المقالات
عملية “الأسد الصاعد” ومعضلة النووي الإيراني: تعثر المفاوضات يعيد خطر الخيار العسكري إلى الواجهة مجددًا
- يونيو 13, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط

إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
يتصدر البرنامج النووي الإيراني المشهد السياسي الإقليمي والدولي حاليًا؛ وذلك على خلفية الجمود والتعثر التي طالت المفاوضات النووية غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، والتي أُجريت بوساطة عُمانية على مدار خمس جولات ماضية دون أن يرواح ملف النووي الإيراني مربعه الصفري، مما جعل القضية مفتوحة على جميع السيناريوهات والاحتمالات، بما في ذلك الخيار العسكري، وهو بالفعل ما بدأ أن يتحقق مع إطلاق إسرائيل عملية “الأسد الصاعد” ضد البرنامج النووي الإيراني، ولا شك أن هذا التطور يؤرق الجماعة الدولية بشكل عام، ودول الشرق الأوسط بشكل خاص:
أولًا؛ سياق ضاغط يحيط بالمفاوضات النووية:
رغم استمرار الحديث عن جولة جديدة من جولات المفاوضات النووية الإيرانية الأمريكية، إلا أن السياق المحيط بالملف يشوبه الكثير من التحديات والعوامل غير الداعمة، والتي تنعكس سلبًا على احتمالات إحراز أي تقدم يُذكر بين الجانبين، ومن ثم؛ تعاظم خطر فشل الحل التفاوضي لتسوية المعضلة النووية الإيرانية، وفيما يلي أبرز تلك العوامل:
1- انتقادات وقرار إدانة لإيران في الاجتماع الفصلي للوكالة؛ انعقد الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال الفترة 9-13 يونيو الجاري، وسط انتقادات حادة لطهران في شأن عدم تعاونها غير الكافي مع الوكالة ومفتشيها، فضلًا عن اتهامها بعدم الشفافية حول ما وصل إليه برنامجها النووي؛ حيث:
أ. تصريحات المدير العام للوكالة رافائيل جروسي؛ أكد أنه لم يحصل على تفسيرات وتوضيحات من إيران بشأن وجود آثار اليورانيوم في ثلاثة مواقع سرية، وهي: ورامين، ومريوان، وتورقوز آباد، وذلك خلال العامين 2019 و2020، مضيفًا التالي[1]:
لم تجب إيران مرارًا وتكرارًا عن أسئلة الوكالة، ولم تقدم إجابات ذات مصداقية من الناحية التقنية عن أسئلة الوكالة بخصوص تلك المواقع، بل سعت طهران لتطهيرها، مما أعاق أنشطة التحقق.
التقييمات التقنية لجميع المعلومات، تظهر أن المواقع الثلاثة وغيرها من المواقع المحتملة الأخرى ذات الصلة، كانت جزءاً من برنامج نووي منظم غير معلن نفذته إيران حتى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وأن بعض الأنشطة استخدمت مواد نووية غير معلنة، ونتيجة لذلك؛ الوكالة ليست في وضع يسمح لها بتحديد ما إذا كانت المواد النووية ذات الصلة، لا تزال خارج نطاق الضمانات.
يمثل التراكم السريع لليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60%، مصدر قلق بالغ؛ فلا يمكن للوكالة أن تتجاهل تخزين أكثر من 400 كيلوجرام من اليورانيوم عالي التخصيب.
غياب التعاون من جانب إيران، يعوق قدرة الوكالة على تأكيد سلمية برنامجها النووي، لذا؛ يجب على طهران التحرك بشكل عاجل لحل القضايا المتعلقة بإجراءات الضمانات.
استقرار الوضع فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، ستكون له آثار فورية، وسيدفع منطقة الشرق الأوسط خطوة كبيرة نحو السلام والازدهار.
ب. بيان أوروبي ضد طهران؛ عبرت دول الترويكا الأوروبية؛ فرنسا وألمانيا وبريطانيا، إلى جانب الولايات المتحدة، في بيان خلال الاجتماع الفصلي للوكالة، عن قلق بالغ إزاء التصعيد النووي الإيراني، داعين طهران إلى استعادة التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفيما يلي نص البيان[2]:
يدعم الاتحاد الأوروبي جهود المدير العام للوكالة في السعي لإشراك إيران بشكل بناء، من أجل تحقيق التعاون اللازم ومعالجة القضايا التي تتطلب حلًا عاجلًا، ويدعو إيران بشكل لا لبس فيه إلى الانخراط بفاعلية مع الوكالة دون مزيد من التأخير.
تثير التطورات النووية المتسارعة لإيران خلال السنوات الخمس الماضية قلقًا بالغًا؛ إذ إنها تزيد من خطر أزمة انتشار السلاح النووي في المنطقة، وذلك نتيجة الزيادة الكبيرة في إنتاج وتراكم إيران لليورانيوم عالي التخصيب، وتوسيع قدراتها وعملياتها في مجال التخصيب النووي، حيث تنتج طهران حاليًا ما يكفي من المخزون لصنع قنبلة نووية واحدة شهريًا.
يحض الاتحاد الأوروبي إيران على عكس مسارها النووي المقلق والعودة إلى التزاماتها النووية، ويدعوها إلى استئناف تنفيذ البروتوكول الإضافي، والمصادقة عليه، واستئناف تنفيذ جميع تدابير الرصد والتحقق بموجب الاتفاق النووي.
يدعو الاتحاد جميع الدول إلى دعم تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231، والذي يتبنى الاتفاق النووي لعام 2015، وينقضي في أكتوبر المقبل.
