المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > عملية “الجدار الحديدي” في الضفة الغربية: الدلالات والدوافع
عملية “الجدار الحديدي” في الضفة الغربية: الدلالات والدوافع
- فبراير 11, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
![](https://shafcenter.org/wp-content/uploads/2025/02/f6d9a1c3-abf3-481c-be9a-0221eace8429.jpg)
اعداد: رضوى الشريف
منسق وحدة شؤون الشرق الأوسط
في حين كانت إسرائيل قد شنت عملية “السيوف الحديدية” في قطاع غزة في أكتوبر 2023، أعلنت يوم 21 يناير الماضي عن انطلاق عملية “الجدار الحديدي” في شمال الضفة الغربية، وهي خطوة تتماشى مع سياق أمني وسياسي معقد يهدف إلى التأثير على الأوضاع الميدانية بشكل يتجاوز مجرد التصعيد المؤقت، بل ربما تكون جزءًا من استراتيجية شاملة تشمل الأبعاد السياسية والعسكرية على حد سواء، حيث تأتي العملية الجديدة في وقت حساس إذ يتصاعد الخطاب الإسرائيلي حول “ضم الضفة الغربية”، كما يتزامن استمرار هذه العملية في الضفة الغربية، مع احتمالية عودة القتال مرة أخرى في غزة عقب اعلان حركة حماس يوم 10 فبراير عن تأجيل تسليم الأسرى ردا على انتهاكات وقف إطلاق النار من قبل إسرائيل.
وعليه تثير عملية الجدار الحديدي، التي تشمل مناطق مثل جنين وطوباس وطولكرم، تساؤلات حول احتمالية توسيع نطاقها لتشمل كافة مناطق الضفة الغربية. هذه العملية، التي يصفها المسؤولون الإسرائيليون بأنها تهدف إلى “تغيير مفهوم الأمن” في المنطقة، تشكل استمرارًا للسياسات الإسرائيلية الهادفة إلى فرض مزيد من السيطرة العسكرية والأمنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تفاصيل العملية العسكرية
انطلقت عملية “الجدار الحديدي” يوم 21 يناير الماضي، بتوجيه من المستوى السياسي الإسرائيلي، حيث أشار وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إلى توسيع هذه العملية في شمال منطقة السامرة إلى مخيم نور الشمس للاجئين، قائلا: “نحن نسحق البنية التحتية للإرهابيين في مخيمات اللاجئين ونمنع عودتهم”.[1]
وتستهدف هذه العملية مناطق في شمال الضفة الغربية، لا سيما مدينة جنين ومخيمها، وتشارك في العملية قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى وحدات خاصة من الشاباك وحرس الحدود، مدعومة بغارات جوية من المروحيات والطائرات المسيّرة.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن، في وقت سابق، أن قوات موسعة من الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) وشرطة الحدود شنت عمليات في قرية نور الشمس، داخل منطقة أفرايم في شمال الضفة الغربية، وخلال العمليات، التي مازالت مستمرة، نجحت القوات في الاشتباك مع العديد من المسلحين واعتقلت أفرادا مطلوبين في المنطقة، حسب صحيفة جيروزاليم بوست.[2]
وحتى بداية فبراير 2025، أسفرت العملية عن مقتل 44 فلسطينيّا، بينهم 18 مدنيًّا منهم 5 أطفال، في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية. بين القتلى 30 بينهم 16 مدنيًّا، منهم 4 أطفال استهدفوا في جنين وطولكرم وطوباس، إلى جانب إصابة 117 واعتقال أكثر من 225 آخرين. كما تسبب العدوان بتهجير قرابة 30 ألف فلسطيني عن منازلهم قسرًا. [3]
دلالات التوقيت
العملية العسكرية التي تواصلها إسرائيل على الضفة الغربية، جاءت بعد يومين من سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة في 19 يناير 2025، وهو الاتفاق الذي قوبل بانتقادات حادة من قِبل التيارات اليمينية في الحكومة الإسرائيلية، مما أسفر عن استقالة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير. في المقابل، أعلن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش عن استمراره في الحكومة بشرط تغيير طريقة التعامل مع الحرب في غزة، وعليه تشير هذه التطورات إلى توجهات حكومية تتعلق بالضفة الغربية بشكل خاص، والتي يعتبرها سموتريتش أولوية بالنسبة لسياساته المستقبلية.
بالإضافة إلى ذلك، يتزامن التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية مع تصاعد الخطاب اليميني حول “ضم الضفة الغربية”، حيث كان سموتريتش قد صرح في وقت سابق بأن عام 2025 سيكون عامًا “لضم الضفة الغربية” بشكل كامل إلى السيادة الإسرائيلية، الأمر الذي يشير إلى أن العملية العسكرية قد تكون جزءًا من خطة أوسع تهدف إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، وإحكام قبضتها الأمنية والعسكرية.
إضافة إلى ذلك، جاء توقيت العملية بالتزامن مع تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يعبر مسؤولون في إدارته عن دعمهم لضم الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، كما تضمن أول قراراته التنفيذية رفع الحظر على المستوطنين المتهمين بارتكاب جرائم ضد حقوق الإنسان.
