِ في 17 دولةً، بدايةً من فيتنام إلى نيجيريا، ونظامِها يُستخدمُ على أرضٍ مساحتُها 4000 فدان، وفيها محاصيلُ تتراوحُ بين القطنِ والبطاطسِ وفول الصويا، وتعتبرُ شركةُ (PepsiCo)، أحدَ الأمثلةِ المبكرةِ على هذا النوعِ من الشراكةِ مع شركةِ “إن-دريب”، فهي تتعاقدُ مباشرةً مع 40 ألفِ مزارعٍ للحصولِ على محاصيلَ مثلَ الذرةِ والشوفانِ والبطاطسِ، وقد حددتْ هدفاً لتحسينِ كفاءةِ استخدامِ المياهِ في الزراعةِ بنسبةِ 15% بحلولِ عامِ 2025، كذلك جربت “بيبسيكو” التقنيةَ الخاصةَ بشركةِ “إن-دريب” مع مجموعةِ مزارعينَ في الهندِ وفيتنام والولاياتِ المتحدة، وشهدتْ تحسنَ المحاصيلِ في ظلٍ انخفاضِ مدخلاتُ الأسمدةِ وانخفاضِ استهلاكِ المياهِ بنسبةِ 50% في مواجهةِ الريِ بالغمرِ[7].
وقد قدمتْ مصرُ نموذجاً جديداً قادراً على خلقِ تغييرٍ إيجابيٍ وتقديمِ أداةٍ جديدةٍ تساعدُ على تطويرِ الزراعةِ وتتلافىَ أخطاءَ الماضىِ إلى حدٍ كبير ٍتتمثلُ فى:
شركةِ الريفِ المصرىِ الجديد:
تمثلُ شركةُ الريفِ المصريِ الجديدِ نموذجاً جديداً في السوقِ المصرىِ، هي شركةٌ مساهمةٌ مصريةٌ 100% معنيةٌ باستصلاحِ وتنميةِ المليونِ ونصفِ المليونِ فدان كمرحلةٍ أولى من أربعةِ ملايين فدانٍ، وتضمُ ثلاثةَ مساهمينَ حكوميين هم: وزارةُ الماليةِ، والهيئةُ العامةُ لمشروعاتِ التعميرِ والتنميةِ الزراعيةِ بوزارةِ الزراعةِ، وهيئةِ المجتمعاتِ العمرانيةِ الجديدةِ بوزارةِ الإسكانِ، وقد أنشئتْ الشركةُ بهدفِ إنشاءِ مجتمعاتِ جديدةٍ مستدامةٍ تؤسسُ على الزراعةِ في الأراضِي الجديدةِ والتصنيعِ الزراعيِ والخدماتِ واللوجستياتِ في مصرَ مبنيةٍ على منهجٍ علمٍي وفنيٍ واقتصاديٍ وتخطيطٍ عامٍ لكاملِ المشروعِ كنموذجٍ دوليٍ للتنميةِ المستدامةِ وحمايةِ البيئةِ ضمنَ رؤيةِ مصر َ2030.
ولا يقتصرُ دورُها على الاستصلاحِ والإنتاجِ الزراعيِ فقط، بل تعمل “كمطورٍ للتنميةِ المستدامةِ” عن طريقِ إنشاءِ مجتمعٍ عمرانيٍ جديدٍ جاذبٍ للسكانٍ، إذ إنها توفرُ السكنَ وأهمَ الاحتياجاتِ الأساسية للسكانِ، بالإضافةِ إلى إنشاءِ مراكزَ صناعيةٍ للصناعاتِ المرتبطةِ بالزراعةِ مثلَ الموادِ الغذائية والتعبئة والتغليف وإنتاج الزيوت وغيرِها، إلى جانبِ تنميةِ الثروةِ الحيوانيةِ، وتنميةِ النشاطِ الداجنيِ والاستزراعِ السمكيِ.