ج. إصدار قرار إدانة لإيران أمام الوكالة؛ تقدمت الدول الأوروبية الثلاث؛ ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، إلى جانب الولايات المتحدة، يوم 10 يونيو الجاري، بمشروع قرار ضد إيران خلال اجتماع مجلس محافظي الوكالة، وينص القرار على إدانة طهران على خلفية عدم احترام التزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، وذلك في خطوة لم تحدث منذ 20 عامًا.
وقد أقر مجلس محافظي الوكالة، يوم الخميس 12 يونيو 2025، مشروع القرار بموافقة 19 دولة من أصل 35، فيما صوتت الصين وروسيا وبوركينا فاسو بالرفض، في حين امتنعت 11 دولة عن التصويت.[3]
2- استمرار أزمة تخصيب اليورانيوم؛ بعد انعقاد خمس جولات من المحادثات النووية غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، لا يزال هناك عدد من القضايا التي يصعب حلها، وعلى رأسها قضية تخصيب اليورانيوم؛ حيث ترفض طهران المطلب الأمريكي المتمثل في وقف التخصيب على الأراضي الإيرانية، وشحن كامل مخزونها الحالي من اليورانيوم عالي التخصيب إلى الخارج.
وقد أكدت إيران مرارًا أن هذه القضية هي خط أحمر بالنسبة لها، ومسألة سيادة وطنية لا يجوز خرقها، خاصةً وأنها ترى أن التخلي عن التخصيب سيؤدي إلى سلسلة تنازلات أخرى، مثل تفكيك أجهزة الطرد المركزي ومنشآت التخصيب، وهو الأمر الذي أكد عليه المرشد الإيراني علي خامنئي، مصرحًا يوم 4 يونيو الجاري، بأن “التخصيب يمثل مفتاح البرنامج النووي، ما يعني أن سحب هذا المفتاح من إيران، يوازي عمليًا تفكيك برنامجها النووي بأقل كلفة ممكنة”.[4]
في المقابل؛ أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أنه لن يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم، قائلًا “كان يجب أن يمنع الاتفاق السابق إيران من التخصيب، ولذلك؛ بموجب الاتفاق المحتمل، لن يُسمح لها بأي تخصيب لليورانيوم”. ومن جانبه؛ صرح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، يوم 20 مايو 2025، بأن “لن يُسمح لإيران بأي شكل من الأشكال بتخصيب اليورانيوم، لأنها تسعى لاستخدامه كوسيلة ردع؛ إذ ترى طهران أن امتلاك قدرات تخصيب متقدمة، يجعلها دولة على عتبة السلاح النووي، وبالتالي ستكون محصنة ضد التهديدات”.[5]
وردًا على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي؛ أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، أنه “ليس كل من يقوم بعملية التخصيب يمتلك برنامجًا تسليحيًا، فهناك دول، بما فيها حلفاء للولايات المتحدة، تقوم بالتخصيب دون أن تسعى إلى التسلح، فالتخصيب جزء أساسي من دورة الوقود النووي، ومن الصناعة الوطنية، ولا يمكن التفاوض عليه أو المساومة بشأنه”.
وجدير بالذكر أن؛ تظهر التقارير الفصلية للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن هناك نقاط غموض رئيسة بالبرنامج النووي الإيراني فيما يخص ملف التخصيب، تتمثل في عدم معرفة عدد أجهزة الطرد المركزي التي تمتلكها إيران، أو مكان إنتاج وتخزين هذه الأجهزة وأجزائها.
ووفقًا لتقارير أممية؛ فطهران تمتلك ما يزيد عن 20 ألف جهاز طرد مركزي في منشآت التخصيب الخاصة ببرنامجها النووي، هذا إلى جانب نسب تخصيبها التي وصلت إلى نسبة الـ60%، وهذه النسبة تتخطى أضعاف نسب التخصيب المسموح بها في الاتفاق النووي لعام 2015، والمحددة بـ3.67%، وبناءاً عليه؛ بات لدى طهران برنامج تخصيب متطور للغاية، لدرجة أنه حتى في حال إيقافه بالكامل، سيكون لإيران القدرة على تشغيله مجددًا في فترة زمنية قصيرة، لا تتعدى بضعة أشهر قط.[6]
3- عودة التصريحات الأمريكية المهددة بضرب منشآت إيران النووية؛ في خضم تعثر المفاوضات الإيرانية الأمريكية، عادت التهديدات الكلامية مجددًا؛ حيث أكد مسؤولو الولايات المتحدة أن المفاوضات لن تكون مفتوحة إلى ما لا نهاية، وأن جميع الخيارات، ومن بينها التدخل العسكري، ما زالت مطروحة، فيما هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشن ضربات جوية تستهدف البرنامج النووي الإيراني، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.
4- الرفض الإيراني المحتمل للمقترح الأمريكي الأخير بشأن تسوية الملف النووي؛ تسلمت إيران يوم 31 مايو الماضي، عبر وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي، مقترحًا من مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، لإبرام اتفاق نووي جديد، وقد نص المقترح على البنود التالية[7]:
حظر إنشاء منشآت تخصيب جديدة على الأراضي الإيرانية، وتفكيك البنية التحتية الحيوية المتعلقة بتحويل ومعالجة اليورانيوم.
وقف أي تطوير إضافي لأجهزة الطرد المركزي المتقدمة، إلى جانب خفض نسبة التخصيب إلى 3% بشكل مؤقت ضمن إطار زمني يُتفق عليه لاحقًا.
