المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > عودةٌ مشروطةٌ: مسارُ مصر َإلى مبادرة حوض النيل
عودةٌ مشروطةٌ: مسارُ مصر َإلى مبادرة حوض النيل
- فبراير 28, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد: مصطفى مقلد
مقدمة:
تواجهُ مصرُ اليومَ تحدياتٍ كبيرةً في ملف مياه النيل، حيث أصبحت المبادرة الإقليمية المتعلقة بإدارة حوض النيل تشكّلُ ساحةً تحاولُ إثيوبيا فرْضَ هيمنتها عليها ضد دول المصب. في هذا الإطار، يبرز الحديث عن استئناف مصر لعضويتها في مبادرة حوض النيل كتحركٍ إستراتيجيٍ يهدفُ إلى تعزيز التعاون الإقليمي في إدارة القضايا المائية وفق أسس عادلة.
الخلفيةُ التاريخيةُ:
في مارس 1998، توصّلَ مجلسُ وزراء شؤون المياه في دولِ حوْضِ النيل إلى اتفاقٍ عامٍ في أروشا بتنزانيا بشأن إدارة مياه النيل. وأدى ذلك إلى الإطلاق الرسمي لمبادرة حوض النيل في فبراير 1999 بهدف إنشاء مؤسسة لإدارة المياه على أساس الحوض، والدولُ الأعضاءُ هي: بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر وإثيوبيا وكينيا ورواندا والسودان وتنزانيا وأوغندا؛ وتتمتع إريتريا بصفة مراقب.
وفي سبتمبر 1999، افتُتحتْ أمانةُ المبادرة رسميًا في عنتيبي بأوغندا، وتشكّلُ مبادرةُ حوض النيل ترتيبًا انتقاليًا إلى أن تتفقَ الدولُ الأعضاءُ على إطارٍ قانونيٍ ومؤسسي دائم للتنمية المستدامة لحوض النيل، وهو ما مثلته اتفاقيةُ الإطارِ التعاوني التى لم تأخذ حقوق ومخاوف دول المصب في الاعتبار مثل التغييرات الجوهرية في آلية اتخاذ القرار، وأبرزها تجاوز مبدأ الإجماع الذي كان حجرَ الزاويةِ في عملِ المبادرة، وعدم الاعتراف بالحقوق التاريخية لدول المصب في مياه النيل، وبالتالي قامت بتعليق عضويتها في مايو 2010.
التطوراتُ الأخيرةُ:
خلال الاجتماع الاستثنائي للمجلس الوزاري لمبادرة حوض النيل الذي عُقدَ في أديس أبابا، أكد وزيرالري والموارد المائية المصري، أن مصرَ كانت داعماً رئيسياً للتعاون الإقليمي، من خلال دورها الفعال في تأسيس “مبادرة حوض النيل” في عام 1999، إذ قدمتْ على مدارِ العقْدِ الأولِ من عمر المبادرة، مساهماتٍ ماليةً وفنيةً وسياسيةً كبيرةً لتعزيز دورها كمنصة حيوية للحوار والتعاون بين دول الحوض. وأشاد بقرار الاجتماع الوزاري الأخير الذي أطلقَ عمليةً تشاوريةً تضم 7 من دول الحوض، هي أوغندا، وجنوب السودان، ورواندا، ومصر، والسودان، وكينيا، والكونغو الديمقراطية، للتشاور بشأن “سبل المضي قدماً بشكل توافقي”.
واعتبر أن هذه الخطوة تمثّلُ تطوراً إيجابياً نحو تعزيز الحوار، وإيجادِ أرضيةٍ مشتركةٍ لاستعادة التوافق والتعاون الإقليمي، وأكد وزير الري المصري، التزام القاهرة الكامل بدعم العملية التشاورية، معرباً عن تطلعه لما قد تحققه من توافقٍ بين الدول المعنية، وهو ما يمهدُ الطريقَ لاستئناف مشاركة مصر في الأنشطة الفنية للمبادرة مستقبلاً عند التوصل إلى رؤية موحدة.[1]
أبعادُ اشتراطِ مبدأ الإجماع لعودة مصر إلى مبادرة حوض النيل
1- البعدُ السياسيُ
اشتراطُ مصرَ لمبدأ الإجماع يأتي في إطار تقليل النفوذ الإثيوبي داخل المبادرة، حيث تمكنت أديس أبابا خلال غياب مصر من تعزيزِ سيطرتها على قراراتِ دولِ المنبعِ، ومحاولة فرض آلية التصويت بالأغلبية بدلاً من الإجماع. يُتيحُ لها هذا الأمر تمرير قرارات قد تتعارض مع المصالح المصرية. وإذا تمت إعادة العمل بالإجماع، فلن يتم اتخاذ أي قرار دون موافقة مصر، مما يضمن التوازن في صنع السياسات داخل المبادرة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إعادة العمل بمبدأ الإجماع يعيد ضبط ميزان القوى داخل دول الحوض، إذ أن بعض دول المنبع تسعى إلى فرض واقع جديد تتحكم فيه الأغلبية في قرارات المياه، ورفض مصر لهذا التوجه يعني أنها ستظل طرفًا رئيسيًا في أي ترتيبات مستقبلية حول تقاسم المياه، مما يمنع اتخاذ قرارات قد تقلل من حصتها المائية أو تؤثر على أمنها المائي.
2- البعد القانوني
يعد مبدأ الإجماع أحد الوسائل التي يمكن لمصر من خلالها حماية الاتفاقيات التاريخية حول مياه النيل، مثل اتفاقيتي 1929 و1959، اللتين تؤكدان على حقوقها المكتسبة، وإلزام الدول الأعضاء بالتشاور قبل تنفيذ مشاريع مائية كبرى، وتسعى اتفاقية عنتيبي إلى تعديل هذه الحقوق، لذا فإن إقرار مبدأ الإجماع يحيد اتفاقية عنتيبي.
3- البعد الإستراتيجي والمستقبلي
إن إعادة العمل بمبدأ الإجماع يحد من التدخلات الخارجية في ملف مياه النيل، حيث تحاول بعض القوى الدولية دعم إثيوبيا ودول المنبع في سياق ممارسة ضغوط ضد مصر، لكن اشتراط الإجماع يمنع تمرير أي اتفاقيات بتمويل خارجي إذا لم تكن مصر طرفًا في القرار، مما يقلل من فرص التأثير الأجنبي في المبادرة.
علاوة على ذلك، فإن هذا الشرط يعزز التعاون بدلاً من الصراع، إذ يجبر جميع الأطراف على التفاوض والبحث عن حلول توافقية بدلاً من فرض قرارات أحادية قد تؤدي إلى مزيد من التوترات بين دول الحوض.
فرص قبول دول المنبع بمبدأ الإجماع:
من المرجح أن ترفض إثيوبيا وبعض دول المنبع هذا الشرط، حيث:
-
ستحاول إثيوبيا إقناع باقي الدول بأن عودة مصر ستعرقل تنفيذ المشاريع التنموية في الحوض، مما قد يجعل بعض الدول تتردد في قبول مبدأ الإجماع.
-
إصرار بعض دول المنبع على إبقاء آلية الأغلبية لضمان سيطرتها على قرارات المياه دون الحاجة إلى موافقة دول المصب.