وهو نموذجٌ وتجربةٌ يمكنُ الاعتمادُ عليه لاستلهامِ وتنفيذِ تجاربَ جديدةٍ يمكنُ تحقيقهُا فى الأراضيِ القديمةِ بالواديِ والدلتا حيثُ يتوفرُ لأي مشروعٍ فيهما نقاطٌ متميزتينٍ هما الاعتمادُ علي مياهِ النيل ما يوفرُ الاستدامةَ و مياه ذات كفاءة أعلى من المياه المحلاة، خاصة أن المبالغة في الاعتماد على المياه الجوفية يؤدي لاستنزاف المياه الجوفية، مما يشكل ضرورة للتحولِ النموذجيِ للزراعةِ إلى تقنياتِ الري الفعالةِ مثل الريِ بالتنقيطٓ، ومن المتوقعِ أن يؤديَ هذا العاملُ إلى توسيعِ سوقِ أنظمةٍ الري ويصبحُ جاذباّ للإستثمارِ الأجنبِى ويجعلُ مصرَ مركزَ تصديرٍ لأفريقيا والشرقِ الأوسطِ.
التأسيسُ لعصر ٍجديدٍ للزراعةِ والري:
وبناءً على ما تقدمَ، فإن مصرَ بحاجةٍ للتوجهِ الى أحدثِ سبلِ التكنولوجيا في الزراعةِ والريِ الحقلىِ، لتعظيمِ إدارةِ المياهِ بشكلٍ كفءٍ وزيادةِ حجمِ الإنتاجِ الزراعيِ بما يشبعُ السوقَ المحليَ ولتدعيمِ الصناعاتِ المرتبطةِ بالزراعةِ بما يزيدُ من القيمةِ المضافةِ بجانبِ القدرةِ علي زيادةِ الصادراتِ، وهو ما يستوجبُ وضعَ إطارِ عملٓ جديدٍ يتجاوزُ أخطاءَ الماضى ويتطلعُ لعصرٍ جديدٍ للزراعةِ في مصر،َ يمكّنُ من خفضِ كميةِ المياهِ المستخدمةِ من مياهِ النيلِ فى الزراعةِ من (٤٠ إلى ٣٠) مليارَ مترٍ مكعبٍ كمستهدفٍ، وتوجيهِ ذلك القدرِ (10 مليار متر مكعب) لاستصلاحِ 2 مليون فدان كأراضٍ جديدةٍ، وهو ما يمكنُ تحقيقهُ على مراحلَ من خلالِ إنشاءِ شركاتِ مساهمةٍ بشراكةِ:
-
ملاكُِ الأراضيِ والمنتفعين: من خلالِ الدخولِ والمشاركةِ بما يمتلكونهُ من أراضٍ زراعيةٍ.
-
الحكومةِ المصريةُ من خلالِ أذرعٍ مثلَ البنكِ الزراعيِ المصريِ.
-
شركاءُ التنميةٓ.
-
الشركاتِ الأجنبيةُ والوطنيةُ العاملةُ في مجالِ تكنولوجياتٓ الزراعةِ والريِ على أن تشاركَ وتساهمَ من خلالِ توفيرِ التكنولوجياتِ التى تملكُها، وهذه الشركاتُ مثل:
Rain Bird Corporation
The Toro Company
NELSON
Lindsay
شركة أفكو لأنظمة الري
نايل دريب
وتشيرُ ُ”شركةُ المساهمة” إلي شركاتِ الأموالِ الهادفةِ للربحِ، ويحملُ المشاركونَ فيها اسمَ المساهمينَ، ويتكونُ رأسُ مالهِا من مجموعةٍ من الأسهمِ متساويةِ القيمةِ وقابلةٍ للتداولِ، وبذلك يمكنُ القولُ إن شركةَ المساهمةِ قائمةٌ في الأساسِ على الاعتبارِ الماليِ وليس الشخصيُ للشركاءِ، وتكونُ مسئوليةُ الشركاءِ المساهمينَ في الشركاتِ المساهمةِ محدودةً، بمعنى أنهم لا يُسألونَ عن ديونِ الشركةِ سوى في حدودِ حصصهِم من رأسِ المالِ، ولا يتعدى ذلك إلى أموالهِم الخاصةِ، وتكونُ شروطُ السهمِ وكيفيةُ الاكتتابِ والنظامِ الأساسيِ وإجراءاتِ التأسيسِ ومجلسِ الإدارةِ وكيفيةِ تعيينِ المديرِ، محكومةً بالنظامِ العامِ والقانونِ ولا يتحددُ وفقًا لرغبةِ الشركاء[8]ِ.