تعطيل المنشآت النووية تحت الأرض لفترة محددة، مع السماح باستخدام المنشآت فوق الأرض لتلبية الاحتياجات المدنية فقط، وذلك وفق معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
تفعيل إيران للبروتوكول الإضافي الملحق بمعاهدة حظر الانتشار النووي فورًا، لضمان الرقابة والشفافية.
تأسيس تحالف إقليمي للتخصيب النووي، يضم إيران ودولًا خليجية والولايات المتحدة، ويخضع لإشراف دولي.
في حال إثبات التزام إيران العملي بالاتفاق، سيتم تخفيف العقوبات عن إيران، على أن يُقيم هذا الالتزام من قبل واشنطن والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ورغم أن إيران لم تقدم ردها على هذا المقترح حتى الآن، على أن تقدمه في الجولة السادسة القادمة، والمقررة في مسقط يوم الأحد 15 يونيو 2025، إلا أن الاحتمال الأكبر هو رفض طهران للمقترح الأمريكي، نظرًا لاعتباره غير قابل للتنفيذ، ولا يراعي مصالحها، وهو ما أكد عليه جميع مسؤولي النظام الإيراني؛ حيث:
المرشد علي خامنئي؛ أكد أن المقترح الأمريكي لا يتماشى مع المصالح الوطنية لإيران، واصفًا إياه بـ”الهراء”، ومشددًا على ضرورة مواصلة تخصيب اليورانيوم في الأراضي الإيرانية.[8]
المستشار السياسي للمرشد الإيراني علي شمخاني؛ صرح بأن المقترح “غير فني وغير مهني”، مؤكدًا أن إيران لن تتخلى مطلقاً عن حقوقها الطبيعية في تخصيب اليورانيوم، مشيرًا إلى أن بنود المقترح الأمريكي لم تتطرق إلى مسألة رفع العقوبات، في حين أن هذه المسألة تُعد مبدأ أساسيًا بالنسبة لطهران.
الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي؛ أوضح أن موقف إيران واضح من الناحية القانونية والحقوقية بشأن حقها في مواصلة تخصيب اليورانيوم، وكذلك إنهاء العقوبات الجائرة، مؤكدًا أن هذين العنصرين يجب أن يكونا حاضرين في أي اتفاق محتمل، مشددًا على أنه “أي نص لا يتضمن هذه المطالب، سيكون غير مقبول بالنسبة لإيران”.[9]
5- خسارة إيران للدعم الأوروبي الذي كان حاضرًا في المفاوضات النووية السابقة؛ دائمًا ما كانت دول الترويكا الأوروبية، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وباعتبارها طرفًا رئيسًا في الاتفاق النووي لعام 2015، وسيطًا بارزًا في أي مفاوضات نووية تمت بين طهران وواشنطن، حيث حاولت هذه الدول التوازن بين كونها وسيط محايد يحظى بثقة الجانب الإيراني، وشريك للولايات المتحدة في سياسة الضغط الأقصى التي اتبعتها واشنطن لإجبار إيران على قبول التفاوض فيما يتعلق ببرنامجها النووي.
ولكن تغيرت الأمور كثيرًا بين إيران والدول الأوروبية، وتراجعت الثقة المتبادلة على خلفية حرب أوكرانيا، واتهام طهران بنقل مساعدات عسكرية لدعم روسيا، وقد انعكس ذلك على الموقف الأوروبي من البرنامج النووي الإيراني؛ حيث[10]:
دفعت الدول الأوروبية الثلاث في 21 نوفمبر 2024، بمشروع قرار ضد الأنشطة النووية الإيرانية.
أصدرت هذه الدول، في ديسمبر 2024، بيانًا يدين طهران، ويدعوها إلى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإيقاف تصعيدها النووي.
أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، أن بلاده لن تتردد في طلب تفعيل آلية “سناب باك”، ردًا على الخطر النووي الإيراني المتزايد.
وفي ضوء ذلك؛ فإن أكبر ما تخشاه إيران حاليًا أن تعيد الدول الأوروبية الثلاث إعادة تفعيل آلية “سناب باك” المنصوص عليها في اتفاق 2015 والقرار 2231، ما يعني إعادة فرض 6 مجموعات من العقوبات الأممية، التي جُمدت بعد الاتفاق النووي، على طهران مرة أخرى، وخصوصًا أن دول الترويكا الأوروبية هي الوحيدة التي لديها الحق في تفعيل هذه الآلية، نظرًا لأن الولايات المتحدة قد فقدت حقها في ذلك بعدما انسحبت من الاتفاق النووي في العام 2018.
وفي ضوء هذا؛ تحاول إيران حاليًا أن تكسب الود الأوروبي مرة أخرى، ولذلك؛ التقى نائبا وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي وكاظم غريب آبادي، بنظرائهم الأوروبيين من فرنسا وألمانيا وبريطانيا، في مدينة اسطنبول التركية يوم 16 مايو 2025، حيث ركزت النقاشات بين الجانبين على مستقبل الاتفاق النووي، ووضع المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة.