المعضلة الأمنية في الضفة الغربية
بشكل عام، تواجه الضفة الغربية واقعًا أمنياً معقدًا وغير مستقر، يتسم بالتشابك والهشاشة الأمنية، حيث تتسم الظروف الحالية بتصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية في سياق أزمة أمنية مستمرة، إذ تأتي عملية “الجدار الحديدي” في وقتٍ تلا حملة أمنية نفذتها السلطة الفلسطينية في 5 ديسمبر 2024، تحت مسمى “حماية وطن”، والتي استمرت لمدة 47 يومًا بهدف إعادة الأمن والاستقرار وإنقاذ حياة المواطنين من الفلتان الأمني المتزايد خاصة بعد زيادة ملحوظة في نشاط الجماعات المسلحة وعلى رأسها ” كتيبة جنين”. [4]
من جهة أخرى، يمكن النظر إلى عملية “الجدار الحديدي” على أنها استكمال لسلسلة من العمليات العسكرية الإسرائيلية التي بدأت مع عملية “مخيمات الصيف” في أغسطس 2024، التي استهدفت مناطق واسعة في شمال الضفة الغربية، وتلتها عملية “البيت والحديقة” في يوليو 2023، بالإضافة إلى عملية “كاسر الأمواج” ضد الجماعات المسلحة في الضفة الغربية عام 2022.
ولكن تختلف عملية ” الجدار الحديدي” عن العمليات السابقة، إذ تشكل تصعيدًا في الحجم والكثافة، فقد نفذت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارات أسفرت عن مقتل ما يقارب من 44 شخصًا، بينما قام الجنود الإسرائيليون بتفجير بنايات في الأحياء السكنية وجرفوا الشوارع داخل المخيم، وما بدأ كعملية محدودة في مخيم جنين للاجئين تحول الآن إلى حملة شاملة عبر عدة مدن، شملت طوباس وقلقيلية ونابلس وأريحا، وكذلك طولكرم الواقعة جنوب غرب جنين.
دوافع العملية
تأسيسًا على ما سبق، تبرز هذه الظروف كعامل حاسم يدفع العملية العسكرية الحالية نحو تقاطع حيوي بين الأهداف القصيرة والمتوسطة المدى، يمكن عرضها كالأتي:
-
تعزيز السيطرة العسكرية والأمنية في الضفة الغربية: تخشى إسرائيل من أن يؤدي إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين إلى تحفيز عمليات فردية وأعمال مسلحة في الضفة الغربية، لا سيما أن غالبية الأسرى الذين يتم الإفراج عنهم ينتمون إلى هذه المنطقة Top of Form، كما تأتي في وقت تتزايد فيه محاولات حركات المقاومة، مثل حماس والجهاد الإسلامي، لتنظيم عمليات مسلحة في الضفة الغربية.
-
تنفيذ السياسة الاستيطانية: سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية، بقيادة سموتريتش، تسعى إلى تغيير الواقع الديمغرافي في الضفة الغربية بشكل تدريجي، وزيادة التوسع الاستيطاني، وتبدو أن هذه العملية العسكرية جزءًا من هذه السياسة، حيث تتزامن مع تصريحات حول ضم الضفة الغربية.
-
استرضاء القوى اليمينية بعد اتفاق غزة: العملية تأتي بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في 19 يناير 2025، إذا أثار هذا الاتفاق العديد من التوترات داخل الحكومة الإسرائيلية، خاصة من قبل الأحزاب اليمينية، حيث قد تكون هذه العملية في الضفة الغربية محاولة لاسترضاء هذه القوى داخل الحكومة وضمان استمرار استقرارها.
-
إضعاف الموقف الفلسطيني قبل الدخول في أي استحقاقات سياسية: يبدو أن هذه العمليات العسكرية هي جزء من استراتيجية لتقوية الموقف الإسرائيلي قبل الدخول في مفاوضات أو أي استحقاقات متعلقة بمستقبل القضية الفلسطينية، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، حيث قد تكون عملية “الجدار الحديدي” رسالة من إسرائيل بأنها لن تقبل بمواقف فلسطينية في المستقبل تؤثر على سيادتها في الضفة الغربية.
في الختام؛
يُحتمل أن عملية “الجدار الحديدي” لا تعكس مجرد تصعيد أمني مؤقت، بل هي جزء من استراتيجية إسرائيلية أوسع تهدف إلى تحقيق السيطرة الكاملة على الضفة الغربية وفرض المزيد من الضغوط على الفلسطينيين. ومع ذلك، لا يُتوقع أن تؤدي هذه العمليات إلى حسم أمني دائم أو تغيير جوهري في الواقع الميداني بالضفة الغربية، حيث يبدو أن الهدف الأكبر يكمن في استمرار التأزيم الذي يضمن بقاء حكومة اليمين المتطرف، في إطار سياق دولي وإقليمي معقد للغاية، حيث تأمل إسرائيل أن تكون هذه السياسات كفيلة بتحقيق أهدافها الاستراتيجية بعيدة المدى.
المصادر:
[1] إسرائيل تكشف أسباب توسيع عملية “الجدار الحديدي” بالضفة، سكاي نيوز، 9 فبراير، متاح على الرابط: https://shorturl.at/7IiE2
[2] مرجع سابق
[3] تقرير ميداني: تصاعد عدوان الاحتلال على الضفة الغربية، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، 8 فبراير، متاح على الرابط: https://shorturl.at/LCjJ9
[4] حملة “حماية وطن” في جنين: معالجة سنوات من الفوضى وضمان أمن المواطنين، وفا، 16 ديسمبر 2024، متاح على الرابط: https://www.wafa.ps/Pages/Details/110005