ويحقُ للشريكِ المساهمِ أن يتداولَ أسهمَه أو بعضًا منها مع الغيرِ بالتنازلِ أو البيعِ أو غيرِ ذلك دون قيدٍ، ويمكنُ لأي شخصٍ قادرٍ على شراءِ أسهمِ الشركةِ أن يكونَ شريكًا مساهمًا، وهو ما يسهلُ من تداولِ الاراضىِ الزراعيةِ بشكلٓ استثماريٍ، فمع تزايدِ الاضطراباتِ الاقتصاديةِ والتضخمِ والنزاعاتِ الجيوسياسيةِ مؤخرا، تتجهُ أنظارُ المستثمرين بشكلٍ متزايدٍ نحو الأصولِ التي توفرُ استقراراً طويلَ الأمدِ وعوائدَ ثابتةً، وفيما يذهبُ بعضُ المستثمرينَ إلى الذهبِ أو إلى أسواقِ السنداتِ أو العقاراتِ السكنيةِ، برزتْ الأراضي الزراعيةُ كخيارٍ استثماريٍ جذابٍ، ليس فقط لقدرتِها على توفيرِ ملاذٍ آمنٍ للثروةِ، ولكن أيضاً لدورِها كأسلوبٍ تحوطٍي فعالٍ ضد التضخمِ، فمثلا تضاعفتْ قيمةُ الأراضي الزراعيةِ التي تحتفظُ بها مجموعاتُ الاستثمارِ في الولاياتِ المتحدةِ إلى 16.6 مليارَ دولار من عام 2020 إلى 2023، ويعزىَ هذا الارتفاعُ إلى الأداءِ القويِ للأراضيِ الزراعيةِ في الولاياتِ المتحدةِ وأستراليا والبرازيل، وبلغَ متوسطُ المكاسبِ العالميةِ نحو 10 في المائةِ سنوياً على مدى العقدينِ الماضيينِ[9].
من ناحيةٍ أخرى، تتميزُ شركاتُ المساهمةِ بضخامةِ رأسِ مالهِا، وهو ما يحتاجهُ الريفُ المصرىُ لتوفيرِ الاستثمارِ الضخمِ في تكنولوجيات الري مما يمكنه من المشاركة في مشاريع عملاقة والدخول في أسواق جديدة، وبالتالي تعظيم العائد على كل المساهمين، وبسبب الدور المؤثر الذي ستلعبه شركات المساهمة في اقتصاد البلاد، فإنها تخضع للرقابة المستمرة من قبل الهيئات الحكومية الرقابية بجانب التشاور مع هيئات وزارتي الزراعة والموارد المائية المعنية بالأمر.
ويمكنُ تقسيمُ العملِ على أساسٍ جغرافيٍ واعتبارِ “المحافظة” وحدةِ عملٍ، وهو ما يسمحُ بالعملِ علي مراحلَ، ويحققُ مبدأَ المنافسةِ وتعددِ الشركاءِ.
وهو ما يرفعُ عن المزارعينَ عبءَ الإستدانةِ، ويرفعُ عن الحكومةِ عبءَ الدعمِ بل يسهمُ فى دخولِها كشريكٍ ورابحٍ، ويساهمُ في اتباعِ نظمِ السوقِ، بجانبِ تخطيِ معضلةِ تجزئةِ الأرضِ الزراعيةِ مع تحقيقِ وفوراتِ الحجمِ ويفتحُ البابَ واسعاً أمامَ الاستثمارِ الاجنبيِ، ما يخلقُ فرصةًـ لتغييرٍ اجتماعيٍ إيجابيٍ يلمسهُ المواطنون.
المصادر:
[1] مصر وقضية المياه.. https://2u.pw/1eqyRy
[2] وزارة الرى: نستهلك 80% من حصتنا فى مياه النيل بالزراعة.. https://2u.pw/i7sV1a9v
[3] وزير الزراعة: تفتت الحيازات أحد أهم التحديات أمام القطاع الزراعى.. https://2u.pw/gnMvBNQX
[4] هند أحمد فكري وآخرون، مرصد السياسات العامة «التعاونيات الزراعية»، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، العدد4، يونيو 2023، ص19.
[5] المصدر السابق، ص20
[6] تقرير للبنك الدولي: الابتكارات الزراعية والتكنولوجيا مفتاحا تقليص الفقر في البلدان النامية.. https://2u.pw/uizfIRJn
[7] قطعة بلاستيكية صغيرة تساعد على ترشيد استخدام مياه الري.. https://2u.pw/tYXRbLbF
[8] ما هي شركة المساهمة وخصائصها وكيفية تأسيسها.. https://2u.pw/gqf5kC
[9] الاستثمار في الأراضي الزراعية.. https://2u.pw/bHpxEnJM