6- فرض الولايات المتحدة مزيد من العقوبات على إيران رغم المحادثات؛ رغم استمرار جولات التفاوض بين طهران وواشنطن، حرصت الإدارة الأمريكية على وضع إيران تحت مزيد من الضغط، وذلك من خلال فرض عقوبات جديدة عليها، وهو ما أثار استياء الجانب الإيراني، حيث:
مع نهاية أبريل الماضي، وقبل الجولة الثالثة من المفاوضات، فرضت واشنطن مجموعة جديدة من العقوبات، شملت 10 أفراد و27 كيانًا، من بينهم شركتان مرتبطتان بشركة ناقلات النفط الوطنية الإيرانية، وهما “إيس بتروكيم إف.زد.إي”، و”مودريت جنرال تريدنج”.[11]
قبل انطلاق الجولة الخامسة من المفاوضات بساعات قليلة، فرضت الولايات المتحدة مجموعة أخرى من العقوبات، طالت قطاع التشييد البناء في إيران، بالإضافة إلى 10 مواد صناعية ذات تطبيقات عسكرية، وذلك بزعم أن بعض هذه المواد تستخدمها إيران في برامجها النووية والعسكرية والباليستية.[12]
من جانبه؛ وصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، هذه العقوبات بأنها “غير قانونية وعدائية ضد الشعب الإيراني”، مؤكدًا أن هذه العقوبات تلقي بمزيد من الشكوك على جدية واشنطن واستعدادها الحقيقي للانخراط في مسار دبلوماسي إيجابي.
ثانيًا؛ آليات التحرك الإيراني لمواجهة الضغط الغربي:
في ظل الضغوط التي تواجهها إيران حاليًا فيما يخص برنامجها النووي، وخاصةً مع القرار الأخير الصادر ضدها من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حرصت طهران على توفير آليات وأدوات تسمح لها بالتحرك والمناورة في مقابل تلك الضغوط، وقد تنوعت تلك الآليات بين النمط الدبلوماسي الذي يستهدف تحسين صورة برنامجها ويؤكد سلميته، وبين نمط التهديد بالرد العسكري على أي ضربة تطول منشآتها النووية، وفيما يلي أبرز أدوات التحرك الإيراني في هذا الشأن:
1- التهديد باتخاذ إجراءات تصعيدية في برنامجها النووي؛ منذ انطلاق أعمال مجلس محافظي الوكالة يوم 9 يونيو وحتى اعتماد الوكالة قرارًا يتهم طهران بعدم الامتثال بمعاهدة حظر الانتشار النووي، وإيران تهدد باتخاذ إجراءات تصعيدية في مواجهة أي قرارات ضدها؛ حيث:
صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، بأن إيران سترد باتخاذ سلسلة من الإجراءات التي تستهدف تخفيض التعاون مع الوكالة، مثل طرد جميع مفتشيها، مما يحول البرنامج النووي الإيراني إلى صندوق أسود يسوده الغموض حول مدى تطوره.
هددت طهران بأنه في حال تفعيل آلية سناب باك، على خلفية القرار الصادر من الوكالة، فإنها ستنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي “NPT”، مما يمهد الطريق إلى امتلاك إيران سلاحًا نوويًا بشكل رسمي، وذلك على غرار نموذج كوريا الشمالية، والتي كانت قد انسحبت من المعاهدة في 2003، وبعد ثلاث سنوات فقط أجرت أولى تجارب سلاحها النووي.[13]
وردًا على قرار الوكالة؛ أعلنت طهران أنها ستقوم بإطلاق مركز تخصيب جديد، حيث أوضح رئيس الوكالة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، أن الموقع الجديد لتخصيب اليورانيوم قد بُني بالفعل، وأنه جاهز للتشغيل بمجرد تزويده بالمعدات، فضلًا عن اتخاذ طهران قرارًا باستبدال جميع أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول في موقع فوردو بأجهزة من الجيل السادس المتقدم، مما يعني زيادة كبيرة في عمليات التخصيب.[14]
2- الإعلان عن تقديم مقترح مقابل للمقترح الأمريكي؛ أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، يوم 9 يونيو الجاري، أن طهران ستُقدم مقترحًا بشأن اتفاق نووي جديد إلى الولايات المتحدة عبر سلطنة عُمان، وذلك خلال الجولة السادسة التي سُتعقد في مسقط يوم 15 يونيو 2025.
ووصف بقائي المقترح الإيراني المقرر تقديمه بأنه “معقول ومنطقي ومتوازن”، داعيًا واشنطن إلى اغتنام هذه الفرصة، وتثمين المقترح بنوع من الجدية، فيما أكد نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، أن اقتراح طهران “سيبقي على نافذة الدبلوماسية مفتوحة”، مشيرًا إلى أنه في حال قبوله من قبل الولايات المتحدة، سيبدأ الجانبان مفاوضات معمقة حول التفاصيل على الفور.[15]
3- التهديد بالرد العسكري على أي ضربة لبرنامجها النووي؛ في ظل تعثر المفاوضات النووية، والتهديد الأمريكي والإسرائيلي باللجوء إلى الخيار العسكري في حال فشل الحل التفاوضي، توالت التهديدات الإيرانية التي حذرت برد مماثل على أي هجوم ينال من منشىآتها النووية، وذلك على النحو التالي:
حذر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني من أن أي ضربة إسرائيلية لمنشآتها النووية، ستُقابل برد فوري ومباشر يستهدف بنك أهداف داخل إسرائيل، بما في ذلك المنشآت النووية الإسرائيلية.[16]
أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في رسالة أرسلها إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، أن الولايات المتحدة ستتحمل مسؤولية أي هجوم إسرائيلي على منشآت إيران النووية، مشددًا على أن بلاده ستتخذ تدابير خاصة للدفاع عن برنامجها النووي.
كان قد حذر قائد الحرس الثوري الإيراني الراحل حسين سلامي، بأن أي طرف يشارك في مغامرة ضد إيران، سيدفع الثمن وسيندم على فعلته، مضيفًا أن إيران على أتم الاستعداد لمواجهة أي سيناريو محتمل، مؤكدًا على أن رد طهران على أي عدوان سيكون أوسع نطاقًا وأكثر حدة من الهجومين الصاروخيين السابقين على إسرائيل.[17]
كما سبق وأن شدد سلامي، يوم 11 يونيو الجاري، على أن القوات البحرية الإيرانية على أهبة الاستعداد القتالي للرد على أي تهديد، والتعامل مع أي سيناريو، مشيرًا إلى أن القوة البحرية للحرس الثوري قادرة على العمل بشكل جيد في المعارك البحرية القريبة والبعيدة المدى.[18]
في السياق ذاته؛ أصدرت هيئة الأركان الإيرانية، يوم 4 يونيو، بيانًا أكدت خلاله على جاهزيتها وقدرتها على مواجهة أي تهديد ضد إيران.
4- إعادة البرنامج النووي الإسرائيلي إلى الواجهة؛ في وقت تضغط فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك الدول الأوروبية والولايات المتحدة، على طهران باعتبارها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك برنامجًا نوويًا مشكوكًا في سلميته، مما يهدد بانتشار السلاح النووي في المنطقة، سعت إيران إلى إحياء الحديث عن البرنامج النووي الإسرائيلي، وذلك من خلال الإعلان يوم 7 يونيو 2025، عن أن المخابرات الإيرانية قد حصلت على مجموعة كبيرة من الوثائق الإسرائيلية بالغة الأهمية، والتي سيتم الكشف عنها قريبًا.
ووفقًا لوزير المخابرات الإيراني إسماعيل خطيب؛ فإن من بين المعلومات والوثائق الاستراتيجية ذات الحساسية الخاصة بإسرائيل، والتي حصلت عليها المخابرات الإيرانية عبر عملية معقدة وشاملة، هناك آلاف الوثائق المتعلقة بمشروعات إسرائيل ومنشآتها النووية، مما قد يتيح إمكانية الرد السريع على أي هجوم محتمل من قبل تل أبيب على المنشآت النووية الإيرانية، وذلك من خلال استهداف مماثل لمنشآت نووية سرية إسرائيلية.[19]
وأشار خطيب أن العملية قد تمت منذ فترة، لكن الحجم الهائل من الوثائق، والحاجة إلى نقلها كاملةً إلى داخل إيران بشكل آمن، فرضا التكتم على الأمر.
وفي تأكيد على صحة العملية الإيرانية؛ صرح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل جروسي، يوم 9 يونيو الجاري، أن المعلومات التي حصلت عليها بشأن البرنامج النووي الإسرائيلي، تتعلق بمركز سوريك الإسرائيلي للأبحاث النووية، مؤكدًا أن الوكالة تقوم بتفتيش هذه المنشأة.[20]
وجدير بالذكر أن؛ منشأة سوريك قد تأسست عام 1958، وتقع على مسافة نحو 20 كيلومترًا جنوب تل أبيب، وتعد مختبرًا وطنيًا للعلوم النووية.
5- الترويج الدبلوماسي لفكرة سلمية البرنامج النووي الإيراني؛ في ضوء الاتهامات الغربية بشأن برنامج إيران النووي، حرصت طهران على إجهاض تلك الاتهامات من خلال نشاط دبلوماسي تؤكد خلاله على سلمية برنامجها، حيث:
قام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بزيارات إلى موسكو وبكين والقاهرة، بهدف تأمين دعمهم للموقف الإيراني، وتوفير التفاف حول بلاده لمواجهة الضغوط الغربية.
أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خلال لقاءه مع نائب رئيس وزراء كازاخستان مراد نورتلئو، أن بلاده لا تسعى إلى صنع أو امتلاك أسلحة نووية، مشددًا على تحلي طهران بالشفافية، من خلال الاستعداد لعمليات التفتيش على منشآتها النووية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.[21]
وفي لقاء مماثل مع سفيرة نيوزيلندا لدى طهران، عبر بزشكيان عن تمسكه بالحل التفاوضي، ولكن بشكل يراعي مصالح إيران، معربًا عن استعداد بلاده للتعاون لإثبات صدق سلمية برنامجها النووي.
6- استدعاء الدعم الروسي لحل أزمة المفاوضات النووية؛ أبدت روسيا استعدادها للعب دور حاسم في خروج المسار الدبلوماسي بين إيران والولايات المتحدة من المأزق بعدما تشبث الطرفان بخطوطهما الحمراء، خصوصًا فيما يخص تخصيب اليورانيوم.[22]
حيث صرح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، يوم 11 يونيو الجاري، أنه ينبغي مضاعفة الجهود للتوصل إلى حل، وأن موسكو مستعدة للمساعدة بأفكار ووسائل عملية، مثل المساهمة في إزالة المواد النووية الزائدة من إيران، وتعديلها لاحقًا لإنتاج وقود للمفاعلات. وجدير بالذكر أن روسيا سبق وأن قامت بهذا الدور في الاتفاق النووي لعام 2015.
وفي حال مشاركة روسيا في المفاوضات الأمريكية الإيرانية بالفعل، فقد يكون هناك فرصة لكسر جمود المفاوضات، خاصةً وأن موسكو، على خلاف واشنطن، لا تطالب طهران بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم، ولكن تدعوها إلى الالتزام بالمعايير الدولية وبشفافية إجراءات الرقابة.[23]
ثالثًا؛ إسرائيل تطلق عملية “الأسد الصاعد” ضد البرنامج النووي الإيراني:
في خطوة تربك جميع الحسابات الإيرانية، وتخلط أوراق وأدوات التحرك التي حاولت طهران المناورة من خلالها، أطلقت إسرائيل فجر اليوم الجمعة 13 يونيو 2025، عملية “الأسد الصاعد” لضرب البرنامج النووي الإيراني، حيث شن الجيش الإسرائيلي ضربة استباقية استهدفت العاصمة طهران، زاعمًا أنها جاءت بغرض “ضمان أمن إسرائيل، وضمان عدم امتلاك إيران أسلحة نووية”.[24]
أ. حيثيات الهجوم:
– وفقًا للجيش الإسرائيلي؛ فإن الهجوم شمل عشرات الأهداف العسكرية في إيران، بما في ذلك أهداف نووية في مناطق مختلفة من الأراضي الإيرانية، كما شمل الهجوم بلدة محلاتي؛ أحد أكبر الأحياء السكنية التي تضم قادة كبارًا من الحرس الثوري الإيراني والقوات المسلحة في شمال شرق طهران، وكذلك حي لويزان؛ حيث مقر عمليات هيئة الأركان والجيش والحرس الثوري في شمال شرق العاصمة.
– من جانبها؛ أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية؛ أن الهجوم قد أسفر عن مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، وقائد مقر خاتم الأنبياء العسكري اللواء غلام رشيد، فضلًا عن اغتيال عدد من العلماء النووين الإيرانيين، منهم العالمين فريدون عباسي، ومحمد مهدي طهرانجي، هذا إلى جانب مقتل رئيس الأركان الإيراني محمد باقري. [25]
– في أعقاب الهجوم، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن “عملية الأسد الصاعد هي عملية عسكرية محددة الهدف، لدحر التهديد الإيراني الذي يهدد وجود إسرائيل، وستستمر هذه العملية لأيام عديدة حتى إزالة هذا التهديد”، مشيرًا إلى أنه “تم ضرب رأس برنامج التسلح النووي الإيراني، واستهدف الهجوم منشأة التخصيب الرئيسية الإيرانية في نطنز، وكذلك علماء إيران النوويين العاملين على القنبلة النووية الإيرانية، كما شمل الهجوم قلب برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني”.[26]
– أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن موقع نطنز النووي كان من بين الأهداف التي قصفتها إسرائيل فعلًا، مشيرة إلى أنها تراقب عن كثب الوضع المقلق للغاية في إيران، وإلى أنها على اتصال بالسلطات الإيرانية بشأن مستويات الإشعاع، وكذلك بمفتشيها في طهران.
– في أول تحرك إيراني؛ أعلنت طهران تعليق حركة الملاحة في مطار طهران الدولي الرئيسي، وكذلك في مطار الإمام الخميني.[27] فيما سارعت الولايات المتحدة من جانبها إلى الإعلان عن عدم مشاركتها في الضربة الإسرائيلية، حيث أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، أن إسرائيل اتخذت إجراءاً أحاديًا ضد إيران، مشيرًا إلى أن الرئيس دونالد ترامب اتخذ كافة الخطوات اللازمة لحماية القوات الأمريكية المتواجدة في المنطقة، داعيًا طهران ألا تستهدف المصالح الأمريكية أو القوات الأمريكية.[28]
– استعدادًا للرد الإيراني؛ اتخذت تل أبيب مجموعة من الإجراءات الاحترازية؛ منها: إغلاق المجال الجوي الإسرائيلي حتى إشعار آخر، فرض حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، تغيير إرشادات السلامة المدنية والعامة إلى الأنشطة الأساسية بما يحظر الأنشطة التعليمية والتجمعات والتواجد بأماكن العمل، تنويه هيئة الطيران المدني إلى المسافرين بعدم التوجه إلى مطار بن غوريون.[29]
ب. قراءة في الهجوم الإسرائيلي:
– أقدمت تل أبيب على تنفيذ تهديداتها المتكررة باستهداف منشآت إيران النووية، لأنها ترى الظروف مواتية لتنفيذ مثل هذا الهجوم، سواء إقليميًا أو دوليًا، حيث تعثر المفاوضات النووية الإيرانية الأمريكية، والحشد الغربي ضد إيران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلًا عن الخسائر الإقليمية التي تعرضت لها طهران مؤخرًا، مما يقوض قدرتها على الردع أو الرد على أي تحرك إسرائيلي.
– يبدو أن الهجوم لم يكن مفاجئًا، بل جاء بتسيق مسبق بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والدليل على ذلك؛ الدعوات التي أصدرتها وزارتا الخارجية الأمريكية والدفاع “البنتاجون” لذوي الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين لمغادرة أماكن إقاماتهم في العراق ودول أخرى في المنطقة، ومنها إسرائيل، والتي جاءت قبل الهجوم بيومًا واحدًا.[30]
– على الرغم من إطلاق عملية “الأسد الصاعد”، إلا أنه لا يزال من المستبعد أن تشن إسرائيل هجومًا موسعًا يضر بالمنشآت النووية الإيرانية بشكل كبير، بل قد تكتفي تل أبيب بتنفيذ اغتيالات وعمليات تصفية بحق العلماء النوويين الإيرانيين وكبار القادة العسكريين في الجيش الإيراني والحرس الثوري، وذلك بغرض أولًا إحراج النظام الإيراني وتأكيد تآكل قدرته على الردع، وثانيًا الضغط على طهران حتى تقدم تنازلات في برنامجها النووي، وخاصةً في ملف التخصيب.
– سارعت الولايات المتحدة إلى التأكيد على عدم اشتراكها في الهجوم، وأكد الرئيس ترامب أنه متمسك بالحل التفاوضي والخيار البلوماسي، مشيرًا إلى أن إدارته ستواصل جولة المفاضات السادسة في مسقط يوم الأحد المقبل، فيما طالب وزير خارجيته بألا يطال الرد الإيراني أي قواعد أو قوات أمريكية في المنطقة، وهذه التحركات تشير إلى أن واشنطن وتل أبيب يطبقان نظرية العصا والجزرة مع طهران، فبينما تضغط وتصعد إسرائيل عسكريًا، تلعب الولايات المتحدة دور المفاوض السلمي الساعي إلى السلام في المنطقة، وذلك بغرض تأمين المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وإجبار طهران على قبول شروط المقترح الأمريكي في مفاوضات مسقط.
– اغتيال إسرائيل للعلماء النووين الإيرانيين وكبار القادة العسكريين، ليس بالسياسة الجديدة على تل أبيب، فطالما ما أتبعتها تجاه طهران، مثل اغتيالها للعالم النووي الكبير محسن فخري زاده بقلب العاصمة طهران بالعام 2020، لكن الجديد في الأمر أن إسرائيل أعلنت مسؤوليتها هذه المرة، إذ كان بإمكانها تنفيذ عمليات تصفية دون ضربات موسعة، ودون تحمل المسؤولية بشكل مباشر، ومن ثم؛ يبدو أن هذا الهجوم جاء كرد على العملية التي أعلنت عنها المخابرات الإيرانية يوم 7 يونيو الجاري، والتي تتمثل في سرقة وثائق سرية شديدة الحساسية من إسرائيل، تتعلق بالبرنامج النووي الإسرائيلي، والتي تعهدت طهران أنها ستكشف عنها قريبًا.
– تدرك إسرائيل والولايات المتحدة جيدًا أن الخيار العسكري قد يؤدي إلى تعطيل البرنامج النووي الإيراني فقط وليس تدميره أو إنهاءه تمامًا، وذلك لأن معظم منشآت إيران النووية في مواقع سرية آمنة تحت الأرض، هذا إلى جانب التراكم المعرفي الواسع الذي بات لدى طهران في المجال النووي، وبالتالي الخيار العسكري لن يؤدي إلا إلى اتخاذ طهران إجراءات تصعيدية فقط، مثل طرد المفتشين النوويين الأمميين، والخروج من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لعام 1968، والإقدام على إنتاج سلاح نووى.
– الإجراءات الاحترازية التي سارعت إسرائيل إلى اتخاذها، تفيد بأن تل أبيب تعلم جيدًا أن الرد الإيراني المتوقع، والذي يتمثل في استهدافها بآلاف الصواريخ الباليستية والمسيرات، مكلف للغاية بالنسبة لها، والدليل على ذلك؛ أن تصدي الدفاع الإسرائيلي للصواريخ الإيرانية في الضربات التي وقعت في شهري أبريل وأكتوبر 2024، كلف إسرائيل مليارى دولار في الليلة الواحدة.[31]
– يثير الهجوم مخاوف كثيرة حول تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، مما قد يؤثر على إمدادات النفط، ولذلك؛ وفي استجابة سريعة للتطورات الراهنة؛ ارتفعت أسعار النفط بأكثر من أربعة دولارات للبرميل، اليوم الجمعة 13 يونيو 2025، حيث ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بـ4.02 دولار، أي بنسبة ارتفاع 5.8%، لتصل إلى 73.38 دولار للبرميل، كما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بـ4.35 دولار، أي بنسبة 6.39%، ليصل إلى 72.39 دولار للبرميل.[32]
– استمرار التصعيد الحالي بين إيران وإسرائيل، يكلف المنطقة الكثير، ويهدد باندلاع حرب كبرى تطال خسائرها جميع الأطراف، ولذلك؛ بادرت بعض الدول باتخاذ خطوات احترازية تمهيدًا لأي تصعيد قادم خلال الساعات المقبلة، وعلى سبيل المثال؛ أعلن العراق والأردن إغلاق مجالهما الجوي، مؤكدين أنهما لن يكونا جزءاً من الصراع الراهن بين طهران وتل أبيب.
وإجمالًا؛ يُعتبر ملف البرنامج النووي الإيراني أزمة ممتدة على قدر كبير من التشابك والتعقيد، وكلما يسود التفاؤل باقتراب الحل التفاوضي، يعود من جديد إلى مربعه الصفري دون تحقيق تقدم ملموس، وما يزيد الأمر خطورة؛ هو حساسية الملف بالنسبة لأمن الشرق الأوسط بأكلمه، وليس للأمن القومي الإيراني فقط.
ومع تعثر المفاوضات، وتزايد التهديدات من جميع الأطراف المعنية بالملف، إلى جانب القرار الصادر من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بحق طهران، والذي قد يمهد الطريق إلى عودة ملف البرنامج النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي مرة أخرى، إلى جانب إطلاق عملية “الأسد الصاعد” من جانب إسرائيل ضد إيران، بات الوضع خطيرًا للغاية، ومفتوحًا على كافة السيناريوهات.
وبغض النظر عما سيحدث خلال الساعات القادمة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، فلا شك أن أي خيار غير الحل الدبلوماسي السلمي، سيؤدي إلى تبعات كارثية ستنال من أمن واستقرار المنطقة، مما سيزيد الأزمات الإقليمية حدة، ويضع أعباء جديدة على دول الشرق الأوسط.
المصادر:
[1] «الذرية الدولية» تدعو إيران إلى تعاون فوري لإثبات سلمية برنامجها النووي، الشرق الأوسط، 9/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%
[2] الغرب: إيران تقترب من نقطة اللاعودة نووياً، الشرق الأوسط، 11/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84
[3] «الوكالة الذرية» تدين إيران بـ«عدم الامتثال» لمعاهدة حظر الانتشار، الشرق الأوسط، 12/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85
[4] عقدة تخصيب اليورانيوم، صحيفة العربي الجديد، 7/6/2025، متاح على الرابط: https://www.alaraby.co.uk/politics/%D8%B9%D9%82%D8%AF%D8%A9-%
[5] إيران تُحذر من المواجهة في اجتماع «الوكالة الذرية»، الشرق الأوسط، 9/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A
[6] ثغرات الرقابة الدولية تهدّد أي اتفاق نووي جديد مع إيران، الشرق الأوسط، 3/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%
[7] واشنطن تعرض على طهران «تخصيباً محدوداً» مقابل تعطيل المنشآت، الشرق الأوسط، 2/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9
[8] خامنئي يرفض مقترح واشنطن لوقف تخصيب اليورانيوم، الشرق الأوسط، 5/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A
[9] إيران: “خطوطنا الحمراء” أساس الرد على المقترح الأميركي، موقع الشرق الإخباري، 2/6/2025، متاح على الرابط: https://asharq.com/politics/137775/%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%
[10] موقف دول أوروبا “الترويكا” من البرنامج النووي الإيراني، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 9/6/2025، متاح على الرابط: https://www.europarabct.com/%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%AF%D9%88%D9
[11] الولايات المتحدة تفرض مجموعة جديدة من العقوبات المرتبطة بإيران، موقع الشرق الإخباري، 6/6/2025، متاح على الرابط: https://asharq.com/politics/138261/%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%8
[12] وسط مخاوف من تداعيات فشلها.. انطلاق الجولة الخامسة من المفاوضات “الأمريكية ـ الإيرانية” فى روما.. عقوبات أمريكية جديدة على طهران قبل ساعات من الجولة، اليوم السابع، 23/5/2025، متاح على الرابط: https://www.youm7.com/story/2025/5/23/%D9%88%D8%B3%D8%B7-
[13] محادثات النووي الإيراني.. العالم أمام خيارين، موقع الحرة، 2/6/2025، متاح على الرابط: https://alhurra.com/749
[14] إيران تتحدى قرار «الوكالة الذرية»: منشأة ثالثة للتخصيب جاهزة للتشغيل، الشرق الأوسط، 12/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%D9
[15] إيران: سنقدم مقترحنا في المفاوضات النووية عبر عُمان وعلى واشنطن أن تغتنم الفرصة وتوافق، موقع يورونيوز، 9/6/2025، متاح على الرابط: https://arabic.euronews.com/2025/06/09/iran-to-present-counter-offer-nuclea
[16] إيران تلوح برد موازٍ لأي هجوم إسرائيلي على منشآتها النووية، ميدل إيست نيوز، 9/6/2025، متاح على الرابط: https://mdeast.news/ar/2025/06/09/%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%
[17] «الحرس الثوري» يتوعد إسرائيل بـ«الزوال» إذا غامرت ضد إيران، الشرق الأوسط، 5/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9
[18] قائد «الحرس» الإيراني: قواتنا البحرية على أهبة الاستعداد للرد على أي تهديد، الشرق الأوسط، 11/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9
[19] وزير إيراني يتعهد بالكشف عن وثائق إسرائيلية حصلت عليها طهران، صحيفة الغد الأردنية، 8/6/2025، متاح على الرابط: https://www.alghad.tv/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1
[20] إيران تلوح برد موازٍ لأي هجوم إسرائيلي على منشآتها النووية، الشرق الأوسط، 9/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9
[21] بزشكيان: لا نسعى لإنتاج سلاح نووي ومستعدون للتفتيش على منشآتنا، الشرق الأوسط، 7/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%
[22] روسيا «مستعدة» لإزالة مواد نووية من إيران، الشرق الأوسط، 11/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%
[23] هل تستطيع روسيا إخراج إيران من مأزقها النووي؟، موقع روسيا اليوم، 7/6/2025، متاح على الرابط: https://arabic.rt.com/press/1680474-%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%B3
[24] إسرائيل تطلق «الأسد الصاعد» ضد إيران وتعلن «حالة طوارئ» داخلية، الشرق الأوسط، 13/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9
[25] مقتل قائد «الحرس الثوري» وعالمين نووين بارزين، الشرق الأوسط، 13/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%D9
[26] نتنياهو: ضربنا رأس برنامج التسلح النووي الإيراني.. وندافع عن أنفسنا وجيراننا العرب، سي إن إن عربية، 13/6/2025، متاح على الرابط: https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2025/06/13/netanyahu-says-
[27] إيران تعلّق حركة الملاحة في مطار الإمام الخميني في طهران، الشرق الأوسط، 13/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%
[28] الخارجية الأميركية: لم نشارك في ضرب إيران… وأولويتنا حماية قواتنا في المنطقة، الشرق الأوسط، 13/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85
[29] إسرائيل تهاجم إيران.. ضربات جوية متوالية وأنباء عن اغتيال قادة وعلماء نوويين كبار، الجزيرة القطرية، 13/6/2025، متاح على الرابط: https://www.aljazeera.net/news/liveblog/2025/6/12/%D8%A7%D9%84%D8%AA
[30] أنباء عن استعدادات إسرائيلية لضرب النووي الإيراني دون إذن أميركي، الشرق الأوسط، 12/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%
[31] بشير عبد الفتاح، الضربة الإسرائيلية لإيران، الشروق المصرية، 9/6/2025، متاح على الرابط: https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=09062025&id=a4b3
[32] أسعار النفط تقفز أكثر من 4 دولارات للبرميل بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران، الشرق الأوسط، 13/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8